0
الثلاثاء 2 نيسان 2013 ساعة 11:56

عاصفة كاملة من التحديات الداخلية في المملكة العربية السعودية

عاصفة كاملة من التحديات الداخلية في المملكة العربية السعودية
عاصفة كاملة من التحديات الداخلية في المملكة العربية السعودية
ومن غير الواضح ما هي تفاصيل طلب الرياض، ولكن يبدو أن الشركات المعنية قد مُنحت مدة أسبوع لإرسال ردها على ذلك القرار. ويشير هذا التحرك إلى أن السلطات السعودية تشعر بقلق متزايد بشأن استخدام المواطنين لشبكة الإنترنت للتحايل على انعدام الحريات السياسية وتقويض تحفظات مجتمعية تقليدية ضد مسألة الهيكل الهرمي داخل المملكة. ويأتي ذلك فيما تنتقل الآن التقارير التي تنتقد الحكومة– والتي لم يمر وقت طويل على تناقلها شفهياً، إن حدث كذلك إطلاقاً — على الفور تقريباً إلى جمهور محلي كبير جداً، وعلى ما يبدو أيضاً شرهاً للقراءة. وهذه التوترات وغيرها في الداخل والخارج قد تفرض عدداً من المشاكل الكبرى أمام القادة كبار السن في المملكة إذا ما تركت دون رقابة.

الانتقادات

على الرغم من ثروة المملكة العربية السعودية والإعانات السخية التي تقدمها لسكان البلاد، لا يزال ثمة تباين اقتصادي هائل بين أبناء الشعب. ومنذ اندلاع الاحتجاجات في أنحاء كثيرة من العالم العربي في عام 2011، قامت الحكومة بزيادة إعانات الدعم والرواتب الحكومية لتخفيف حدة السخط الداخلي، ولكن لا يزال هناك الكثير من الاستياء.

كما أنه في أحد أطراف المملكة، توجد أجزاء من مجتمعات الأغلبية السنية التي يُشتبه في تعاطفها مع تنظيم «القاعدة»؛ في حين توجد على الطرف الآخر ثورة مستعرة من جانب الأقلية الشيعة، الذين يُنظر إليهم تقليدياً من قبل السنة المتشددين كمواطنين من الدرجة الثانية وربما حتى على أنهم غير لائقين بالإسلام. وفي وقت سابق من هذا الشهر، أعلنت السلطات عن اعتقال ستة عشر شيعياً، واتهمتهم بجمع معلومات عن المنشآت الهامة في المملكة “لصالح بلد آخر”، وهي عبارة يُفترض أنها تعني إيران.

في 15 آذار/مارس، قام الشيخ سلمان العودة، صاحب التأثير الكبير، بإرسال خطاب مفتوح على صفحاته في “الفيسبوك” و “تويتر” — حيث يقال أن لديه أتباع يصل عددهم إلى 2.4 مليون شخص — حذر فيه العائلة المالكة من الظلم والفساد التي تتبعه. وكان الدافع على ما يبدو وراء الرسالة هو حادث وقع في الأسبوع السابق، عندما تم الحكم على اثنين من النشطاء السياسيين الجريئين في انتقاداتهم، بالسجن بعد محاكمة استمرت سبعة أشهر، لنشرهما انتقادات “كاذبة” للحكومة السعودية من خلال وسائل الإعلام الاجتماعية.

وعلى الرغم من التعتيم الذي فُرض على القصة من قبل وسائل الإعلام الوطنية، قام النشطاء أنفسهم بإرسال تغريدات عن طريق موقع “تويتر” حول تفاصيل القضية. وفي الوقت نفسه، استؤنفت محاكمة ناشط آخر في الأسبوع الماضي، وهذه المرة بتهمة إهانة القضاء والتحدث إلى وسائل الإعلام الأجنبية والاتصال بمنظمات حقوق الإنسان الدولية التي تعمل كمؤسسات رقابة.

