0
الجمعة 17 أيار 2024 ساعة 15:29

دور التطبيقات الذکية في حرب غزة

دور التطبيقات الذکية في حرب غزة
نعلم جميعًا أنه دائمًا، بالتوازي مع حرب قاسية - مثل تلك المستمرة منذ 221 يومًا في غزة، أو ما نراه في أوكرانيا منذ أكثر من عامين - هناك أيضًا حرب ناعمة وإعلامية، لا تقل أهميةً عن الحرب الصعبة، إن لم تكن أكثر أهميةً.

ونعلم أيضًا أن وسائل الإعلام الأكبر والأكثر تأثيرًا في العالم، هي أيضًا في أيدي الغرب والصهيونية العالمية، وبقوة أداة "الإعلام" هذه، تستطيع القوى ممارسة "الإقناع"؛ الإقناع لارتكاب أبشع الأفعال وجرائم الحرب اللاإنسانية والوحشية.

وبمساعدة هذا الإعلام، تمكّن الغرب من غزو العراق عام 2002، وإلى أن أدرك "الرأي العام" ما يجري، فإما قتل الملايين من الأبرياء في هذا البلد، أو جرحهم وأعاقهم، أو جعلهم أيتاماً وأرامل.

وحول انهيار الاتحاد السوفييتي، ترى مجموعة من خبراء الإعلام أن سبب هزيمة الاتحاد السوفييتي أمام الولايات المتحدة، ونتيجةً لذلك انهياره، هو تفوق أمريكا في الحرب الناعمة أو "حرب الروايات"، وليس قوتها النووية والصاروخية، لأن كلا البلدين کانا يمتلكان قدرات عسكرية ونووية.

منذ وقت ليس ببعيد، صدر فيديو مهم لمقابلة "ويلارد ميت رومني"، رجل الأعمال والسياسي والمحامي والسيناتور الأمريكي الكبير والقديم، مع "أنتوني بلينكن" وزير خارجية الولايات المتحدة.

تساءل ميت رومني وقد بدا مرتبكاً: "لماذا كان أداء الإسرائيليين، الذين كانوا دائماً أقوياءً في مجال الإعلام، سيئاً إلى هذا الحد، فبدلاً من الصراخ على حماس، يصرخ الجميع على "إسرائيل"، وينطبق الشيء نفسه على إيران، أعني ما الذي يحدث هنا؟ كيف يتواصلون (إيران وحماس) (مع الناس والرأي العام في العالم)، وكيف نتواصل نحن وإسرائيل؟"

ويردّ بلينكن قائلاً: "المشكلة هي شبكات التواصل الاجتماعي، إنهم يجعلون الناس عاطفيين بالصورة و... فيضيف ميت رومني على الفور: "لذا من الجيد أننا أغلقنا تيك توك".

وحسب ميت رومني، فإن سبب فشل الکيان الصهيوني في الحرب الإعلامية -وهو (الکيان) خبير في الحرب النفسية والإعلامية، والعديد من وسائل الإعلام العالمية الكبيرة والمؤثرة مملوكة لرأسماليي هذا الکيان- هو الفضاء الافتراضي وشبكات التواصل الاجتماعي.

فلولا الهواتف الذكية، ولولا التطبيقات وشبكات التواصل الاجتماعي، لربما لم تكن الكثير من الصور التي تم نشرها لجرائم الکيان الصهيوني الفظيعة في غزة لتُنشر، واليوم لم تكن هناك أخبار الحركات الطلابية الضخمة التي نراها في أمريكا وأوروبا.

ولو كانت وسائل الإعلام هي نفس وسائل الإعلام والصحف والتلفزيون القديمة، لربما كانت الصرخات اليوم في وجه حماس، بدلاً من الکيان الصهيوني، ولولا أن الهواتف الذكية سجلت هبوط الصواريخ والطائرات دون طيار الإيرانية في الأراضي المحتلة وتنشرها على شبكات التواصل الاجتماعي، لكان كثير من الناس يعتقدون اليوم أن الکيان الإسرائيلي اعترض 99% من الصواريخ الإيرانية.

قلنا إنه على مر التاريخ، بالتوازي مع الحروب القاسية، كانت هناك دائماً حرب ناعمة وإعلامية، وقلنا أيضًا إن أهمية الإعلام وحرب الروايات لا تقل عن الحرب الصعبة، وبالإضافة إلى ما سبق، ذكرنا أيضاً أن وسائل الإعلام الجديدة وشبكات التواصل الاجتماعي، استطاعت أن تحلّ محل وسائل الإعلام التقليدية والقديمة، مثل الصحف والتلفزيون، بين الناس.

في "علم اجتماع العلوم"، نقرأ أن الإعلام عبارة عن تكنولوجيا، وأن إنسان القرن الحادي والعشرين أصبح كائناً كسولاً، ليس في مزاج يسمح له بقراءة النصوص الطويلة والثقيلة والعميقة، بسبب ظهور التقنيات الجديدة في الحياة.

