0
الأربعاء 19 كانون الأول 2012 ساعة 02:23
الجهاز القضائي متواطئ مع رغبات الأجهزة الأمنية

انتهاكات حقوق الإنسان والحريات العامة في البحرين صفحات سوداء من تاريخ آل خليفة

الناشط السياسي البحريني عبد الهادي الخواجة
الناشط السياسي البحريني عبد الهادي الخواجة
ولكن من دون جدوى، فالقبيلة هي القبيلة والنظام الحاكم الاستبدادي الرجعي هو نفسه، ما زال يسيطر على مقاليد الأمور، والهيمنة العربية الرجعية، والدولية الظالمة، ما زالتا تحتضنان هذا النظام الطائفي المقيت، وتقويان شوكته متغاضيتين عن سوءاته، وممارساته اللا انسانية، وتضييقه على الحريات العامة، وتغيير ديمغرافية البلاد عبر القيام بعمليات تجنيس واسعة، وقتله المزيد من الشباب البحريني عبر قوّاته من شرطة وجيش معزّز بقوّات خارجية يقودها الجيش السعودي، وكذلك عبر ميليشياته الموتورة، ومرتزقته من المجنسين، الذين لا يتورعون عن استخدام إشكال الترويع والترهيب المختلفة، والاستخدام المفرط للقوة، والتغول في القتل وانتهاك حقوق الإنسان، بتفويض من قيادة سياسية مطلقة تتجاوز وزير الداخلية وتتجاوز حتى رئيس الوزراء. 

وعليه فإن المسؤول الأول عن هذه الجرائم هو ملك البلاد حمد بن عيسى، وإن قتل العشرات من أبناء البحرين، لهو في عنق الملك، الذي يتحمل المسؤولية الكاملة عن إراقة الدماء في شوارع المنامة، وما أفراد الجيش والشرطة والمليشيات الذين مارسوا القتل والتنكيل في الناس إلا عبيد يأتمرون بأمر مولاهم يشاطرونه في الجرم على مستوى التنفيذ، ويتحمل هو وزر ما أمر به وكذلك الجنود والعناصر العائدون إلى أكثر من جهاز امني بحريني وغير بحريني.

ولقد اعترف تقرير القاضي الدولي الدكتور محمود شريف بسيوني رئيس لجنة تقصي الحقائق، الذي أجرى تحقيقاً مفصلاً عن الأوضاع في البحرين، اعترف بالتمييز ضد قطاع عريض من أبناء وبنات الشعب البحريني، وممارسة التعذيب في السجون والمعتقلات، والذي ذكر فيه بشكل واضح، عدم الزج بإيران في تلك الثورة الباسلة وعدم إلصاق التهم بها، وهذا يظهر الحق للشعب البحريني في أنه كان ينطلق من أجندة وطنية محضة ويبين أن إيران بريئة مما ينسبه لها ملك البحرين وإعلامه وأفراد إعلامه من مزيفي الحقائق وجحافل المرتزقة. 

ومنذ اندلاع المظاهرات الاحتجاجية في البحرين قبل قرابة العامين، والغرب يغض النظر، ويكيل بمكيالين في تعاطيه مع الانتفاضة الشعبية البحرينية، من دون أن يراعي حقوق هذا الشعب وحقه في أن يعيش كريماً عزيزاً، إلى أن أثارت قضية الناشط السياسي البحريني عبد الهادي الخواجة الذي أضرب عن الطعام في شهر آذار/مارس الماضي (حيث يقضي عقوبة في السجن مدى الحياة، تنفيذا لحكم قضائي صادر عن محكمة عسكرية في حزيران/ يونيو 2011م، لأنه شارك في الاحتجاجات المطالبة بالإصلاح السياسي والديمقراطي)، أثارت اهتماماً دولياً غير مسبوق، حيث أكدت السيدة هيلي ثورننغ رئيسة وزراء الدنمارك أن حالته الصحية تدهورت وانه قد يكون فارق الحياة، بينما أعربت السيدة كاثرين اشتون وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي عن قلقها الشديد على وضعه الصحي وطالبت السلطات البحرينية بـالتوصل إلى «حل إنساني لوضعه». 

