0
الأربعاء 15 تشرين الأول 2014 ساعة 16:46

الشهوات والزواج المبكر

الشهوات والزواج المبكر
الشهوات والزواج المبكر
خلق الله الإنسان وزرع فيه عدداً من القوى النفسانيّة ومنها الشهوة فهي من الأمور الأصيلة في النفس الإنسانيّة، ولذلك فإنّ الإسلام لم يحاربها كما لم يحارب بقيّة القوى وإنّما دعا إلى تهذيبها والإفادة منها لتحقيق أغراض شرعيّة كالتناسل وحفظ النوع الإنساني ولذلك فقد جاءت الآيات الكريمة والروايات الشريفة لتبيّن كيف يتعامل الإنسان مع شهواته بشكل عامّ ومنها الشهوة الجنسيّة.

فمن جهة بيّنت أنّ على الإنسان أن لا يخضع لشهواته وإلّا كان في مستوى البهائم أو أدنى بل عليه أن يبقي عقله هو القائد والموجّه لها كما دلّ على ذلك الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام - وقد سأله عبد الله بن سنان: الملائكة أفضل أم بنو آدم؟ - قال: "قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: إن الله عزّ وجلّ ركّب في الملائكة عقلاً بلا شهوة، وركّب في البهائم شهوة بلا عقل، وركّب في بني آدم كلتيهما، فمن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة، ومن غلبت شهوته عقله فهو شرّ من البهائم".

ومن جهة أخرى يدعو إلى تلبية هذه الحاجات الضروريّة وعدم إغفالها حتّى لا يلزم مفاسد أخرى قد تترتّب على تركها كما تترتّب على الانغماس فيها.

الزواج عون على الشهوة
إنّ الله - عزّ وجلّ - يعالج جموحنا للشهوة بإغرائنا بما هو أعظم منها إذا اتقيناه، والمجاهدة والصبر من لوازم التقوى، بقوله تعالى: ﴿قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ﴾.

ولكنّه سبحانه في نفس الوقت يدعو إلى الزواج وتحصين النفس بشكل عامّ وفي مراحل متقدّمة من العمر مع التمكّن من ذلك، قال تعالى: ﴿وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيم﴾، وما ذاك إلّا لأنّ الزواج حصن في مواجهة الشهوة، أمّا من لم يقدر على الزواج فقد أمره الله تعالى بالصبر والتعفّف فقال - جلّ وعلا : ﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾ ، فأمر بالعفّة والصبر وعدم الانغماس في الشهوات والتعرّض لها.

إتباع الشهوات
يقول سبحانه: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا * فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا﴾.

تتحدّث هذه الآيات الكريمة عن قوم مكرّمين هداهم الله واجتباهم وكانوا في أرقى مقام الخشوع للباري سبحانه وتعالى، ثمّ جاء من بعدهم قوم آخرون، عبّر سبحانه عنهم بالخلْف بتسكين اللام، والخلْف: الأولاد الطالحين ﴿بينما الخلَف بفتح اللام: الأولاد الصالحين﴾، هؤلاء أضاعوا الصلاة الّتي دعا إليها الله وأنبياءه، وكانت نتيجة إضاعتهم للصلاة أن غرقوا في ظلمات الشهوات المحرّمة، العقاب في الدنيا والآخرة.

ولمّا كان منهج القرآن الكريم في كلّ موضع هو فتح أبواب الرجوع إلى الإيمان والحقّ دائما، فإنّه يقول هنا أيضاً بعد ذكر مصير الأجيال المنحرفة: ﴿إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا﴾ ، وعلى هذا فلا يعني أنّ الإنسان إذا غاص يوماً في الشهوات فسيكتب على جبينه اليأس من رحمة الله، بل إنّ طريق التوبة والرجوع مفتوح ما بقي نفس يتردّد في صدر الإنسان وما دام على قيد الحياة.

وتؤكّد الأحاديث والروايات الشريفة على أنّ التلوث بالشهوات يعدّ من الموانع الأساس الّتي تصد الإنسان عن سلوك طريق السعادة والكمال، وكذلك من الأسباب المهمّة لإشاعة الفحشاء والمنكر في المجتمعات البشرية.
جاء في الحديث عن الإمام علي عليه السلام أنّه قال : "الشَّهَوَاتُ مَصائِدُ الشَّيْطانِ". 

