0
الثلاثاء 25 شباط 2014 ساعة 22:03

تقرير “التنفيذ المعكوس … حماية الجناة وليس الضحايا”

تقرير “التنفيذ المعكوس … حماية الجناة وليس الضحايا”
تقرير “التنفيذ المعكوس … حماية الجناة وليس الضحايا”
هذا التقرير أطلقه مسؤول دائرة الحريات وحقوق الانسان سيدهادي الموسوي في مؤتمر صحفي بمقر جمعية الوفاق – 25 فبراير 2014م 

مقدمة:
1 – لم ينكفئ البحرينيون عن المطالبة بالديموقراطية لأكثر من عقد من الزمن وما شهدته البحرين في 14 فبراير 2011 كان إمتدادا لهذا التاريخ النضالي، لكنه شكل حراكاَ شعبياً غير مسبوق مطالباً بالانتقال إلى الديمقراطية، إلا أن السلطة البحرينية قامت بمواجهته بانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، تضمن عديداً منها تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق برئاسة القاضي الدولي السيد/ محمود شريف بسيوني، نشر على الملأ، وفي حفل رسمي بحضور الملك ورئيس الحكومة وولي العهد ومسؤولي الدولة جميعا بتاريخ 23 نوفمبر 2011م[1]، وكان مؤملاً أن ينهي حقبة انتهاكات حقوق الإنسان ويؤسس لجسر لحلول أوسع واشمل تعالج القضايا الجوهرية والهيكلية في النظام السياسي الإقصائي وتحويله لنظام ديموقراطي شامل ومدمج لكل الفئات البحرينيين 

2 – وقد كانت انتهاكات حقوق الإنسان، مع تعمد الاعتداء على السلامة الجسدية للمحتجين بالقتل والإفراط في استعمال الأسلحة النارية، والتعذيب، واعتقال مجموعات كبيرة اعتقالاً تعسفياً، مع التضييق على الحقوق والحريات العامة، والمساس بالأمور العقائدية والعبادية، وهدم المساجد، وفصل مجموعات من أعمالهم بلغت الاعداد بالآلاف، والحرمان من التعليم، وسط إعلام رسمي يحرض على الكراهية، وتطويع القانون والقضاء، جميع ذلك مثل سياسة دولة ومنهج سلطة في تعاملها مع مواطنيها، بغية وأد المطالبات بالإصلاح السياسي في البلاد، وقمع المعارضة وردعها، في ظل غياب الرغبة الجادة في الإصلاح، ورغبة الحاكمين الواضحة في الحفاظ على الاستئثار بالسلطة، وقد عبر عنها بصراحة ووضوح السيد/ بسيوني في خطابه الشهير أثناء تسليم التقرير بأن “ وفي حالات كثيرة لجأت الجهات الأمنية في حكومة البحرين إلى استخدام القوة المفرطة وغير الضرورية مصحوبة بسلوك استهدف بث الرعب في نفوس المواطنين” و “إن حجم وطبيعة سوء المعاملة النفسية والبدنية يدل على ممارسة متعمدة كانت تستهدف في بعض الحالات انتزاع اعترافات وإفادات بالإكراه، بينما كانت تستهدف في حالات أخرى العقاب والانتقام من الأشخاص”[2] 

3 – ولما فقدت الرغبة الجادة في الإصلاح، والاستجابة للتطلعات المشروعة للمواطنين في الانتقال إلى الديمقراطية على قواعد الدولة الحديثة التي تقوم على العدل والمساواة والحرية، فإن الإعلان عن تقرير التقصي في حينه لم يكن منعطفاً لانتهاء انتهاكات حقوق الإنسان بل مناورة سياسية لكسب مزيد من الوقت وتخفيف الضغوط الدولية وهو ما كشفه الواقع بعد عامين من التعهد بتنفيذ التوصيات إلا أن أي من الوزراء المتهمين بالانتهاكات لم يتم إستبدالهم فضلا عن محاسبتهم، ولا تزال نفس الحكومة قائمة وهي التي كلفت بتنفيذ التوصيات[3]. وقد كان للوفاق موقفها منذ الساعات الأولى لنشر التقرير بأن الجدية في أخذ الدروس وتنفيذ التوصيات الواردة في التقرير يتطلب توافر إرادة الإصلاح وأن ذات الحكومة التي انتهكت الحقوق لا يمكن أن تكون هي حامية الحقوق، وطالبت بإقالتها وتشكيل حكومة شراكة وطنية، الأمر الذي لم يقم به الحكم، لذا لم ولن يكون للتقرير أثر جدي على واقع حقوق الإنسان في البحرين، ما لم يتلمس المواطنون إرادة الإصلاح السياسي لدى السلطة، حيث يأتي على رأس ذلك المسئولية السياسية والمحاسبة. 

4 – وبناء على ما تقدم، فإن مكونات الأزمة في البحرين تتمثل فيما يلي:
5 – أولاً: المشاكل البنيوية في النظام السياسي البحريني وتمركز كل السلطات في يد الملك وأسرته: 

كل المشاكل الحقوقية وعدم إمكانية المحاسبة عليها وسياسة الافلات من العقاب راجع لخلل بنيوي في النظام السياسي البحريني الذي يجعل كل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية والأمنية والاعلامية والثروة بيد الملك وأسرته، ويعطى الفتات لمن يواليهم من الأسر البحرينية، وباقي المواطنين مهمشين وبعيدون من المشاركة في النظام السياسي، وتصيبهم انتهاكات النظام السياسي الناتجة من الفساد والتمييز وانتهاكات حقوق الانسان، بحيث أن انتهاكات الأجهزة الأمنية والتنفيذية لا تلاحق من الحكومة ولا من القضاء، ولا يوجد سلطة تشريعية تحاسب الحكومة؛ لأنها لا تعكس التمثيل الشعبي وغير قادرة على محاسبة الجهات التنفيذية وبذلك غياب المسئولية والمحاسبة وهو ما يسبب استمرار الانتهاكات وعدم القدرة على وقفها[4].
ثانيا: غياب إرادة الإصلاح ( السياسي والحقوقي ) الجدي: 

6 – وقد ثبت من خلال أكثر من حملة دعائية لحوارات تدعي السلطة دخولها مع المجتمع، اثنين على الأقل علنيان في يوليو 2011 و فبراير 2013، واثنان غير علنيين في فبراير 2012 و أغسطس2013، أنه لا توجد أي نية لدى الحاكمين في الإصلاح السياسي، والاستجابة لتطلعات الشعب، وكل الحوارات تكون نتيجة ضغوط المجتمع الدولي على السلطة، وغالباً ما تنهى بأسباب من طرف الحكم، أو تؤدي إلى نتائج هامشية شكلية، كالإصلاحات الدستورية 2012 التي سجلت تراجعاً في بعضها حتى عن المقرر في دستور 2002م ، ومخالفات وخروج عن محددات القانون الدولي والقانون الانساني. بل أن السلطة استغلت الحوارات وجعلتها غطاء و جسرا لمزيد من انتهاكات حقوق الإنسان، ورفض آليات المجتمع الدولي في الرقابة على واقع حقوق الإنسان، مستغلة الحوار لرفض زيارة المقرر الخاص بالتعذيب المقررة في مايو 2013م[5]. 