قبل ذلك لم يحدث مثل هذا الاهتمام، وعلى هذا المستوى، من قبل المسؤولين الأوروبيين، الأمر الذي عرض الغرب وكذلك العرب (ممثلين بجامعة الدول العربية - التي وجدت منذ الأساس لكي تدافع عن الأنظمة القمعية والديكتاتورية، والتي تنفذ اليوم السياسات الأميركية الصهيونية)، إلى اتهامات متعددة بالانتقائية والنفاق في نظرتهم إلى مجريات الأوضاع في عدد من البلدان العربية. 

ذلك أنهم يتجاهلون شعباً ينتفض مطالباً بحريته وحقوقه، وله تاريخ في الكفاح الشعبي، وحركته الثورية من أنشط الحركات في منطقة الخليج، وأعمقها وعياً، وأطولها نفساً، وعلى مدى عقود، وتجاهلها يقع في خانة التمييز الطائفي، والتشويه، والتحريض، وتبرير القمع في بلاد تحكم عائلياً، حيث تمتلك العائلة الوطن مُلكية خاصة، وتحتكر الممتلكات والثروات وتنهبها وتتقاسمها بين أفرادها. 

فعلى المستوى الإقليمي والدولي، أدارت المجموعة الدولية ظهرها لما يجري في البحرين من حراك جماهيري عارم، أو انتفاضة، ومحاولات خنق لهذا الشعب من خلال رشو الإعلام وشراء ذمم الكثير من الإعلاميين والمثقفين العرب والغربيين، وتأجيج التوتر المذهبي من أجل تضليل الرأي العام العربي والإسلامي. 

أما على المستوى السياسي، فكانت الأجندة الإقليمية تعمل وفق خطة مدروسة للقضاء على أي تحرك عربي تجاه البحرين، فاشترطت على العراق عدم إدراج قضية البحرين في القمة العربية المنصرمة، وهددت بعدم المشاركة إذا وضع بند البحرين على جدول أعمال القمة، وحاولت تحييد الموقف العراقي وتجييره إلى جانب النظام. 

وإذا كانت الأنباء تحمل بين فترة وأخرى صوراً عن حالة الإرهاب السائدة هناك، عبر حملات الاعتقال الواسعة أو قمع المظاهرات وتفريق الاجتماعات بالعنف، فإن الممارسات اليومية لأجهزة الأمن والمخابرات، والتي لا تحظى، دائماً، باهتمام الفضائيات (العربية)، وفضائيات الديمقراطيات الغربية، المعنية بحقوق الإنسان، والحريات، وحق التظاهر، وكذلك وكالات الأنباء والصحف، تؤكد باستمرار طبيعة النظام وعمق معاداته للتطلعات المشروعة من الحياة الحرة والكريمة. 

فمنذ قمعت الجماهير البحرينية في دوّار اللؤلؤة، تتواتر الأنباء الشحيحة عن الانتفاضة الشعبية البحرينية، دون أي تركيز إعلامي، بل بتجاهل مقصود، لأن جزيرة البحرين تقع في خاصرة السعودية، وهي كانت دائماً أشبه ببؤرة ثورية قابلة للانتشار في محيطها الخليجي، ولا سيما السعودية التي تتأجج نار الغضب فيها تحت الرماد الذي بدأ بالتوهج وتطاير الشرر. 

قمع الحريات العامة: قوانين بريطانية جائرة تتحكم برقاب العباد !!
منذ عدة عقود والبحرين تتصدر القوائم التي تصدرها المنظمات الدولية المهتمة بشؤون حقوق الإنسان، مثل «منظمة العفو الدولية»، حول الدول التي ينعدم فيها احترام الإنسان وحقوقه ويحرم من حق ممارسة الحريات المدنية والسياسية. فلم يخل أي من تقاريرها السنوية من تعداد لتعديات السلطة في البحرين على حريات وحقوق المواطنين فيها.
وتشير التقارير إلى أنه ومنذ خمسينات القرن يمكن بالنسبة للوضع البحريني، فيما يتعلق بالحريات تطبيق التمييز ما بين ثلاثة مجالات: 

أولاً: احترام الحريات المدنية والسياسية، وفي مقدمتها حرية الفكر، والتعبير والصحافة والمعتقد وحرية الاجتماع والمساهمة في النشاط السياسي والثقافي والاجتماعي، وكذلك حرية التنقل، بما في ذلك حرية السفر إلى الخارج. 

