QR CodeQR Code

مسرحية "الموصل الداعشية".. اهداف وارتدادات

اسلام تایمز , 21 حزيران 2014 13:59

اسلام تايمز - قد يظن البعض ان "غزوة الموصل الداعشية " التي آلت الى سيطرة التنظيم التكفيري الارهابي على محافظة نينوى العراقية و ما اعقبها من تمدد في محافظتي صلاح الدين و ديالى ، قد يُرى في هذا الامر انجاز عسكري يستوجب ادراجه في "سجل الاعمال العسكرية الخارقة "، خاصة و ان المجموعة المسلحة التي وصفت بانها مهاجمة كانت صغيرة العدد جدا بحيث لا تتجاوز ال 500 عنصرا تحركت في مقابل 25 الف جندي و رجل امن و شرطي عراقي كانوا ينتشرون في المنطقة المستهدفة .


كما ان الظن ذاك قد يتطور الى القول بان هناك مرحلة جديدة فتحت ابوابها في المنطقة لاعادة رسم خرائط دولها خاصة و ان التنظيم الارهابي ذاك سارع الى نشر خريطة احلامه في دولته المستقبلية مظهرا بانها ستقوم على اراض ست دول عربية ( لبنان – سورية – العراق – الكويت – الاردن – فلسطين ) خريطة جاءت بمثابة انذار الى هذه الدول بان الارهاب يتحضر لطرق ابوابها مستفيدا مما يدعي انه حققه من انجازات في سورية و العرق .. فاين الحقيقة من ذلك ؟ و هل ان داعش تملك تلك القدرات ؟ و من يقف وراء غزوتها الموصلية و ما هو افق تلك الغزوة و تداعياتها على المنطقة ؟ .

تؤكد الوقائع انه لم يجر في الموصل معركة اومواجهة فالامر برمته خطط له محليا و اقليميا و دوليا بشكل تآمري محكم و نفذته عناصر رسمية عراقية مدنية و عسكرية خانت قسمها و سلمت مواقعها و مراكزها لبضعة مئات من المسلحين يعملون تحت عنوان "داعش" اندفعوا الى المنطقة فاستلموها وفقا لخطة اعدها ضباط عراقيون من جيش صدام حسين السابق ، و باشراف تركي مباشر و تمويل سعودي سخي و علم لا بل ضوء اخضر اميركي مقنع .

فالموصل سلمت تسليما و لم يكن فيها ميدان للمواجهة ليحكم عبره على قدرات هذا الطرف او ذاك من الوجهة العسكرية سواء في التخطيط او التنفيذ ، و كانت المنطقة مسرحا لابشع مسرحية تآمرية استعراضية انقلابية شاءها اصحابها لتكون ردا على محور المقاومة في منطقة الوصل بين قطبيه الايراني و السوري ، لكبح اندفاعه الصاعد و حصاده لمكاسب في السياسة و الميدان ،و قد رأووا في عملية الموصل ضربة ملائمة لقطع الطريق على تنامي انجازات ذاك المحور في حربه الدفاعية التي يخوضها في مواجهة المشروع الصهيواميركي الذي يستهدف المنطقة برمتها . و بالتالي ينبغي ان نسقط فكرة القوة و القدرة غير العادية لتنظيم داعش الارهابي ، و ننظر للامر بمنظور واقعي دون ان ننسى ما حل ب "داعش" في الميدان السوري على يد الجيش العربي السوري و القوات الرديفة و تساقط مواقعها امامه ، و عجزها ايضا عن الصمود في كثير من المواجهات التي دارت رحاها على الارض السورية بين فصائل المجموعات الارهابية ذاتها.

بعد هذا التأكيد ، نعود الى الاهم في الموضوع و نبحث في الاهداف التي رمت اليها الاطراف المشاركة في هذه العملية. فنجد و خلافا لظاهر الامور ان اميركا هي القائد الرئيسي في العملية ، قادتها و مارست النفاق المعهود في سلوكها متظاهرة بعدم علمها بها و استنكارها لها . و يخطأ من يظن بان اميركا كانت بعيدة عن المسألة خاصة و ان اثنين من حلفائها هم من اداروها و مولولها ، فتركيا خططت و وجهت بحضور مباشر في الموصل لمدير مخابراتها ، و السعودية شجعت و مولت و نفذت الحرب النفسية اعلاميا خدمة للعملية . و بالتالي ان المثلث المذكور بالقيادة الاميركية اتكأ على الداعشيين و الضباط الصداميين لتوجيه ضربة في العراق تتردد تداعياتها في ايران فتجبرها على اعادة الانتشار الدفاعي على حدودها و تمنعها من الاستمرار في تعهد و توسيع الفضاء الاستراتيجي لمحور المقاومة،كما تمنعها من استثمار نجاحها في ادارة الملف النووي الذي بات يقترب من نهايات تناسبها ..