7 – بل أن الواقع شهد مزيداً من التدهور في الجوانب السياسية، حيث انتقلت البلاد لتطبيق سياسات التطهير الطائفي في مجالي الوظيفة العامة والتعليم، بعد سنوات من خطة الإقصاء الرسمية التي كشفت في أغسطس 2006 فيما عرف بـ”تقرير البندر”[6]، وعقود من التمييز الطائفي، إضافة إلى عمليات التغيير الديمغرافي لتغيير التركيبة السكانية عبر ارتفاع معدلات التجنيس السياسي المخالف للقانون المحلي تقدر نسبة من تم تجنيسهم بين ١٥ و ٢٠٪ من نسبة السكان في العشر سنوات الأخيرة ، وقيام السلطة بالتوتير الطائفي، ومحاولة إحداث الشقاق الطائفي بين الطائفتين الكريمتين، إلى جانب تكريس ممارسات خاطئة، وإغراق البلاد في الديون العامة، بما يمثل عوائق مصطنعة للإصلاح. 

8 – ونشير في هذا الشأن إلى التوصية رقم 1725/ب من تقرير التقصي التي تقرر أهمية المصالحة الوطنية، والذي يشير إلى أهمية الإصلاح السياسي، الذي ينتج عن المصالحة الوطنية، ورغم تغني السلطة بتنفيذها توصيات التقرير، يكون لوزير الخارجية – من الأسرة المالكة – قول واضح في أن البحرين لا تحتاج إلى مصالحة وطنية[7]، بما يعني أن القرار هو رفض هذه التوصية، وهذا التصريح بذاته يؤكد غياب إرادة الإصلاح السياسي. 

ثالثاً :الإصرار على استمرار الانتهاكات:
9 – في ظل غياب الرغبة في الإصلاح، فإن الوسيلة التي قررها تقرير التقصي في مواجهة مطالبات الإصلاح بإحداث الخسائر في جمهور المعارضة لردعها، هو الاستمرار في انتهاكات حقوق الإنسان، بغية ردعها، مع استمرار تحقق الفشل فشلهم في إخمادها. ولذا يعتبر استمرار الانتهاكات، سياسة دولة، وليست أحداثاً عابرة، فإن تظافر جهود سلطات الدولة الثلاث جميعاً ( التشريعية والتنفيذية والقضائية)، لإحداث المزيد من الانتهاكات وتغطيتها ودعم استمرارها، وما توصيات المجلس الوطني في 28 يوليو 2013 تحت عنوان محاربة الإرهاب إلا شاهداً بارزاً في وجود سياسة متكاملة للدولة، للقضاء على المعارضة، تقوم على انتهاك حقوق الإنسان، وأن هذه السياسة هي المقررة لمواجهة مطالب الإصلاح السياسي، وأنها سوف تستمر باستمرار المطالبة من جانب، وغياب إرادة الإصلاح من جانب آخر[8]. 

10 – أن تشهد ساحات المحاكم الجنائية في القضاء العادي طرد متهم من قاعتها لأنه أفاد بتعرضه للتعذيب والتهديد به من قبل أحد أعضاء النيابة العامة وذلك في 21 نوفمبر ٢٠١٣ ، في آخر يوم عمل قبل حلول الذكرى السنوية الثانية لتقرير التقصي[9]، يعيد الذاكرة لما شهدته المحاكم العسكرية من حالة طرد لأحد الأطباء لشكواه بتعرضه للتعذيب. وأن يشعر المتهمون والمحامون بافتقاد معايير المحاكمة العادلة في القضايا المعروضة مؤخراً أمام هذا القضاء، لا يختلف عما كانت عليه المحاكم العسكرية، التي تعتمد في إدانتها على الاعترافات المنتزعة تحت وطأة التعذيب، والمخبرين السريين المجهولين حتى عن المحكمة ( بفرض وجودهم أصلاً)، والتوسع في تفسير النصوص القانونية وتطويعها، وبحيث المطالبة برحيل رئيس الحكومة، والتجمع السلمي، والتعبير عن الرأي، و المشاركة في نشاط سياسي سلمي معارض أو تغريدة في تويتر، جميع هذه الأمور جرائم، والحكم بالأحكام المغلظة تنفيذاً للأوامر الصادرة من رئيس الوزراء علنا للقضاة، والتي تسابقت الصحافة المحلية لنشرها، فيما يثبت خضوع القضاء للسلطة التنفيذية[10]. 

وهذا إنما يفسر تجاهل الدولة وكافة أجهزتها لما انتهى إليه صراحة فريق الأمم المتحدة المعني بالاعتقال التعسفي، والذي انتهى بصراحة إلى أن السيد/ نبيل رجب، الناشط الحقوقي الدولي، معتقلاً في السجون البحرينية اعتقالاً تعسفياً بسبب التعبير عن رأيه، إلا أن الرأي الأممي الواضح، لم يكن له أثر في الاكتفاء بما قضاه السيد/ رجب من العقوبة بإكمال ثلاثة أرباع المدة، فضلاً عن الإفراج الفوري والمشروط له بمقتضى اعتباره معتقلاً اعتقالاً تعسفياً[11]. 

يرافق ذلك تضييق على حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي، بحظر التظاهر في العاصمة (المنامة)، واعتقال المخطرين عن المسيرات، واعتقال المتظاهرين السلميين، وفرض الرقابة المشددة على وسائل الاتصال الحديثة، مع سياسات التمييز في التوظيف والعمل في التوظيف والترقي والفصل الذي يكون بناء على أسباب تمييزية، مع الاستمرار في الاعتداء على الشعائر الدينية لطائفة من المواطنين، وإهانة مقدساتها، والتحريض على الكراهية والطائفية في الإعلام الرسمي والقريب من الدولة. جميع ذلك إنما يؤكد أن ما قبل تقرير التقصي، لا يختلف عما عليه الواقع بعد صدوره بعامين، وهو ذات الوضع الحقوقي بعده، وأن الانتهاكات مستمرة، وسوف تستمر إن لم يكن التنفيذ لهذه التوصيات تنفيذا حقيقيا. 

11- ونشير إلى أن الوضع الحقوقي آخذ في مواصلة التدهور بشكل واضح، فأعداد الشهداء بالأسلحة النارية في الفترة التي وثقها التقرير، يماثل تقريباً أعداد ما بعد نشره، وما زال المحتجزون يتعرضون لاحتمال الموت في السجون نتيجة غياب الرعاية الصحية والطبية العلاجية، و التي يمثل غيابها صورة من صور التعذيب، وأعداد من فقد حياته نتيجة الغازات بعد التقرير أضعاف الفترة التي وثقها التقرير، في حين أعداد المعتقلين السياسيين حالياً يماثل تقريباً الأعداد التي وثقها التقرير، على أن المعتقلين المحكومين بأحكام طويلة حالياً أكثر من الفقرة التي وثقها التقرير. 

12 – ومن جانب آخر، فلا تخلو محاكم البلاد في كل يوم من قضايا سياسية متعلقة بالأحداث، وما زالت قاعات المحاكم تستقبل آهات ضحايا التعذيب والمعاملة السيئة والحاطة بالكرامة الإنسانية، يجهرون بتعرضهم لذلك من مواقع أمنية محددة، ومن أعضاء في النيابة العامة أحياناً، دون أن يكون للقضاء دور إيجابي في وقف المعاملة السيئة. إضافة إلى استمرار عمل عداد الانتهاكات التعليمية، والعقائدية، وفي مجال العمل، والتجارة، والعمل المدني، وبذات مستواه، وأحياناً بصورة أعلى.
 

13 – ونشير بصورة موجزة إلى الطريقة التي يتم بها اعتقال المواطنين، والتي حددتها الفقرتان 1126، و1131 ، وقد لخصته الفقرتان 1178 و 1179 من تقرير التقصي، بأنها ممارسة منهجية تمت بناء على تدريب معين مفروضة على قوات الأمن القيام بها، لتحقيق الرعب والإرهاب في نفوس ساكني المنزل بما في ذلك النساء والأطفال. وبنظرة للواقع، جميع الاعتقالات والاقتحامات التي تجري حتى اليوم بذات الأسلوب، دون تغيير، بل ولم يعلن عن برنامج أو بروتوكول آخر للقبض على المتهمين غير البرنامج الذي يقوم على الرعب والإرهاب الذي ذكره التقرير. 

