QR CodeQR Code

الثورة الحسينية .. أسس قيامها ودورها في التصحيح

اسلام تایمز , 5 تشرين الثاني 2014 10:51

اسلام تايمز - بمناسبة يوم العاشر من المحرم ذكرى استشهاد سبط الرسول الاكرم (ص) الامام الحسين (ع) واهل بيته وصحبه الابرار في ارض كربلاء بالعراق عام 61 هـ نستعرض جانبا من قيم الثورة واركانها والمقدمات الممهدة لها في المقال التالي.


إن أحد أهم الأمراض السياسية التي رافقت الرسالة الإسلامية منذ الأيام الأولى لنشوئها لاسيما بعد بناء المجتمع والدولة في المدينة هي الحالة التي أطلق عليها القرآن الكريم تسمية (النفاق) ولم تخل فترة من حياة الرسالة إلا وشكل المنافقون قوة ونفوذا غير اعتيادي مما أوصلهم في بعض العصور إلى سدة القيادة في مراحل لاحقة حيث أدى هذا الوضع الشاذ إلى انحراف خطير طال كل البلاد الإسلامية.

وقد بدأت الاحداث منذ بدايات الدعوة الاسلامية فكان عداء أبو سفيان ومناهضته المعروفة للدين الجديد ولشخص الرسول (صلى الله عليه وآله) حيث اصبح احد قادة المنافقين فيما بعد، وبدأت هذه المدرسة تخرج رجالاتها الذين أدوا ادوارا خطيرة في تحريف النهج الإسلامي ومحاولة إعادة العصبية الجاهلية من جديد، فبعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله) والخلفاء الثلاثة من بعده وإعطاء راية الخلافة إلى وصيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) برز معاوية بن أبي سفيان إلى الساحة السياسية وأخذ يهيئ للدور الذي اختطه ورسمه له من سبقه في التخطيط لظهوره، وكان معاوية يعمل في خلف الكواليس في عهد الخلفاء السابقين لتنفيذ مهمته التي تبلورت قاعـــدتها في زمن خلافة عثمان ومن ثم قتله وما أحدث من إفرازات زعزعت استقرار الدولة الإسلامية عقب استقرار نسبي خلال العقود السابقة لتبدأ حرب معاوية المعلنة ضد الخلافة الإسلامية المتمثلة بالإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وبدأت الفتن تنهش أطراف الدولة الإسلامية حيث برزت شوكة المرتدين والخوارج تقوى لتعطيل المشروع الإسلامي الذي أراد الإمام (عليه السلام) إعادته إلى سابق عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) إضافة إلى حروب معاوية وتمرده على الخلافة الإسلامية. ورغم الهدوء النسبي المعلن الذي ساد المرحلة الأخيرة من خلافة أمير المؤمنين (عليه السلام) إلا أن المؤامرة لم تهدأ وكانت تحضيرات معاوية تجري على قدم وساق لمواجهة المرحلة المقبلة، حتى حيكت مؤامرة اغتيال الإمام (عليه السلام) على يد الخوارج الذين مثلوا وقتها الوجه السياسي لحركة معاوية الانقلابية.

الإمام الحسين (عليه السلام) شاهداً

عاش الإمام الحسين (عليه السلام) خطوات الدعوة الإسلامية بكل مراحلها وتحت ظل النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) الذي كان يقربه وأخاه الإمام الحسن (عليهما السلام) منذ صغرهما وكان الإمام الحسين يلقى الرعاية من قبل جده الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله) ومن أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام) بصورة استثنائية حتى أن الصحابة والخلفاء كانوا يقربونه لما عرفوا من قربه من رسول الله(صلى الله عليه وآله) الذي قال فيه :«حسين مني وأن من حسين» وفي قصة تنقلها التواريخ الإسلامية أن الإمام الحسين (عليه السلام) مر على المسجد فوجد عمر يخطب على المنبر فصاح به الإمام (عليه السلام) قائلاً له: «أنزل عن منبر أبي واذهب إلى منبر أبيك» فأجابه عمر بما يليق بالإمام (عليه السلام) قائلاً له:«لم يكن لأبي منبر»، ثم أخذ بيد الحسين (عليه السلام) بلطف ولما ذهب إلى بيته أخذه معه(1).

