QR CodeQR Code

سلسلة من المقالات

لمن الحاكميّة؟ (2)

المباني الفكريّة للحكومة الإسلاميّة عند أهل السنة والجماعة

اسلام تایمز , 27 أيار 2013 16:58

كاتب : خالد یوسف

إسلام تايمز - بعد أن ثبت لدينا وجود حاجة لدى كلِّ مجتمع إلى الحكومة والقانون، يأتي السؤال الآن عن حقّ الحاكميّة وأنه لمن يكون هذا الحق؟ ومن أين ينشأ هذا الحق؟ لأننا مع ملاحظة كون جميع أفراد البشر بالنسبة لهذا الأمر هم على حدّ سواء، ولا ولاية لأحد على أحد آخر، ولا فضل لأحدٍ على آخر نتساءل من أين ينشأ حقّ الحاكميّة للبعض بنحوٍ؟ ويجب على الآخرين إطاعة أوامره، فهل لكلِّ أحد حقّ إصدار الأوامر؟ أو أن هذا الحقّ يختصّ بأفراد معيّنين؟ وإذا كان كذلك فمن أين أصبح لهم هذا الحقّ؟


يرى بعض الناس أن هذا الحقّ هو لمن تسلّط على الناس، ويرون حقّ الحاكميّة من خلال الظلم والزور، وإذا أمكن لشخص أو لمجموعة أشخاص ولو بالأسباب الباطلة من السيطرة على مقدّرات المجتمع فلهم الحاكميّة، ولهم حقّ التقنين والأمر والنهي والثواب والعقاب، وهذا الرأي هو ما تتبنّاه الحكومات الديكتاتوريّة الاستبداديّة. 

ويرى بعض آخر أن هذا الحقّ محصور بطبقة خاصّة وفئة معيّنة من الناس، وأن لهذه الطبقة حقّ التقنين وحق الحاكميّة، ويتبنّى هذه النظرة بعض فلاسفة اليونان الذين يقسّمون المجتمع إلى طبقات، ويعتقدون أن طبقة الأشراف هي وحدها التي لها حقّ الحكومة وإدارة المجتمع، كما يعتقد البعض بأن العمّال هم الذين لهم حقّ الحاكميّة. 

كما يرى بعض المفكّرين الغربيين مثل "روسو" وغيره أن هذا الحقّ ليس من حقّ شخص خاص بل هو حقّ عامة الأفراد أو أكثريّة الناس، ويرى هؤلاء أن حقّ الحاكميّة إنما هو لكلِّ فرد من الناس، وأن الناس هم الذين يضفون المشروعيّة على القانون، وأن القانون الشرعي هو المبني على تصويت الناس عليه، والحكومة التي لها حقّ الحاكميّة هي التي تنتخبها الأكثريّة من الناس. 

وفي الرؤية الإسلاميّة ينحصر حقّ الحاكميّة بالله عزّ وجلّ لأن الإنسان يجب عليه إطاعة من خلقه وأعطاه الوجود، وحيث أن الإنسان لا يأخذ وجوده من أبناء جنسه ولا يتوقّف بقاؤه عليهم، فلا إلزام من أحد على أحد، والله عزّ وجلّ المالك الحقيقي للإنسان هو الولي الواقعي، وعليه فاتباع وإطاعة أوامر غير الله عزّ وجلّ مشروط بالتنصيب والتعيين من قبل الله عزّ وجلّ، قال تعالى: 

{وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالأَْرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ}.

إن من لوازم مملوكيّة الإنسان لله ومالكية الله عزّ وجلّ للإنسان أن يكون تدبير أمور المجتمع فقط بيده والجميع مطيع لأمره خاضع له. 

ويقول الله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ}.

أدلّة الحاكميّة الإلهيّة:
بعد أن أوضحنا الرؤية الإسلاميّة في شأن الحكومة وأنها حقّ إلهي نبحث الآن في الجذور الفكريّة التي تبتني عليها هذه الرؤية: 

أ- العلم الإلهيّ المطلق:
ذكرنا عند الحديث عن ضرورة القانون للمجتمعات البشريّة إن الهدف والغاية من القانون هو تأمين حياة اجتماعيّة صالحة, ووصول الإنسان بشكل أفضل وأكثر إلى كماله المادي والمعنويّ وعليه نقول: إن القانون المطلوب هو القانون الذي يساعد جميع أفراد المجتمع على الوصول إلى الكمال الماديّ والمعنويّ، ويلاحظ في ذلك جميع الأبعاد الوجوديّة للإنسان، لأن أيّ قانون إذا كان لصالح فئة معيّنة من الناس، وكان موجباً لحرمان سائر الناس من الوصول إلى الكمال الماديّ والمعنويّ – سواء كانوا أقليّة أو أكثريّة- لن يكون مطلوباً ، وعليه فخصوصيّة القانون المطلوب هي في تأمينه منافع ومصالح جميع الناس التي تعيش في المجتمع وبأفضل الوسائل. 