14 – ولعل أفضل توصيف للوضع الحالي، هو ما عبر عنه عضو اللجنة السيد/ نايجل رودلي، والذي صرّح لإحدى الصحف المحلية بما يلي[12] : 

“من الصعب ألا نستنتج أن الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان استمرت حتى الان، وأن السبب في ذلك أن مرتكبيها يأمنون العقاب. 

وعلى سبيل المثال، هناك تقارير متواترة عن التعذيب والاستخدام المفرط أو غير الصحيح لتدابير السيطرة على الحشود، ولاسيما استخدام رصاص الخرطوش (الشوزن) وقنابل الغاز». وأضاف رودلي «ان ما يثير الشكوك حول ما يجري هو كيفية التعامل مع الزيارة التي كان من المقرر ان يقوم بها مقرر الامم المتحدة الخاص بالتعذيب الى البحرين، وكيف ان الحكومة لم تتجاوب بشكل مناسب، وفي نهاية المطاف اجلت الزيارة الى امد غير معلوم، والتفسير المعقول لهذا التصرف هو الخشية من أن المقرر سيكشف عن مظاهر واسعة من انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة.
 
لقد شغلت في سنوات سابقة منصب مقرر الامم المتحدة الخاص بالتعذيب، اعرف شخصيا المقرر الحالي خوان منديز وهو شخصية عالية المستوى والسمعة والصدق والنزاهة والمهنية، ولذا فإن التعامل بالشكل الذي حدث يمثل إهانة وعدم احترام، وينعكس سلبا على حكومة البحرين». 

واضاف رودلي أن «الغريب حقا، انه وفي الوقت الذي تفرض العقوبات القصوى بخمسة عشر عاماً سجناً على المحتجين المتهمين بالتحريض على عنف، فإن مرتكبي التعذيب حتى الموت حوكموا وأدينوا بسبع سنوات، وتم تخفيف الاحكام بعد ذلك. اضف الى ذلك الاعتقال الاستفزازي لزعماء المعارضة والمدافعين عن حقوق الإنسان، جنبا إلى جنب مع الانتهاكات التي ذكرتها، فإن كل ذلك ننظر اليه وكأنه رفض شامل لتوصيات لجنة تقصي الحقائق».
رابعاً :الإصلاحات الشكلية : 

15- استعرض تقرير التقصي في مواقع عديدة منه هيكل الدولة الدستوري والإداري التنظيمي، والذي يكون نتاج سياسة الدولة، وبين القصور بشكل واضح في أكثر من مفصل، وعلى الأخص التبعية وعدم الاستقلال في القرار، وعدم الجدية في إجراءات التحقيق والعدالة، منتهياً إلى وجوب اتخاذ إصلاحات هيكلية في بناء كثير من مؤسسات الدولة، ولذا قرر التقرير بشكل قاطع في الفقرة 1243 بشأن التقرير إلى وجود مشكلة منهجية، ولا يمكن معالجتها. 

16 – إزاء ضغوطات المجتمع الدولي، قامت السلطة بعدد من الإصلاحات الشكلية، دون معالجة المشاكل المنهجية، لتكون هذه الإصلاحات صورة الاستجابة لمطالبات الإصلاح في الجانب الحقوقي من المجتمع الدولي، دون أن يكون لهذه الإصلاحات أثرها على الواقع الحقوقي، عدا أن بعض هذه الإصلاحات أعطت حصانة لبعض المسئولين عن انتهاكات حقوق الإنسان، أو كانت مناصبها مكافأة لبعضهم، ما يزيد الوضع سوءاً.
17 – ونذكر هنا بعض الإصلاحات الشكلية: 

18 - وحدة التحقيق الخاصة بالنيابة العامة: والتي أنشأت بحسب ادعاء السلطة تنفيذاً للتوصية رقم 1722 لمساءلة المسئولين عن انتهاكات حقوق الإنسان. وهذه الوحدة يجب النظر إليها بضمها إلى مقطع فيديو لرئيس الوزراء يطمئن فيه أحد المتهمين بالمسئولية عن انتهاكات حقوق الإنسان في قضية الأطباء، إذ كان رئيس الوزراء يشير صراحة بأن القانون لا يطبق عليهم –أي الأسرة المالكة – ولا على أتباعهم ممن صدرت منه انتهاكات لحقوق الإنسان، في صورة واضحة لحصانة فعلية منحت من ثاني شخصية في الدولة[13].
 
وهذا ما يفسر أن وحدة التحقيق الخاصة لم تحقق مع أي من كبار المسئولين المتورطين بانتهاكات حقوق الإنسان، فضلاً عن إحالتهم للمحاكمة، بل أن تحقيقاتها غير الجادة أفضت إلى توجيه اتهامات إلى عدد ضئيل جداً من صغار منتسبي الأجهزة الأمنية تكون هذه الاتهامات سبباً إلى أحكام بسيطة جداً تصل إلى الحبس 6 أشهر على جريمة إفراغ ثلاث طلقات خرطوش على مواطن من مسافة لا تزيد على ثلاث أمتار تقضي على حياته[14]، بل وتأتي وأن اللافت أن يعتبر القضاء البحريني تورط العناصر الأمنية في القتل سبباً للتخفيف من العقوبة، رغم أن كونه سبب للتشديد بموجب قانون العقوبات البحريني!!. 

ذلك فضلاً عن براءة عدد منهم ممن قدم للمحاكمة، وحفظ عدد من حالات القتل، وتسير التحقيقات على نحو يبعد كبار المسؤولين عن المساءلة بالمخالفة لأساس التوصية التي قررها تقرير التقصي. والنتيجة بأن الوحدة المذكورة لا تختلف عن دور النيابة العامة، ولا تختلف تحقيقاتهما عن تحقيقات الجهات الأمنية التي وصف التقرير تحقيقاتها بغير الجادة وكلاهما مع القضاء لا يحظون بثقة الضحايا في الحصول على الترضية القضائية والانتصاف من المتسببين لهم بالأذى عبر تحقق ارتكاب العمل المجرم. هذا ويراعى أنه قد مضى أكثر من 20 شهراً تقريباً على وجود بلاغات تقدمت بها جمعية الوفاق الوطني الاسلامية ضد مسئولين كبار في الدولة – بعضهم من العائلة المالكة – بناء على الانتهاكات التي وردت في تقرير التقصي، وما زالت هذه البلاغات مجمدة في ثلاجة وحدة التحقيق الخاصة. 

19 – ونشير إلى بيان هام، وهو أن تقرير المتابعة الذي أصدرته الدولة في 1 ديسمبر 2013 تضمن نصاً بشأن هذه الوحدة، وهي أنه : هناك عدم تعاون بعض الشاكين مع الوحدة بالشكل الكافي، ورفض بعضهم المثول أمامها للإدلاء بأقوالهم مما يتسبب في تعطيل التحقيقات.” 

وإذا كان هذا الواقع قد أقرت به السلطة، فإن ذلك إنما يؤكد ما ذهبنا إليه من عدم ثقة المتضررين والشهود بهذه الوحدة، وأن هذه الوحدة رغم مرور الوقت الكافي لكسب ثقة المجتمع، فإنها إنما تقدم نماذج أكثر لعجزها في أن تحوز ثقة المتضررين والشهود والشاكين، نتيجة للأعمال القليلة التي حققت فيها، وكانت سبباً لعدم تقديم المسئولين عن عمليات القتل للمحاكمة، أو تقديمهم بناء على تكييف لجرائم بسيطة، وبتحقيقات تكون سبباً لإصدار أحكام البراءة عليهم. 