والشيخ عودة، الذي كان قد اعتقل سابقاً لانتقاده الحكومة، يعتبر رجل دين معتدل مقارنة بالمؤسسة الدينية السعودية، التي دعمت خلال سنوات عديدة وبصورة خانعة عائلة آل سعود. كما أن رسالته المفتوحة اتهمت العائلة المالكة بكونها لا ترغب في الإقرار بالحقيقة، “لتجاهلها رمزية” قيام سعوديين “بحرق صور لمسؤولين”. وكان ذلك إشارة واضحة إلى حادثة وقعت في الشهر الماضي، عندما احتج بعض السنة على اعتقال أفراد أسرهم لأسباب أمنية وقاموا بحرق صور وزير الداخلية، الأمير محمد بن نايف.

الفساد

على مدى عقود، كان ثمة عدد من أفراد بيت آل سعود محلاً للشكوى بشأن حصولهم على فوائد مالية استناداً إلى وضعهم الملكي ولتعاملهم بنمط سلوكي متعالي. وتنطوي أحدث حلقة في هذا الصدد على إقامة دعوى في بريطانيا– خلال الشهر الحالي، حيث رفضت إحدى محاكم لندن دعوى لتوفير الحصانة الملَكية لشخصيتين سعوديتين بارزتين هما، الأمير مشعل بن عبد العزيز (الأخ غير الشقيق للملك عبد الله ورئيس “هيئة البيعة” في المملكة، وهو المجلس الذي بإمكانه أن يساعد على تحديد الملك القادم) ونجله عبد العزيز.

وفي خضمّ التشاحن القانوني، ظهر نزاع تجاري بين الأمراء وشريك سابق في الأعمال، وهو أردني يزعم أن عبد العزيز حرّض السلطات السعودية لوضع اسمه على “النشرة الحمراء” للمطلوبين من جانب الإنتربول، وهو طلب دولي للاعتقال والتسليم. ولا يزال الكثير من تفاصيل هذه القضية محجوباً عن النشر بانتظار نتيجة استئناف الحكم؛ ووفقاً لقرار حكم يضم أربعين صفحة صدر الأسبوع الماضي، ادّعت هيئة الدفاع بأن عبد العزيز وأحد مساعديه يخاطران بـ “الموت والانتقام” إذا تم الإعلان عن تفاصيل وأمور خاصة.

وحتى مع ذلك، كان القاضي البريطاني شديد الانتقاد للعائلة المالكة في السعودية. إذ تضمن قرار المحكمة أن العديد من أمراء المملكة الذين يبلغ عددهم “5000 أمير” يحصلون على جوازات سفر دبلوماسية، ويُسمح لهم بتجنب جميع الأمور المتعلقة بإجراءات الهجرة العادية لدى وصولهم إلى بريطانيا، حيث تحصل السفارة السعودية على جوازات سفرهم وتتعامل مع السلطات البريطانية، وتعيد الوثائق في وقت لاحق إلى أفراد العائلة المالكة الزائرين سواء كانوا في منازلهم أو في الفنادق التي يمضون فيها وقتهم.

كذلك، فنّد القاضي جزءاً من بيان الشاهد الذي ألقاه السفير السعودي في لندن الأمير محمد بن نواف بن عبد العزيز، ابن شقيق الملك عبد الله. فرداً على مطالبة محمد بأن الأمير مشعل كان الثاني في أحقية تولي العرش بموجب حق الميلاد، ذكر القاضي “الآن ظهر عدم صحة هذا الأمر”. وعلى الرغم من أن مشعل هو أكبر سناً من الخلف الذي رشحه الملك عبد الله — ولي العهد الأمير سلمان (الذي يبلغ من العمر 77 عاماً) — إلا أنه لا يعتبر ملك محتمل لأن والدته كانت جارية أرمنية لمؤسس المملكة ابن سعود بدلاً من زوجة عربية.

الخدمات السيئة

منذ اجتياح الانتفاضات بعض مناطق الشرق الأوسط في العامين الماضيين، أعلنت الحكومة السعودية عن إنفاق ما يقدر بـ 110 مليار دولار على البرامج الاجتماعية والإعانات، على الرغم من أنه ليس من الواضح كم من المال تم إنفاقه فعلياً. وحتى في البلدات والمدن الكبرى، غالباً ما تكون الخدمات غير كافية.