اما الهدف الثاني من العملية (يعني خاصة السعودية و تركيا )، فهو يستهدف العملية السياسية العراقية التي كانت ادت في الانتخابات الاخيرة الى تأكيد قدرة السيد نوري المالكي و المكون السياسي الذي ينتمي اليه ، قدرتهم على تشكيل حكومة قادرة على الحكم و تخرج من حالة التعطيل و الشلل الذي عرفته العراق طيلة ولاية المجلس النيابي الاخير. و ترى السعودية و تركيا في قيام حكومة الاغلبية السياسية الوطنية التي يسعى اليها المالكي و التحالف الوطني الذي تشكل بعد الانتخابات الاخيرة من شأنه ان يقطع الطريق على اي نفوذ لهما في العراق و خروج العراق كليا من الفضاء الاستراتيجي الحيوي لاي منهما خاصة و ان هذا التحالف يلتزم بعلاقة مميزة مع محور المقاومة بدولتيه المجاورتين للعراق سورية و ايران ، نظرا للروابط المتعددة الاشكال بين الدول الثلاث . و تعول السعودية وتركيا على العملية لقطع الطريق على حكومة جديدة للمالكي و الحؤول دون اعتماد سياسة تجعل العراق امتداد منطقيا لمحور المقاومة ، و قد سارعت السعودية دعما لهذا التصور الى الدعوة لعقد مجلس الجامعة العربية و في مفكرتها عنوان واحد "تشكيل حكومة عراقية " تقفز فوق نتائج الانتخابات و تعيد المشهد العراقي الى ما كان عليه قبل الانتخابات في سلوك يذكرنا بما كان من دور للجامعة ذاتها في سورية، عندما حاولت فرض حكومة على سورية لا تكون خيارا شعبيا .

و الهدف الثالث يتعلق مباشرة باستراتيجية اميركا اسرائيل في نشر الفوضى و تسعير الاقتتال العرقي الطائفي المذهبي خاصة بين السنة الشيعة و نلاحظ كيف ان التنظيم التكفيري الداعشي سارع الى اصدار بيان استفزازي يهدد بهدم المقامات و العتبات المقدسة في العراق و التهديد بقتل و سبي من يخالفه في المذهب و الانتماء و هو يعني الشيعة بشكل صريح .

اما الهدف الرابع فيتصل بسورية التي انزلت بالجماعات الارهابية اشد الهزائم و الخسائر فشاءت الجماعة الارهابية الداعشية ان تحجب بمسرحيتها تلك مشهدها الكئيب و تصنع لنفسها جرعة ترفع معنويات ارهابييها بعد ان تهاوت نتيجة الانجازات البالغة الاهمية التي حققتها سورية في الوجوه السياسية و العسكرية و الامنية ، الى الحد الذي بات مسلم به القول بان العدوان عليها اخفق و ان قتال و اجرام الجماعات المسلحة تلك بات من غير افق و لن يغير من نتائج المواجهة مهما طال على حد ما ذكر مؤخرا الرئيس بشار الاسد ، و اكد عليه السيد حسن نصرالله في خطابه الاخير . و قد جاء نشر الخريطة الشاملة لما يسمى "الدولة الاسلامية في العراق و الشام " مباشرة بعد عملية الموصل تلك في سياق الحرب النفسية الهادفة الى رفع معنويات الارهابيين من جهة و ترهيب الدول التي شملتها الخريطة من جهة اخرى ( لم تشمل الخريطة اي جزء من السعودية و تركيا حتى انها و لم تشمل لواء الاسكندرون السوري المغتصب باليد التركية ، استبعاد جاء ليشكل دليلا آخرا على الرعاية التركية السعودية لهذه العملية و هذا التنظيم ) .

بعد هذا التشريح لنوايا المخطط و المنفذ و اهدافهما ، نعود الى النتائج و التداعيات التي سببتها العملية و نتوقف عند الاهم منها كالتالي .

