0
الاثنين 14 نيسان 2014 ساعة 15:17

إخوان اليمن وسؤال الديمقراطية قبل وبعد الثورة الشعبية

إخوان اليمن وسؤال الديمقراطية قبل وبعد الثورة الشعبية
إخوان اليمن وسؤال الديمقراطية قبل وبعد الثورة الشعبية
لقد غدا الإصلاح شريكا فاعلا في السلطة، ما يجعله مسئول بشكل كبير عن مستقبل الديمقراطية في بلد يفترض أنه يعيش تحولاً ديمقراطياً منذ ما يزيد عن عشرين عاماً.
 
وحتى لا يكرر الإصلاح الأخطاء القاتلة التي ارتكبها نظام صالح وحزب المؤتمر الشعبي العام، فعليه أن يوازن بين طروحاته التي لم يجف حبرها بعد، وبين سلوكيات قياداته في الأجهزة الحكومية، التي تنم عن نهم إزاء السلطة بغض النظر عن المسئوليات والتبعات التي تفرضها المرحلة.
من حق الإصلاح أن يحكم، بل لعله الأحق من غيره، بالنظر إلى شعبيته وحجم التضحيات التي قدمها في ظل الثورة والنضال السياسي السابق لها وبالذات في المرحلة 2001-2010، التي غدا فيها اللقاء المشترك حاملاً لراية المعارضة والتغيير، وصولاً إلى الخروج الكبير ضد الرئيس السابق، في الانتخابات الرئاسية 2006 . 

لكن ليس من حق الإصلاح أو غيره تجيير الثورة الشعبية لصالح حزب معين، حتى وإن كان ذلك تحت غطاء الديمقراطية ذاتها، فالانتقال من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية، ليس هدفا بحد ذاته، إلا إن كنا نتحدث عن إصلاح سياسي محدود وليس تغييراً جذرياً شاملاً. 

وما يعزز من منطقية هذا الطرح أن تجربة الإخوان في مصر أفضت إلى نتيجة مؤلمة، شكلت انتكاسة لمشروع التغيير الديمقراطي، دون أن يعني ذلك أن الإخوان وحدهم من يتحمل مسئولية مآل الثورة في مصر. 

من حسن حظ الإصلاح أنه يملك الوقت الكافي للاستفادة من تجارب الإخوان في مصر وتونس والمغرب واليمن وسوريا، ويستطيع أن يقدم أنموذجاً مختلفاً إن هو تجرد عن شهوة التسلط التي تجلت في كثير من معاركه السياسية مع الفرقاء، كجماعة الحوثي، والحراك الجنوبي، و بعض أحزاب المشترك. 

وبالطبع فإن النقد الموجه للإصلاح كحزب كبير وفاعل في المشهد اليمني، لا يعني أن بقية القوى بمنأى عن الأخطاء والإنحرافات التي تشكل في مجملها عقبة أمام بناء الدولة اليمنية المدنية الموحدة، دولة تحكم بالنظام والقانون، ويكف مواطنوها عن العنف واللجوء إلى السلاح لفرض رؤى فكرية أو سياسية بعينها. 

لقد كنا نفاخر بأن الإصلاح يعد أكبر قوة مدنية في البلاد. ورغم المخاطر والتحديات التي واجهته في الماضي إلا أنه ظل عصيا على الاستدراج إلى فخ العنف الذي شكل إغراء لبعض الحركات الإسلامية في تسعينيات القرن الماضي ( الجزائر أنموذجاً). ونجح الإصلاح في تجاوز هذا الفخ بعيد أحداث 11 سبتمبر 2001، برغم محاولة النظام السابق الربط بين الإصلاح والإرهاب. 

إلا أن ثورة 11 فبراير السلمية والتي قدم اليمنيون خلالها لوحة حضارية ناصعة، شكلت إغراء لبعض القوى الثورية بهدف الحسم العسكري في بعض المواجهات التي نشبت من حول العاصمة صنعاء بسبب انقسام الجيش، وشكل المقاتلون من عناصر حزب الإصلاح رديفاً لجزء من الجيش المنقسم، ما جعل البعض يتحدث عن "ميليشيا إصلاحية ". وحدث نفس الشيء في المواجهات المسلحة بين الحوثيين والإصلاحيين في الجوف وحجة وغيرها، خلال السنتين الماضيتين، ما جعل الإصلاح جزءا من مشهد العنف الطائفي الذي يتهدد السلم الإجتماعي في البلاد. 

