0
السبت 29 آذار 2014 ساعة 20:10
كتبت نسيب شمس

قطر.. وشهية الغيلان

قطر.. وشهية الغيلان
قطر.. وشهية الغيلان
يكشف الكاتبان الفرنسيان ‫كريستيان شونت وجورج مالبرونو في كتابهما «قطر: إستراتيجية الغول»، الذى صدر في العام 2013، والذي إحتل رأس قائمة أكثر الكتب مبيعا فى أوروبا، تكفي لكشف الوجه الآخر لحمد بن جاسم : صفقاته وعمولاته التى تحوم حولها علامات استفهام ليس لها عدد. صراعاته الداخلية العنيفة مع ولي العهد، الأمير تميم آنذاك. 

ربما كان حمد بن جاسم سياسياً قوياً، لكنه ليس الأقوى فى قطر، ربما كان ثريا، لكن ثراءه الآن يخضع لرقابة أجهزة مكافحة الفساد فى الدوحة. 

يصفه أحد الأجانب الذين تعاملوا معه عن قرب لمدة ثلاثين سنة بأنه: «القوة الضاربة، والذراع المسلحة للأمير القطري. لا ينام سوى أربع أو خمس ساعات ليلاً، والأمير حمد لا يملك طاقته على العمل. وهو وهابي محافظ، لا يراه الناس أبداً مع زوجاته في العلن، وظل لفترة طويلة يملك وحده الحق في أن يكون مكتبه ملاصقاً لمكتب الأمير حمد في قصر الديوان الأميري». 

تولى حمد بن جاسم منصب رئيس الوزراء في 2007، وظل محتفظاً بمنصب وزير الخارجية معه. ويقول أحد أقاربه لمؤلفي الكتاب: «إنه هو من يمسك بالاتصالات والعلاقات الدولية القطرية كلها فى قبضته، ويدرك الأمير حمد أنه قادر على الاعتماد تماماً عليه، فالشيخ حمد بن جاسم يمتلك موهبة خرافية فى التفاوض، وقدرة بارعة على توصيل الرسالة المطلوبة بالضبط كما يريد». 

ويصف الكتاب الشيخ حمد بن جاسم بأنه: «رجل أعمال محنك، لا بد أن تكون له صلة من قريب أو من بعيد بكل الشراكات والصفقات المالية والتجارية التي عقدتها قطر في السنوات العشرين الأخيرة. كما أن قائمة ممتلكاته وثرواته تثير الإعجاب: فهو يرأس شركة الخطوط الجوية القطرية، وبنك قطر الدولي، ونائب رئيس هيئة الاستثمارات القطرية، ومؤسسة قطر القابضة، ذراعها المسؤولة عن شراء العقارات في الخارج. وهو يملك أيضاً فندقي الفور سيزون وويست باي في الدوحة، وفندقي راديسون وتشرشل في لندن». 

أما عن رجال حمد بن جاسم، ومندوبيه في إتمام الصفقات، فيذكرهم الكتاب بالتفصيل: «في عديد من المفاوضات والصفقات التجارية والصناعية، تكون عائلة الفردان الشيعية الكبيرة في قطر هي ممثلة حمد بن جاسم، خاصة كبيرها حسين الفردان، مصحوباً بأولاده علي وفهد وعمر.
 
أما «مديرو» صفقاته، الذين يتولون مهمة ترتيب تفاصيلها، فأبرزهم الشيخ محمد العقر، أحد أعضاء مجلس إدارة بنك قطر الدولي، ووزير الطاقة الشيخ غانم بن سعد السعد، الذى يقوم بدور جندي الاستطلاع في مفاوضات حمد بن جاسم مع المؤسسات الأجنبية، وكان هو الرجل الذي أرسله لجس النبض في صفقة شراء فندق كارلتون في مدينة كان الفرنسية». 

وأورد الكتاب الفرنسي واقعة غريبة عن التعامل المالي للشيخ حمد بن جاسم، يقول: «لقد انتبه حمد بن جاسم مبكّراً لقوة ونفوذ المال على الناس، وهو يرى أن كل شيء، وكل شخص، يمكن شراؤه، بشرط أن تضع له الثمن المناسب. ومنذ فترة طويلة، قبل أن ينقلب أمير قطر الحالي على والده الأمير خليفة فى أوائل التسعينات، جاء اثنان من رجال الأعمال الفرنسيين لزيارة خليفة، الأمير القطري الأسبق في منزله في مدينة كان الفرنسية، سعياً لتعزيز وتوسيع أنشطة شركاتهما في قطر.
 