إنه لشئ معهود أن يتم نشر تقرير في 27 آذار/مارس من قبل صحيفة “عرب نيوز”، التي تصدر باللغة الإنجليزية في جدة، العاصمة التجارية للمملكة. ففي أحد التقارير بعنوان “مشكلة المياه تضرب جدة من جديد”، أشارت القصة إلى أن العديد من المواقع كانت تعاني من نقص في الخزانات التي تقوم بتوصيل المياه إلى المنازل (هناك أحياء كثيرة لا تحصل على المياه عن طريق أنبوب رئيسي). أما الشحنات التي كان يتم تسليمها سابقاً خلال ساعة واحدة فهي تأخذ الآن ثلاثة أيام. وفي الواقع، يعرف عن جدة بأن لها تاريخ من البنايات التحتية غير المؤهلة: ففي أوائل عام 2011، كانت الأمطار الغزيرة تطغي على منظومة صرفها الصحي في فصل الشتاء، مما تسبب في حدوث عدد من الوفيات وأثارت مخاوف بشأن تدفق مخزون مياه المجاري من التلال القريبة وتدميرها أجزاء من المدينة.

التحديات للسياسة الأمريكية

كالعادة، تتوخى واشنطن الحذر بشأن تقديم نصائح سياسية إلى المملكة العربية السعودية، وخصوصاً فيما يتعلق بالمشاكل الداخلية. وفكما ذكر السفير الأمريكي جيمس سميث مؤخراً، إن “الركائز الثلاث” للعلاقة الثنائية هي “أمن النفط، والاستقرار، ومكافحة الإرهاب؛ أما الضغوط المتعلقة بحقوق الإنسان والتغيير السياسي فقد كانت غير منتجة”. وتلعب المملكة دوراً حاسماً أيضاً في قضيتين إقليميتين عاجلتين: فصادراتها المتزايدة من النفط تعوِّض النقص الناتج عن العقوبات المفروضة على إنتاج إيران، كما أنها تعمل مع الأردن لدعم الثوار في سوريا، وهو جهد تدعمه واشنطن. وعلاوة على ذلك، يكاد يكون من المؤكد أن يطلب المسؤولون الأمريكيون من السعوديين أن يلعبوا دوراً رئيسياً في أي إحياء عملية السلام الإسرائيلية- الفلسطينية.

لكن يظل تقدم السن واستشراء الوهن بين قادة المملكة العربية السعودية إحدى المشاكل الأكثر بروزاً. فخلال انعقاد فعاليات القمة العربية في قطر هذا الأسبوع، كان الملك عبد الله (البالغ من العمر 90 عاماً) غائباً، ومثّله ولي العهد الأمير سلمان، الذي يعتقد على نطاق واسع بأنه مصاب بعته ذهني.

وهناك تعقيد إضافي يتمثل بحساسية الرياض إزاء المعلومات المحرجة. ففي عام 2008، أوقفت لندن تحقيقاً جنائياً حول مزاعم رشوة ضد سعوديين بعد أن حذر السفير البريطاني في الرياض من أن ذلك قد يلحق الضرر في التعاون في مكافحة الإرهاب إذا ما استمر التحقيق. وهناك تقرير برلماني يلوح في الأفق حول العلاقات البريطانية مع المملكة العربية السعودية والبحرين، الأمر الذي دفع فعلاً السفير السعودي إلى الإعلان بأن المملكة قد شعرت “بالإهانة” من إجراء التحقيق.

وسعياً إلى الحد من تطور تلك التحديات الداخلية إلى عاصفة كاملة تجتاح بيت آل سعود، على واشنطن أن تضغط على الرياض لكي تتحمل قدر أكبر من المشاركة السياسية وتعمل على إسراع عملية التحول إلى قيادة جديدة داخل العائلة المالكة. ونظراً لدور المملكة البارز في مجال الطاقة، فإن الشلل السياسي الحالي في الرياض يهدد الاقتصاد العالمي. كما أنه يقلل من الدور السعودي التقليدي في العالمين العربي والإسلامي، مما يعرض للخطر الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لوقف سعي إيران لصنع سلاح نووي.

سايمون هندرسون هو زميل بيكر ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن، ومؤلف كتاب “بعد الملك عبد الله: الخلافة في المملكة العربية السعودية.”

/انتهى التحليل/
رقم : 250790
شارک بتعلیقک
الإسم الثلاثي

البريد الإلكتروني
تعليقك

أهم الأخبار
إخترنا لکم