صحيح أن الإصلاح يجهد في الدفاع عن ذاته، ويحمل الحوثيين و أطرافا أخرى ( السلفيون والقبائل وعناصر من النظام السابق) مسئولية الإحتراب الداخلي، إلا أنه لم يعلن موقفا ضد أي من عناصره التي ثبت تورطها في هذه المواجهات على أرض الواقع، كما أن وسائل إعلام الإصلاح وتلك القريبة منه تنضح بسموم من الكراهية ذات الطابع الطائفي تجعل المرء في حيرة من أمره إزاء حزب كبير تنم بعض تصرفاته عن "عقل صغير". 

من قبل كتبت أن محنة الإسلاميين والديمقراطية على محك حقيقي في ظل الربيع العربي الذي تصدرته جماعة الإخوان المسلمين التي تعرضت لصنوف القمع على أيدي جلاوزة نظم الإستبداد والتبعية في عالمنا العربي خشية من وصولها إلى السلطة واستئثارها بالحكم. 

ولأن المعارضة العربية هي في الأخير إفراز لمجتمع يتشكل في إطار قيم سلطوية مستبدة وفاسدة، فإن جماعة الإخوان المسلمين في كثير من الدول باتت تتصرف وكأنها نتاج جديد للنظم المستبدة التي ثارت عليها شعوبنا مع فارق أن الإخوان مكون أصيل في هذه الثورة. 

بمقاربة التجربة اليمنية نلحظ أن التجمع اليمني للإصلاح كان ولا يزال مكوناً أصيلاً في الثورة الشبابية الشعبية، بل ما كان لهذه الثورة- من وجهة نظري - أن تكتسب زخمها الذي نفاخر به لولا الحشد الإخواني والدعم المالي واللوجيستي الذي قدمه تجمع الإصلاح للثورة . 

لكن ما ينبغي الإلتفات إليه أن الإخوان المسلمون في العالم العربي فشلوا اخلال العقود الثلاثة الماضية، في تغيير هذه النظم برغم انخراطهم في العملية السياسية الديمقراطية والتعددية الحزبية، وما كان بإمكانهم قيادة الربيع العربي لولا الهبة الشعبية التي كان طليعتها شباب لا صلة لأغلبيتهم بالإخوان! 

ويقيناً فإن الإصلاح الذي التحم بالثورة وراهن على نجاحها، كان الأكثر استنفاراً في مختلف منعطفات الثورة خشية من مآلات غير محسوبة النتائج، وضاعف من حالته هذه إعلام مضاد للثورة اشتغل على أساس خلخلة اللقاء المشترك المعارض وتقديم الثورة و كأنها من سيناريو وإخراج الإصلاح، فحسب. 

أضف إلى ذلك أن الإصلاح بات يتصرف في كثير من الحالات كقوة تقليدية تعتز بمدنيتها وبقبليتها في آن واحد.. ما جعله أحيانا يكرر نفس أخطاء وخطايا النظام السابق. 

لكن ما قد يقال عن الإصلاح أفراداً ومؤسسات ينطبق في بعض تفاصيله على غيرهم من أفراد وأحزاب وإن رفعوا شعار الحداثة والتقدم، فالديمقراطية كثقافة لا تزال الغائب الكبير في حياتنا وعلاقاتنا.

تأصيل إسلامي
كان لا بد من هذه المقدمة بهدف تجسير الفجوة بين مواقف الإصلاح الراسخة خلال العشرية الأخيرة، وبين المستجدات التي طرأت على المشهد السياسي اليمني، منذ العام 2011، الذي شكل منعطفاً في تاريخ المنطقة العربية بشكل عام. 

وإذا كان من المهم دراسة واقع الانتقال الديمقراطي في المجتمع اليمني، وتسليط الضوء على الدور الذي تضطلع به الأحزاب السياسية، باتجاه تعزيز الديمقراطية الناشئة في البلاد، فإن الدراسة تكتسب أهمية مضافة عندما يكون أحد طرفيها حزباً ذا مرجعية دينية قرر خوض غمار السياسة والعمل الحزبي وفق الشروط المتاحة في دولة نامية ومجتمع قريب عهد بالاستبداد والشمولية. 

يمكن القول أن مواقف حزب الإصلاح قد تطورت سياسيا وديمقراطيا بشكل تصاعدي خلال عقدين من الزمن، في نتيجة غير منفصلة عن واقع أشمل يتعلق بالانفتاح الذي سجلته الحركات السياسية الإسلامية في المنطقة العربية منذ تسعينات القرن الماضي، في ظل انفتاح سياسي ومجتمعي على الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومتطلبات الحياة الحرة والكريمة للمواطنين. 