ثانياً: توفير الضمانات القانونية والسياسية، لممارسة المواطن للحريات المدنية والسياسية، وضمان احتياجاته الأولية كشرط لازم لممارسة هذه الحريات وذلك عبر توفير القوت والعمل والعناية الصحية والتعليم والأمان. 

ثالثاً: احترام كرامة الشخص، وحرمة منزله، وعدم تعرضه للاعتقال الكيفي، ولأي نوع من أنواع المعاملة الحاطة بالكرامة الإنسانية، والتعذيب، والحرمان من المحاكمة العادلة والعلنية. 

وبالرجوع إلى صفحات من التاريخ، يتبين لنا أنه ومنذ العام 1956م تغيرت الأوضاع القانونية في البحرين، وفي أعقاب قيام السلطات البريطانية في البحرين بتصفية «هيئة الاتحاد الوطني»، التي قادت نضال الشعب البحريني بفاعلية، طوال أكثر من سنتين، في سبيل إحداث إصلاحات أساسية، عبر قيام مجلس تشريعي بانتخابات حرة ونزيهة، ووضع قوانين جنائية ومدنية، متواكبة مع العصر، وبموافقة المجلس التشريعي، وإصلاح المحاكم وتنظيمها، واعتماد المؤهلات الحقوقية عند تعيين القضاة، وكذلك السماح بتشكيل التنظيمات والنقابات العمالية، وإنشاء محكمة دستورية. 

وبالرغم من جماهيرية «الهيئة» الواسعة، ومقدرتها، المتفاوتة الدرجة، في تجنيد فئات اجتماعية واسعة حول مطالبها، فإن السلطات البريطانية، التي لم تكن على استعداد لقبول إحداث أي تغييرات أساسية في الأوضاع القائمة آنذاك، عاجلت بتصفية «الهيئة»، مستفيدة من الأجواء التي سادت إبان العدوان الثلاثي على مصر (خريف 1956م).
وتوجهت السلطات البريطانية، بجانب اعتقال قادة «هيئة الاتحاد الوطني» ومحاكمتهم الصورية ونفيهم إلى جزيرة «سانت هيلانة»، إلى ضرب كافة أشكال النشاط السياسي والنقابي المتصاعد. فأعلنت حظر كافة التنظيمات والجمعيات، بما في ذلك اتحاد العمال، وأغلقت جميع الصحف المحلية والتي كانت جميعها تنطق باسم الشارع الوطني. إلا أن البريطانيين وجدوا أنفسهم أمام حاجة ملحة لتقنين الأوضاع في البحرين وإن بحدودها الدنيا. 

ولقد كانت بدايات نشاطهم في هذا الصدد قيام بعض خبرائهم بالأشراف على وضع مجموعة من القوانين، أهمها قانون العمل، وقانون العقوبات.
ويهمنا هنا (المادة 63) من قانون العقوبات التي نصت على أن «يسجن مدى الحياة كل من خلع صاحبة الجلالة عن عرشها أو أجبرها على التنازل عن امتيازها الملكي أو سلطتها في أي جزء من ممتلكات صاحبة الجلالة أو الأقاليم التي تحت حمايتها، أو وصايتها، وذلك بوسائل العنف أو التهديد أو أية وسيلة أخرى غير مشروعة». 

تأخذ هذه المادة أهميتها من حيث أن روحيتها، بشموليتها، قد شكلت الأساس القانوني للعلاقة ما بين السلطة والمواطن البحريني منذ ذلك الحين. واعتبر أي نشاط سياسي، منذئذ، وبشكل مزاجي، نشاط يهدف إلى تهديد سلطة صاحبة الجلالة في البحرين أحد «الأقاليم التي تحت حمايتها». 

ولقد استندت القوانين البريطانية، من أجل الوصول إلى فاعليتها القمعية، على:
1 ـ جهاز شرطة متزايد العدد، وذي أدوات وأساليب تواكب التطور في حقل القمع.
2 ـ جهاز قضائي (جمعية من أفراد العائلة الحاكمة) غير ملمة بأصول القضاء، وغير آبهة بها وبتطبيقها. 

