2
0
الاثنين 27 أيار 2013 ساعة 16:58
سلسلة من المقالات

لمن الحاكميّة؟ (2)

المباني الفكريّة للحكومة الإسلاميّة عند أهل السنة والجماعة
لمن  الحاكميّة؟ (2)
لمن الحاكميّة؟ (2)
يرى بعض الناس أن هذا الحقّ هو لمن تسلّط على الناس، ويرون حقّ الحاكميّة من خلال الظلم والزور، وإذا أمكن لشخص أو لمجموعة أشخاص ولو بالأسباب الباطلة من السيطرة على مقدّرات المجتمع فلهم الحاكميّة، ولهم حقّ التقنين والأمر والنهي والثواب والعقاب، وهذا الرأي هو ما تتبنّاه الحكومات الديكتاتوريّة الاستبداديّة. 

ويرى بعض آخر أن هذا الحقّ محصور بطبقة خاصّة وفئة معيّنة من الناس، وأن لهذه الطبقة حقّ التقنين وحق الحاكميّة، ويتبنّى هذه النظرة بعض فلاسفة اليونان الذين يقسّمون المجتمع إلى طبقات، ويعتقدون أن طبقة الأشراف هي وحدها التي لها حقّ الحكومة وإدارة المجتمع، كما يعتقد البعض بأن العمّال هم الذين لهم حقّ الحاكميّة. 

كما يرى بعض المفكّرين الغربيين مثل "روسو" وغيره أن هذا الحقّ ليس من حقّ شخص خاص بل هو حقّ عامة الأفراد أو أكثريّة الناس، ويرى هؤلاء أن حقّ الحاكميّة إنما هو لكلِّ فرد من الناس، وأن الناس هم الذين يضفون المشروعيّة على القانون، وأن القانون الشرعي هو المبني على تصويت الناس عليه، والحكومة التي لها حقّ الحاكميّة هي التي تنتخبها الأكثريّة من الناس. 

وفي الرؤية الإسلاميّة ينحصر حقّ الحاكميّة بالله عزّ وجلّ لأن الإنسان يجب عليه إطاعة من خلقه وأعطاه الوجود، وحيث أن الإنسان لا يأخذ وجوده من أبناء جنسه ولا يتوقّف بقاؤه عليهم، فلا إلزام من أحد على أحد، والله عزّ وجلّ المالك الحقيقي للإنسان هو الولي الواقعي، وعليه فاتباع وإطاعة أوامر غير الله عزّ وجلّ مشروط بالتنصيب والتعيين من قبل الله عزّ وجلّ، قال تعالى: 

{وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالأَْرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ}.

إن من لوازم مملوكيّة الإنسان لله ومالكية الله عزّ وجلّ للإنسان أن يكون تدبير أمور المجتمع فقط بيده والجميع مطيع لأمره خاضع له. 

ويقول الله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ}.

أدلّة الحاكميّة الإلهيّة:
بعد أن أوضحنا الرؤية الإسلاميّة في شأن الحكومة وأنها حقّ إلهي نبحث الآن في الجذور الفكريّة التي تبتني عليها هذه الرؤية: 

أ- العلم الإلهيّ المطلق:
ذكرنا عند الحديث عن ضرورة القانون للمجتمعات البشريّة إن الهدف والغاية من القانون هو تأمين حياة اجتماعيّة صالحة, ووصول الإنسان بشكل أفضل وأكثر إلى كماله المادي والمعنويّ وعليه نقول: إن القانون المطلوب هو القانون الذي يساعد جميع أفراد المجتمع على الوصول إلى الكمال الماديّ والمعنويّ، ويلاحظ في ذلك جميع الأبعاد الوجوديّة للإنسان، لأن أيّ قانون إذا كان لصالح فئة معيّنة من الناس، وكان موجباً لحرمان سائر الناس من الوصول إلى الكمال الماديّ والمعنويّ – سواء كانوا أقليّة أو أكثريّة- لن يكون مطلوباً ، وعليه فخصوصيّة القانون المطلوب هي في تأمينه منافع ومصالح جميع الناس التي تعيش في المجتمع وبأفضل الوسائل. 

