0
الجمعة 1 شباط 2013 ساعة 02:51

الشباب التونسي ... و الفراغ المقيت

الشباب التونسي ... و الفراغ المقيت
الشباب التونسي ... و الفراغ المقيت
 فإنّ هؤلاء لا يجدون لهم من ملجإ سوى المقاهي القذرة و التي يختلط فيها الحابل بالنابل ، و الشيخ بالقاصر و المدمن بالمراهق ، و ليس من المبالغة في شئ إذا قلنا أنّ الدولة الحديثة ، دولة الثورة ، لم تأت بجديد و لم تبحث عن حلّ لهذه الأزمة التي تعيق شباب تونس عن العمل أو الإنخراط ، على الأقلّ في ظلّ غياب لقمة العيش ، في مقوّمات المجتمع العامة التي قد تخلق منه مواطنا ذا حقوق مؤمّنة على الأقل ... و لكن الذي نلاحظه الآن ، و من قبل ذلك في العهدين البائدين ، أنّ الإهتمام بالشريحة الشابة من المجتمع التونسي لا يتمّ الإعتناء بها إلّا أثناء المحطّات السياسيّة ، و أساسا أثناء الإنتخابات ، و ذلك لاستغلالها للتصويت على هذه القائمة أو غيرها ، و لا فرق في ذلك بين الأحزاب ذات التوجّه الديني أو ذات الإتّجاه الليببيرالي . 

الشباب التونسي الآن يعيش حالة من الّامبالاة في ظل انشغال أولي الأمر بالمسائل السياسيّة ، و قد ساهمت القنوات التلفزيّة و الإذاعيّة ، التي كثرت بشكل كبير ، في زرع هذه الفكرة و هذا التوجّه الذي لم يلق فيها هذا الشباب سوى الفراغ المقيت ، فهي لا تهتمّ لا بمشاكله العمريّة و لا بحالات البطالة و الضياع التي صارت قوته اليومي ، و ملّ هذا الشباب كلّ تلك الندوات و الحوارات و النقاشات التي لم تغنه من جوع و لم تنهه من بطالة ، بل الأدهى من ذلك أنّ المنابر الحواريّة التي كان يعبّر فيها هؤلاء ، في دور الثقافة و الشباب ، رجال المستقبل ، على حدّ تعبير رجال السياسة ، قد امّحت الآن لتصبح مجالس للتحاور حول لبس الحجاب أو السفور ، 

و هل أنّ الزوايا بدعة أم تديّن ، و هل أن إطالة اللحي واجب أم أنّ غير الملتحي يتشبّه بالنساء ، و زالت تماما كلّ تلك المحاورات التي كانت تدعو إلى مجتمع مدنيّ يؤمن بالحوار و ينبذ الإقصاء ، و تخلّت دور الثقافة عن دورها الريادي الذي ساهم في قسط كبير في خلق أجيال من المفكّرين ، و المبدعين في مجالات الفنّ و الفكر ، لتتحوّل إلى خلايا لمناقشة المذهب الوهابي السعودي الذي يصدّر إلى تونس ، موطن إبن خلدون و الطاهر بن عاشور و الشيخ الخضر حسين ، الذي تولّى إمامة جامع الأزهر ، و صاحب كتاب " السعادة العظمى " و الإمام سحنون ، مبادئ غريبة عنّا و عن أجدادنا ، و تسريب هذه القيم و المثل و الإعتقادات التي لم يألفها المجتمع التونسي الذي مرّت من وطنه و عبره عديد الحضارات ، و لكن رغم ذلك بقي كما هو ، بلدا مسلما متسامحا مؤمنا بكلّ قيم الإسلام ، لكن دون مغالاة أو تطرّف . إلّا أنّه و في ظرف سنتين فقط ، و بعد حلمنا الكبير و الفسيح بالديمقراطيّة ، ها أنّنا نعاين مدى انغماس هذه المؤسّسات ، التي أحدثت بالأساس من أجل التنوير و التثقيف ، قد غدت منابر للنقاشات السياسيّة ، و الدينيّة البحتة ، التي لا تنقذ الشباب من حالة اليأس و القنوط ، و لن تزيده إيمانا أكثر ممّا في قلوبهم ، لأنّ البطن الجائع أقرب إلى الجحود . 

ليس هنالك من ملجإ للشباب التونسيين الآن ، العاطلين في أغلبهم ، سوى المقاهي العطنة التي يجدون فيها فضاء للتدخين و مراقبة المارّة من أمامهم ، و الحلم بالسفر إلى الخارج ، و لكنّها أحلام تتكسّر كلّها على صخور التأشيرة ... لم نسمع منذ انبلاج فجر الرابع عشر من يناير 2011 عن منبر اهتمّ بشأن الشباب ، و إنقاذه من الفراغ و العطالة و الإبتئاس ، كلّ ما يذاع و ما يشاهد موجّه إلى الكهول من السياسيين الذين يتنافسون من أجل المقاعد السلطويّة ، كلّهم دون استثناء ، سواء من حزب النهضة أو من " أعدائه " من المعارضين ، ووجد هؤلاء الشباب خارج جدولة اهتمامات أولياء أمرهم ، ممّا دفعهم في كثير من الحالات إلى القنوط و اليأس من هذا الوطن ، لينخرطوا في تعاطي المخدّرات و المسكّنات و كلّ تلك السموم التي تنهش أبدانهم و عقولهم ، و لم ينكر وزير التربية هذا الأمر في أحد حواراته التلفزيّة حين اعترف بأنّ ظاهرة تعاطي المخدّرات في الوسط المدرسي لا يمكن نكرانها ، و لكنّه لم يعط أيّ حلّ لهذه الآفة التي تنهش شبابنا ... فإذا كانت الحال بهذه الشاكلة في المدارس ، فكيف نتصوّرها لدى الشباب العاطلين ؟ 

لمطّلع على الشأن السياسي التونسي يلاحظ دون عناء إغفال الإهتمام بالشباب ، مع مراعات نوعية المرحلة ، فالسياسيون يعاملون هؤلاء بمبادئ و قيم لا يمكن للأوّلين أن يقتنعوا بها ، لأنّ الخطاب المسوّق إليهم خطاب إديولوجيّا ، سياسيّا ، دينيّا ، في حين الذي ينتظره أولائك مغاير تماما ... فهل يمكن أن نقول الآن ، أنّ رجال السياسة في واد ، و الشباب في واد آخر ... نتمنّى خاتمة القول أن لا يكون وادي الأخيرين غير ذي زرع . 

/ انتهت المقالة /
كاتب : صالح الدمس
رقم : 236330
شارک بتعلیقک
الإسم الثلاثي

البريد الإلكتروني
تعليقك

أهم الأخبار
إخترنا لکم