وكما كان التخلف الاجتماعي ينعكس في نصوص القوانين وصور تطبيقها، وكما يؤثر على أوضاع الحركة الوطنية ويبطئ من وتيرة نموها، فإنه كان ينعكس على مواقف السلطة تجاه معارضيها. فهي لم تكن تلجأ إلى ساحة المحاكم إلا في الحالات القليلة والنادرة، وكانت تعمد إلى سحب جنسية ونفي أي معتقل لم يثبت عليه ما يدينه. أما أولئك الذين «ثبتت» عليهم تهمة ما، أو وجد لديهم مستمسك، مهما كان واهي الدلالة، فإنهم كانوا يقدمون لمحاكمة صورية، فالسجن، فسحب الجنسية فالأبعاد عن البلاد. وخلال العشرين عقدي الستينات والسبعينات من القرن الماضي أبعدت أجهزة المخابرات عشرات المواطنين عن البلاد، وسحبت منهم جنسياتهم، كإجراء انتقامي وبدون سند قانوني. ومازال سحب الجنسية وعدم تجديد جوازات السفر إجراء متبعاً. 

ولقد ساهم تنامي الحركة الوطنية وتفاقم الأزمة العامة التي تعيشها شرائح عريضة من الشعب البحريني، والتي تلقت شرارة انفجارها بقيام «شركة نفط البحرين الأميركية»، في بداية مارس 1965م، بفصل بضع مئات من عمالها بشكل تعسفي، مما أدى إلى اندلاع المظاهرات والإضرابات التضامنية في كافة مناطق البحرين. ولقد استمرت «انتفاضة مارس 1965م» لأسابيع عدة، قبل أن تتمكن السلطات، مستعينة بالجنود البريطانيين والشرطة العمانية، من إخمادها ومنع تفاقمها. ولقد أدت المواجهة العنيفة إلى سقوط عدد من الشهداء، واعتقال بضعة مئات من المواطنين، وتقديم عدد منهم إلى المحاكمة الصورية. 

وفي خضم تلك الأحداث، أصدرت السلطة مرسوم بقانون رقم «(1) السنة 1965م»، والذي منحت نفسها، بموجبه، حق تفتيش واعتقال واحتجاز أي مواطن، ولمدة غير محدودة، إذا ما ارتأت في ذلك الشخص تهديداً للنظام العام.
وسيبقى هذا المرسوم مخيماً على البلاد كمبرر قانوني لاعتقال المئات من المواطنين عبر فترة امتدت حتى شهر تشرين الأول/ أكتوبر 1974م، حين أصدرت الحكومة مرسوماً أكثر شراسة «لحفظ الأمن والنظام» وهو مرسوم «أمن الدولة»، الذي سنأتي على ذكره لاحقاً. 

لقد أكدت أحداث 1965م أهمية الدور الذي تلعبه المنظمات الوطنية السرية، وكذلك مدى تأثير مساهمة الفئات الاجتماعية الدنيا، من عمال وطلبة وموظفين وتجار صغار، في العمل الوطني، كما وتبينت السلطة ضرورة تحديث توجهاتها وأساليبها تجاه النشاط السياسي المتناهي، ولد تأكدت هذه الضرورة بعد أن قامت عناصر من «جبهة التحرير الوطني البحرانية»، في 19 آذار/ مارس 1966م وبمناسبة مرور عام على الانتفاضة الوطنية، بنسف سيارتي ضابطي المخابرات، (لنكدنل بوب) البريطاني الجنسية و(أحمد محسن) الأردني الجنسية. ولقد أصيب الضابطان إصابات بالغة، كما أدت هذه العملية الجريئة إلى شل جهاز المخابرات، الذي كان يعتمد، اعتماداً شبه كلي، على (بوب)، في وقت كانت البلاد تطل فيه على أبواب مرحلة جديدة، بدأت بداياتها العلنية بإعلان بريطانيا عن نيتها الانسحاب من الخليج، وبدء الحديث عن ملء الفراغ الأمني فيه، وبدء تحويل البحرين إلى مركز رئيسي من مراكز هيمنة الشركات والمصارف الأجنبية على مقدرات بلدان الخليج وثرواتها. 

لهذا، وبسبب نمو قوى الحركة الوطنية والعمالية والتي خاضت، رغم يفاعتها وتأثرها بضربات المخابرات، معارك عديدة وغنية، فلقد جاء الفريق الثلاثي، المكون من (هندرس ونوهيغينز وشور)، ليقود جهاز المخابرات بأساليب حديثة ومتطورة. 

