0
الثلاثاء 22 نيسان 2014 ساعة 13:38

استراتيجية اميركا لحرب الاستنزاف؟!.. والرد السوري؟

استراتيجية اميركا لحرب الاستنزاف؟!.. والرد السوري؟
استراتيجية اميركا لحرب الاستنزاف؟!.. والرد السوري؟
لكن اميركا تعلم جيدا ان لحرب الاستنزاف مستلزماتها التي لا بد منها اولا لادامتها و استمرارها خلال الوقت المحدد لها ، ثانيا من اجل احداث ما يتوخى منه من ضغوط . و انطلاقا من هذا اليقين و عطفا على واقع الميدان يبدو ان اميركا باتت مقتنعة بان ما تريده من حرب الاستنزاف غير ممكن الحصول بالنظر الى واقع الحال و مجريات الميدان وفقا للمعطيات الراهنة القائمة حاليا ، اذ ان قدرات الادوات المسلحة من الجماعات التكفيرية تراجعت او تآكلت على صعد ثلاثة :

الاول على صعيد المواجهة مع الجيش العربي السوري و القوات الرديفة ، حيث فقدت الكثير من مواقعها الاساسية و كانت الخسارة الفاجعة استراتيجيا و ميدانيا متمثلة بخسارة الجبهة الغربية اي الحدود مع لبنان بشكل افقدها اهم و اخطر قاعدة تموين و تجهيز و تحشيد نظرا لخطوط الامداد القصيرة و قدرة هذه الجبهة على التأثير العميق على جبهة القلب و الوسط حيث الثقل النوعي الاستراتيجي للدولة اي دمشق و ريفها التي باتت مسألة تنظيفها و تطهيرها مسألة وقت ليس اكثر .

اما الثاني فكان على صعيد العلاقات البينية داخل الجماعات المسلحة ذاتها حيث انها شهدت منذ سنة تقريبا توترا فاحتكاكا فانفجارا و تناحرا ادى الى شهر العداء بين هذا التظيم او ذاك كما هو الحال بين جبهة النصرة و تنظيم داعش اي تنظيم ما يسمى دولة اسلامية في العراق و الشام ، حيث كان صراع على النفط و على مغانم الحرب و على النساء وصولا الى تكفير احدهما الاخر و قتل احدهما لعناصر الاخر و قيادته الى الحد الذي تنقل مصادر شبه محايدة ان حصاد قتال التناحر بين المسلحين و الجماعات الارهابية فيما بينها تعدى ال 10الاف قتيل منهم 400 مما يسمى قادة او امراء لدى هذا التظيم او ذاك .

اما الثالث فيتمثل ب "يقظة او صحوة او وعي او خوف " لدى بعض الدول ال 83 التي منها جاء الارهابيون المسلحون الى سورية و بدء تلك الدول بالتضييق على حركة هؤلاء و منعم من السفر ما ادى الى تراجع الدفق الارهابي الخارجي المتجه الى سورية فعلى سبيل المثال نجد ان تونس وحدها منعت 5 الاف شخص من التوجه الى الميدان السوري فضلا عن دول اخرى عربية او غير عربية حدت حذوها لاسباب مخنلفة و ان الاردن قصفت سيارات المسلحين لدى عودتهم الى مناطق الاستراحة و التدريب القائمة علىت اراضيها باادرة اميركية خليجية اسرائيلية . و قد ادت هذه ادت التدابير من هنا و هناك الى خفض عددد الارهابين في سورية بنسبة تزيد عن ال 30 % ، و اذا اضيف ما لحق بالمسلحين من خسائر نجد ان قدراتهم اليوم لا تتعدى ال 45% من قدراتهم قبل سنة .

على ضوء ذلك باتت اميركا تخشى ان تتمكن الدولة السورية من الاجهاز على المسلحين و استعادة السيطرة و اعادة الامن و الاستقرار الى كامل المناطق التي دخلها المسلحون خلال السنتين الاوليين من سنوات الحرب - العدوان ، و يكون في ذلك انتصار مدوي لمحور المقاومة من طبيعة استراتيجية و عسكرية و سياسية ايضا يحدث مفاعيله و تداعياته على كامل الاقليم بل و يتعداها ، لذلك انقلبت اميركا الى حرب الاستنزاف لتمنع حدوث الانتصار المخشي منه في توقيت لا يناسبها خاصة وانها اليوم بصدد اعادة التموضع في العالم و التخفيف من الوجود العسكري المباشر في منطقة الشرق الاوسط لتتفرغ اكثر الى الشرق الاقصى مع اكتمال الانسحاب من افعانستنان دون ان ننسى الازمة الاوكرانية التي وقعت لتشكل نكسة كبيرة للسياسة الاميركية و الغربية عامة ما جعلها تبدي حذرا كبيرا في مسألة التعاطي مع الاخفاق في سورية .

