0
السبت 24 كانون الأول 2011 ساعة 02:23

الدوما وخارطة الحضور الروسي الجديد

الدوما وخارطة الحضور الروسي الجديد
الدوما وخارطة الحضور الروسي الجديد
ومن الواضح، بأن بوتين وميدفيدف ومعهما الحزب الشيوعي الروسي وحزب روسيا العادلة، يواجهان معاً الكتلة الرابعة في الدوما المعنونة بكتلة (الحزب الليبرالي الديمقراطي) المنساق وراء النموذج الأمريكي، والمرتبط بجماعات اللوبي اليهودي في العالم، إضافة إلى النخب الروسية المتأمركة.

وتحديداً بالنسبة لملف قضايا الاتحاد الأوروبي ومسألة الدرع الصاروخية، وملف التجارة الدولية والغاز الروسي المتدفق عبر خط سيل الشمال، وملف الأزمة السورية الداخلية، الأمر الذي سوف يؤدي إلى المزيد من الاستقطابات والاصطفافات داخل مجلس الأمن الدولي، في وقت باتت فيه روسيا مصممة على متابعة دورها الصاعد في إطار مجموعة دول البريكس (روسيا ـ الصين ـ البرازيل ـ جنوب أفريقيا ـ الهند) التي يعول عليها لعب دور كبير ومؤثر في القضايا والأزمات الدولية ومنها الأزمات المالية والاقتصادية على وجه الخصوص.

وبالرغم من تراجع حضور (حزب روسيا الموحدة) بقيادة فلاديمير بوتين وفق النتائج الأخيرة المعلنة قياساً بالانتخابات البرلمانية الماضية، إلا أن حصول الحزب المذكور على نسبة (49,3%) من الأصوات، وهو ما يمنحه (238) مقعداً في مجلس الدوما (البرلمان الروسي) يعني فيما يعنيه بأن التيار السياسي الرئيسي في البلاد قد فاز في الانتخابات ومعه برنامجه المعلن في (مواجهة ومكاسرة) الإرادة الأمريكية التي تسعى (للي عنق) القيادة الروسية وتطويعها على مستوى الأزمات الدولية الراهنة ومنها ملف الأزمة الوطنية الداخلية في سورية العربية.

فانتصار حزب فلاديمير بوتين (حزب روسيا الموحدة) في الانتخابات تم إسناده أيضاً بحصول الحزب الشيوعي الروسي على الكتلة الثانية في مجلس الدوما بواقع (92) مقعداً، وهو حزب يقف في صف التحالف مع حزب روسيا الموحدة بالنسبة للسياسات الخارجية ويفترق عنه بالنسبة للسياسات الاقتصادية والاجتماعية الداخلية.

فيما حصل الحزب الديمقراطي الليبرالي على (56) مقعداً، وحزب روسيا العادلة على (64) مقعداً، علماً أن عدد مقاعد مجلس الدوما يبلغ (450) مقعداً، ينتخب أعضاؤه لمدة خمس سنوات. والأحزاب التي تحصل على سبعة في المائة على الأقل تضمن مقاعد على أساس نسبة الأصوات، الأحزاب التي تحقق نتيجة بين ستة وسبعة في المائة تحصل على مقعدين، ومقعد واحد لأولئك الذين يحصلون على ما بين خمسة وستة في المائة. وبحسب المعطيات الرسمية الروسية فان عدد الناخبين المسجلة أسماؤهم بلغ حوالي (109) مليون شخص.

إن نتائج انتخابات الدوما الروسي، تعني بالضبط بأن الشارع الروسي قد عبر عن قناعاته السياسية والاجتماعية ومشروعه للإصلاح الاقتصادي عبر النتائج التي أفرزتها صناديق الاقتراع التي باتت تؤشر على حقيقة حضور وقوة الأحزاب في الشارع الروسي.

ولكن، رب قائل يقول بأن المرحلة المعاصرة لم تعد مرحلة المواجهات العسكرية، وهو كلام صحيح بدرجة عالية، وهو ما أثبتته أيضاً تجارب الولايات المتحدة الفاشلة في أفغانستان والعراق، إلا أن نشر نظام الدرع الصاروخي الأمريكي على تخوم الغرب الروسي يشير بأن الأسلوب الحديث للمواجهة بدأ يأخذ أشكالا جديدة ومتنوعة، بدءاً من التهويل والتخويف والابتزاز العسكري والتلويح بالسلاح الاستراتيجي وتكنولوجيا التفوق العسكري، إلى أساليب الحصار السياسي مرورا باستخدام الأدوات الاقتصادية. فالمخاطر ستبقى قائمة بكل الحالات، أمام الرعب الناتج عن الإفراط في نشر العتاد الثقيل المرعب في أرجاء مختلفة من المعمورة.

لقد نجحت روسيا نسبياً في تحقيق خطوات ملموسة ونوعية في انتقالها من مرحلة التفكك والانهيار والضياع بعد تفكك الاتحاد السوفييتي السابق عام 1990، وأصبحت في وضع حالي يختلف كلياً مقارنة بمرحلة حكم الرئيس السابق بوريس يلتسين، فلم تعد روسيا تبحث عن بضعة مليارات من الدولارات لحل أزماتها الاقتصادية، وقد لا تكون في موقع فرض إرادتها كقوة عظمى، إلا أنها عادت بالتأكيد طرفاً دولياً مؤثراً لا يمكن تجاهل مصالحه في نطاق العالم والسياسة الدولية كما تحاول واشنطن منذ انهيار الاتحاد السوفييتي وولادة القطبية الأحادية.

وعلى ضوء ما أوردناه حيال العلاقات الغربية مع موسكو ونتائج انتخابات مجلس الدوما الأخيرة، فأن قيادة الكرملين معنية بتأكيد غرضين اثنين، الأول ألا تتنازل عن مركزها كدولة عظمى ومقررة في الشأن الدولي، والتي مثلها سابقاً الاتحاد السوفييتي في موازنة مع القوى الرأسمالية المنتهكة لشعوب العالم. والثني أن تعاود صعودها الاقتصادي والعسكري.

ومن هنا، يمكننا أن نتوقع خطابات حازمة من جانب موسكو حيال الغرب في الأشهر المقبلة, فموسكو في خطواتها السياسية ومجمل علاقاتها الدولية، تدرك الآن ضرورة وقف الاستقطاب الأحادي في العالم الذي استهدفها قبل غيرها، حيث سعت عملت واشنطن على تسجيل شروطها على كافة الأطراف الدولية، وتقزيم مصالحها بصرف النظر عن مصالح الآخرين. كما تعي موسكو أيضاً بأن بناء العالم متعدد الأقطاب لا يمكن أن يتم ببساطة، بدون صراعات سياسية وأكثر من سياسية في لحظات معينة، وأن مرحلة المواجهة السياسية ولو الهادئة تمثل السبيل لردع سياسات بعض الأطراف الغربية التي تمنح نفسها بالشراكة مع واشنطن حقوقاً اكبر من حجمها على الساحة الدولية.

/ انتهى التحليل /
كاتب : علي بدوان
رقم : 124684
شارک بتعلیقک
الإسم الثلاثي

البريد الإلكتروني
تعليقك

أهم الأخبار
إخترنا لکم