إنّ الخصوصيّة الأخرى التي ينبغي توفّرها في القانون المطلوب، هي أن لا يقتصر دوره على تأمين المصالح الماديّة، بل في أن يكون عاملاً لتنمية النمو المعنوي للإنسان، لأن الرؤية الإسلاميّة للإنسان لا تقتصر على ملاحظة الوجود الماديّ والمعنويّ، بل ترى في الوجود الروحي أصالة, وإن المادة وسيلة لتكامل الروح. 

فلا بدَّ للقانون الاجتماعي المدّوَن من أن يضمن المصالح المعنويّة للإنسان، ولا أقل من عدم التنافي بين القانون وبين التكامل المعنويّ والروحيّ للإنسان، وهذا يدلّنا على أن المقنِّن لا بدّ وأن يتمتّع بإحاطته بجميع المصالح الفرديّة والاجتماعيّة، الجسميّة والروحيّة، الماديّة والمعنويّة للإنسان حتى يتمكّن من وضع قانون يشتمل على جميع أبعاد الإنسان، وهذه الخصوصيّة لا تتوفّر إلا في الله عزّ وجلّ، فلذا كان أمر وضع القانون بيده تعالى:
{قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى}.

فالله عزّ وجلّ هو الذي يعرف الحق وهو المحيط بجميع المصالح والمفاسد، وهو الذي له الولاية على عباده، وينبغي عليهم طاعته. 

ب- الله هو الغنيّ المطلق:
الخصوصيّة الأخرى التي لا بدّ من توفّرها في المشرّع والمقنّن هي أن يكون بعيداً عن الذاتيّة والأنا حتى يضع قانوناً مطابقاً للحقّ والعدالة، وتوضيح هذا الأمر: أن مجرد العلم بالمصالح والمفاسد لا يكفي لوضع القانون، فإنّ من الممكن أن يكون المقنّن مطلعاً على المصالح والمفاسد، ولكنه في عمليّة التقنين يلحظ المنافع الشخصيّة أو العائليّة أو الفئويّة، فيضع قانوناً يؤمِّن منافعه الذاتيّة، إن الإنسان يتاثّر دائماً بالميول والرغبات الشخصيّة - سواء بإرادة منه أو قهراً- لأنه غير معصوم عن الخطأ والزلل، وأما الله عزّ وجلّ فهو مضافاً إلى إحاطته التامّة بالمصالح والمفاسد لا يضرّه أي عمل كما لا يعود بالنفع عليه أي عمل، لأنه غني مطلق ومبّرأ من المصالح الشخصيّة والفئويّة، قال تعالى:
{للهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}.

{وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ}. 

وعليه فلا نفع ولا ضرر يصل إليه عزّ وجلّ ,بل ما يضعه من قانون إنما يضعه بما تمليه مراعاة الحقّ والعدالة.

ج- الربوبيّة التكوينيّة والتشريعيّة هي لله عزّ وجلّ:
من الأمور الأخرى التي تثبت حق الحاكميّة بالله عزّ وجلّ ولزوم الطاعة له هو الإعتقاد >بالتوحيد في الربوبيّة<، لأن من مراتب التوحيد >الربوبيّة المطلقة لله< أي أن الله عزّ وجلّ بيده أمر تدبير هذا الكون ومن جملة الإنسان وهو مضافاً إلى خلقه للإنسان فإنه بيده إيصال الإنسان إلى كماله المطلوب، فلا بدّ للموحِّد مضافاً إلى اعتقاده بالتوحيد في الخلق أي "الربوبيّة التكوينيّة" من الاعتقاد بـ : "الربوبيّة التشريعيّة" أي لا بدّ من الطاعة له والتسليم له ومعرفة أنه هو الذي له حقّ الأمر والنهي أو من نصبه من قبله لذلك ولا حقّ لأحد في الأمر والنهي مستقلاً عن إرادته، قال الله تعالى:
{ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْ‏ءٍ}.
وقال الله تعالى:
{قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ}. 