هنا، سأل الأمير خليفة، الذي لم يكن مهتماً بالبيزنس أصلاً، وزير خارجيته حمد بن جاسم عما ينبغي قوله لرجلي الأعمال، فرد عليه ابن جاسم : قل لهما أن يناقشا هذا الأمر معي أنا ! ووصل رجلا الأعمال الفرنسيان إلى فيلا الريان، مقر إقامة الأمير خليفة، وبعد دقائق من المناقشة، قال الأمير: إن حمد بن جاسم هو الذي يهتم بشؤون الأعمال الخاصة بنا، سأترككم معه الآن.. ونهض ابن جاسم مرافقاً الأمير خليفة حتى الباب، متظاهراً بأنه يهمس فى أذنه بكلمات ما، وعندما عاد إلى رجلي الأعمال الفرنسيين قال: أنا أشعر بحرج بالغ لأنني مضطر إلى أن أقول هذا، لكن الشيخ طلب 20 مليون دولار لنفقاته الخاصة ! هو لن يقول لكما هذا، أنا في غاية الحرج». 

ويؤكد مؤلفا الكتاب أنهما حصلا على هذه القصة من أحد قيادات شركة الأعمال التي كانت تتفاوض على توسيع أعمالها في قطر، وأكد القصة لهما مصدر آخر من قلب العائلة الحاكمة، وواصلا: «كانت تلك غالباً هي الـ20 مليون دولار الأولى التي وضع حمد بن جاسم يده عليها من الشركات الفرنسية التي تعمل في قطر. وإن كان من غير المؤكد أن الأمير خليفة قد رأى هذه الأموال أصلاً».
 
ويتابع: «ابن جاسم مثله مثل الشيخة موزة، عدوته اللدودة، يعتبره البعض مبالغاً في ظهوره، بينما أمير قطر نفسه يقول صراحة إن حمد بن جاسم هو أغنى رجل في قطر، إلا أن كل هذا النشاط كان سبباً في إثارة الكثيرين ضده، لم تكن صدفة مثلاً أن عائلة (العطية)، التي يعتبر أفرادها من رفاق درب أمير قطر، شكلت مركزاً لمكافحة الفساد في قطر منذ بضعة أعوام. ظاهرياً، قيل إن هذا المركز يستهدف مكافحة هذا (الشر) الذي يلتهم الإدارة، إلا أنه في واقع الأمر كان سيفاً مصلتاً على رأس حمد بن جاسم على وجه التحديد». 

وبدأ الضجيج بالفعل، ففي قلب العائلة المالكة القطرية فلا أحد يجهل أن حمد بن جاسم تلقى ما بين 200 إلى 400 مليون دولار في صورة عمولات، بعد إتمام صفقة شراء محلات هارودز الشهيرة في لندن، التى كان يملكها الملياردير المصري محمد الفايد، وفي فرنسا تلقى حمد عمولة قدرها 200 مليون دولار من شركة مقاولات بهدف بناء جسر بين قطر والبحرين، وهو جسر لن يرى النور في القريب غالباً.. واللائحة تمتد لتشمل أكثر من ذلك بكثير. 

وتتردد قصة بأن حمد بن جاسم، الذي ورث عن أبيه أراضي شاسعة، كان الوحيد من بين عائلة آل ثاني الذي قال له والده : اذهب لإتمام دراستك في الولايات المتحدة، لكني لن أنفق عليك مليماً، عليك أنت أن تتصرف حتى لو قمت بغسيل السيارات! 

أما ابن حمد، جاسم، فهو وسيطه عادة في الشؤون الخاصة، يقول عنه أحد رجال الأعمال الفرنسيين إنه يرسله كثيراً في طليعة كتيبة المفاوضين على عقد ما سيتم توقيعه بين الشركات، ربما لأنه ورث عن أبيه سرعته التي تقترب من سرعة البرق في إنجاز وعقد الصفقات، وهي المزايا التي جعلت حمد بن جاسم دائماً موجوداً وظاهراً في قطر، كما لو أن الأمير حمد غير قادر على الاستغناء عنه. 

ويذكّر الكتاب مثلاً بتلك الواقعة التي جرت بين أمير قطر وعدد من ملوك وأمراء دول الخليج، وتدخل فيها الأمير لحماية حمد بن جاسم، ففي أحد اجتماعات قادة مجلس التعاون الخليجي في سلطنة عمان، تحدث حمد بن جاسم بلهجة لم تعجب الكبار فى المجلس، فقالوا صراحة لأمير قطر: نحن نريد أن نعاقبه، أو ألا نراه بيننا مجدداً.. إلا أن الأمير تدخل لصالح وزيره قائلاً: عفواً، لن أقبل المساس بحمد، أنا من سيحدد ما سأفعله في هذا الموضوع.. وهو ما جعل البعض يرى أن أقصى عقاب يمكن أن يفرضه الأمير على حمد بن جاسم، هو أن ينتزع منه منصب رئيس الوزراء، ويترك له منصب وزير الخارجية الذي أثبت فيه أنه أكثر نفعاً. ويرى البعض أن هناك سبباً لعدم المساس بحمد بن جاسم، هو أنه كان يمسك بين يديه بكل أسرار تمويل الصفقات التي تعقدها قطر في الخارج، وظل يتحكم فيها لوقت طويل. 