ولأن الإصلاح من الأحزاب التي تنضوي في إطار الحركات السياسية الإسلامية، فقد عمد الإصلاح إلى تأصيل الموقف الفكري من الديمقراطية في إطار خلفية النقاش الإسلامي إزاء الشورى والديمقراطية، ومفاهيم أخرى كالحاكمية، والحرية، وحقوق الإنسان. 

ومعروف أن القائلين من المفكرين الإسلاميين المعاصرين بوجوب الشورى وإلزامية الأخذ بنتيجتها هم الأقرب إلى تأييد آليات الديمقراطية، دونما تفريط في الهوية الإسلامية. وجوهر الديمقراطية في نظر هذا الفريق أن يختار الناس من يحكمهم ويسوس أمرهم، وألا يفرض عليهم حاكم يكرهونه، أو نظام يكرهونه، وأن يكون لهم حق محاسبة الحاكم إذا أخطأ، وحق عزله إذا انحرف. 

هذه الخلاصة، نجدها مستقرة في أدبيات حزب الإصلاح وبرامجه السياسية والانتخابية، منذ نشأته في سبتمبر 1990 وحتى الآن، فقد نص الحزب في برنامجه السياسي على "الديمقراطية الشوروية". وبهذا المزج يؤكد الإصلاح تمسكه بالمفهوم الإسلامي للحكم، دونما حرج من إقحام الديمقراطية كآلية عصرية تجسد الشورى من الناحية العملية. 

كما يذهب الإصلاح إلى أن التداول السلمي للسلطة هو جوهر الشورى والديمقراطية، ولن يكون النظام السياسي شوروياً ديمقراطياً ما لم يتضمن الآليات التي تتيح للجماعات السياسية التي تحظى بتأييد الأغلبية الشعبية، تولي السلطة لتنفيذ البرنامج الذي كانت تدعو إليه وذلك من خلال اقتراع دوري يحتكم الجميع إليه. 

وإذ يتسق طرح الإصلاح هنا مع مفهوم الديمقراطية وإجراءاتها التي استقرت عليها في التجربة الغربية، فإن الموقف العام من الديمقراطية بمرجعيتها العلمانية، ما يزال مشوشاً لدى الحركات السياسية الإسلامية، ومن ضمنها الإصلاح، حيث نلحظ تمسكا بالشريعة الإسلامية كمصدر وحيد للتشريعات، وهو ما يصطدم بالمبدأ الديمقراطي القائم على حاكمية الشعب. 

غير أن الحركات السياسية الإسلامية لا تعترف بهذا التناقض، من منطلق أن المناداة بالديمقراطية لا تعني لديهم رفض حاكمية الله للبشر بالضرورة، وإنما تعني رفض الديكتاتورية المتسلطة، وأن يختار الشعب حكامه كما يريد، وأن يحاسبهم على تصرفاتهم، كما أن الديمقراطية لديهم تعني التعايش السلمي بين الجماعات والفصل بين السلطات الثلاث في الدولة، وتداول السلطة بشكل سلمي، والشورى والانتخابات، وإعطاء الناس حقهم في إبراز الرأي، والأخذ بنظام الأكثرية وما أشبه. كل ذلك بشرط ألا يتعارض مع أصل من أصول الشريعة الإسلامية ولا مقاصدها. 

وفقا لهذا المفهوم ، نلحظ أن الرؤى والمنطلقات الفكرية الصادرة عن الهيئات الرسمية للإصلاح، منحازة للديمقراطية كآلية للحكم، لكنها ليست جلية بالقدر نفسه، فيما يتعلق بمنظومة الحريات العامة، كالحرية الدينية، وحرية الإبداع، وحرية المرأة. وأدى ذلك إلى بروز تيار محافظ داخل الحزب يعكس الوجه الدعوي للإصلاح، ما جلب للحزب خصومات خارج مربع السياسة، وخاصة مع المثقفين، أوالمختلفين مذهبياً.

واقعية سياسية
على صعيد الممارسة العملية يحسب للتجمع اليمني للإصلاح ، أنه انخرط في التجربة الديمقراطية الوليدة باليمن، وتمكن من التفاعل مع مستجدات ومتغيرات الحياة السياسية بواقعية مكنته من لعب دور محوري ومؤثر في الدفاع عن الديمقراطية اليمنية، ومحاولة تصحيح مسار الانحراف الذي أصابها بفعل تفرد حزب واحد واستئثاره بالسلطة منذ عام 1997. 