1) يقظة عراقية وطنية و ردة فعل شبه جامعة ، اتسمت بالوطنية التي تجاوزت الخطوط الطائفية و المذهبية ، و كان مهما جدا ان تتلاقى المرجعية الدينية للمسلمين الشيعة مع جماعة العلماء المسلمين السنة في موقف واحد رافض للفكر الارهابي ، و يدعو العراقيين الى حمل السلاح و التطوع لمواجهة هذا الفكر التدميري و قتال الارهابيين .

2) دفع السلطة العراقية الى تجاوز عوائق مزمنة كانت تعترض طريقها في بناء القوة العسكرية الدفاعية التي تحمي الدولة و الحكم في صيغة ما بعد الاحتلال العراقي ، و السير في اتجاه تشكيل الجيش الرديف و اللجان الشعبية على غرار ما اعتمدت سورية و نجحت ايما نجاح في مواجهتها للارهاب و حماية المواطنيين .

3) ايقاظ الوعي لدى بعد المخدوعين او المغرر بهم من العراقيين الذين كانوا ضحية الاعلام الخارجي المحرض على الانقسام االطائفي و المذهبي في العراق ، حيث تبين لهؤلاء ان الارهاب لا يميز بين مذهب و اخر و لا يراعي في احد الاّ و لا ذمة و ان القتل و الاغتصاب و النهب يطال الجميع على يد هؤلاء التكفيرين دونما تمييز .

4) انشاء ميدان عراقي سوري تكاملي لمحاربة الارهاب ، ما سيقود بشكل او باخر و بتشجيع و دعم ايراني الى تنامي التنسيق بين البلدين في حربهما تلك الامر الذي سيخفف من اعباء سورية و يسرع انجاز المهمة و الخروج من الازمة .

5) تنمية مخاوف دول المنطقة التي شملتها الخريطة الداعشية من الارهاب القادم اليها و وضع هذه الدول امام مسؤولياتها في الدفاع عن امنها و مواطنينها خاصة في الكويت و الاردن .

6) تشكل دعم علني دولي عارم للحكومة العراقية في حربها ضد الارهاب الداعشي ، و غياب اي صوت علني داعم لتلك الجماعات بما في ذلك من شاركها العملية مثل السعودية و تركيا ( باستثناء البحرين التي كانت النشاز الوحيد دوليا و التي جاء تأييدها ليكون بديلا عن الصوت السعودي المختنق ). نقول هذا دون ان نفغل الرياء الاميركي في الامر ، و دون ان نعول على التحركات العسكرية الاميركية الاستعراضية في الخليج ، و دون ان نتوقع اي تدخل عسكري اميركي مباشر على الارض العراقية رغم وجود بضعة آلاف من الجنود الاميركيين هناك.

7) و اخيرا لا بد من التوقف عند العامل الكردي الذي يتوزع الادوار من اجل جمع المكاسب لدويلته في كردستان العراق ، و لكنني اعتقد بان الاكراد الذين سيربحون في بداية العملية كما حصل بعد سيطرتهم على كركوك و تمددهم في مناطق المادة 140 المتنازع عليها سيجدون انفسهم في وضع حرج بعد انقشاع الغبار و وقوفهم وجها لوجه امام الارهابيين ما سيضطرهم للعودة الى السلطة المركزية العراقية طلبا للمساعدة.

قد تكون "مسرحية الموصل الداعشية" احدثت صدمة اخافت البعض للوهلة الاولى ، لكنها في منتهى الامر كانت صدمة تحولت الى فرصة تتيح للمستهدفين منها سد الثغرات في بنيتهم و مكوناتهم ، دون ان يكون لدى الفاعلين و المشاركين فرصا حقيقية لتحقيق اهدافهم من العملية ، لا بل قد يحصل عكس ما رموا اليه ، اما ما يقال عن خرائط و تقسيم هنا او هناك فانه يبقى امرا غير قابل للتنفيذ في ظل موازين القوى الدولية القائمة حيث اثبت المحور العامل من اجل استقرار المنطقة و امنها – محور المقاومة – قدرته على منعه و قدرته على استعادة الامن و الاستقرار رغم حجم التضحيات التي فرضها الحريق العربي باليد الاجنبية .

بقلم: العميد د. امين محمد حطيط


رقم: 394016

رابط العنوان :
https://www.islamtimes.org/ar/fori_news/394016/مسرحية-الموصل-الداعشية-اهداف-وارتدادات

اسلام تايمز
  https://www.islamtimes.org