لكن، تظل هناك تلك الصراعات القاسية التى يمكن أن تغيّر مسار حمد بن جاسم، وخاصة صراعه مع الشيخة موزة، وابنها ولي العهد تميم، الذي عهد إليه والده بملفات صفقات التسليح التي ظلت في يد حمد بن جاسم لوقت طويل، وبدأ يدخله إلى قلب نفوذ حمد بن جاسم، وهو مجال الدبلوماسية والعلاقات الدولية لقطر. وكانت الحرب على ليبيا هي التي شهدت تزايد دور الأمير تميم في مجال العلاقات الخارجية لقطر. 

وصار أمير قطر يعتمد على ابنه أكثر فأكثر لإدارة الملفات الدبلوماسية المهمة التي كانت في الأساس مهمة رئيس الوزراء. وخلال الحرب ضد نظام القذافي فى ليبيا، كان الأمير تميم هو المسؤول عن الاتصالات بالقبائل الليبية، التي لعبت دوراً شديد الأهمية والحسم في الإطاحة بالقذافي. 

وكان نجاح تميم في إدارة الملف الليبي سبباً في أن يعتمد عليه والده من جديد في تعامل قطر مع الأزمة السورية، وهو الملف الذي أشعل الصراع بين حمد بن جاسم وعزمي بشارة، رجل تميم في الملف السوري، على حد وصف الكتاب. 

تقول إحدى البرقيات الدبلوماسية السرية التي أرسلتها السفارة الفرنسية في الدوحة وفقاً للكتاب، إنه «في أزمة سوريا سعت قطر لحشد التأييد الدولي لدعم المعارضة السورية بكل الوسائل والسبل؛ حشد الفنانين، تقديم الدعم المالي والسياسي للمجلس الوطني السوري، تحريك رجال الأعمال السوريين.. باختصار، كل ما يمكن أن يجعل الدوحة عاصمة المعارضة السورية التي يتم التخطيط لمستقبل سوريا فيها». وتواصل البرقية: «وكما حدث فى ليبيا، فإن رجلاً واحداً لعب دوراً محورياً في هذا التحرك، هذا الرجل هو عزمي بشارة، نائب الكنيست الإسرائيلي السابق من عرب إسرائيل، والرجل الذي تم نفيه من إسرائيل بسبب صلاته بحزب الله، واستضافته الدوحة بعدها لكي يدير أحد مراكز الأبحاث فيها. إن عزمي بشارة، المقرب من الأمير تميم، منخرط مع المعارضة السورية منذ بداية الأزمة، لكنه اضطر لاحقاً إلى أن يتراجع أمام رئيس الوزراء حمد بن جاسم، الذي انتزع ملف الأزمة السورية وأحكم قبضته عليه». 

والصراع على أرض سوريا ستنعكس آثاره حتماً على الصراع الدائر في قلب العائلة المالكة القطرية بين حمد بن جاسم والأمير تميم بن حمد، خاصة بعد فشل ابن جاسم في وضع حد للأزمة. يقول المؤلفان: «إن الوضع في سوريا شديد التعقيد بالنسبة لقطر، خاصة في ظل وجود دول أخرى لها مصلحة في الانتقام؛ فالعراقيون مثلاً يقولون إنهم يملكون دلائل على أن القطريين يقومون بتمويل الإرهابيين في جماعة جبهة النصرة، وهي الامتداد السوري لتنظيم القاعدة في العراق. مثل هذا الكلام هو أساس الانتقادات المبطنة التي يوجهها الأمير تميم، الأكثر حذراً، لطريقة التعامل مع الملف السوري، إلا أنه في نهاية الأمر لا يملك ذلك الملف تحت يده». 

ويقول أحد الدبلوماسيين الأوروبيين العاملين في الدوحة : «إن التوازنات الداخلية في قطر ستهتز لو ازداد تعقد الأزمة السورية، وتعذر الوصول إلى حل للصراع فيها. وستزداد حتماً حدة المعركة المكتومة الدائرة بين حمد بن جاسم، الذي يتحرك في الملف السوري، وبين ولي العهد، الذي يملك وجهة نظر مختلفة في إدارة هذا الملف». 