فحيث كان الله هو "ربّ الكون" وبيده روح الإنسان وجسمه, فلا بدَّ أن يكون الإنسان كسائر المخلوقات مطيعاً له، وألا يرى لغيره حقّ الحاكميّة والحكومة.

/ انتهى المقال /
كاتب : خالد یوسف
رقم : 266422
شارک بتعلیقک
الإسم الثلاثي

البريد الإلكتروني
تعليقك

Morocco
موضوع في غاية الاهمية وهو موضوع الساعة يجب الحديث عنه بدقة متناهية ومنطقية لعل المجتمع الانساني يعرف كيف يختار من بينه مجموعة من الناس التي يستحقون ان تسند لهم مسؤولية الحاكمية هده المسؤولية الجسيمة الى يصعب على الانسان خصوصا كفرد او كجماعة اصدقاء المصلحة ان يحكمون افراد المجتمع بالعدل ،دالك لان الانسان بطبعه يميل الى تفضيل الاقارب على المواطنين الدين ليست لهم بهم اية علاقة عائلية او مصلجاتية ، وبما ان اغلب المجتمعات اليوم يحكمها هاجس العلاقات المصلحتية سواء كانت اهلية ام تكوين خلية علاقات اجتماعية تعارفية مفبركة خصبصا للتحيكم و التحكم في الاوضاع السيايسة والاقتصادية كما هو حال اغلب الدول العربية الان ، لما لهده السياسة من سلبيات اجتماعية تتجلى في تسقيف الافاق المستقبلية عند الاجيال الغير المنتمية لهده الخلية ،كما نقول في المغرب ( شيئ قليل من العلم مع علاقات اجتماعية قوية افضل بكتير من الكفاءة العلمية بدون علاقات اجتماعية ) ادن ادا اخدت الخلية المفبركة الحاكمة حصة الاسد من الفرص واضفنا لها اصحاب الحقيبة فمادا ياترى سيبقى لدوي الكفاءات الدين يعتقدون ان الحكم لله وحده بينما الحكم للخلية المفبركة والمحسوبة بالعقل بين افراد العائلات الدين يتعارفون ويتضامنون ويكبرون دوائرهم التعارفية خصيصا ليتحكموا في زمام الامور و ليضمنوا مستقبل ابنائهم ولو على حساب ابناء المتشبتين بالدين ومبادئ تكافئ الفرص و الجري وراء الكفائة العلمية بدون البحث عن ابواب تمكنهم من الدخول الى حضيرة خلية العقل المدبر بحيث يمكن القول انهم اصبحوا مخدرون بالدين والقيم التي لا تجدي بالنفع مع خلية العقل المدبر الدي يفضل مستقبل ابناء الخلية عن غيرهم ،ولعل الواقع العربي في الوقت الراهن يشهد على نتائج هده الحاكمية الغير الدموقراطية التي لا تعتمد على مرجعية اسلامية و لا على مرجعية انسانية غربية بل هي تعتمد على قانون وضعي خاص يحكم مصالح الخلية في الدرجة الاولى بدون مراعات حقوق الانسان الغير المنتمي للخلية التي تسد ابوابها في وجه الاغلبية التي تدافع على المبادئ والقيم التي لا تخدم مصالحها السياسية و الاقتصادية ، وبما ان المستفيد من الوضع لا يحب التغيير فكيف يا ترى ستجد من يدافع على الحاكمية العادلة ولو عرفت مصدر الحاكمية الغير العادلة ،لانه كل شيء يبقى نسبي حتى على مستوى الحاكمية و الاهم هو الاستقرار الامني للشعوب ولكن يحكمها الهاجس الحقوقي اكثر ما يحكمها الهاجس الامني او القمعي ،ودالك لا يكون الا بتغيير مبدئ الخلية وابتعادها على مفهوم العلاقات المصلحتية وتهميش الكفاءات المعرفية و الاخلاقية ، وفي الغالب ان مكونات هده الخلية العلمانية ترتكز على العلاقات المصلحتية و تستغل سداجة المؤمنون الدين يعتمدون في تحقيق مستقبلهم على الله وحده وهم مشغولون بالعبادات الروحية بينما الخلية مشغولة بتوسيع دوائرها الاقليمية والخرتئطية المحسوبة بالعقل المادي فقط ولكن الله يمهل ولا يهمل.