إلا أن الأطر القانونية للممارسات القمعية للسلطة البحرينية ظلت متخلفة وعاجزة عن مواكبة التطورات العامة في البلاد، سواء على صعيد نمو وتحديث البنى التحتية للمجتمع، أو على صعيد نمو الحركة الوطنية عددياً ونوعياً. بل ويمكننا القول أن تخلف هذه الأطر القانونية قد ساهم، وفي مناسبات عديدة، بتزويد الحركة الوطنية بذخيرة إضافية.
لقد ظل «قانون العمل لعام 1957م» سارياً، حتى استبداله في العام 1976م، بقانون آخر، يعتبر، من جوانب عديدة، أكثر سوءاً وتخلفاً من سابقه الذي صدر في ظل الوصاية البريطانية. 

فعلى سبيل المثال، نظم «قانون العمل لعام 1957م» النزاعات العمالية وأقر للعمال حق الإضراب، وإن بشروط مرهقة، وأقر للعمال حق التنظيم في نقابات واتحادات مهنية.
إلا أن «قانون العمل الجديد» جاء ليلغي حق الإضراب، وحق تشكيل النقابات والاتحادات المهنية، نهائياً. 

لقد ساهم تخلف الأطر القانونية عن متابعة التطورات الجارية في استمرار السلطات البحرينية في استخدام أكثر الإجراءات «لا قانونية»، حتى في تلك الفترات التي أملت عليها مصالحها الانصياع للضغط الشعبي، والظهور بمسوح السلطة التي تسعى لتطبيق القوانين بحذافيرها. 

وتتعدد الأمثلة على هذه الحالة من عجز الإطار القانوني عن احتواء حجم ودرجة الإرهاب. فعلى سبيل المثال نذكر قضية عمال شركة «البا»، الذين قدمتهم المخابرات إلى المحاكمة بتهمة القيام بإضراب «غير قانوني» في 1974م. وحيثي أن الإضراب كان بالفعل قانونياً، وحسب القوانين السائدة آنذاك، ولأن فريقاً من المحامين الوطنيين قد هب للدفاع عن عمال «البا»، فلقد وجدت المحكمة المتوسطة نفسها مضطرة للأمر بقبول إطلاق سراحهم بكفالة. 

إلا أن المخابرات ما كانت لترضى بمثل هذه النتيجة، فرفضت تطبيق الحكم واستمر احتجاز العمال، رغم أن المحامين الذين أًروا على متابعة الأمر قضائياً، قد استحصلوا على قرار من المحكمة العليا يؤيد إطلاق سراح العمال مقابل كفالة. إلا أن العمال ظلوا محتجزين للفترة التي ارتأتها المخابرات كافية كعقاب على مشاركتهم في الإضراب العمالي. 

تجريد من الحقوق المدنية والسياسية بغطاء قانوني !!
لقد واجهت السلطات مشكلة تخلف قوانينها، وضرورة تحديها لتكون قادرة على استيعاب تطورات الأمور وتنامي قدرات القوى الوطنية، وتعدد أشكال وأساليب مواجهتها للإرهاب.
وفي هذا المسار يمكن النظر إلى «قانون العمل لسنة 1976م» و«قانون العقوبات لسنة 1976م»، بصفتهما محاولتان من قبل السلطات لتجاوز هذا التخلف. فقانون عقوبات 1976م يحوي فصلاً طويلاً ومفصلاً للقضايا المتعلقة بالنشاط السياسي، أو ما يسمى بأمن الدولة، وهي المواد من (112 إلى 184). ولقد نصت المادة (185) منه على أن كل ما يتعلق بأمن الدولة هو من اختصاص محكمة خاصة تشكل بمرسوم أميري. 

وحين صدر المرسوم رقم (7 لسنة 1976م) والخاص بتأسيس المحكمة، ونصت المادة السابعة منه على أن «تكون الأحكام الصادرة من المحكمة نهائية وغير قابلة للطعن فيها بأي طريق من طرق العنف». 