20 – الأمانة العامة للتظلمات : أنشأت الدولة هذه الوحدة على سند من أنها ستكون من يراقب المخالفات الصادرة من القوات الأمنية أثناء قيامها بالتعامل مع المواطنين، وتكون تابعة لوزير الداخلية. وفي حفل تدشينها بشكل رسمي، يكفي الاستشهاد بما قرره وزير الداخلية في كلمته من عصمة قوات الأمن من التورط بأي انتهاك، وأن أي إدعاء بصدور مخالفات منها يقصد منه النيل منها[15]، ولذا لم يكن للأمانة العامة للتظلمات أي وجود على أرض الواقع سوى لقاءات مع السفراء، وتنظيم حفلات العلاقات العامة، دون أن يكون لها دور واضح منذ إنشائها، عدا إصدار تقرير يتيم عن سجن جو، والذي أشار إلى بعض المخالفات، وترك المخالفات الأكبر. ورغم أن لهذه الأمانة أن تحرك تحقيقاتها من تلقاء نفسها فور علمها بأي تجاوز أو انتهاك، ورغم انتشار مقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي التي توثق الانتهاكات الصادرة من قوات الأمن.
 
إلا أنه لم تحرك هذه الوحدة ساكناً بشأنها، ولم تحصل على ثقة المواطنين، بل أنه مع توجيه الاتهام لأمين عام الوفاق بإهانة سلطة نظامية (وزارة الداخلية) بمناسبة إقامة معرض تجسيدي للانتهاكات التي وثقها تقرير التقصي، فرأت السلطة بأن تجسيد صورة إطلاق الغازات بكثافة، ومحاولات دهس المواطنين، والتي وثقتها تقارير منظمات حقوقية دولية، ومحطات إعلامية ذات صدقية، هذا التجسيد، يمثل إهانة للداخلية[16]. وهذا إنما يحمل دلالة بان أي شكوى ضد الانتهاكات التي تقوم بها الداخلية ستعتبر إهانة لها؟؟!! 

21 – مدونة السلوك لمنتسبي الأجهزة الأمنية : مع مراعاة ما ذكرته الوفاق من ملاحظات على هذه المدونة من إغفال متعمد لبعض ما ذكره تقرير التقصي تحديد، بأن يكون لمنتسبي القوات الأمنية الحق في رفض الأوامر والتعليمات التي تتضمن انتهاكات لحقوق الإنسان، فقد أصدرت الوفاق تقرير عن مقاطع فيديو لانتهاكات صادرة من قوات الأمن بعد صدور هذه المدونة، وكان مجموع المتورطين في هذه الانتهاكات عدد كبير من قوات الأمن، فإنه يجدر بعد ذلك: هل للمدونة وجود على أرض الواقع؟؟!! أم أنها تعتبر من مجال التزييف والتزويق الدعائي؟ 

22 - المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان[17]: نشأت هذه الوحدة بأمر ملكي، وعين أعضاؤها بذات الطريقة المعمول بها، كتوزيع مناصب بناء على الولاءات، فضمت بين أعضائها متورطين بانتهاكات حقوق الإنسان في الفترة التي وثقها تقرير التقصي، أو ممن حاول التستر على الانتهاكات، وكانت صلاحياته ومركزه في الدولة يوجب عليه أن يتحرك ضدها من داخل الجهاز الذي ينتسب إليه. وهذه المؤسسة مشغولة بورش العمل، والمحاضرات التثقيفية لحقوق الإنسان[18]، وإصدار البيانات في المناسبات العالمية، والعمل على مجلة علمية فصلية، ومناقشة الأمور الهامشية بعيداً عن الحقوق الأساسية، ولم تقدم نقداً واحد لممارسة واحدة من ممارسات السلطة، واشتغلت بالتلميع للواقع الحقوقي المتدهور[19]، عدا بيان واحد انتقد فيه نشر صور المتهمين في إحدى الخلايا المزعومة[20]، فما كان من السلطة إلا أن تجاهلت بيانها اليتيم بنشر صور متهمين آخرين في خلية أخرى بعد مدة قصيرة من البيان المذكور!! 

23 – مفوضية السجناء والمحتجزين: صدر مرسوم ملكي بإنشائها، ولم يعين أعضاؤها بعد، إلا أن نصوص المرسوم تشير إلى تشكلها من ذات الهيئات السابقة، والتي فقدت ثقة المجتمع، وبما فيها من غياب للاستقلالية، ولذا لا يتوقع من هذه المفوضية أي جانب إيجابي. 

24 – تدريب قوات الأمن والقضاة وأعضاء النيابة العامة : إن المقصود من التدريب هو تغيير سلوكيات وسياسات كانت تمثل انتهاكاً لحقوق الإنسان، أو من شأن التدريب أن يكون له اثر إيجابي على وقف الانتهاكات أو اكتشافها. وقد صرحت السلطة بأنها قامت بتدريب بعض أعضاء النيابة العامة على بروتوكول اسطنبول بشأن التقصي في حالات القتل خارج القانون، وبياناً في أن التدريب لم يغير من أسلوب التحقيق في هذه القضايا، فقد استشهد بالطلق الناري عدد من الشباب و الأطفال، ومنهم الشهيد محمود الجزيري، والشهيد فاضل العبيدي، والشهيد حسام الحداد، والشهيد علي نعمة، ورغم أن مقتضيات بروتوكول اسطنبول تلزم بإجراءات معينة في التحقيق، وبالشفافية في إجراءاته، وإشراك أهالي الضحايا فيه، فإن قضيتين على الأقل أغلقتا وحفظتا إدارياً بزعم أن قتلهما كان دفاعاً عن النفس من جانب قوات الأمن، في حين لم يكن أولياءهم يعرفون شيئاً عن التحقيق، أو مجرياته، والجدير بالذكر ان الجهة التي بررت قتل الطفلين حسام الحداد وعلي نعمة هي وحدة التحقيق الخاصة. 

25 – ومن المناسب الإشارة إلى ما قاله عضو اللجنة السيد/ نايجل رودلي في إفادته أمام لجنة الشئون الخارجية في البرلمان البريطاني من أن : التدريب لوحده لن يحدث فرقاً كبيراً، فرجل الأمن سيعذب إذا كان هذا ينفعه، والتدريب جزء من عملية سياسية تتطور، وهذا يعني أن هناك حاجة لوجود عملية من الاساس لكي تتطور[21]. 

26 – إحداث التعادل بين مكونات المجتمع البحريني في الأجهزة الأمنية والعسكرية: ورغم أن التوصية جاءت لضمان الشراكة في الأمن بصورة بنيوية وكسياسة واضحة وممارسة حقيقية ، اكتفت السلطة بالإعلان عن 500 وظيفة لشرطة المجتمع، ومع عدم وضوح ما إذا كانت هذه التوظيفات جزء لتحقيق هدف التوصية وهو ما يخالف التوصية ويذهب بجوهرها، إلا أنه لم يعلن عن أي دفعة أخرى، علاوة على استمرار عمليات تطهير هذه الأجهزة من أحد المكونات المجتمعية!! وأما في الأجهزة الأمنية الأخرى فلم يعلن أي شيء. 