حيث يصطاد الشيطان أفراد البشر بهذه الوسيلة بكلّ زمان ومكان وفي جميع سنوات العمر. ويقول عليه السلام: "طَاعَةُ الشَّهْوَةِ تُفْسِدُ الدِّينَ".

مواجهة الشهوات
لا بدّ في مواجهة الشهوة المتأصّلة في نفوس البشر من الإرادة والتصميم بحيث لا نكون أرقّاء للشهوة بل نروّضها لتكون تحت سيطرة العقل والحكمة، وستكون نتيجة ذلك النجاة من الكثير من المهالك.

ورد عن الأمير عليه السلام قوله: "اِمْنَعْ نَفْسَكَ مِنَ الشَّهَواتِ تَسْلَمْ مِنَ الآفاتِ".

ويقابل اتباع الشهوة "العفّة" الّتي تعني الامتناع والترفّع عمّا لا يحلّ بل عن الإفراط في الحلال، من شهوات البطن والجنس، والتحرّر من استرقاقها المُذِلّ.

قال تعالى : ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾.
عن الإمام عليّ عليه السلام: "العفاف يصون النفس وينزهّها عن الدنايا".

وهي تدلّ على سموّ الإيمان، وشرف النفس، ولذلك ذكرت الروايات فضلها:
قال الباقر عليه السلام: "ما من عبادة أفضل عند اللّه من عفّة بطن وفرج".

الزواج المبكر حصن من الوقوع في الفاحشة
تقدّم أهميّة الزواج ودوره الهام في الحياة البشريّة، لكن هناك دعوة أيضا للزواج المبكر ذكرته الروايات الشريفة فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "ما من شاب تزوّج في حداثة سنّه إلّا عجّ شيطانه: يا ويله، يا ويله! عصم منّي ثلثي دينه. فليتّق الله العبد في الثلث الباقي".

وعن الإمام الرضا عليه السلام: "نزل جبرئيل على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا محمّد إنّ ربّك يقرؤك السلام، ويقول: إنّ الأبكار من النساء بمنزلة الثمر على الشجر فإذا أينع الثمر فلا دواء له إلّا اجتناؤه وإلّا أفسدته الشمس، وغيّرته الريح، وإنّ الأبكار إذا أدركن ما تدرك النساء فلا دواء لهنّ إلّا البعول، وإلّا لم يؤمن عليهنّ الفتنة، فصعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المنبر فجمع الناس ثمّ أعلمهم ما أمر الله عزّ وجلّ به".

وفي هاتين الروايتين دعوة صريحة إلى الزواج المبكر للشابّ وللفتاة، حيث بيّنت الأولى أنّ الزواج يعصم ثلثي الدين، والثانية بيّنت أنّه مع ترك تزويج الفتاة مبكراً فإنّه لا يؤمن عليهن الفتنة.

فتبكير الشباب في الزواج يعصم أخلاقهم من الانحراف، ويقيهم أخطار الانفعالات النفسيّة واتجاههم السلوكيّ في الحياة.

سِنّ الزواج في الشريعة الإسلاميّة
لم تحدّد الشريعة الإسلاميّة سنًّا معيّناً بالسنوات لعقد الزواج، بل هو أمر مرتبط بالقدرة على أداء واجبات هذه المسؤوليّة وتحقّق مواصفات معيّنة، فمتى ما وجد من يُرضى بدينه وأخلاقه مع القدرة العقليّة والمؤهّلات البدنيّة لا مشكلة في الزواج، بل هو مرغوب فيه بغضّ النظر عن العمر.

حقائق علمية حول الزواج المبكر وفوائده
جاءت بعض الدراسات لتؤكّد على ضرورة "إشباع" الجانب العاطفيّ لدى الإنسان ليتمتّع بصحّة أفضل، فأكّدوا أنّ المتزوّجين أكثر سعادة ويتمتّعون بجهاز مناعيّ أقوى من أولئك الّذين فضّلوا العيش وحيدين من دون زوجة، وهذا هو مضمون السكينة الّذي ورد في قول الحقّ تبارك وتعالى عندما حدّثنا عن آية من آياته فقال ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.

فهذه الآية تشير بوضوح إلى الاستقرار النفسي من خلال كلمة ﴿لِّتَسْكُنُوا﴾ كما تشير إلى إشباع الجانب العاطفي من خلال قوله ﴿مَّوَدَّةً وَرَحْمَة﴾.

وفي دراسة أخرى وجدوا أنّ الإنسان المتزوّج أكثر قدرة على العطاء والإبداع، وأنّ المرأة المتزوّجة أكثر قدرة على الحنان والعاطفة والعطاء أيضاً.