وقد عاش عليه السلام كل تلك الأحداث التي جرت من واقعة السقيفة وحتى حروب أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام) ومن ثم كان المؤازر والناصر لولي عصره والخليفة من بعد أبيه الإمام الحسن (عليه السلام).

وقد كان للإمام الحسين (عليه السلام) مواقف مشهودة مع معاوية فقد وقف (عليه السلام) لمعاوية بالمرصاد، وحاسبه أشد الحساب ولم يستطع معاوية بدهائه وتصنعه في حلمه ومخاتلته في سياسته أن يكسب ود الحسين (عليه السلام) أو يهدئ من مواقفه الثورية المناهضة لظلمه (2).

وفي عهد ابيه الامام علي (عليه السلام) شارك في الحروب ضد التمرد فكان قائداً في معركتي الجمل وصفين وشهد مؤامرة التحكيم التي خدع بها معاوية اهل العراق ومن ثم شهد(عليه السلام) معركة أخيه الإمام الحسن(عليه السلام) ونكث العهود التي رافقت هدنته مع معاوية، فكان(عليه السلام) شاهداً على كل هذا التاريخ وكانت عزيمته تقوى للاستعداد لمقاومة هذا الانحراف الخطير وعندما حاول الكوفيون حث الإمام الحسن(عليه السلام) على إعادة الكرة في حرب معاوية ولما لم يعطهم الإمام(عليه السلام) جواباً لاحترامه للعهد الذي بينه وبين خصمه توجهوا إلى الإمام الحسين(عليه السلام) الذي كان جوابه مماثلاً لجواب أخيه(عليه السلام) حيث قال لهم(عليه السلام):«قد كان صلح وكانت بيعة كنت لها كارها فانتظروا ما دان هذا الرجل حياً –يعني معاوية- فإن يهلك نظرنا ونظرتم فانصرفوا عنه»(3).

وقد ظل زعماء الكوفة يوفدون رسلهم إلى الإمام الحسين(عليه السلام) لغرض التأثير على موقفه غير أن الإمام الحسين(عليه السلام) كان يصر على احترام المواثيق كأمرٍ لابد منه وحتى بعد وفاة الإمام الحسن(عليه السلام) أجابهم بكتاب جاء فيه:«إني لأرجو أن يكون رأي أخي في الموادعة ورأيي في جهاد الظلمة رشداً وسداداً فألصقوا في الأرض، وأخفوا الشخص والتمسوا الهدى ما دام ابن هند حياً، فإن يحدث به حدث وأنا حي يأتكم رأيي إن شاء الله»(4).

بدعة معاوية

تكونت لدى معاوية فكرة كاملة عن الرأي العام الإسلامي الذي رفض طريقة حكمه خصوصاً في العراق والمدينة فأخذ يبلور شكلاً جديداً من الحكم اتخذ عدة أشكال من وسائل الضغط على المسلمين لتقبله وذلك باستحداث فكرة (ولاية العهد) والترويج لها والتي لاقت رفضاً شديداً في كل أقاليم الدولة غير أنه لم يكتف بالدعوة المجرّدة فقط بل جنّد لذلك أعتى العناصر التي التفت حوله والمعروفة بانحرافها عن النهج الإسلامي.

وهنا بدأت مضايقة وحصار الإمام الحسين(عليه السلام) لأنه القائد الأبرز المرشح لقيادة الأمة حيث شخصت إليه أبصار المسلمين(عليه السلام).

وقد اتخذ معاوية أسلوب المرحلية في فرض مبدأ (ولاية العهد) فلم يعلن بادئ الأمر عن المرشح لهذا المنصب ليرى بعينه قائمة المنافسين لهذا المنصب ليتسنى له تصفيتهم أو الإيحاء بذلك غير أنه لم يكن يأبه بمن برزوا لهذا المنصب من أمثال مروان بن الحكم أو ابن الزبير أو غيرهم بمثل ما كان عليه الأمر من معارضة الإمام الحسين(عليه السلام) الشديدة والتي يقف وراءها أهل العراق بالدرجة الأولى.