27 – وكشف تقرير المتابعة في ديسمبر 2013 عدم وجود أي جدية في تنفيذ هذه التوصية، إذ قررت السلطة أنها طبقت التوصية بالكامل، وأغلقت الملف نهائياً، بمجرد أنها قامت بتوظيف 577 شخص من الجنسين من كافة أطياف المجتمع ومختلف المحافظات، ولعل تساؤلاً بسيطاً يكشف زيف هذا التنفيذ: كم سيمثل هذا العدد ( 577 شخص ) في عدد القوات الأمنية والعسكرية في البلاد؟ وما مقدار ما أحدثه من توازن بين مكونات المجتمع البحريني في الأجهزة الأمنية والعسكرية؟؟ 

28 – إنشاء الهيئة العليا للإعلام والاتصال: ادعت السلطة، بأنه تنفيذاً لتوصيات تقرير التقصي، فإن السلطة سوف تنشأ هذه الهيئة لمراقبة المحتوى الإعلامي وضمان حرية التعبير والالتزام بالقانون!!!، وقد أشار تقرير التقصي إلى سلوك السلطة في وسائل الإعلام الرسمية والقريبة منها التي تقوم على استبعاد المعارضة من الوصول برأيها للكافة عبر الإعلام الرسمي والمحلي، ومن جانب آخر تلويث سمعتها من جانب هذا الإعلام، موصياً بالسماح للمعارضة بمجال أوسع في البث التلفزيوني والإذاعي. فتتشكل الهيئة العليا للإعلام والاتصال من شخصيات متورطة بالتحريض ضد المعارضة، أو محسوبة على الخط الرسمي، وغاب عنه المحايدون فضلاً عن المعارضة، ورفضت السلطة توصية التقرير بالسماح للمعارضة للحضور الإعلامي بحجة أن السماح للمعارضة بعرض رأيها في الإعلام المحلي يؤدي إلى تقسيم المجتمع!!.
 
وحرض أحد كبار المسئولين الإعلاميين في الدولة بعض الفئات المناصرة للوضع القائم بالكتابة في الإعلام بأي لغة يرونها بحجة أن الإعلام الرسمي عليه ضوابط من الصعب أن يتخطاها، في تحريض واضح على استعمال البذاءة واللغة الهابطة في تلويث سمعة المعارضة، ويتصدر هذا النهج مستشار الملك للشئون الإعلامية، وتوّج هذا الأمر في الأسبوع السابق على اتمام العامين على نشر تقرير التقصي الإفصاح عن غرفة مراقبة أنشأها وزير الدولة لشئون الاتصالات تتولى الرقابة على حرية الرأي والتعبير في وسائل التواصل الاجتماعي، بحجة محاربة الإرهاب[22]. فضلا عن صدور حكم يصحح القرارات بحظر إصدار جمعيات المعارضة نشراتها الخاصة، ولم تسمح لها بإنشاء قناة فضائية أو جريدة يومية. 

29 – هذا ومن اللافت الإشارة إلى أن تقرير المتابعة الصادر من الدولة في يونيو 2012 أشار في الفقرة 77 منه على تكليف هيئة شئون الإعلام لوضع استراتيجية تتبنى سياسة إعلامية عادلة مهنية ومتوازنة تجاه المعارضة، وذلك من خلال قيام وسائل الإعلام بتبني وجهات النظر التي تتعلق بتسريع الإصلاح على المستويات التشريعية والتنفيذية، و أن ذلك لا يمكن أن يتم دون إفساح المجال لجميع القوى السياسية والمجتمعية التي تشكل المجتمع البحريني للظهور في الإعلام المحلي الرسمي. كما أشارت الفقرة 78 من ذات التقرير إلى تكليف هيئة شئون الإعلام بتغطية الندوات والفعاليات التي تقيمها الجمعيات السياسية، وإبراز مضامينها في وسائل الإعلام مع طرحها للمناقشة بموضوعية، وذلك عبر البرامج التلفزيونية والإذاعية.
 
فقد كان هذا التكليف في يونيو 2012 متوقعاً أن ينتهي بتنفيذ التوصية، وإذا بتقرير المتابعة في ديسمبر 2013 يتجاهل هذا التكليف، بل ويتجاهل مضمونه، ويتناسى أنه لا يمكن كسب ثقة المواطنين إلا بإفساح المجال لجميع القوى السياسية والمجتمعية من الظهور في الإعلام الرسمي. بل أن الواقع يشهد ذات الانتهاكات التي ذكرها تقرير التقصي في شأن الإعلام الرسمي، وستعجز الدولة عن نشر إحصائية تبين عدد الفعاليات والندوات التي نقلتها أو غطتها من حراك القوى السياسية المعارضة.
خامساً: حملات التسويق الزائف : 

30 – في ضوء غياب إرادة الإصلاح الجدي، والإصرار على مواجهة مطالب الإصلاح بالمزيد من الانتهاكات، فإن خطة السلطة على تسويق زائف للوضع الحقوقي في البلاد، لمحاولة تصوير الإصلاحات الشكلية وكأنها انجازات جوهرية، وريادية، فتكون البحرين أول دولة شكلت لجنة تقصي حقائق من قضاة دوليين، وقبلت تقريرها، وأول دول تنشأ نظام الأمبودسمان في المنطقة(الأمانة العامة للتظلمات)، وأول دولة تكون فيها مدونة سلوك خاصة لمنتسبي القوات الأمنية. والدولة الأبرز التي تنشأ مفوضية للمحبوسين والمحتجزين، والتجربة الأكثر رائدية في إنشاء وحدة تحقيق خاصة لمساءلة المسئولين عن انتهاكات حقوق الإنسان.ولكن كل ذلك خواء، بل أن بعضاً مما تدعي السلطة ريادتها فيه في المنطقة مثل تشجيعاً وغطاء لانتهاكات حقوق الإنسان، ومصدر حصانة لبعض المتورطين في الانتهاكات، فضلاً عن أنها وزعت المناصب فيها مكافأة على القيام بالانتهاكات في بعض الأحيان.
31- ولذا أنشأت الدولة عدد من المؤسسات المعنية بذلك: 

- إنشاء وزارة لحقوق الإنسان: عمل وزيرها تلميع الوضع الحقوقي، بل واعتبار الانتهاكات التي ترتكبها الدولة جزء من منظومة حماية الحريات، فيكون حظر المسيرات حماية لحقوق الجاليات الأجنبية، ونشر صور المتهمين قبل التحقيق معهم مطابقاً للمواثيق الدولية. وآخرها أن يكلف وزير حقوق الانسان في الذهاب الى كوريا ليبرر شراء مليون و ٦٠٠ ألف طلقة غازات مسيلة للدموع حسب ما يتداول من أنباء بعد تسريب وثيقة صادرة من وزارة الداخلية إلى كوريا تطلب في هذا العدد من الطلقات. 

- إنشاء لجان حقوق الإنسان بمجلسي الشورى والنواب: وقد عبرت هذه اللجان بصورة واضحة أن هدفها هو تغيير الصورة النمطية السلبية عن البحرين في المجتمع الدولي، ولم تعمل يوماً على إصلاح انتهاك واحد من انتهاكات حقوق الإنسان، بل كانت عاملاً مساعداً في بعض الحالات لمزيد من الانتهاكات.
- وحدة خاصة في وزارة الإعلام يكون هدفها مراقبة ما ينشر عن البحرين في وسائل الإعلام المختلفة ومحاولة تضليل الرأي العام الدولي بخلافه.
- تعيين شركات علاقات عامة لتزيين الوضع الحقوقي. 

- شراء مواقف بعض الأفراد والجهات لإصدار رأي مؤيد لموقف السلطة.
- يناقش في مجلس النواب اقتراح بتعيين ملحق حقوقي في سفارات البحرين في بعض الدول يكون دوره الرد على ما يوجه إلى البحرين من انتقادات. 

- فكرة إنشاء المحكمة العربية الخاصة بحقوق الإنسان، والتي يراد منها الترويج لوضع حقوقي زائف عن البحرين، في حين تواجه فكرة العدالة في الدولة بمزيد من الريبة، وتصدر تقارير من منظمات حقوقية تقرر بأنه”لا عدالة في البحرين”. 

- تشكيل التحالفات بشكل مكشوف مع بعض الدول، لشراء مواقفها في الوقوف مع السلطة بغض النظر عن سلامة أو عدم سلامة موقفها. 

