0
الخميس 27 حزيران 2013 ساعة 14:35

حتى الأبطال يرحلون يوماً ما...

حتى الأبطال يرحلون يوماً ما...
حتى الأبطال يرحلون يوماً ما...
في أحد مستشفيات جنوب افريقيا ينتظر الجميع إعلان خبر الرحيل، رحيل قائد استثنائي أعطى للنضال معنى آخر، التصق اسمه بالحرية وأنهى برفع يد وبتوقيع صغير آخر صورة مقززة عن استعباد البيض للأفارقة السود.

نيلسون مانديلا سيتركنا عاجلاً أم آجلاً، الدموع لن تكفي لوداع ماديبا، يحق له أن ينام قرير العينين، فالابطال أمثاله يرحلون في يوم من الأيام بعد إنجاز المهمة الموكلة إليهم.

لا شك أن مانديلا ترك وراءه إرثاً لأمة كانت غارقة في "العبودية"، قاد شعلة الحرية من سجنه الذي أمضى فيه أعواماً طويلة حتى فك قيود الاسر، وحرر شعبه من نظام التمييز العنصري الذي عانى منه شعبه لسنوات طوال فالحرية بالنسبة إليه "لا يمكن أن تعطى على جرعات، المرء إما أن يكون حرّاً أو لا يكون حرّاً".

مدرسة في التحرر
مانديلا مدرسة في التحرر والعقلانية والمثابرة، هو قدوة ليس فقط لأفريقيا وإنما للعالم بأسره. حُمّل الرجل أكثر من طاقته، مصير شعب كان على عاتقه، هو الذي لم ينهزم يوماً، شقّ طريق النور بيديه، وسطّر ملاحم بطولية في مواجهة التفرقة والعنصرية.
قد يفهم المرء تعلّق الجنوب أفريقيون بقائدهم الازلي، ولكن من حق مانديلا أن يرتاح، فحتى وهو في العقد التاسع من العمر كان الرجل يتابع أدق تفاصيل بلاده، أضحى منزله مزاراً يستقبل في داخله الحجاج التواقين إلى النهل من مدرسة روّضت "الاستعباد" وأظهرت صورة قيادية قل نظيرها.

قد يكون مانديلا محظوظاً أكثر من غيره إذ إنه نال شرف "القيادة والتحرر" وجعل المساواة بين أبناء وطنه قاعدة غير قابلة للقسمة. في قاموس مانديلا لا تقرأ سوى كلمات "العدالة الاجتماعية، التحرر، أمة واحدة"، مصطلحات طبعت حياة الرجل فكانت ممارساته خير دليل على ما يمكن لإنسان مؤمن بقضيته أن يصنع. بالنسبة إليه "التسامح الحق لا يستلزم نسيان الماضي بالكامل" فلحظة فوزه في الانتخابات الرئاسية دعا أمته إلى التسامح وعقد مؤتمرات مصالحة علنية وهو لم يحمّل ذوي البشرة البيضاء من أبناء وطنه مسؤولية "النظام العنصري" بل اختار التعلّم من التجارب السابقة التي طبعت تاريخاً دموياً في بلاده من أجل افتتاح عهد جديد.

أيقونة أفريقيا
هو رجل لا يتكرر لا في مئات السنين ولا حتى الملايين، أيقونة البلاد السمراء ومطوّع "العنجهية الغربية" لم تخف "الكاريزما" التي يتمتع بها رغم السنوات العجاف التي أثقلت كاهله. عانى مانديلا قبل الوصول إلى المكانة التي يتمتع بها "فالعظمة في هذه الحياة ليست في التعثر، ولكن في القيام بعد كل مرة تتعثر فيها".

تكمن عظمة مانديلا في كونه "حالما"، فالقوة التي أمدّ نفسه بها لتقديم كل هذه التضحيات كانت مبنية على فكرة أن الولد الذي تربى بين معامل جنوب افريقيا وشاهد الغطرسة منذ صغره، أبى إلا أن ينخرط في النضال ضد "الفصل العنصري" ليكون جزءاً من مجد انتظره طويلاً. ما فعله الرجل عظيم، فهو البطل الذي آمن في يوم من الأيام ان كلّ جنوب افريقيا ستجلس سويةً وتأكل سوية وتتشارك كأمة واحدة وموحدة بغضّ النظر عن لون البشرة أو الفوارق الطبقية. السلام الداخلي الذي عاشه ماديبا كما يحب الجنوب افريقيون أن يطلقوا على قائدهم، ألهم الملايين للسير على خطاه وحمل رايات المساواة والعدالة لبناء عالم أفضل.

وحده الله يعلم متى يفارقنا "ماديبا"، ولكن الفراق قريب والوداع صعب. سنخبر أولادنا يوماً ما عنه، عن رجل حمل في ملامحه اوجاع قارة وخاض بها معركته من وراء القضبان. خاض ببشرته السمراء حربا ضد عبودية متوارثة، وقف بوجه مئات السنين من القهر ووصل مع شعبه الى الانتصار.

بالسلام لا بالحرب انتزع حقه، بابتسامة وضحكة وصل الى النصر الكبير، وحّد بلاده بقبضة يد كانت تمسك قضبان السجن يوماً وباتت ترفع شعلة الحرية. من بحر الدماء، من بلاد يتقاتل فيها الجميع، من شعوب تسحل وتنحر وترفض كل الآخر وكل شيء، تحية منا إليك، "ماديبا"... أيها القائد الكبير. 

بقلم: شربل مخلوف

/ انتهى المقال /
رقم : 277295
شارک بتعلیقک
الإسم الثلاثي

البريد الإلكتروني
تعليقك

أهم الأخبار
إخترنا لکم