وبعد إعلان فكرة معاوية (بالبيعة ليزيد) ساد الغضب العارم أوساط المدينة والكوفة وكان هاجسه الأكبر من الكوفة حيث عاصمة الامام علي (ع) سابقا وتضم الكثير من انصار الإمام الحسين (عليه السلام)، رغم أن رأي أهل المدينة جاء رافضاً لهذه الفكرة كما جاء على لسان عبد الرحمن بن أبي بكر الذي قال في جمع من أهلها ورسل معاوية بحضور مروان حيث وجه إليه الخطاب بعد أن حاول الأخير تجميل طرح فكرة ولاية العهد واعتبارها حلاً إسلامياً. قال عبد الرحمن:«كذبت وكذب من أمّرك بهذا والله ما يزيد بمختار ولا رضي ولكن تريدون أن تجعلوها هرقلية، ويزيد هو يزيد القرود ويزيد الفهود ويزيد الخمور»(5).

وجاء رد الإمام الحسين(عليه السلام) على خطاب معاوية الذي مدح فيه يزيد ووصفه بأوصاف تحبّبه من الناس فقال الإمام(عليه السلام):«كأنك تصف محجوباً أو تنعت غائباً أو تخبر عما كان مما إحتويته بعلم خاص وقد دل يزيد على موقع رأيه فخذ من يزيد مما أخذ به من استفزازه الكلاب الهارشة عند التهارش والحمام السبق لأترابهن والقينات ذوات المعازف وضروب الملاهي تجده ناصراً ودع ما تحاول فما أغناك أن تلقى الله بوزر هذا الخلق بأكثر مما أنت لاقيه فوالله ما برحت تقدح باطلاً في جور وحنقاً في ظلم حتى ملأت الأسقية»(6).

وقد كانت له (عليه السلام) عدة مواقف وردود جريئة على معاوية كانت أشد من الصخر عليه (راجع كتاب [الإمام الحسين استراتيجية وموقف] محمد تقي باقر)، ثم بدأت مرحلة معاوية الثانية بأخذ البيعة قسراً وتحت السيوف وظل هدفه الأول هو استحصال البيعة من الإمام الحسين(عليه السلام) أو ضمان سكوته(عليه السلام) الأمر الذي لم يتحقق له مطلقا.

هلاك معاوية واستخلاف يزيد

تذكر كتب التاريخ والسيرة فترة حكم معاوية واستخلاف ابنه يزيد على أنها أسوأ كارثة عرفها الإسلام لأنها أسست لاسلوب جديد لم يعرفه المجتمع الإسلامي من قبل فاستحداث نظام الوراثة كان من مبتدعات معاوية كما أن هذا الاختيار السيء ليزيد هو ضربة قاصمة لكل القيم الإسلامية حيث لم يعرف عنه سوى تربيته السيئة البعيدة عن الإسلام اذ عاش وترعرع في كنف أسر مسيحية وكان يجاهر بالفسق والفجور في أكثر من مناسبة بل ذهب إلى أكثر من ذلك إلى الكفر الصريح بالاسلام بقوله (لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل).

وإذا كانت الجماهير الإسلامية قد أخذت عنوة على هذا الأمر فإن للإمام الحسين(عليه السلام) كلمة الفصل، هذه الكلمة التي لم تكن وليدة ساعتها، فقد أنبأ عنها رسول الله(ص) وعلي أمير المؤمنين(عليه السلام) في أكثر من حديث وفي الوقت ذاته كانت كلمة يزيد وأعوانه قد اجتمعت على محاربة الإمام بكل ما أوتوا من قوة حيث شكل امامهم عقبة قوية أمام مشروعهم التخريبي.

بداية الثورة

مرت الثورة الحسينية بعدة مراحل سرية وعلنية توجتها رسائل أهل الكوفة الذين أجمعوا على دعوة الإمام (عليه السلام) للقدوم إليها كما ان بعض الخوارج أرسلوا كتباً مماثلة للإمام (عليه السلام) فقرر إرسال مندوبا وسفيرا عنه هو ابن عمه مسلم بن عقيل لموافاته بحقيقة الأمر فيها وبدأت الأحداث تتسارع مع استشهاد مسلم وهاني بن عروة.