على العموم يمكن القول ان وجود الخلية والدفاع عن بقائها ومصالحها يعرقل ويؤخر الى حد ما الوصول الى الحاكمية المنطقية الديموقراطية الموسعة. والمدهش في الامر ان كل من دخل الى دوائر الخلية يعجبه الحفل و قضاء الاغراض بالهواتف و الهدايا بحيث نزيده الخلية القوة التي تنسيه حقوق المستضعفون وربما حتى المبادء ويصبح من الدين يقولون الدين افيون الشعوب لانه اصبح يتنمي للحاكمية العائلية الخالدة القوية المحصنة بالجيوش الوطنية والدولية ، و المدهش في الامر كدالك انهم بتقافتهم المادية هده المحسوبة لا يزال البعض فيهم يصلي ويصوم ويتكلم عن الاخلاق و ادا مرض يقول يا رب اعفو عنى بدل ان يطلب الخلية المحصنة بالجيوش الوطنية والدولية.
Morocco
الحاكمية في الدرجة الاوى فهي لله العادل ثم يأتي بعده خليفته في الارض في الكتير من امور الدنيا اعطى سبحانه للانسان الحق في التصرف وفي الجزاء وفي الاجنهاد والابداع انطلاقا من الكران الكريم وان اساطعتم ان تنفدوا فلا تنفدوا الا بالسلطان ، كما قال تعالى كل عمل ابن ادم فهو له الا رمضان فهو لي وانا اجزي عنه ، باستتناء صوم رمضان شهر الغفران فهو لله لن يسلمه لخليفته الانسان لحكمة يعرفها الله وحده ، وبما ن الله سبحانه تنازل لخليفته في الحاكمية والتصرف في كل امور الدنيا باستتناء صوم رمضان سيكون ادن الانسان هو الدي له الحق في الحاكمية ولكن يبقى السؤال الوجيه الدي يفرض تفسه هو ما هي الشروط التي يجب ان تتوفر في خليفة الله التي سوف تؤهله للحاكمية هده المسؤولية الجسيمة ، ربما تكون الاخلاق والكفاءات المعرفية والتجربة في الجماعة الحاكمية كما يجب على هده الجماعة التوفر على التنوع التقافي (هده عربية وهده امازيغة والاخرى صحراوية..) والتنوع الطبقي ( هده طبقة النبلاء وهده طبقة متوسطة والاخرى مستضعفة) و التنوع المبدئي ( هدا يعتبر الدين معاملة متفتحة وهدا يعنبر الدين عبادة متصوفة والاخر يعتبر الدين افيون الشعوب ) ومع كل هدا التنوع والاختلاف يجب على الجماعة الحاكمية ان تتحلى بالعدل بين جميع مكونات المجتمع المدني المتنوع ،هده ادن هو المنطق الدي يجب الاعتماد عليه في اختبار الجماعة الحاكمية ولكن وللاسف نجد في الواقع العربي طرق اخرى يعتمد عليها الانسان في اختيار الجماعة الحاكمية و التي تتجلى في الاعتماد على الاعيان ابناء العائلات القديمة و الميسورة ثم يليه ابناء الخلية المفبركة او ما يسمونه اللوبي الجماعي المصلحتي فد يكون حزبا او جماعة من الاصدفاء تجمعهم رغبة السيطرة على الحاكمية والحكومة والحفاظ على المصالح الخاصة ولو على حساب الاغلبية .
أهم الأخبار
إخترنا لکم