من اجل ذلك اعتمدت اميركا استراتيجية حرب الاستنزاف في سورية لتمكنها من كسب الوقت الى الحد الاقصى الممكن و احداث الضغوط بالمقدار الذي يجعلها تخفف من حجم خسارتها لدى الاخراج السياسي التسووي الذي تعول عليه مستقبلا في نهاية هذه الحرب البديلة . و قد ارست اميركا الاستراتيجية تلك كما يبدو على اركان ثلاثة تمكنها من معالجة الثغرات في الميدان القتالي و في مجال التسليح و مجال الدعم السياسي و المالي و الاعلامي و بهذا نفسر سلوكيات مستجدة كالتالي :

اولا : الاعلان عن تزويد اميركا للجماعات المسلحة التي اسمتها معتدلة ب 20 صاروخ "تاو" مضاد للدروع ، عملية ترافقت مع ضجيج اعلامي يكاد يوحي و كانها جهزتها بالقنبلة النووية ، و رغم ان هذه الصواريخ ليس من شأنها ان تحدث تغييرعسكري في الميدان ، فان وظيفتها الاساسية معنوية و نفسية حيث ارادت اميركا ان توجه عبرها رسالة مضمونها بانها دخلت علانية و مباشرة في الميدان و لهذا اعتبر هذا التسليح بصواريخ تاو يندرج في اطار الحرب النفسية لوقف تدهور معنويات المسلحين المتآكلة و الحد من حالات انهيارهم المتتابعة بعد الهزائم التي منيوا بها على اكثر من جبهة من الجبهات الخمس خاصة في الغرب و الشمال و الوسط ، خاصة و ان القيادة العسكرية المدافعة عن سورية برعت في اعتماد " الانهيار الادراكي للخصم " سبيلا لتحقيق الانتصار عليه خاصة في معارك القلمون مؤخراً .

ثانيا ادخال اسرائيل و تركيا في الحرب بشكل مباشر و لكن ضمن سقف محدود . و كان هذا من الاوراق الاحتياطية التي ترى اميركا بانها تضمن لها اعادة تسعير الحرب استنزافاً عبر رفع معنويات المسلحين في كل مرة يحقق فيها الجيش العربي السوري انجازات ميدانية هامة ذات ابعاد استراتيجية . لكن هذا الادخال و كما يبدو لن يكون مفتوحا على احتمال حرب اقليمية سواء في ذلك على جبهة الشمال او على جبهة الجنوب لاعتبارات متعددة منها ما يتعلق بالاطراف المعنيين مباشرة و منها ما يتصل بالخريطة الاستراتيجية الدولية المعاد تشكلها في السنة الاخيرة من الازمة في سورية ، و هنا لا بد من كلمة حول الدور الايرني الفاعل و بقوة في لجم اي انزلاق تركي غير محسوب ، دون ان تنزلق ايران الى ما يبتغيه العدو .

ثالثا. ترميم جبهة العدوان عبر تسوية الخلافات او البدء بتسويتها على الصعيد الخليجي بين قطر و السعودية و اتباعها . و ترى اميركا ان تصدع مجلس التعاون الخليجي في هذا الوقت بالذات سيكون له ارتدادات سلبية قاسية على ما تخطط له في سورية ، لذلك و رغم انها هي من ابتدع اصلا لعبة الحصانيين الخليجيين الذين تراهن عليهما في تنافس مستمر فانها رأت ان تهدأ اللعبة لوقت ما حتى تخدم مشروع حرب الاستنزاف في سورية ، فاعطى اوباما في زيارته الاخيرة للمنطقة الاشارة لتابعيه الخليجيين بتجميد الخلافات الان و السعي الى تطبيع العلاقات للتفرغ للمهمة الاساسية في العدوان على سورية .

هذا ما يبدو ان الغرب بقيادة اميركية اعتمده ليستمر في عدوانه على سورية ليستنزفها اكثر ، لكن السؤال الان الذي يراود الذهن يدور حول قدرات الغرب في حرب الاستنزاف و قدرات سورية و حلفائها في التعامل مع هذه الحرب على صعدها المختلفة .

في اطلالة سريعة على ما تقوم به سورية و حلفاؤها في "محور المقاومة و الدفاع " نجد ان المدافع وقف على خطة المعتدي و استوعبها و وضع الخطط المقابلة لاجهاضها و التفلت من مخاطرها ، و يتمثل الرد في السير قدما في المواجهة لدفاعية على الصعد المتعددة , السياسية ( السير قدما بالتحضير لانتخابات الرئاسة دون التوقف عند تهديد او تحذير يصدر من خصم او عدو) و اقتصاديا ( احتواء الضغط على الليرة السورية و تنشيط ما امكن من الاقتصاد الوطني و الانتاج المحلي ) و الاهم نجده في المجال العسكري حيث نسجل التطوير في ادارة العلميات العسكرية بحيث تحفظ القدرات العسكرية الى الحد الاقصى و تجنب الخسائر في الارواح و العتاد الى الحد الاقصى مع الحاق اكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوف الجماعات الارهابية ، سلوك ترافق مع الانجاز الاستراتيجي الهام المتمثل باغلاق جبهة الغرب مع لبنان و احتواء مبرمج لجبهة القلب و الثقل الاستراتيجي للدولة حول دمشق ما يمكن من القول ان الدولة باتت تمتلك منفردة اكثر من نصف الاوةراق في الميدان من غير شريك ، و تبقى ال 40% الاخرى متقلبة في مستويات التحكم بين هذا و ذاك لكنها لصالح الدولة في مجملها العام .و قد اعطت الدولة في ادارتها للمعركة الدفاعية في كسب و محيطها نموذجا واضحا لكيفية التعامل مع حرب الاستنزاف الجديدة بما يرسخ الطمأنينة في النفوس لجهة النتائج المرتقبة .و يمكن من القول ان الغرب الذي عجز عن تحقيق اهدافه في الحرب الاساسية لن يبلغ شيئا من احلامه في حرب الاستنزاف مهما عمل على اطالتها .

-العميد د. امين محمد حطيط -
رقم : 375389
شارک بتعلیقک
الإسم الثلاثي

البريد الإلكتروني
تعليقك

أهم الأخبار
إخترنا لکم