0
الثلاثاء 29 كانون الثاني 2013 ساعة 02:32

سنتان عن الثورة ... الحلم قائم ... رغم الجو القاتم

سنتان عن الثورة ... الحلم قائم ... رغم الجو القاتم
سنتان عن الثورة ... الحلم قائم ... رغم الجو القاتم
 و لعلّه لأوّل مرّة في تاريخ تونس الحديث ، ما بعد الإستقلال ، تجتمع كلّ تشكّلات المجتمع التونسي ، بتنوّع مواقفها ، و تناقض أفكارها ، و اختلاف مبادئها و مرجعيّاتها في هذه المناسبة التي يعتبرها كلّ الناس إنتصارا للحقّ و العدل و الكرامة و كلّ مكوّنات المواطنة الصحيحة ، هذه القيم التي افتقدوها منذ أكثر من ثلاثة قرون ، أي منذ انتصاب حكم العثمانيين و تصدّر البايات لحكم تونس بداية من سنة 1705 . 

فقد أجمعت كلّ الأحزاب و المنظّمات و الجمعيات غير الحكومية التي شاركت في ، الإحتفال أو الإحياء ، في هذه التظاهرة التي تمّت في كنف النظام و الإحترام و التوافق بين كلّ أطياف المجتمع التونسي ، لتعبّر جميعهاعلى أنّ الحدث هام جدّا ، و لكنّ الذي تحقّق بعد الثورة قليل ... جدّا أيضا . 

فقد أجمع هؤلاء على أن المكسب الكبير و الوحيد الذي استفاد منه التونسيون هو حرية التعبير ، هذا المتنفّس الذي تدفّقت منه نسائم الكرامة و الحريّة بعد الخنق الذي كبّل الحناجر و كمّم الأفواه و قصم الأقلام و أعمى الكاميرا و طمس الحقّ بالباطل . فهذا الأمر لا ينكره أحد ، بل اعتبر من أهمّ المكاسب التي ناضل من أجلها كل الذين سجنوا ، سواء في عهد بورقيبة أو المخلوع ، إن كانوا من الإسلاميين ، أنصار النهضة أساسا ، أو اليساريين ، و خاصة ما كان يسمّى بالحزب الشيوعي العمالي بقيادة زعيمه التاريخي حمّة الهمّامي و زوجته راضية النصراوي التي كانت دوما شوكة في حلق السلطة الطاغية خاصة في عهد المخلوع ، و طبعا علاوة عن غيرهم من المناضلين الذين أكلت السجون أحلى سنوات شبابهم ثمنا لحريّة الرأي . هذا المكسب لا ينكره أحد لأنّه صار أمرا مشاعا ، بل لمس التونسيون هذا التحوّل ، العجيب أحيانا لدى الكثيرين ، في تعدّد وسائل الإعلام و تنوّعها ، المقروءة منها أو المرئيّة أو المسموعة ، بل الأبلغ من ذلك أن الحصار المقنّن و السرّي على الأفواه التي خيطت لعقود طويلة تفتّق و صدح كل الشعب التونسي بآرائه ، التي ليست دائما منطقيّة ، و لكنّها أراحت الصدور من ذلك العبء الثقيل الذي ضاقت به الأفئدة و لم تنطق به الألسن . و باستثناء بعض الحالات المنفردة فإنّ الإعلام التونسي ، بتكاثره و تنوّعه أزاح صخرة صلدة ، و أفرج عن المكتوم ، و أشرع أبوابا و نوافذ للتعبير الحرّ و غير المشروط و لا المراقب . 

و لكن الوضع العام لا يمكن مقارنته بالمثل السائر ، وهو أن الشجرة لا يمكن أن تخفي الغابة ، فمشاغل المواطنين ، الفقراء و العاطلين و المساكين و المحرومين أساسا ، لم يتحقّق منها سوى اليسير ، إن لم نقل أنّ هؤلاء الأخيرين لم يجنوا من هذه الثمرة ـ الثورة ، إلّا السراب و لعلّه لهذا الأمر لم تهدأ البلاد و لو لأسبوع واحد ، فالإعتصامات و الإضرابات و حالات الإنتحار ، كانت هي المشهد الذي ينام و يستفيق عليها المواطن التونسي ، لأنّ هؤلاء الذين ذكرناهم من قبل يعنيهم الخبز قبل الحديث عنه ، و الكرامة ، بكلّ مظاهرها ، عوض التحدّث عن الإنتخابات و المجلس الدستوري ، الذي أجزم أنّ أغلب الشعب التونسي لا يعرف ماهيته و لا حتّى مهامه ، و إنّما أولائك رجال و نساء نشاهدهم في التلفزة فقط . فالذي يهمّ المواطن التونسي هو قفّة العيش التي تحوّلت إلى لغز لا يمكن لأيّ موظّف أو رجل تعليم أو ، حتّى مهندس ، أن يفتح مغاليقها ، بحكم ارتفاع الأسعار التي صيّرت أعوان الدولة ، باختلاف أصنافهم إلى فقراء ، و أنا واحد منهم . 

إلّا أنّه و رغم كلّ هذه الصعاب التي يعاني منها ، الشباب التونسي خاصة ، فإنّ الحلم ما زال قائما من أنّ تونس سيكون غدها أفضل و أجمل ، و أنّ الأحلام التي خفقت بها قلوب التونسيين ستتحقّق ، لو توفّقت الأحزاب السياسيّة ، التي عوض أن تتناوش في المسائل السياسيّة ، أن تلتفت إلى المشاغل الحقيقيّة لأبناء الشعب ، ذلك الشعب الذي ضحّى بدمائه و حياته من أجل أن تكون الخضراء دولة العزّ و بلاد الكرماء و الأحرار و الشرفاء ، بعد عهود القهر و الغبن و الإذلال . 

/ انتهت المقالة /
كاتب : صالح الدمس
رقم : 235616
شارک بتعلیقک
الإسم الثلاثي

البريد الإلكتروني
تعليقك

أهم الأخبار
إخترنا لکم