لماذا الثورة

ركز الكتاب والخطباء والمؤلفون في تناولهم لثورة الإمام الحسين(ع) على الجانب المأساوي والمظلومية التي لحقت بالإمام(عليه السلام) وأهل بيته واصحابه خلالها اكثر من جوانبها المشرقة اذ مثلت إنعطافة تاريخية في حياة الإسلام والمسلمين ولدى تسليط الاضواء على أهم أسباب قيام الثورة فإن الدعوة توجه في ذات الوقت إلى إعادة قراءتها حيث ان حقيقتها وجوهرها لايرتبط بفئة معينة من المسلمين كما ساد هذا الاعتقاد زمناً طويلاً ووصموا الحركة الثورية بـ(الرافضية) التي تختص بمذهب أهل البيت بل الانصاف والحق هو أنها لاتختص بالمسلمين فقط وانما تضم تحت ظلها جميع المستضعفين والمقهورين والمظلومين في الارض برمتها ، أما تبيان أهدافها الحقيقية فتمت بصورة مبكرة اي منذ اليوم الاول لولادة الامام الحسين عليه السلام وذلك ماورد من الأحاديث الشريفة والروايات عن جده النبي(ص) وكيف أنه كان معدّاً لمهمة خاصة بيّنها الرسول(ص) وأكد عليها وهو الذي اقام اول مأتم على الإمام في ايامه الاولى واخبر بما سيحدث له ولاهل بيته في كربلاء ، كما أن التركيز على حياة وسيرة الإمام(عليه السلام) قبل واقعة الطف وكيف أن سيرته بعيدة كل البعد عن مطامع الرئاسة الشخصية والحكم، إضافة إلى فرز القيم الأخلاقية التي مثلته واقعة الطف بما فيها الجوانب التربوية والاجتماعية من أجل صياغة هذه المثل والقيم على شكر دساتير صادرة عن إمام معصوم متصل مباشرة بالرسول (ص) والرسالة السمحاء.

طلب الإصلاح

إن قراءة متأنية للأحداث التي سبقت واقعة الطف تجعلنا أمام معركة لا بد من وقوعها فمن جهة ، التعنت الذي أبداه معاوية في اختياره السيء ليزيد لإمارة المسلمين ومن جهة أخرى وجود الإمام المعصوم الذي أخبره رسول الله(ص) بهذه الحوادث مفصلةً ما جعله أكثر تهيئاً لهذه المعركة المصيرية الفاصلة، ففي الخبر عن أم سلمة أنها قالت للإمام(عليه السلام) لما أراد الخروج «لا تحزنني بخروجك إلى العراق، فإني سمعت جدك رسول الله(ص) يقول: يقتل ولدي الحسين بأرض العراق ي أرض يقال لها كربلاء، وعندي تربتك في قارورة دفعها إليّ النبي(ص)»(7). فأجابها الحسين(عليه السلام):«يا أماه وأنا أعلم إني مقتول، مذبوح ظلماً وعدواناً وقد شاء عز ودجل أن يرى حرمي ورهطي مشردين وأطفالي مذبوحين، مأسورين مقيدين وهم يستغيثون فلا يجدون ناصراً»(8).

وفي وصيته إلى أخيه محمد بن الحنفية يثبّت الإمام(عليه السلام) سبب الخروج بقوله(عليه السلام):«إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي(ص) أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب»(9).

إذن فالهدف الأول للإمام هو التغيير وإعادة الحكم الإسلامي إلى سيرة الرسول الأكرم(ص) والإمام علي(عليه السلام) ولعل سائل يسأل كيف يسعى لهذا الهدف وهو يعرف نتائج المعركة سلفاً كما أخبره جده رسول الله(ص)؟ ومن هذا الجواب نفسه تظهر لنا الأسباب الحقيقية للثورة فقيام الإمام الحسين(عليه السلام) في هذا الوقت هو التغيير سواء انتصر عسكريا أم لم ينتصر فإن الثورة قد أعطت علامة للأمة بأن الوضع الشاذ الذي عاشته ردحاً من الزمن كانت أمراً استثنائياً حيث لم تتح الظروف التي كانت في زمن الإمام علي (عليه السلام) والإمام الحسن(عليه السلام) بالقيام حينها لمصلحة الأمة الحديثة العهد بالإسلام وللأدوار التي رسمها لهما رسول الله(ص).