يبحث هذا الإنسان عن نصوص مبسطة وقصيرة يمكن قراءتها بسرعة، کما هو مزود بالهواتف الذكية والتطبيقات، التي تنتج المحتوى كما يريد، هذه التكنولوجيا أسيرة للإنسان - لأن عليها أن تنتج محتوى حسب إرادته، وأيضاً الإنسان أسير للتكنولوجيا، لأن هذه التكنولوجيا جذابة ولها محتوى متنوع، ولا يمكن للإنسان أن يعيش من دونها، وبالتالي، فقد نشأ نوع من الترابط بين إنسان القرن الحادي والعشرين ووسائل الإعلام.

وفي عالم كهذا، عندما تكون هناك حرب مثل الحرب في غزة أو أوكرانيا، فمن الطبيعي أن يكون التسلح بالتقنيات، مثل التسلح بالصواريخ الدقيقة، أمراً حيوياً ومهماً.

إذا كانت حماس قد خسرت كل شيء في الحرب ـ وهو ما لم تخسره بكل تأكيد ـ فقد نجحت في كسب الرأي العام، والسبب في هذا الادعاء الكبير، ليس فقط تصريحات ميت رومني أو بلينكن، بل هو الوضع الذي نراه اليوم في جميع أنحاء العالم، وهو السبب الأكثر أهميةً وتوثيقاً.

محاكمة القادة الإسرائيليين في محكمة لاهاي، وانتفاضة جامعية غير مسبوقة في 5 قارات العالم، والكراهية العالمية للكيان الصهيوني، وفضح أداة التظلم التي يستخدمها الصهاينة، وهي المحرقة، فشل خطة أبرهام، والأهم من ذلك تحوّل قضية "إسرائيل" من "التسوية مع العرب" إلى "متى تنهار إسرائيل" خلال أشهر قليلة! وکل هذه التغيرات والتحولات حدثت فقط في 221 يوماً! أليس الأمر بمثابة معجزة؟!

تقول مراكز الدراسات التابعة للكيان الصهيوني: إنه بعد أسابيع قليلة من عملية طوفان الأقصى ومقتل ما يقرب من 1500 صهيوني في أقل من يومين، أجرت بحثًا دوليًا.

إن أكثر من 90% من التجمعات التي أقيمت في العالم -بسبب التفوق الإعلامي- كانت مؤيدةً للكيان الصهيوني، وکان ذلك بينما هاجم الکيان الإسرائيلي غزة وبدأ في قصف منازل المدنيين.

ولكن بعد قصف وتدمير أول مستشفى في غزة، وانتشار صور الجرائم الإسرائيلية التي تم تصويرها بالهواتف المحمولة على نطاق واسع، انقلبت الصفحة سريعاً جدًا، ومنذ ذلك الحين، أكثر من 95% من الاحتجاجات التي جرت في العالم، كانت نصرةً للشعب الفلسطيني المظلوم! وقد نشرت رواية مماثلة في إحدى وسائل الإعلام الأمريكية عن انتفاضة الجامعات الأمريكية.

لقد بدأت الاحتجاجات الطلابية منذ أقل من شهر، فيما مضى أكثر من 220 يومًا على الحرب على غزة، وحسب التقارير المنشورة، قبل نشوب حرب غزة، ربما كانت فلسطين وما يحدث في هذه الأرض المحتلة، هي الشغل الشاغل وقضية 10% فقط من طلاب وأساتذة الجامعات الأمريكية، لكن هذه الاحتجاجات امتدت اليوم إلى أكثر من 200 جامعة في هذا البلد، وأصبحت الشغل الشاغل لغالبية النخب الأكاديمية الأمريكية.

ولو كان هؤلاء الطلاب والأساتذة يتابعون أخبار تطورات غزة من وسائل الإعلام التقليدية والصحف والتلفزيونات الأمريكية - الخاضعة لتأثير الرأسماليين الصهاينة - فهل كانوا سيثورون اليوم ضد الکيان الصهيوني ونصرةً لفلسطين؟!

وبما أنه أولاً: "إسرائيل" قضية حيوية بالنسبة للغرب، وثانياً: لقد تم استخدام تقنيات الإعلام الجديد ضد الغرب نفسه هذه المرة، فمن المتوقع أن يتصرف الغرب بجدية بالغة للحدّ من الفضاء الافتراضي والشبكات الاجتماعية، وذلك على حساب التشكيك في ادعاء "حرية التعبير" و"التدفق الحر للمعلومات"، ويفعل ما فعله مع "تيك توك" مع التطبيقات والمنصات الأخرى التي لا تسير وفقاً لهواه.

لقد حدّد الغرب موعداً نهائياً لتيك توك، "فإما أن تصبح تحت سيطرة وملكية الولايات المتحدة أو يتم حلها!"، وهو الإجراء الذي إذا تحركت أي دولة نحوه، نؤکد أي دولة، تصبح هدفًا لهجمات وعقوبات شديدة.
رقم : 1135702
شارک بتعلیقک
الإسم الثلاثي

البريد الإلكتروني
تعليقك

أهم الأخبار
إخترنا لکم