وعلى الرغم من أن قانون العقوبات الجديد يحوي أفضل نتائج الأدمغة الحقوقية المستوردة من مصر والتي خبرها المناضلون المصريون منذ عهد الملكية، والتي أدخلت عقوبة التجريد من الحقوق المدنية والسياسية، وهو أمر لم تفعله حتى السلطات البريطانية، وبالرغم من محاولة مواد القانون الإحاطة بكل تفصيل، مهما بلغت دقته، فيما يتعلق بنشاط المعارضة، إلا أنه ليس كافياً. فما زالت السلطات البحرينية تطبق «مرسوم أمن الدولة لسنة 1974م» السيئ الصيت والذي يعطي المخابرات الحق في اعتقال أي مواطن لمدة ثلاث سنوات دونما حاجة لتحديد تهمة له أو تقديمه إلى المحاكمة، ولو صورية. 

لا يمكننا، في حقيقة الأمر، وصف مرسوم أمن الدولة إلا بكونه قانون طوارئ، متعدد الأغراض أقر للاستخدام عبر أشد التفسيرات تعسفاً. ففي الوقت الذي يجيز فيه لوزير الداخلية (أقر رئيس دائرة المخابرات الكولونيل إيان هندرسون) أن يعتقل أي مواطن أو مواطنة لأي سبب كان، وكما هو الحال بالنسبة للعديد بدون سبب، فهو غير مطالب بتقديم موجبات للاعتقال. وتنقسم الثلاث السنوات التي يحق للمخابرات احتجاز المواطنين إلى: 

1 ـ فترة الثلاثة أشهر الأولى، حيث يبقى المواطن بدون معرفة التهمة الموجهة إليه، ولا المبرر القانوني لاعتقاله.
2 ـ فترات متعاقبة كل منها ستة أشهر، ينص المرسوم على وجوب إحالة أوراق المعتقل إلى المحكمة المختصة، حال انقضاء الثلاثة أشهر الأولى، لكي تنظر في مسألة تمديد احتجازه، على ضوء محتويات ملف سري تقدمه وزارة الداخلية، لا يحق للمعتقل ولا محاميه الإطلاع عليه أو معرفة مصدر المعلومات التي يحويها. 

وبجانب «مرسوم أمن الدولة»، فما زال عدد من المراسيم والأوامر الإدارية التي تطبق رغم وجود نصوص أكثر حداثة، ورغم أن بعضها صدر في عهد المستشار البريطاني (بلغريف)، حاكم البحرين الفعلي للفترة ما بين (1926 - 1957م). فعلى سبيل المثال، هناك أمر إداري صادر منذ بداية لخمسينات يمنع موظفي الدولة من ممارسة السياسة، وهو الأمر الذي استند إليه قانون الانتخاب ليمنع قيام أي موظف في الدولة بممارسة حق الترشيح للمجلس البرلماني. 

ويبدو واضحاً من استعراضنا السابق أن النصوص القانونية المتعلقة بضمان حرية ممارسة المواطن لحقوقه المدنية والسياسية حينما تتوافر، فإنما تتوافر كنصوص جامدة ليس إلا. فمن خلال الجهاز القضائي المتواطئ مع رغبات المخابرات، ومن خلال التفاسير المتعسفة للنصوص، ومن خلال الأوامر الإدارية والمراسيم الأميرية ومن ثم الملكية تنقلب أكثر النصوص بريقاً وتماثلاً مع مبادئ حقوق الإنسان إلى أدوات لحرمانه من هذه الحقوق، ومبررات لحرمانه من حرياته. 

فقانون المطبوعات والنشر يقول بأن حرية الصحافة مصونة، لكنه يضع عشرات العراقيل والمحظورات في وجه ممارسة تلك الحرية.
وينص الدستور على أن للمنازل حرمة يجب أن تصان، إلا أن مرسوم أمن الدولة يلغي هذه الحرمة، كما أن ممارسات جهاز المخابرات تجعل النص الدستوري طرفة مؤلمة الوقع.
وإذ ينص الدستور على مساواة المواطنين في الحقوق والواجبات، وأمام القانون، إلا أن ما أشرنا إليه فيما يتعلق بالمواطنين يؤكد انعدام قيمة هذه النصوص، من جهة، وانعدام وجود ضمانات فعلية لتطبيقها، من جهة أخرى. 

