0
السبت 30 تشرين الثاني 2013 ساعة 20:58

حين يكون الوطن مرّاً

حين يكون الوطن مرّاً
حين يكون الوطن مرّاً
ولهذا؛ فإن الكثير من الشعوب تركن إلى النزوح عن أوطانها حين لا تُحقِّق لها هذه النعمة، كما يحدث في حالات الحروب وحالات الاضطرابات الأمنية التي ترافق الثورات المسلحة مثلاً، كما يحدث الآن لفئات كثيرة من الشعب السوري، التي هاجرت بحثاً عن السلم والأمن، حين أهدرهما الصراع المحتدم بين المعارضة المسلحة والسلطة فراح ضحيته أبرياء كثيرون، وكما يحدث كذلك في العراق الذي هجّر كثيراً من أبنائه بحثاً عن ذات الضالة التي ينشدها البشري حين يكون طبيعياً على فطرته، بعد كل السعار الطائفي الذي يقتل عشرات الضحايا في كل أسبوع، وهو نفسه الدافع الذي من أجله يهاجر أبناء أي وطن حين يبخل عليه بخيره كما يحدث مع أبناء بعض الدول العربية التي اعتدنا رؤيتهم في كل الأقطار العربية، وهم يعملون ويبنون بلداناً غير بلادهم بحثاً عن رزقهم ورزق من يعيلون، فالفقر في الأوطان غربة لا يتحقق معها الأمان لأن المواطن سيكون مشغولاً بقلقه طوال حياته، وهو ما يدعو بعض أخواننا من المواطنين لهجرة بلادنا خوفاً من الملاحقة الأمنية بسبب رأي سياسي أو كلمة حق قيلت في وجه ظالم.

في بلادنا، صار طعم الهواء مرَّاً بعد أن نُفِيَ المواطنون ووطُِّن الأغراب، وصارت الأرض شوكاً وهي تضنُّ بخيراتها على بنيها، بينما تقرّب من جاءها طامعاً.

في بلادنا صار الفساد أمراً طبيعياً يمرّ مرور الكرام في صفحات تقارير أخذت الوقت والجهد الكبير لإعدادها وكتابتها، لتخرج في كل عام بمئات الفضائح المكشوفة التي تخفي وراءها مئات أخرى لم يعلَن عنها أو لم يستطع الآخرون كشفها لأنها مناطق محرمة عليهم ومحرمٌ على أي مواطنٍ الخوض فيها ودخول محيطها، فصار الفساد مدعاة أخرى لانعدام الأمان لما يتبعه من سرقة لأموال المواطن وخير البلاد في وضح النهار وبمباركة رسمية في ظل سياسة الإفلات من العقاب التي عرفناها منذ أن فهمنا معنى الفساد بعد أن انقشع الضباب عن أعيننا لإصرارنا على الرؤية من غير حجاب.

فالوزراء الذين يباركون كل هذه السرقات ويوقعون الأوراق مازالوا على مقاعدهم، والمدراء الذين سرقوا مازالوا محميين، والموظفون الذين نفذوا يتمتعون حتى اليوم بالمكافئات والهبات، بينما المواطن الشريف يبحث عن عمل يليق بشهاداته وشرفه وإخلاصه فلا يجد.

في بلادنا تسقط قطرة مطر فتغرق القرى والمدن والشوارع الرئيسية حتى تلك التي صُرِفت على صيانتها ملايين الدنانير، وما إن تتوقف الأمطار، حتى تشرع الجهات المسئولة «بشفط» المياه كما «شفطت» الخيرات من قبل، وتنسى أن تقوم بواجبها كاملاً، فاليوم مازالت بحيرات المياه في بعض القرى موجودة على الرغم من تصريح الوزارة المعينة بأنها انتهت من شفط جميع المياه في فترة قياسية.

في بلادنا يعجز المرء عن تعداد مواطن الضعف، وتعداد مواطن الفساد، وتعداد مواطن القهر التي يعيشها المواطن، ويعجز عن تعداد عدد المواطنين المحرومين من أبسط حقوقهم كالسكن الملائم لتكون أرقام المنتظرين من أبناء الوطن الأصليين وعدد سنوات انتظارهم دليلاً على عجز المسئولين عن حل هذه المشكلة، والعمل المناسب، والخدمات الصحية المناسبة، كمرضى السكلر التي عرَّت معاناتهم كل التصريحات الواهية لوزارة الصحة ومنتسبيها، والأخطاء الطبية المتكررة مازالت تحتل الصفحات الأولى من الصحف اليومية، كما يعجز المرء تماماً عن تعداد عدد الأراضي المسروقة وعدد الدنانير المنهوبة وعدد الصفقات غير القانونية التي تتم من تحت الطاولة ومن فوقها وفي الظلام والنور.

في بلادنا صار من يكتب كلمة حق في عداد المشكوك بوطنيتهم، ومن يكشف السرقات عميلاً مدسوساً، ومن يدافع عن حقه وحق أبنائه مجرد دمية تحركها دولة خارجية فلا يستحق أن يكون مواطناً.

هلَّا غيَّرت طعمك يا وطني لتصبح بطعم الشهد بدلاً من طعم قهوتهم التي لا أحب.


بقلم: سوسن دهنيم 

/ انتهى المقال/
رقم : 326200
شارک بتعلیقک
الإسم الثلاثي

البريد الإلكتروني
تعليقك

أهم الأخبار
إخترنا لکم