QR CodeQR Code

الغاز الروسي يدخل الحلبة من الباب الواسع

اسلام تایمز , 17 تشرين الثاني 2011 01:46

كاتب : علي بدوان

اسلام تايمز - تم قبل أيام خلت تدشين خط أنبوب الغاز (تيار الشمال) أو (نورد ستريم) في الثامن من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، مروراً ببحر البلطيق، من قبل الرئيس الروسي ديمتري ميدفيدف وبحضور عدد من القادة الأوربيين كان على رأسهم المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل، ورئيسا الوزراء الفرنسي والهولندي فرنسوا فيون ومارك روتي والمفوض الأوروبي للطاقة (غونتر اوتينغر).


وبتدشين خط (سيل الشمال) تكون جمهورية روسيا الاتحادية قد حققت انجازاً كبيراً وملموساً بتدشين خط نقل الغاز الروسي إلى ألمانيا، الذي يعد بحق "أكبر مشروع للبنية التحتية للطاقة في الوقت الحالي"، إذ يبلغ طوله أكثر من (1200) كيلومتر، وينقل لأول مرة الغاز الروسي من أصقاع روسيا من سيبيريا وغيرها إلى ألمانيا مباشرة، ليتم نقله بعد ذلك إلى غرب أوروبا، وتحديداً إلى أكثر من (26) مليون منزل يقطنها حوالي (60) مليون مواطن يشكلون ثلث سكان القارة الأوربية، رابطاً بين ساحل روسيا بالساحل الألماني في منطقة "غرايفسفالد"، ليتم عبره نقل الغاز الروسي من الحقلين " الروسي الجنوبي" و"شتوكمان" إلى أوروبا الغربية. كما يتوقع أن يتم تسويق الغاز الروسي في ألمانيا والدانمرك وبريطانيا وهولندا وبلجيكا وفرنسا وتشيكيا وغيرها من الدول الأوروبية، ليصبه في نهاية المطاف عبارة عن شبكة المورد الرئيس للطاقة العابرة عموم بلدان غرب أوربا. 

ويتوقع في هذا المجال أن يرتفع حجم واردات عموم دول غرب أوربا من الغاز الروسي إلى نحو (200) مليار متر مكعب بحلول عام 2020. حيث تتصدر ألمانيا مقدمة الدول التي تعتمد على الغاز الروسي وبنسبة (32%) من إجمالي استهلاكها من الطاقة، بينما تستهلك بولندا (65%) من الغاز من مصادر روسية، فضلاً عن عشر دول في شرق أوروبا ووسطها تعتمد بنحو (90% إلى 95%) على الغاز الروسي من خلال سيطرة روسيا على ما يقرب من (154) ألف كيلومتر من أنابيب الغاز الممتدة والواصلة بين عموم بلدان ومدن القارة الأوروبية. 

الانجاز الروسي الجديد عبر خط (سيل الشمال)، هام، وملفت للنظر، ويفتح فصلاً جديداً في العلاقات المتقلبة في مجال قطاع الطاقة بين مختلف دول العالم، ويأتي في سياقات الوضع الاقتصادي الخاص الذي تعانيه دول مجموعة الاتحاد الأوربي المثقلة بالديون والرساميل. كما يأتي في لحظات من الاحتدام السياسي بين كلاً من روسيا والولايات المتحدة وتنامي الخلافات بينهما حول أكثر من عنوان من عناوين الصراع الجاري على امتداد المعمورة.
وانطلاقاً من الوارد أعلاه، يرصد المتابعون للشؤون الأوربية ما يسمى بالدور الجيوسياسي للغاز الروسي، معتبرين أن الغاز الروسي بات هو الأخر عنواناً هاماً يعبر عن تمدد النفوذ الروسي الجغرافي، فيما بات يسميه بعض أركان الساسة في الغرب بـ "الهيمنة الروسية على أمن الطاقة في عهد ما بعد الشيوعية". 

لقد أدت الاكتشافات الضخمة في حقول الغاز في سيبيريا والأورال إلى تدعيم وتوسيع القدرات التصديرية لجمهورية روسيا الاتحادية من خامات الغاز الطبيعي.، حيث فتحت هذه الثروة الأبواب واسعة أمام روسيا لدخول عمق القارة الأوربية، وستجعل منها مستقبلاً تتحكم في الكثير من المسارات المتعلقة بالمنحى العام للاتجاه السياسي والاقتصادي لبعض من تلك البلدان. فالسياسة تتداخل هنا مع الاقتصاد والطاقة بشكل كبير حيث لا انفكاك بين تلك المكونات الثلاث. 

ويلاحظ، أن خط (تسييل) الغاز الروسي إلى ألمانيا (سيل الشمال) أنجز بسرعة قياسية قد يقال بأنها مدهشة بالفعل، وراعت روسيا في انجازه مصالح جميع الدول التي يمر بها الخط. وقد بلغت كلفة المشروع نحو (4,7) مليارات يورو، ونفذته الشركة الروسية العملاقة (غازبروم التي صارت اليوم نموذجاً لشركة رأسمالية عملاقة عابرة للقارات والقوميات، بإنتاجها الذي يقترب من 20% من إجمالي الإنتاج العالمي للغاز). مع الشركتين الألمانيتين (باسف، وايون) والشركة الهولندية (غاسوني) والشركة الفرنسية (جي دي اف سويز). 

إن أنبوب تسييل النفط الروسي إلى غرب أوربا يجعل من روسيا (شريك اقتصادي حقيقي ومؤثر) للأوربيين ربما لعقود طويلة، خصوصاً وأن الأراضي الروسية تحتوي على خزان ضخم من الطاقة السائلة والغازية، فالكميات الهائلة للغاز الروسي تبلغ احتياطياتها المكتشفة حتى الآن تبلغ (47) تريليون متر مكعب، ما تجعل روسيا أولى دول العالم في تصدير الغاز. 

وبالطبع، فان الشراكة الروسية الاقتصادية وعبر أنبوب ضخ الطاقة لأوربا الغربية يشكل الآن وفي المستقبل الرد العملي على محاولات تطويق روسيا وعزلها كما كانت تريد الولايات المتحدة الأمريكية خلال السنوات الماضية، وقد ردت موسكو على السلوك الأمريكي خصوصاً بعد الإعلان عن مشروع (خط نابوكو) في انطلاق شركة (غاز بروم) الروسية باستثمار مشاريع غاز من أمريكيا اللاتينية و إفريقيا و آسيا عبر خط (السيل الشمالي) الذي يوصل الغاز من شمال روسيا إلى ألمانيا عبر البحر دون المرور بجمهورية (بيلاروسيا), وعبر خط (السيل الجنوبي) المتوقع الانتهاء من انجازه قريباً، عبر البحر الأسود إلى بلغاريا ومنها يتوزع خط عبر رومانيا هنغاريا النمسا, وجنوبا عبر اليونان إيطاليا, وقد تم إنجاز معظم الإتفاقيات لمد هذا الخط.

/ انتهى التحليل /


رقم: 114579

رابط العنوان :
https://www.islamtimes.org/ar/fori_news/114579/الغاز-الروسي-يدخل-الحلبة-الباب-الواسع

اسلام تايمز
  https://www.islamtimes.org