وعندما وصل تردي الاوضاع في الأمة إلى حالة لا يمكن السكوت عنها فإن الثورة أصبحت حتمية وإذا لم يقف الإمام(عليه السلام) على خط المواجهة الاول فإن الإسلام سيضيع وتمحى معالمه الى الابد بعد اصابته بالانحراف في فترات سابقة ولن تبقى أي قدسية لخلافة الرسول(ص) لذا فصلت ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) بين نماذج الحكم الجديدة وبين الخلافة الحقة المتمثلة بأئمة أهل البيت(عليه السلام). وقد خابت محاولات الأمويين في إشاعتهم من أن عدم طاعتهم تشكل خروجا عن الدين قد انقلبت عليهم وفهم الناس مغزى الحديث الشريف ومن هو الإمام المفترض الطاعة.

إذن فالثورة الحسينية كانت إحدى ضرورات هذه المرحلة ولو لم يقم الإمام الحسين(عليه السلام) بذلك لكان الدور للإمام زين العابدين(عليه السلام) ومن جاء من بعده من الأئمة المعصومين(عليه السلام).

التغيير

لقد حملت العقود السابقة لبيعة يزيد من الانحراف ما تشهد به تواريخ المسلمين من اغتصاب الخلافة من أصحابها الحقيقيين الذين نصّبهم رسول الله(ص) لقيادة الأمة ومنها حديث غدير خم الشهير بتنصيب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) وكيف أن رسول الله(ص) والامام أمير المؤمنين(عليه السلام) قد صرحا بذلك مراراً وتكراراً كدرس للأمة في فهم حقائق الأمور التي سيؤول إليها وضع المسلمين من بعدهما.

ولما كانت وصايا الرسول(ص) في ضرورة الوحدة ومخافة تفرقة المسلمين وارتدادهم هي التي منعت أمير المؤمنين من الانتصار لحقه، فإن الحالة التي سبقت ذلك كانت مختلفة لعدة أسباب منها:

1) وجود أمير المؤمنين(عليه السلام) وعدم تمكن الخلفاء الثلاثة من الابتعاد عنه وعن توصياته(عليه السلام).

2) وجود الصحابة الذين كانوا ينشرون أحاديث رسول الله(ص) بين الناس بالقدر الذي أبقى القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف في منأى عن التحريف الذي حاول البعض دسه فيهما.

3) قرب عهد الخلفاء بالرسالة وعدم تمكنهم من تغيير المفاهيم التي أرساها رسول الله(ص) لأنها انتشرت بين المسلمين.

وكان لزاماً على أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أن يحاول إعادة المسيرة إلى ما كانت عليه في عهد رسول الله(ص) غير أن الظروف التي عصفت بعهده حالت دون إكمال المهمة فكان الدور قد تحول إلى ولديه الإمامين من بعده السبطين الحسن والحسين(عليه السلام) في عملية إكمالها الشاقة فكانت معركة الإمام الحسن(عليه السلام) مع معاوية هي الإشارة الأولى للإيذان ببدء هذه العملية التي لم يكن الإمام الحسين(عليه السلام) بعيداً عن أحداثها والتي شكلت فيما بعد منهجاً له(عليه السلام) ودستوراً لمهمة التغيير والتي بدأت من المدينة حتى كربلاء.

إعادة صياغة الوعي الإسلامي

نشر الأمويين مبدأ قدسية الحاكم مهما فعل وإحكام مبدأ السيف بدل المقاييس الإسلامية التي كانت سائدة وكذلك أعادوا العصبية القبلية والقومية واتخذوها شعاراً للحكم في عهد معاوية وحتى في عهد عثمان من قبل مما ألغى الصفة الدينية للخليفة. ومن هنا فإن الثورة على هذا الواقع الفاسد هي إحياء للقيم الدينية التي اسسها الرسول الاكرم (ص).

وقد أعلن الإمام الحسين(عليه السلام) هذه الأهداف منذ اليوم الأول لخروجه من المدينة فعند لقاءه مروان بن الحكم حيث حاول الأخير تحسين أمر بيعة يزيد وتحسين صورته في عين الإمام الحسين (عليه السلام) أجابه قائلاً بكل صراحة ووضوح حمل التحدي الشديد:على الإسلام السلام إذا بليت براع مثل يزيد، ولقد سمعت جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: الخلافة محرمة على آل أبي سفيان فإذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه وقد رآه أهل المدينة على المنبر فلم يبقروا بطنه فابتلاهم الله بيزيد الفاسق(10).