- الترويج لوجود مخططات إرهابية في البحرين، وأن البحرين تشهد إرهاباً لا مثيل له حتى في الدول المصدرة للإرهاب، وتشويه سمعة المطالبين بالديمقراطية، لتبرير الإجراءات القمعية والسياسات المنافية لمبادئ حقوق الإنسان كإسقاط الجنسية وحظر التظاهر وحظر الاتصال على الأحزاب السياسية وتشديد العقوبات، وسرعة المحاكمات. 

32 – وفي جميع ذلك، فإن أياً من الجهات السابقة أن تعلن، فضلاً عن أن تمارس دراسة للنقد الذي يوجه إلى للسلطة في مجال حقوق الإنسان، وإنما اعتبار كل نقد تشويهاً، واستقاء من مصادر كاذبة، ناسبة ذلك حتى إلى المفوضة السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة. 

33 – وقد تدارست الوفاق التقرير الصادر عن السلطة في متابعة تنفيذ توصيات تقرير التقصي في 1 ديسمبر 2013م، والذي تتكون نسخته العربية من 87 صفحة، ومن خلال دراسة التقرير يتضح جلياً عدم الرغبة في تجاوز الإصلاح المزيف للواقع الحقيقي، والتنفيذ الهامشي الشكلي للتوصيات، ولا أدل على ذلك من الاستغراق في حشو التقرير بأنشطة شبابية وتوعوية تقام بعضها بصورة سنوية قبل صدور التقرير، وبعضها مجدول ضمن الفعاليات التوعوية والصحية والشبابية غير ذات العلاقة بالتوصيات، لتدرج في التقرير على أنها تنفيذ لتوصية التقرير بشأن المصالحة الوطنية، حتى أصبح الجزء المتعلق بتنفيذ توصية تقرير التقصي بشأن المصالحة الوطنية محل تندر الشارع البحريني، والضحايا، إذ لا يمكن كلية إيجاد رابط بين ندوة توعوية بشأن ” سرطان الثدي”، أو محاضرة صحية حول التدخين، على أنها فعاليات تحقق المصالحة الوطنية، بل احتاج معد التقرير أن يبحث عن فعاليات يحشو بها تقريره، فاختار فعالية الحوار الشبابي الذي أقيم في 8 مارس 2011 على أنه تنفيذ لتوصية تقرير صدر في 23 نوفمبر 2011م، ما يعني أن التنفيذ سبق التوصية، بل واشتداد الأزمة الحقوقية !! وبنظرة فاحصة صادقة على الصفحات من 55 حتى 78 من هذا التقرير، يتضح حجم الإسفاف الذي كان عليه التقرير، الذي يقصد منه تنفيذ شكلي للتوصيات، أو حشو فعاليات للانتهاء بأنها تمثل خطوات وإجراءات في سبيل التنفيذ.
 
34 – ورغم أن تقرير المتابعة الصادر في ديسمبر 2013 قد أشار إلى إضافة مادة جديدة برقم (69 مكرر) إلى قانون العقوبات البحريني، والتي أكدت على أن يكون تفسير القيود الواردة على الحق في حرية التعبير في القوانين العقابية في الإطار الضروري اللازم لمجتمع ديمقراطي، وأن ممارسة حرية التعبير عذر يعفي من العقاب، إلا أن الواقع يشهد زيادة في أعداد من توجه لهم الاتهامات التي حددتها تقرير التقصي على أنها تم تفسيرها بشكل يخالف القانون الدولي لحقوق الإنسان والمعايير الدولية، وما قرره التقرير في الفقرات 1279 وما بعدها، حيث نستذكر ما قرره التقرير في الفقرة 1280 بأنه : جرى تطبيق المادة 165 من قانون العقوبات تطبيقاً ينتهك حرية الرأي وحرية التعبير، إذ أقصيت من النقاش العام الآراء التي تعبر عن معارضة نظام الحكم القائم في البحرين والآراء التي تدعو لأي تغيير سلمي في بنية الحكم أو نظامه أو تدعو إلى تغيير النظام.”
 
ورغم التعديل الذي يدعيه السلطة، فإن التهمة المقررة في المادة 165/ عقوبات ما زالت توجه لأعداد كبيرة من المواطنين، حيث توجه تهمة التحريض على كراهية النظام، حتى على المطالبة بتغيير الحكومة، وتوجيه النقد المشروع لها. وما زالت تستخدم لذات الأغراض التي أشار إليها تقرير التقصي في الفقرة 1284، والتي قررت بأن : “المواد 165، 168، 169 من قانون العقوبات تقيد أيضاً الرأي والتعبير بتجريمها التحريض على كراهية النظام أو الإضرار بالصالح العام، دون أن تنص على أي عمل مادي ينتج عنه ضرر للمجتمع أو للفرد. وقد جرى تطبيقها لقمع النقد المشروع للحكومة.” 

35 – إن العبرة ليس في صدور التشريعات، وإنما في تطبيق التشريعات بشكل يحقق العدالة، فقد قرر تقرير التقصي في الهامش رقم 629 بأن التعديلات في القوانين، تصلح سبباً لإسقاط التهم التي بنيت على المواد 168 و 169 الموجهة في حق 14 من كبار زعماء المعارضة أدينوا بموجبها أمام محاكم السلامة الوطنية بناء على قاعدة القانون الأصلح للمتهم، إلا أنه ورغم صدور هذه التعديلات، فلم يبين تقرير المتابعة استفادة من حددهم التقرير بالاستفادة منها، وتجاهل ذلك، إلى جانب ما تضمنه تقرير المتابعة من تعديلات فيما يتعلق بجريمة التعذيب، وتحديدها، ورغم التسليم بالأثر المباشر للقوانين الجنائية، وعدم انطباقه على الحالات السابقة قبل صدور التشريع، إلا أنه لم تطبق هذه التعديلات على ادعاءات التعذيب التي نشأت بعد صدور هذه التعديلات. 

36 – ومن الأمور التي يجب الوقوف عليها ما ذكره التقرير في خصوص تنفيذ التوصيتين في الفقرتين 1716 و 1722/أ بشأن إنشاء الآلية المستقلة لمحاسبة المسئولين المتورطين في عمليات القتل والتعذيب، فقد أبرز تقرير المتابعة أن أعلى رتبة تم التحقيق معها هي رتبة عميد، وهي حالة واحدة ما زالت التحقيقات جارية فيها للتصرف، بما يعني أن مصيرها قد يكون الحفظ، ورغم أن تقارير المتابعة السابقة كانت أكثر وضوحاً في عدد الشكاوى التي تلقتها الوحدة الخاصة، وما تم التصرف فيها من شكاوى، نوع التصرف، كما كان في تقرير المتابعة الصادر في يونيو 2012، إلا أن التقرير الجديد خلا من ذلك، إلا أنه أكد أن المساءلة ما زالت تتم للرتب المتدنية، رغم أن التوصية كانت بإنشاء آلية مستقلة محايدة لمساءلة المسئولين الحكوميين، وليس الموظفين الحكوميين، بمعنى أن النيابة العامة بشكل عام يمكن أن تقوم بدورها المعتاد في التحقيق مع الرتب الدنيا، أو أنها لم تكن محل اهتمام التوصية، وإنما كان محل التوصية هم المسؤولون الحكوميون، بل أكدت التوصية ذلك بأن قررت تحديد مفهوم المسؤولين الحكوميين الذين عنتهم بالآلية الخاصة في عجز الفقرة 1716، بأن قررت عبارة ” الذين يثبت انطباق مبدأ “مسئولية القيادة” عليهم وفقاً للمعايير الدولية. ولذا فإن الإنجاز الذي ينتظر من الآلية الخاصة، ودون مناقشة ما إذا كانت الوحدة الخاصة تستوفي معايير هذه الآلية وفقاً للتوصية، فإن مخرجات عملها يجب أن تكون التحقيق مع المسئولين من القيادات، وليس صغار العسكريين الذين في أغلبهم ليسوا في مرتبة الضباط وإنما الأفراد. 