وتقول إحدى البرقيات الدبلوماسية التي أرسلتها السفارة الفرنسية في الدوحة: «إن القطريين يتحركون على أساس قرارات يتخذها بضعة رجال من وحي اللحظة، أو يتخذها الأمير منفرداً. لا يبدو أن السلطة في قطر عندها تخطيط على المدى الطويل، ولكنها تتحرك وفقاً لما يقتضيه الموقف لحظتها، وهذا ما يمثل نقطة ضعفها الأساسية». 

إن مجال الدبلوماسية، الذى يتحرك فيه حمد بن جاسم منذ عشرين عاماً ويمثل قلب تحركاته كلها، هو المجال الذي تفجرت فيه كل طاقاته، ليضع نفسه بوضوح في قلب المجتمع الدولي. وفي اجتماع لمجلس الأمن، أرادت فيه قطر أن تفرض عقوبات على سوريا، أصر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على الاعتراض بحق الفيتو على أي مشروع قرار في هذا الصدد، فسأله حمد بن جاسم: كم تريد مقابل رفع اعتراضكم بحق الفيتو؟ فرد عليه لافروف: إياك أن تتخيل أنكم قادرون على شراء كل شيء بالمال. وتعجب الحاضرون من هذا النقاش الذى يتم في غير محله، وتوترت العلاقات بين روسيا وقطر منذ ذلك الوقت. 

ويروي أحد الدبلوماسيين المغاربة، في مقابلة مع مؤلفي الكتاب يوم 12 ديسمبر 2012، عن واقعة حدثت في قلب جامعة الدول العربية في المغرب، وجّه خلالها حمد بن جاسم تهديداً صريحاً لوزير الخارجية الجزائري مراد المدليسي، الذي كان رافضاً بشدة تبنّي موقف معارض للنظام السوري بالطريقة التي تريدها قطر، فصاح فيه حمد بن جاسم: “اسكت أنت، دورك سيأتي!”، ثم استدار للحاضرين الذين صمتوا مبهوتين قائلاً: “على كل حال، ليس أمامكم إلا أن تتبعوني، لأن الأميركان ورائي أنا:. 

لكن، ربما كانت نظرة الأميركيين أنفسهم لحمد بن جاسم تختلف، يقول الكتاب: «إن حمد بن جاسم يضغط منذ زمن طويل على أعصاب نظرائه، فبعد الحرب الإسرائيلية على حزب الله في لبنان عام 2006، كان من المفترض أن يكون هناك غداء يختتم اجتماعاً في نيويورك عقدته وزيرة الخارجية الأمريكية وقتها، كوندوليزا رايس، مع وزراء الخارجية العرب، لكن كوندوليزا رايس هتفت: كلا أرجوكم، لا أريد حمد بن جاسم تحديداً، سيستمر في استعراضه ! ولم يبذل أي من الوزراء العرب أدنى جهد لمحاولة تغيير رأيها أو الإصرار على أن يحضر حمد بن جاسم الغداء». 

لا يوجد بلد واحد في العالم يسمح لرئيس وزرائه ولا لوزير خارجيته بإهانة أحد نظرائه، وحده حمد بن جاسم كان يجرؤ على ذلك، لأنه يتصرف كأنه أمير ثانٍ. ووصلت به الجرأة يوماً ما إلى أن يدس ميكروفوناً تحت السجادة خلال مناقشة جرت بينه وبين ملك السعودية الراحل الملك فهد!. 

فحمد بن جاسم، مثل قطر، يمتلك شهية الغيلان.. نجح مؤخراً في أن يضع يده على كل استثمارات البترول والغاز المملوكة لهيئة الاستثمارات القطرية، مستفيداً من اختفاء منافسه، الشيخ أحمد العطية، من قيادة وزارة الطاقة، إلا أنه في النهاية يمتلك عقلية حقيقية للمساومة و(الفصال)، كما لو كان كل شيء بالفعل معروضاً للبيع في سوق.
 
وحدث مرة أنه كان يريد الاستحواذ على إحدى الشركات الفرنسية، فطلب من المسؤولين فيها (تخفيضاً) على سعر الأسهم المعروضة للبيع فيها، فقالوا له على الفور: مستحيل! هذه صفقة بين شركاء، نحن لسنا في سوق هنا! واحتاج الأمر إلى أن يتدخل أمير قطر شخصياً ليعيد العقل إلى ابن عمه. لكن، عندما قال له شركاؤه الفرنسيون بعدها: لقد خسرت، رد ضاحكاً: أنا لم أخسر شيئاً، يكفيني أنني حاولت.
رقم : 367242
شارک بتعلیقک
الإسم الثلاثي

البريد الإلكتروني
تعليقك

أهم الأخبار
إخترنا لکم