فالهدف هو إعادة الإسلام إلى سابق عهده رغم معرفة الإمام باستشهاده عبر الأخبار والاحاديث التي سمعها مباشرة عن جده النبي (صلى الله عليه وآله) وعن أبيه أمير المؤمنين الامام علي (عليه السلام) ففي رده (عليه السلام) على أم سلمة عندما أخبرته بخبر القارورة ومحاولة منعه من الذهاب الى العراق أجابها (عليه السلام):

يا أماه، إن لم أذهب اليوم ذهبت غداً وإن لم أذهب غداً ذهبت بعد غد وما من الموت والله بد، وإني لأعرف اليوم الذي أقتل فيه والساعة التي أقتل فيها والحفرة التي أدفن فيها كما أعرفك وأنظر إليك وإن أحببت يا أماه أن أريك مضجعي ومكان صحبي، فطلبت منه ذلك فأراها تربة أصحابه، إلى آخر الخبر(11).

وقد تواترت عدة أخبار ذكرتها المقاتل وكتب السير على أن الإمام الحسين كان قد أخبر بمقتله وأصحابه وسبي نساءه، ورب سائل يسأل إذا كان الإمام (عليه السلام) يعرف مصيره في هذه المعركة فلماذا أخذ أهله ونساءه؟ وقد تبين جواب ذلك بعد الثورة الحسينية وبعد أحداث الطف بأيام ولا زالت أصداءه تتناقلها الكتب إلى يومنا هذا فقد أثبت الإمام الحسين(عليه السلام) بأن القائمين على الحرب لا يطلبون سوى الحكم البعيد عن الإسلام وقيمه بل وحتى عن قيم العرب كما يذكر سبط بن الجوزي عن جده أنه كان يقول: (ليس العجب بقتل ابن زياد حسيناً وإنما العجب كل العجب أن يضرب يزيد بثناياه بالقضيب ويحمل نساءه سبايا على أعقاب الجمال)(12).

وكان هذا بحد ذاته دافعا يجعل المسلمين يعيدون حساباتهم في إمرة يزيد وفي الخلافة البعيدة عن أي قيم إسلامية وكان هذا المغزى الرئيسي لاستصحاب الإمام الحسين (عليه السلام) لعياله إلى كربلاء، وقد ساهمت هذه الأساليب الأموية في تقويض شوكتهم وظلوا يحاولون استجداء التأييد لخوفهم من انقلاب الأمة عليهم وهو ما حدث بالفعل في الثورات والانتفاضات التي صفعت جميع من شارك في جريمة قتل الإمام الحسين(عليه السلام).

تثبيت مبدأ الإمامة

بدات بوادر تشكيل وعي إسلامي معارض في كل أرجاء الدولة الإسلامية صاحب ذلك توجه إلى نوع من التنظيم لهذا الإتجاه المعارض خصوصاً في المدينة والعراق بينما ظلت باقي أطراف الدولة تعيش حالة هامشية في موقفها من الأحداث، فجاء الإمام الحسين(عليه السلام) ليعلن مبادئ نص عليها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وذكر الأمة بخطورة الانحراف أو التخلف عنها كما في حديث الثقلين المشهور، فكانت رسالة الإمام وعنوان دعوته توضيح ما أبهم على المغفلين من الأمة، ففي الطريق إلى كربلاء صلى بجماعة معه بوجود احد قادة جيش العدو وهو الحر بن يزيد الرياحي الذي قطع الطريق على الإمام ومنعه من الوصول إلى الكوفة فخطب الامام(عليه السلام) بعد الصلاة قائلاً:

أيها الناس إنكم إن تتقوا الله وتعرفوا الحق لأهله يكن أرضى لله، ونحن أهل بيت محمد(صلى الله عليه وآله) أولى بولاية هذا الأمر من المدعين ما ليس لهم، والسائرين بالجور والعدوان(13)، وقد ردد سلام الله عليه أهلية وأحقية أهل البيت لهذا المنصب الإلهي في عدة مناسبات كما أنه انبأ ببقاء هذه الإمامة إلى عهد القائم المنتظر من ولده وخاطب أصحابه وهو ينبؤهم بماسيحدث في كربلاء قبل المعركة بقوله : إني أقتل غدا وكلكم تقتلون معي، ولا يبقى منكم أحد حتى القاسم وعبد الله الرضيع إلا وليي علياً زين العابدين، لأن الله لم يقطع نسلي منه وهو أبو الأئمة الثمانية(14).