وتشير بعض الدراسات إلى وجود ساعة حيويّة خاصّة بالزواج في جسد كلّ واحد منّا! فهناك توقيت وعمر محدّد ينبغي على الإنسان أن يتزوّج خلاله وهو في العشرينات أو أكثر بقليل، وإذا ما تأخّر الزواج فإنّ هذا سيؤثّر على خلايا الجسد وعلى النطفة والبويضة، وبالتالي سيكون هناك احتمال أكبر لمشاكل نفسيّة وجسديّة تصيب المواليد.

من إيجابيّات الزواج والحمل والإنجاب في سنّ مبكر

أ- على المستوى الصحي
1- الإخصاب: "إمكانيّة الحمل" إنّ نسبة الخصوبة "أي الحمل خلال فترة الزواج" عند الفتيات في سنّ مبكر تفوق الفتيات في الأعمار الأخرى.

2- الأورام الخبيثة هي أقلّ عند النساء اللواتي يبدأنَ الحمل والإنجاب في السنين المبكرة.

ومن المثبت طبيًّا أنّ الأمراض المزمنة تبدأ بالظهور أو تزيد استفحالاً كلّما تقدّم الإنسان عمراً، وهذه الأمراض المزمنة تزيد مخاطر الحمل والإنجاب وأحياناً تقف عائقاً للحمل والإنجاب.

ب - على المستوى الاجتماعي
1- تحمّل الزوجين للمسؤوليّة بدل العيش بلامبالاة وتضييع الوقت والعمر.

2- التقليل من الوقوع في الرذيلة و الانحراف والشذوذ الجنسيّ.

3- المحافظة على النسل.

4- إنّ التقارب في السنّ بين الآباء والأبناء يمكّن الآباء من رعاية أبنائهم وهم أقوياء كما يستفيدون من خدمة أبنائهم لهم.

إنّ تقاليد المجتمع في فرض القيود الاقتصاديّة والاجتماعيّة استطاعت أن تزرع حواجز حديديّة على مسألة الزواج، حتّى أصبح الزواج لا يتمُّ إلّا في سنّ الثلاثين أو أكثر، غير أنّ الزواج المبكر – مع توافر الامكانات – يمثّل حلًّا أساساً في الإسلام.

هل للزواج المبكر مخاطر وأضرار؟
ادعى بعض أنّ للزواج المبكر مخاطر متعدّدة على الفتاة من النواحي الصحيّة والاجتماعيّة والنفسيّة، كالإدعاء بأنّ الفتاة تتعرّض إلى فقر الدم وخاصّة خلال فترة الحمل. وقد تزداد نسبة الوفيّات بين الأمّهات الصغيرات لقلّة الدراية والوعي بالتربية والتغذية.
وأنّ الفتاة في مرحلة المراهقة لا تستطيع أن تبدي رأيها في أمور حياتها الزوجيّة بثقة وارتياح يؤدّي إلى الحرمان من التعليم وغير ذلك من أمور.

أأنتم أعلم أم الله؟!
هو جواب مختصر مفاده أنّ الله تعالى هو الّذي خلق الإنسان ويعلم ما يصلحه وما يفسده ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ﴾ فعلينا أن نقرّ بجهلنا وقصورنا أوّل، وبشيء من التوعية والانتباه والمسؤوليّة يمكن تجنّب كلّ ما تقدّم.

نضيف فنقول إنّ البحوث العلميّة والدراسات العالميّة تثبت أنّه لا يوجد زيادة في مضاعفات الحمل عند النساء اللاتي تتراوح أعمارهنّ ما بين 15-19 سنّة.

أمّا ادعاء سوء التغذية فهو بحاجة إلى زيادة وعي من البيت والأسرة والمدرسة والجامعة ووسائل الإعلام ودور الرعاية الصحيّة.

كما إنّ أولياء الأمور يستطيعون تقدير أمور الزواج المتعلّقة ببناتهم فإذا وجد في ابنته القدرة على ذلك زوّجها، وإذا لم يجد فيها القدرة على ذلك لم يزوّجها. فحرص الإسلام الحنيف على التعجيل بالزواج وتسهيل إجراءاته ضماناً للعفاف لا يتعارض مع التريّث والتمهّل في أخذ قرار الزواج.
رقم : 414789
شارک بتعلیقک
الإسم الثلاثي

البريد الإلكتروني
تعليقك

أهم الأخبار
إخترنا لکم