بل أن متابعة تحقيقات هذه الوحدة استمرت دون أن يقصد منها مساءلة القيادات، بل وتجاهلت الوقائع التي تشكل سبباً لمسئولية القيادات، فرغم أن تقرير التقصي اعتبر مجرد تصميد العينين والتوقيف وتقييد اليدين إلى الخلف لفترات طويلة أنواعاً من أنواع التعذيب، ورغم أن أحد من تولت الوحدة الخاصة التحقيق معهم أشار إلى أن تقييد يدي النزلاء في مراكز التوقيف وتقييد أيديهم لفترات طويلة كان إجراء معتاداً وضمن أنظمة السجن المعمول بها، فإن هذه الوحدة لم تحرك ساكناً في استجلاء الجريمة التي ثبتت أمامها، ولم تكلف نفسها عناء البحث عن مصدر التعليمات هذه، والتي تتضمن تعذيباً للنزلاء. 

وفي ذات الشأن، فإن ما تضمنه تقرير المتابعة الرسمي – ديسمبر 2013 من أن الوحدة الخاصة تقوم بمتابعة التحقيقات لإنجاز جميع الشكاوى المتبقية في أقصر مدة زمنية ممكنة، يكفي للرد عليه أن الوحدة لم تحرك ساكناً بشأن شكاوى الوفاق ضد مسئولين كبار في الدولة ( ثلاثة وزراء اثنين منهم من العائلة الحاكمة) مستندة إلى تقرير التقصي، رغم أنها مقدمة منذ 1 أبريل 2012 !!! 

37 – وبشأن ما ورد في تقرير المتابعة – ديسمبر 2013 بخصوص التعويضات عن أضرار التعذيب، فرغم أنه بحسب ما ورد في التقرير من أن لجنة الطب الشرعي قد خلصت إلى أن 25 شخص من أصل 193 قد كانت نسبة العجز قد وصلت 30% فما فوق بسبب التعذيب، وأن 4 حالات منها تجاوزت نسبة العجز 50%، فإن هذا المعلومات والبيانات لم تستخدم للتقصي في خصوص التعذيب والمتسببين في التعذيب، وإنما فقط لأغراض التعويض!!! 

38 – وبخصوص التوصيات الواردة في 1723/ أ و ب بشأن إعادة العمال المفصولين لأسباب سياسية، فإن التقرير يدعي إنجاز هذه التوصية بالكامل، في الوقت ذاته ترفض السلطة التوقيع على الاتفاقية الثلاثية بين كل من حكومة البحرين والاتحاد العام لنقابات عمال البحرين وغرفة تجارة وصناعة البحرين، برعاية منظمة العمل الدولية في غضون الربع الرابع من العام 2013م!!!، ورغم أن التقرير أشار إلى الاتفاقية الموقعة في 11 مارس 2012. 

39 – وتبرز عدم الجدية بشكل واضح في خصوص التوصية بإعادة بناء دور العبادة التي هدمتها السلطة في فترة السلامة الوطنية، فرغم أن تقرير التقصي أشار بصراحة إلى أن عدد دور العبادة التي شملها التهديم والتخريب بلغ 53 موقعاً كما قررت الفقرة 1307 من تقرير التقصي، وقررت ذات الفقرة بأن اللجنة اختارت 34 موقعاً منها لإجراء التحقيقات المطولة بشأنها، دون أن تنفي عن العدد المتبقي وهو 14 موقعاً تعرضها للضرر، وإنما أخذت كعينة. وقد أشارت الفقرة 1309 تفصيلاً إلى وضع ال14 موقع الذي لم تكن محلاً للتحقيقات المطولة. بل تمادت السلطة لتحول أحد هذه المساجد المهدمة والذي يبلغ عمره أكثر من ٧٠ سنة الى حديقة عامة في تحد واستفزاز لمشاعر المواطنين المسلمين. 

40 – وبتقييم الحليف الاستراتيجي للسلطة، المملكة المتحدة، فقد أصدرت لجنة الشئون الخارجية يوم الجمعة 22 نوفمبر 2013م تقريراً بشأن علاقة المملكة المتحدة بمملكة البحرين والمملكة العربية السعودية ، سلط الضوء في أجزاء كبيرة منه على الوضع الحقوقي في البحرين، وعلى تنفيذ توصيات تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، وقد خلص ذلك التقرير إلى أنه لم يتم تنفيذ توصيات التقرير بشكل كامل، وجاءت عبارات التقرير لاذعة للسياسة التي تتبعها البحرين بتزييف واقعها بحملات تسويقية دون أن تشتغل بالتنفيذ الحقيقي للتوصيات، بل أن التقرير حذر الحليف التاريخي للنظام من التورط في وحل انتهاكات حقوق الإنسان البحريني، وكان بين استنتاجات هذه اللجنة بأن : “حكومة البحرين تعاملت مع توصيات لجنة تقصي الحقائق بصورة بطيئة ومخيبة للآمال، وهذا ادى الى تضررت سمعتها الدولية” ، و” انه إذا لم يكن هناك تقدم كبير مع بداية عام 2014، فإن على الحكومة البريطانية ان تدرج البحرين في قائمة الدول «المثيرة للقلق» في تقريرها السنوي عن حقوق الإنسان.”
سادساً : رفض آليات القانون الدولي لحقوق الإنسان: 

41 – إن من يروج بخلو البحرين من أي انتهاكات لحقوق الإنسان، وأن البحرين واحة لحقوق الإنسان، وأنها وصلت إلى الدولة الحقوقية التي لم تصلها الدول المتقدمة، والضاربة في الديمقراطية، إنما ينبغي أن يصاحب ذلك القبول بالخضوع لآليات القانون الدولي، والقبول بالأطراف الأخرى المحايدة لتقييم ما يدعيه، ولو من باب الاستفادة من التجربة، ونقلها للدول الأخرى. إلا أنه نظراً لاستمرار الانتهاكات، وهشاشة الإصلاحات الشكلية، وزيف التسويق عن الوضع الحقوقي، فإن السلطة ترفض آليات المجتمع الدولي في تقييم الوضع الحقوقي: 

- ترفض الالتزام بمتطلبات الإعلان العالمي لحقوق الانسان والعهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والثقافية ومواءمة القوانين المحلية لتتوافق معهما، وبالأخص تفعيل إرادة المواطنين في سلطة الحكومة عبر انتخابات حرة ونزيهة، ضمان حرية التعبير والتجمع السلمي، ضمان العدالة والمساواة لجميع البحرينيين وضمان حقوق المواطنة بما في ذلك الجنسية التي تم سحبها من المواطنين بقرارات تعسفية ويتم تقنين ذلك تحت مسوقات واهية. 

- ترفض فتح مكتب للأمم المتحدة يعنى بحقوق الإنسان، وقد رشحت بعض الأنباء عن تقدير مقترح من السلطة يجعل من المكتب في حال الموافقة على الاقتراح مكتباً للسلطة، تتواصل من خلاله مع الأمم المتحدة، وفي مرحلة لاحقة تحدد أهلية من يتعامل مع هذا المكتب من المنظمات الأهلية والتي تضمن السلطة ولاءها لها، في رغبة واضحة لفصل هذا المكتب عن واقع حقوق الإنسان والاتصال بالضحايا. 