ساعد على ذلك أن الإصلاح، انتقل بشكل سلس ومتدرج، من شريك في السلطة، وحليف لها، خلال الفترة ( 1993 – 2001)، ثم غدا من حينها الحزب الأبرز في تكتل اللقاء المشترك المعارض، ما أكسبه مرونة سياسية في التعامل مع التطورات والمستجدات. 

ويحسب للإصلاح، أنه الحزب الوحيد حتى الآن، الذي شارك في الحكم من خلال الآلية الديمقراطية، وخرج إلى المعارضة، احتراماً لهذه الآلية، ما يتعارض مع مقولة أن الإسلاميين، إنما يقبلون بالديمقراطية النيابية، ليصلوا من خلالها إلى السلطة، ثم ينقلبون عليها. 

إنما الصحيح، أن هذه المقولة تنطبق بالفعل على الأحزاب السياسية الحاكمة في أكثر من قطر عربي، فهي تقبل بالديمقراطية التي تؤدي إلى تأبيد الحاكم، وتحول دون التداول السلمي للسلطة، ولا تشذ اليمن عن هذا الواقع.
الأهم من ذلك، أن تزايد الواقعية السياسية لدى المعارضة اليمنية، على رأس العوامل التي أدت إلى شراكة كانت تبدو بعيدة الاحتمال بين حزب الإصلاح (الإسلامي) والحزب الاشتراكي (العلماني) خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار حرب صيف 1994 التي كان الإصلاح بالاشتراك مع المؤتمر الشعبي العام طرفاً فيها ضد الحزب الاشتراكي.
ومن خلال المشترك وعلى الصعيد العملي، حرصت قيادات الإصلاح على التواجد في مختلف الفعاليات والأنشطة السياسية والحقوقية، دفاعاً عن حقوق المواطن اليمني وكرامته. 

ساعد على ذلك اتساع البنية التنظيمية للإصلاح الممتدة إلى مختلف أنحاء محافظات ومديريات الجمهورية، الأمر الذي مكن أعضاء الحزب من التفاعل الايجابي مع مطالب الناس وقضاياهم الحقوقية، ودفعهم للعمل المدني السلمي في سبيل انتزاع هذه الحقوق. 

هذا يعني أن الإصلاح، الذي اكتنفت مواقفه بعض الغموض فيما يتعلق بالوحدة وبالدستور وبالديمقراطية، في الأشهر الأولى لتأسيسه، غدا اليوم على رأس الأحزاب التي تدعو إلى الديمقراطية، وتدافع عنها، وبمختلف وسائل النضال السلمي المدني. 

وانعكست رؤية ومواقف الإصلاح تجاه الديمقراطية، على الحياة الداخلية للحزب، وعلى إدارة التنوع والاختلاف بآلية حوارية ديمقراطية، تحترم المؤسسة الحزبية والرأي الغالب فيها، الأمر الذي ساعد الحزب على تجاوز أفكار ورؤى بعض قياداته المحافظة وخاصة ما يتعلق بالحقوق السياسية للمرأة. 

وإذ يشكل حضور التيار المحافظ داخل الإصلاح عقبة كأداء في ترسيخ التجربة الديمقراطية للحزب، فإن تعاظم حضور التيار المنفتح وقدرته في التأثير على القرار، يعني أن الإصلاح مؤهل للمزيد من الواقعية، والاستفادة من تجارب الحركات السياسية الإسلامية، وخصوصاً تجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا، وهي التجربة التي تؤكد أن بإمكان الإسلاميين الوصول إلى السلطة عبر الآلية الديمقراطية، بمرجعيتها العلمانية، دون أن ينقلبوا عليها بالضرورة. 

من جهة أخرى، فإنه لا بد من مراعاة البيئة التي يتحرط الإصلاح في إطارها، من منطلق أن الانتقال إلى الديمقراطية في اليمن كان وليدا لقيام الجمهورية اليمنية التي لم يمض عليها أكثر من عقدين، وهذه فترة قصيرة جدا، في حياة الدول والشعوب. 

زد على ذلك، أن نظم الحكم العربية وإن تدثرت باللباس الديمقراطي، فإنها عمدت إلى توريث السلطة. واليمن من الدول التي عمل نظامها الحاكم في هذا الإطار، وهو ما يعني أن التراجع الذي شهدته التجربة الديمقراطية الوليدة، كان بفعل سياسات الحزب الحاكم المتفرد بالسلطة قبل غيره من الأحزاب، وهذا يعني أيضاً أن تعزيز الديمقراطية، وترسيخها في الواقع المعاش، ليس رهن موقف قوة سياسية بعينها، فالمسئولية مشتركة، ويقع العبء الأكبر على عاتق الحزب الذي يصل إلى السلطة.

