0
الجمعة 28 حزيران 2013 ساعة 10:09

إهانة للقانون والقضاء

إهانة للقانون والقضاء
إهانة للقانون والقضاء
وإذا كان لبيان القاضي المذكور من فضيلة وحيدة، فهو أنه اضطرني للعودة إلى ما سبق أن درسته في كلية الحقوق ونسيته بمضي الوقت، ذلك أنني حين تابعت القضية أذهلني مضمون البيان على نحو شككني فيما سبق أن درسته منذ عدة عقود، حتى قلت إنه ربما تغير شيء خلال تلك الفترة لم ألحظة بسبب بعدي عن ملاحقة التطورات التشريعية في البلد.

وبسبب ذلك الشك وقبل أن أقلب في كتبي القديمة سارعت إلى الاستفسار من المستشار سمير حافظ رئيس محكمة استئناف الإسكندرية السابق عن المتغيرات التي جعلت القاضي يصدر بيانه على تلك الشاكلة، فكان رده أن ما صدر عن الرجل تتعذر مناقشته لأنه مقطوع الصلة بالقضاء والقانون ولهذا السبب فإنه لا يستحق أن يوصف بأنه «تهريج تمسح في القانون».

حين رجعت إلى ما سبق أن درست وجدت كلاما صريحا في بديهيات وأصول الثقافة القانونية يقرر أن كل محكمة مقيدة بنطاق الدعوى المرفوعة أمامها، سواء في موضوعها أو في الأشخاص المتهمين فيها.

وأن وحدها محكمة الجنايات و(النقض في حالة خاصة)، تمتلك حق إقامة الدعوى على آخرين من المتهمين. إذا ما ظهرت وقائع أخرى غير الواردة في الدعوى الأصلية. وفي هذه الحالة فلمحكمة الجنايات أن تحيل الدعوى إلى النيابة العامة لتحقيقها والتصرف فيها.

هذه البديهيات أهدرها وأطاح بها البيان الذي أعلنه القاضي. ووجدت تبريرا نسبيا لذلك حين علمت أنه كان ضابط شرطة ولكنه استبعد من الجهاز لسبب أو آخر، وبنفوذ والده الذي كان وزيرا سابقا من رجال الحزب الوطني ألحق بوزارة العدل وأقحم على سلك القضاء، إلى أن صار رئيسا لاستئناف الجنح في الإسماعيلية. أما كيف وقع ذلك الإهدار وازدراء القانون، فإليك الحكاية.

في عام 2011 قدم أحد المواطنين ــ اسمه سيد عطية ــ إلى محكمة جنح الإسماعيلية بتهمة الهروب من سجن وادي النطرون، في حين أنه كان قد هرب من سجن دمنهور وحكم عليه بالحبس مدة ثلاثة أشهر. لكن الرجل الذي اتهم في جريمة عادية ولم تكن له صلة بالسياسة، استأنف الحكم.

ولهذا السبب عرضت قضيته على محكمة استئناف جنح الإسماعيلية، وأثناء نظر القضية جرى اللعب في الموضوع، وبقدرة قادر ترك القاضي الدعوى المرفوعة أمامه، وتجاهل تماما قصة الأخ سيد عطية وتفرغ للتحقيق في مسألة الهروب من سجن وادي النطرون، وهذه القضية المفاجئة لها قصة طويلة كان لبعض وسائل الإعلام وثيقة الصلة بجهاز أمن الدولة القديم دورها الرئيسي في نسج وقائعها. فقد نشرت إحدى الصحف حوارا مطولا مع رجل مريب ظهر في المشهد ادعى أنه كان قد ذهب إلى سجن وادي النطرون ورأى عملية الاقتحام وهروب النزلاء. وفي الاقتحام ذكر اسم حماس وحزب الله والإخوان وآخرين.

وأورد وذكر قائمة بالأسماء كان بينها وأولها الدكتور محمد مرسى. ضيف هذا الحوار الذي «انفردت» به الصحيفة. التقطه برنامج تلفزيوني من الفريق إياه وقدمه في حوار آخر. وبعد ذلك استدعى الرجل إلى جنح استئناف الإسماعيلية وكرر أمامها ما سبق أن ردده وهو ذات الكلام الذي أيدته شهادات ضباط جهاز أمن الدولة السابق.

هذا الذي فعله القاضي وأراد به تسييس القضية من خلال الاستناد إلى معلومات ووقائع ملفقة، هدم به قاعدة التقيد بنطاق الدعوى المرفوعة وتصدى لأمور إضافية بالمخالفة لنص المادة 11 من قانون الإجراءات الجنائية.

والتف القاضي على ذلك النص بالاستناد إلى نص آخر في قانون الإجراءات يجيز للمواطن العادي أن يبلغ عن أي جريمة شاهدها. في حين أن البيان الذي أعلنه القاضي وذكر فيه أسماء أشخاص وطالب الإنتربول بالقبض عليهم، أعطى انطباعا بأنه حقق في الأمر وانتهى إلى ثبوت التهمة على أولئك الأشخاص، وهو ذاته «التعدي» الذي حظره عليه القانون.

وكانت النتيجة أن القاضي الهمام لم يكتف بإهدار نصوص القانون وإنما أصدر بيانا بدا نسخة طبق الأصل من تقارير أمن الدولة القديمة، الأمر الذي تجاوز به حدود الخطأ الجسيم في تطبيق القانون إلى تشويه صورة القضاء واعتباره بوقا لأجهزة الدولة العميقة المعادية للثورة.

الذي أفهمه أن مثل تلك الأخطاء الجسيمة التي يتورط فيها بعض القضاة تحيلهم إلى «الصلاحية» لكي تحدد مدى جدارتهم بالاستمرار في مواقعهم، إلى جانب أن التفتيش القضائي يفترض أنه يقوم بالتحقق من كفاءة القضاة بصورة دورية.

ولست أشك في أن الغيورين على كرامة القضاة ونزاهته ستكون لهم وقفة تزيل تلك الوصمة التي أحدثها بيان قاضي الإسماعيلية، حتى لا تظل نقطة سوداء في سجل القضاء المصري.

بقلم: فهمي هويدي 

/ انتهى التحليل /
رقم : 277501
شارک بتعلیقک
الإسم الثلاثي

البريد الإلكتروني
تعليقك

أهم الأخبار
إخترنا لکم