إنّ الخصوصيّة الأخرى التي ينبغي توفّرها في القانون المطلوب، هي أن لا يقتصر دوره على تأمين المصالح الماديّة، بل في أن يكون عاملاً لتنمية النمو المعنوي للإنسان، لأن الرؤية الإسلاميّة للإنسان لا تقتصر على ملاحظة الوجود الماديّ والمعنويّ، بل ترى في الوجود الروحي أصالة, وإن المادة وسيلة لتكامل الروح. 

فلا بدَّ للقانون الاجتماعي المدّوَن من أن يضمن المصالح المعنويّة للإنسان، ولا أقل من عدم التنافي بين القانون وبين التكامل المعنويّ والروحيّ للإنسان، وهذا يدلّنا على أن المقنِّن لا بدّ وأن يتمتّع بإحاطته بجميع المصالح الفرديّة والاجتماعيّة، الجسميّة والروحيّة، الماديّة والمعنويّة للإنسان حتى يتمكّن من وضع قانون يشتمل على جميع أبعاد الإنسان، وهذه الخصوصيّة لا تتوفّر إلا في الله عزّ وجلّ، فلذا كان أمر وضع القانون بيده تعالى:
{قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى}.

فالله عزّ وجلّ هو الذي يعرف الحق وهو المحيط بجميع المصالح والمفاسد، وهو الذي له الولاية على عباده، وينبغي عليهم طاعته. 

ب- الله هو الغنيّ المطلق:
الخصوصيّة الأخرى التي لا بدّ من توفّرها في المشرّع والمقنّن هي أن يكون بعيداً عن الذاتيّة والأنا حتى يضع قانوناً مطابقاً للحقّ والعدالة، وتوضيح هذا الأمر: أن مجرد العلم بالمصالح والمفاسد لا يكفي لوضع القانون، فإنّ من الممكن أن يكون المقنّن مطلعاً على المصالح والمفاسد، ولكنه في عمليّة التقنين يلحظ المنافع الشخصيّة أو العائليّة أو الفئويّة، فيضع قانوناً يؤمِّن منافعه الذاتيّة، إن الإنسان يتاثّر دائماً بالميول والرغبات الشخصيّة - سواء بإرادة منه أو قهراً- لأنه غير معصوم عن الخطأ والزلل، وأما الله عزّ وجلّ فهو مضافاً إلى إحاطته التامّة بالمصالح والمفاسد لا يضرّه أي عمل كما لا يعود بالنفع عليه أي عمل، لأنه غني مطلق ومبّرأ من المصالح الشخصيّة والفئويّة، قال تعالى:
{للهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}.

{وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ}. 

وعليه فلا نفع ولا ضرر يصل إليه عزّ وجلّ ,بل ما يضعه من قانون إنما يضعه بما تمليه مراعاة الحقّ والعدالة.

ج- الربوبيّة التكوينيّة والتشريعيّة هي لله عزّ وجلّ:
من الأمور الأخرى التي تثبت حق الحاكميّة بالله عزّ وجلّ ولزوم الطاعة له هو الإعتقاد >بالتوحيد في الربوبيّة<، لأن من مراتب التوحيد >الربوبيّة المطلقة لله< أي أن الله عزّ وجلّ بيده أمر تدبير هذا الكون ومن جملة الإنسان وهو مضافاً إلى خلقه للإنسان فإنه بيده إيصال الإنسان إلى كماله المطلوب، فلا بدّ للموحِّد مضافاً إلى اعتقاده بالتوحيد في الخلق أي "الربوبيّة التكوينيّة" من الاعتقاد بـ : "الربوبيّة التشريعيّة" أي لا بدّ من الطاعة له والتسليم له ومعرفة أنه هو الذي له حقّ الأمر والنهي أو من نصبه من قبله لذلك ولا حقّ لأحد في الأمر والنهي مستقلاً عن إرادته، قال الله تعالى:
{ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْ‏ءٍ}.
وقال الله تعالى:
{قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ}. 

فحيث كان الله هو "ربّ الكون" وبيده روح الإنسان وجسمه, فلا بدَّ أن يكون الإنسان كسائر المخلوقات مطيعاً له، وألا يرى لغيره حقّ الحاكميّة والحكومة.

/ انتهى المقال /


رقم: 266422

رابط العنوان :
https://www.islamtimes.org/ar/article/266422/لمن-الحاكمي-ة-2

اسلام تايمز
  https://www.islamtimes.org