إن للأجهزة الأمنية سلطات واسعة تتمتع بها، عبر مراسيم وتشريعات، وحتى بدونها، لملاحقة واعتقال واحتجاز أي مواطن، ومراقبته، والتلصص عليه، وعلى تحركات وبريده واتصالاته، وكذلك عبر اشتراط حصول المواطن على شهادة عدم ممانعة من هذا الجهاز، من أجل أن يتمكن من الحصول على وظيفة، أو جواز سفر، وقبل سفره لمواصلة التعليم أو العلاج. ويصل تدخل الأجهزة الأمنية في حياة المواطن إلى حد الإيعاز بطرده من عمله، ومنعه من مزاولة عمله الحر، أو سحب رخصة ممارسة العمل التجاري. 

إن كل هذه السلطات، التي تتمتع بها الأجهزة الأمنية، تعني حرمان المواطن البحريني من إمكانية الاستفادة من أي ادعاء، مهما كان شكلياً أو لفظياً، بضمان ممارسته لحرياته السياسية وحقوقه المدنية. هذه الممارسة، التي سيكون ثمنها مصادرة حقوقه كإنسان في الحياة، والعمل، والعناية الصحية، والتعليم والأمان.
وتعرضه للاعتقال الكيفي، ولكافة أنواع المعاملة الحاطة بالكرامة الإنسانية، والتعذيب والحرمان من المحاكمة العادلة والعلنية. 

وفيما يتعلق بالمعاملة الحاطة بالكرامة، فإن شهادة كل من دخل المعتقل تؤكد ليس فقط عدم اكتراث الأجهزة الأمنية بكرامة المواطن المحتجز، بل وأيضاً تعريضه لكل ما هو مهين.
وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى الأوضاع المزرية للسجون في البحرين وعدم اكتراث المسؤولين لتحسينها، رغم مختلف أشكال الاحتجاج التي يقوم بها المعتقلون والسجناء، بما في ذلك الإضراب لمدد طويلة عن الطعام. إلا أن جواب المسؤولين يكون، عادة، بحرمان المعتقلين السجناء، إثر كل احتجاج، مهما كان بسيطاً أو رمزياً، من حق مقابلة أهاليهم الشهرية، ولشهور عديدة. 

وعلاوة على وضع السجون المزري. فإن الرعاية الصحية معدومة فيها، رغم أن هناك عدداً من السجناء والمعتقلين مصابون بأمراض مزمنة، ويحتاجون إلى الرعاية الصحية.
ومع مرور الأيام، وتصاعد الحراك الشعبي ضد ممارسات (آل خليفة)، والمطالبة بتحقيق العدل والحرية والكرامة والمساواة لأبناء البحرين جميعاً، وليس لفئة، أو لأبناء طائفة..، يتنافس أصحاب القرار في المملكة، وضباط الأجهزة الأمنية في تطبيق مختلف صنوف التعذيب، مسلحين بلعبة الطائفية التضليلية، التي هي من اختصاص السلطات الجائرة، لأنها تحافظ بها على امتيازاتها في الحكم. 

ولكن رغم كل هذا القمع الوحشي، الذي مارسته ميليشيات (آل خليفة) وقوّات درع الجزيرة، لم تخمد نيران الانتفاضة الشعبية البحرينية، وهي بنظر أي منصف تبدو الأوضح، والأكثر جذبا شعبياً، والأبعد عن العنف، فهي سلمية رغم التنكيل اليومي، والسجون، ومحاولات تشويه توجهاتها، رغم وضوح وعدالة مطالبها، وشعاراتها، وأصالة وطنيتها، وعمقها التاريخي ففي الوقت الذي كان فيه البحرينيون يناضلون من أجل «دمقرطة» مؤسسات بلادهم، وتفعيل أدوارها، لبناء مجتمع مدني ينعم بحكم ديمقراطي. في هذا الوقت كان الحديث عن الديمقراطية في باقي دول الخليج مقتصراً على النخب في تلك المجتمعات، ولمجرد التنظير أو لإظهار عضلات الفكر والثقافة والتميز في المجتمع، ولم تكن مثار اهتمام غالب المجتمع الخليجي. فقد انشغل الناس بالثروة الجديدة المتمثلة في عوائد النفط وبكيفية الاستفادة منها وتوظيفها وتنميتها أكثر من انشغالهم بموضوعات الحكم وإدارة المجتمع ومؤسساته وفق النظام الديمقراطي. 