وهنا وضع الإمام(عليه السلام) النقاط على الحروف مجدداً فبعد النص المتواتر عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) بإمامتهم وبعد استشهاد الامام علي وابنه الامام الحسن وكذلك قرب استشهاده(عليه السلام) فإنه ينبئ باستمرار الإمامة من نسله الشريف وفي شخص الإمام زين العابدين وهو ما يعتمد عليه بعض العلماء في إثبات تحديد الأئمة لأنه ورغم علم الأمويين بأن الإمام زين العابدين هو القائم بالأمر بعد أبيه لم يستطيعوا أن يقتلوه ولم يكن لهم ذلك حيث ان الله ابقاه للخلافة التي لا بد من استكمال سلسلتها الشريفة.

دروس من الثورة

أما الدروس المستفادة من ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) ووقفته البطولية يوم الطف فهي أكثر مما تحصى فقد أعطت من دروس الأخلاق والإباء والتضحية ما يعجز الوصف عن إحصاء مفرداتها فأصبح الحسين(عليه السلام) رمزاً للثائرين في كل مكان من الأرض وفي كل الأديان والملل فها هي شخصيته تلهب الثورة في قلب زعيم الهند غاندي حيث قال: تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر، ومن عجائب هذه الثورة المقدسة هو استمراريتها فبعد أكثر من ألف وأربعمائة سنة لا تزال شعلتها تتقد في نفوس المؤمنين فأقيمت على منهجها دولاً وممالك نشرت الخير والإصلاح وأضحت مناراً للمستضعفين ولطلاب الحرية على مر العصور.

الخلاصة

ومما تقدم نستنتج أن أسس قيام الثورة والنتائج التي رسمتها وطبعتها على مسار التاريخ الإسلامي شكلت نهجاً إسلامياً متميزاً كالاستقلالية التي تمثلت بالفقه الإسلامي الذي يختص سنده بأئمة أهل البيت عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) والذي استقل فيما بعد على شكل مذهب فقهي يعتقد به نصف المسلمين.

كما إن الثورة وضعت حداً فاصلاً بين ما هو اسلامي وبين المبادئ الدخيلة على هذا الدين القيم وأزاحت الستار عن حقبة تاريخية إسلامية كانت تعد مرجعاً إسلامياً، فعزلت حالة الخلل والانحراف وفرزت السلبيات التي رافقت الدعوة الإسلامية منذ نشوءها.

كما إن الأثر الأكثر أهمية الذي رسخته النهضة الحسينية المقدسة هو استمرار الوعي الثوري الإسلامي الذي يرفض التطبيق الخاطئ للمبادئ السياسية الإسلامية حيث اتخذت من الثورة الحسينية شعاراً لها إلى يومنا هذا.

فسلام على الحسين يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا.

بقلم : عبد الله موسى

(1) الإصابة: ج1 ص333.

(2) مع الحسين في نهضته (أسد حيدر) ص21.

(3) المصدر السابق: ص37.

(4) أنساب الأشراف، وتاريخ ابن عساكر: ج55.

(5) الخوارزمي: ج1 ص172.

(6) مع الحسين في نهضته: ص54.

(7) بحار الأنوار: ج43.

(8) المصدر نفسه.

(9) مقتل الخوارزمي: ج1 ص188.

(10) المصدر السابق: ص185.

(11) دار السلام: ج1 ص102.

(12) من وحي الثورة الحسينية: ص50 هاشم معروف الحسني.

(13) (14): نفس المهموم: ص122 وفي أسرار الشهادة.


رقم: 418048

رابط العنوان :
https://www.islamtimes.org/ar/article/418048/الثورة-الحسينية-أسس-قيامها-ودورها-في-التصحيح

اسلام تايمز
  https://www.islamtimes.org