0
الجمعة 1 شباط 2013 ساعة 02:44

الأسعار مشتعلة ... و الحكومة منشغلة

الأسعار مشتعلة ... و الحكومة منشغلة
الأسعار مشتعلة ... و الحكومة منشغلة
 و صارت كلّ وسائل الإعلام لا تتحدّث إلّا عن هذه الهموم التي لا يتنافس فيها إلّا السياسيون الذين يبدون و كأنّهم أهملوا من حساباتهم و برامجهم الهمّ و الشاغل و الهوس ، هذه المعاني التي تنحصر كلّها و تصبّ في خانة القوت اليومي ، لازمة العيش و البقاء ، و أصبح من المضحكات اليوم أن نشنّف آذان الناس بالحديث عن الحريّة و نملأ بطنه الخاوي بالكلام عوض الخبز النادر و اللحم المستحيل و البرتقالة المشتهاة ، و لا نشاء الحديث عن البدل و الأحذية و المرافق الأخرى التي كدنا أن ننسى أسماءها ، و لكنّ حديثنا عن أبسط تلك الحقوق التي لا تقوم الحياة إلّا بها ، ألا وهي الخبز ، بكل المعاني التي يرمز إليها للبقاء على قيد الحياة ، أو حتّى شبه الحياة .
 
ليس يدري الكادح و العامل التونسي أيّ منفعة ستصله من هذه الإجتماعات الماراطونيّة في المجلس التأسيسي الذي ملّ جلساته نوابه ، و لا أيّ جدوى من كلّ تلك التدخّلات التي يقطعها رئيس هذا المجلس ، أو نائبته إن كان مرهقا ، أو نائباهما إذا سافرت الثانية إلى فرنسا مقرّ إقامتها ، فنحن في تونس لنا نواب يقيمون خارج البلد ، بضربه بالمطرقة على مبسطه . 

و إن استحوذت هذه الجلسات في بداية العهد الجديد باهتمام بعض الناس ، إلّا أن الأمر تغيّر الآن بعد أكثر من سنة ، و فتر تحمّس المشاهد إلى حميّة و تشنّج نوابنا المحترمين الذين ما أن وطئت أرجلهم الكريمة قصر باردو حتّى اشتعلت الأسعار ممّا دفعهم ، هم أنفسهم للمطالبة " بالزيادة " في جراياتهم تلك الزيادة التي وصلت إلى حد الخمسين بالمائة ممّا يقبضون ، فيما أرست المفاوضات الإجتماعيّة التي دامت سنة هي الأخرى على زيادة ستّة بالمائة ، تلك هي المساواة التي يتخاصم من أجلها نوابنا بالمجلس التأسيسي الذي كادت طاولة رئيسه أن تنقصم من كثرة الضرب عليها من طرف سيادته و نائبيه ، و صار التعليق الدارج الآن بعد سماع هذه المناقشات التي خصّصت لها القناة الوطنيّة الثانية فسحة زمنيّة هامة و يوميّة : كلامكم يا هؤلاء في النافخات زمرا . فكلّ القرارات و القوانين و الأوامر و غيرها ممّا شاكلها معروف مسبّقا الوفاق حولها بحكم سيطرة حزب النهضة على أغلب مقاعد هذا المجلس الموقّر ، الذي لم يقدر بعد سنتين من الحكم على إصدار هذا الدستور الذي يبدو أنّه لن يولد إلّا بعمليّة قيصريّة ، فقد طال به المخاض و تجاوزت مدّة الحمل أكثر من حمل الفيلة . 

و في الإطار نفسه فإنّ الأحزاب المعارضة وقعت في الفخّ ذاته ، و ذلك بتلهية الناس بالمسائل البعيدة عن الآني و عن الحياة المعيشة ، و عن هموم المواطنين التي يعانون منها كلّ يوم ، و تمركزت خطبهم و بياناتهم و صحفهم و شعاراتهم حول المطالب نفسها التي كانت تنادي بها أثناء الحكمين البائدين لبورقيبة و المخلوع ، حتّى أنّنا نتساءل ، لماذا قامت الثورة إذا ؟ ... فإذا كان الهدف ، كلّ الهدف منها ، أن نتحدّث بحريّة أكثر ، و هذا حدث فعلا ، فإنّ حالنا لا تختلف عمّا قاله الجاحظ في القرن الرابع هجري حين سئل عن صورة الضيافة التي حظي بها لدى أحد معارفه فأجاب : جوع و أحاديث ، وهي المقولة التي عنون بها عميد الأدب العربي طه حسين إحدى مقالاته في كتابه " من لغو الصيف إلى جدّ الشتاء " ، هذا ما ينطبق الآن على حال التونسيين الذين صاروا عاجزين عن توفير أبسط مقوّمات الحياة ، و ذلك للغلوّ المشطّ للأسعار بكلّ أصنافها ، 

إضافة إلى الترفيع المبالغ فيه لفواتير الكهرباء و الماء و الهاتف ، و كلّها زيادات لا يتمّ الإعلان عنها ، و لكنّها تفاجئ المستهلك الذي أنهكته و أهلكته هذه الترفيعات ، حتّى أنّ بعض الضروريات كاللحم و السمك و الفواكه و الغلال غدت من الكماليات ، و افتقدتها قفاف ضعاف الحال منذ أشهر عديدة ، و أصبح من المتداول أن يحمد التونسي ربّه إن قدر على خلاص فواتير الدولة ، لينام في بيته وهو مطمئنّ خشية أن يأتي العدل المنفذ لأخذ ما تبقّى من أسماله البالية . و على ذكر هذه الثياب فليعلم الناس أنّ أغلب المواطنين حاليا لا يلبسون إلّا من " الفريب " ( الثياب القديمة المستوردة من أوروبا ) بكلّ ما يحيط بها من مخاطر و أمراض و بلايا .
 
كلّ هذا ليس سوى لقطات من مشاهد أكثر بؤسا و تعاسة لأغلب التونسيين ، الذين لا يعنيهم الآن الدستور بقدر حاجتهم إلى مقوّمات العيش الكريم ، و الحياة الهانئة ، وهي أبسط المطالب التي قامت من أجلها الثورة ، لأنّ الشهيد البوعزيزي حين أشعل النار في جسده لم يكن يطالب بحريّة الصحافة و لا بالمساواة و الشراكة بين المرأة و الرجل ، و لكن من أجل القوت اليومي الذي حرم منه هو و أغلب سكاّن المدن المنسيّة .

/ انتهت المقالة /
كاتب : صالح الدمس
رقم : 236327
شارک بتعلیقک
الإسم الثلاثي

البريد الإلكتروني
تعليقك

أهم الأخبار
إخترنا لکم