وتبرز كافة المعطيات أن المعارضة البحرينية ساعية في تصعيد حراكها، أيا كانت التضحيات، لتحقيق مطالبها المشروعة، وفي مقدمتها المطالبة بمملكة دستورية (أي أن يكون الملك يملك ولا يحكم)، للخلاص من «النظام الأبوي»، الذي لم يعدّ ينفع في عصر المؤسسات والتكتلات، ذلك لأن مركزية القرار والتفكير والتنفيذ لم تعد تتوافق مع التطورات الحاصلة من حوله، بل أصبح التفكير الجماعي والإرادة الجماعية وتحمل المسؤوليات مطالب شرعية وحقيقة واقعية. 

كما تتمسك قوى المعارضة والجمعيات السياسية البحرينية بـ«ـوثيقة المنامة» التي تلخص مطالب الشعب البحريني بحكومة منتخبة «تمثل الإرادة الشعبية» بدل الحكومة المعينة ويكون للمجلس النيابي صلاحية مساءلة أعضائها، ومنح الثقة وسحبها من رئيس الوزراء والوزراء في حال فشلهم بتنفيذ البرنامج الحكومي الذي يقره المجلس النيابي عند تشكيل الحكومة، وكذلك تطالب بنظام انتخابي عادل يتضمن دوائر انتخابية عادلة تحقق المساواة بين المواطنين، وبسلطة تشريعية تتكون من غرفة واحدة منتخبة كلياً بالاقتراع المباشر الحر، والابتعاد عن الوصاية الحكومية أو التعيين منها، وتنفرد (السلطة تشريعية) بكامل الصلاحيات التشريعية والرقابية والمالية والسياسية، وبقيام سلطة قضائية موثوقة ومستقلة، بالإضافة إلى أنها تطالب بالأمن للجميع عبر اشتراك جميع مكونات المجتمع البحريني في تشكيل الأجهزة الأمنية والعسكرية المختلفة، وإقرار سياستها الأمنية لخدمة الوطن، لا أجهزة أمنية وعسكرية تشكل درعاً للسلطة وذراعاً للحكومة في معاقبة المعارضة. 

واستناداً لما سبق، نوجز، فنقول: إن إدارة الظهر من قبل المجموعة الدولية، ومنظمة التعاون الإسلامي، وجامعة الدول العربية، لما يجري في بلد - بالكاد يبلغ عدد سكانه ستمائة ألف مواطن - من انتهاك لحرية الإنسان وخنق حرية التعبير إلى أقصى الحدود، وإلى الحصار الأمني والإعلامي والسياسي للشعب البحريني قد يقود إلى انفجار كبير، وهذا التفجير مؤشر على أن الأمور قد تصل إلى مكان لا رجعة فيه! 

لذلك كله، من المفيد أن تنظر العائلة المالكة، المستبدة بالحكم، والمستأثرة بالسلطة، والتي تعدّ من أعتى الرجعيات العربية، بمسؤولية كبيرة إلى ما يجري بالبلاد، وأن يتم التعاطي مع الأزمة الراهنة – ذات الجذور التاريخية - بطريقة عقلانية، وحلها سياسياً، وأن تعمل على تحقيق مطالب الشعب البحريني الذي يريد تطبيق إصلاحات جدية. وبطبيعة الحال لا يمكن أن يتم ذلك إلا بالتخلي عن الممارسات الأمنية القمعية، والخيار العسكري البعيد كل البعد عن الأساليب الديمقراطية وعن حقوق الإنسان، والذي من شأنه أن يجر البحرين إلى صراع لا تحمد عقباه. وذلك بأن تكون المواطنة هي الأساس في الحياة السياسية البحرينية، ونبذ الخطاب الطائفي، وإتباع نهج المصالحة بين مختلف فئات الشعب البحريني، وبالتفاهم وبالحوار الجاد بين قوى المعارضة والحكومة، وإيجاد صيغة دستورية جديدة، تحظى بالموافقة من الأغلبية الشعبية عبر جمعية تأسيسية أو عبر استفتاء شعبي.

/ انتهى التحليل /
كاتب : أوس داوود يعقوب
رقم : 222669
شارک بتعلیقک
الإسم الثلاثي

البريد الإلكتروني
تعليقك

أهم الأخبار
إخترنا لکم