ثقافة شمولية
لا بد إذا الأخذ بعين الاعتبار العوائق التي صادفها حزب الإصلاح وأحزاب المعارضة في سبيل تعزيز التجربة السياسية. ويحسب للإصلاح والمشترك انخراطهم الفاعل والمؤثر في التنافس على السلطة ديمقراطياً عبر الانتخابات النيابية والمحلية، ثم التنافس الجاد على رأس السلطة عبر الانتخابات الرئاسية في 2006. 

غير أن العبث بالانتخابات من قبل الحزب الحاكم سابقاً، الذي استغل أجهزة الدولة وإمكاناتها المالية والأمنية والإعلامية في سبيل إعادة إنتاج الأغلبية ذاتها، فرض على الإصلاح والمشترك، رفض مجاراة السلطة وحزبها، والضغط باتجاه تسوية الملعب سياسياً، وإصلاح المنظومة الانتخابية، ما أدى في الأخير إلى توافق بين الأحزاب الممثلة في البرلمان على تأجيل الانتخابات النيابية التي كانت مقررة في 2009، حتى تتمكن الأحزاب من التفاهم على صيغة جديدة للإصلاحات السياسية والانتخابية. 

وإذ لم تفض التجربة الديمقراطية الوليدة إلى تداول سلمي للسلطة حتى الآن، فإن الثقافة السياسية المتعصبة دينيا وقبليا، تظافرت مع مشروع الاستبداد بالسلطة، وتوريثها، للوصول إلى هذه النتيجة، وساعدها على ذلك أن المسألة الأمنية في علاقات اليمن بالغرب والدول المانحة وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، احتلت سلم الأولويات منذ أحداث سبتمبر2001، ولا تزال. 

ولا شك أن مواقف الإصلاح وعموم الأحزاب السياسية اليمنية من الديمقراطية، متأثرة بالثقافة الشمولية السائدة المناهضة للحريات بشكل عام. وتتضاعف مشكلة الإصلاح بسبب تداخل التكوين التنظيمي للحزب مع المشيخة القبلية، وكذا المشيخة الدينية اللتان شكلتا ما أطلقت عليه الدراسة بالتيار المحافظ داخل حزب الإصلاح. 

لا شك أن التجربة الديمقراطية اليمنية، وما يشوبها من تعثرات متلاحقة، هي رهن سياسات سلطوية خاطئة، تستثمر الثقافة العامة المجافية للحرية والتسامح والقيم الديمقراطية، وهي ثقافة تختلط فيها الأعراف والتقاليد ببعض الرؤى الدينية المنتجة للاستبداد السياسي المهيمن على الحياة العامة في اليمن كما في المنطقة العربية ككل.
ولأن المتغير الثقافي عامل حاسم في المسألة الديمقراطية، يتعين على الإصلاح مراجعة برامج وأدبيات ومواقف الحزب وقياداته التي تتسلل منها الرؤى المستأنسة للشمولية والعنف والاستبداد، والتعاون مع مختلف القوى السياسية والاتجاهات الفكرية، من أجل ترسيخ الحرية والتعددية الحزبية والتداول السلمي للسلطة، لتغدو الديمقراطية ثقافة مجتمعية لا يجرؤ حزب أو قوة ما على تمييعها أو الانقلاب عليها. 

كما لا مناص من مغادرة ثقافة التفرد بالسلطة إلى ما لا نهاية، والاعتراف بالشراكة السياسية الوطنية، وترجمة مبدأ التداول السلمي للسلطة إلى حقيقة معاشة، تجلب لليمن المزيد من الأمن والاستقرار والتنمية، وتحول دون تشظي الوحدة، أو انهيار الدولة. 

إن الديمقراطية صمام أمان الوحدة والدولة اليمنية. ولن يجد اليمنيون اليوم حلولاً لأزماتهم، والتحديات الخطيرة المحدقة بمستقبلهم إلا بقيام الدولة المدنية الديمقراطية كإطار عام يستوعب مختلف الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي لا مندوحة عنها باتجاه الإنقاذ والتغيير المنشود.
كاتب : عبد الله علي صبري
رقم : 372744
شارک بتعلیقک
الإسم الثلاثي

البريد الإلكتروني
تعليقك

أهم الأخبار
إخترنا لکم