- ترفض بعثة المفوضية السامية لحقوق الإنسان.
- ترفض زيارة المقررين الخاصين التابعين لمجلس حقوق الإنسان، وعلى الأخص المقرر الخاص بالتعذيب والمعاملة القاسية والحاطة بالكرامة الإنسانية. 

- ترفض الانضمام للبروتكول الملحق بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، الذي يعطي للمواطنين حق اللجوء إلى اللجنة التي قرر البروتكول تشكيلها. 

- ترفض الانضمام للبروتكول الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب والمعاملة القاسية والحاطة بالكرامة الإنسانية الذي يعطي للضحايا حق الاتصال باللجنة التي قررها البروتكول.
- ترفض الانضمام إلى اتفاقية روما بشأن المحكمة الجنائية الدولية. 

- تماطل في الانضمام للاتفاقية الدولية بشأن الاختفاء القسري.
- رفض طلبات المنظمات الحقوقية الدولية لزيارة البحرين، أو/و التضييق عليهم في الإجراءات، وتقييد حركتهم، ومحاولة فرض برامج وأشخاص عليهم، بحجة أنها ضوابط لعمل هذه المنظمات، مع حملة كراهية ضد هذه المنظمات من الإعلام الرسمي والقريب منه. 

- رفض حضور وسائل الإعلام، أو/و التضييق عليهم في الإجراءات، وتقييد حركتهم، لضمان عدم اتصالهم بجمهور المعارضة.
- رفض المصادقة على عدد من اتفاقيات العمل الدولية. 

- إصدار قرار وزير العدل والشئون الإسلامية والأوقاف بحظر اتصال الجمعيات السياسية إلا بإجراءات تحد من فاعلية الاتصال أو تلغي الفاعلية بشكل كامل، سواء من ممثلي الدول أو المنظمات الدولية، بما في ذلك الحقوقية، لمحاصرة أي رأي آخر غير رأي السلطة في الوضع بشكل عام، بما في ذلك الوضع الحقوقي.، وقد كان هذا القرار محل سخط دولي، باعتباره قيداً مقصوداً منه الحجر على آراء المعارضة من الوصول إلى المنظمات الحقوقية والسلك الدبلوماسي، واعتبر مخالفاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان، بل وقررت الدول الكبرى تجاهله.
سابعاً : مرحلة إنكار تقرير التقصي، والتفرغ لما يعاكسه: 

42 – إن تنفيذ توصيات تقرير التقصي يتطلب القبول بهذا التقرير بما فيه من استنتاجات، وما خلص إليه من توصيات، ورغم أن الدولة أعلنت قبولها بتقرير التقصي منذ عامين، إلا أن الواقع العملي، وما يرد على لسان مسئولين كبار في الدولة إنما يعكس رفضاً لهذا التقرير، وإنكاراً له، بل وربما يعتبر إهانة للدولة قياساً على التهمة الموجهة بشأن متحف الوفاق الذي جسد الانتهاكات التي قرر التقرير صدورها عن القوات الأمنية، على أن هذا المتحف يمثل إهانة لوزارة الداخلية. 

43 – وكما أشرنا أعلاه، فوزير الخارجية لا يرى حاجة البحرين للمصالحة، والحكومة لا تقبل بمنح المعارضة فرصة الحضور الإعلامي في وسائل الإعلام المحلية، وما زال الوصف للحراك على أنه إرهابي يتحرك بإرادة خارجية، رغم ما قطعه بسيوني استنتاجات بعكس ذلك. 

44 – كما أن القضاء لا يعتبر ما ورد في التقرير مستنداً رسمياً، ولا دليلاً في الاتهامات التي ذكر التقرير المسئولين عنها، ولا محل اعتبار فيما انتهى إليه من خلوص وقوع التعذيب، وبطلان أوامر القبض والتفتيش والمحاكمة. 

45 – بل أنه رغم ما قرره التقرير من وجوب الإصلاح في جوانب معينة، فإنه قد صدرت تشريعات تقنن الانتهاكات، بحظر التظاهر في العاصمة، وغير ذلك من القرارات، وكل ذلك إنما يعكس في واقعه العملي رفض من جانب الدولة لتقرير التقصي، كما أن مسئولي الدولة جعلوا تنفيذ توصيات المجلس الوطني هي الأولوية في كل عملهم[23].

ثامناً : تقارير المتابعة التي تصدرها الدولة بشأن تنفيذ التوصيات:
46 – أصدرت السلطة أكثر من تقرير تدعي فيها تنفيذها لتوصيات تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، وهي التالية: 

- تقرير اللجنة الوطنية المكلفة بمتابعة تنفيذ توصيات لجنة التقصي، والتي تشكلت برئاسة السيد/ علي صالح الصالح، وأصدرت تقريرها في فبراير 2012م. 

- تقرير المتابعة الصادر عن جهاز المتابعة التابع لوزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف، وذلك في يونيو 2012م. 

- تقرير المتابعة الصادر عن ذات الجهاز المشار إليه في نوفمبر 2012م.
- تقرير المتابعة الجديد الصادر عن ذات الجهاز في ديسمبر 2013م. 

47 – ويراعى أنه في جميع التقارير التي أصدرتها الدولة تجاهل واضح للتوصيات الواردة في نهاية كل فصل من فصول التقرير، حيث وردت توصيات تفصيلية، لم ترد في التوصيات الإجمالية في ختام التقرير، إلا أن تقارير المتابعة تجاهلتها، لتحصر التنفيذ في 26 توصية، في حين أن العدد الحقيقي للتوصيات أكثر من ذلك، على سبيل المثال ما ذكر في الفقرة 1249 الذي ينص على الحق في التعويض للضحايا بمجرد بقائهم في التوقيف لفترة ممتدة في معزل عن العالم الخارجي، وإن لم ينالهم التعذيب، إذ يعد التعذيب سبباً آخر لاستحقاقهم التعويض بموجب الفقرة 1248. 

47 – كما تجاهلت التقارير المتلاحقة التوصية الواردة في الفقرة 1251 التي توجب ألا تمتد مدة عزل المتهم عن العالم الخارجي دون اتصال فوري بالمحامي أكثر من يومين أو ثلاثة، إذ الواقع يشير إلى أن جميع ما اتهمتهم السلطة بتشكيل خلايا أو القيام بأعمال إرهابية يعزلون عن العالم الخارجي، وعن المحامين لمدد تصل إلى أسابيع، ويجري التحقيق في غالب القضايا دون حضور المحامين، حتى مع تقديم المحامين رغبتهم في الحضور للتحقيقات، وذلك إنما يشير لرغبة واضحة في انتزاع الاعترافات تحت وطأة التعذيب، وضمان زوال آثار هذا التعذيب، أو الحد منها، ما جعل أكثر المتهمين في هذه القضايا يشكون تعرضهم للتعذيب أمام هيئة المحكمة، بل أن بعضهم يدعي تورط بعض أعضاء النيابة العامة في ذلك. ولذا فإن تجاهل التوصية الواردة في الفقرة المذكورة من التقارير، إنما يقصد منه إبعاد الأنظار عنها لجوهريتها، ولأن العمل بتنفيذها يفقد سلطات التحقيق عنصراً هاماً في توجيه التهم للضحايا. 

48 – ويعاضد ما تذهب إليه الوفاق، ولاتحاد في العلة، فإن التقارير تتجاوز التوصية الواردة في الفقرة 1253 التي تنص على قلب عبء الإثبات، فيكون مطلوباً من جهة التحقيق أن تثبت عدم تعرض المتهم للتعذيب، وأن المتهم قد عومل معاملة حسنة، ولم تصدر منه الإقرارات والاعترافات تحت أي نوع من أنواع المعاملة السيئة، فهذه التوصية في حال تطبيقها تهدم كافة المحاكمات التي تجري أمام القضاء، بقلب عبء الإثبات الذي تعجز عنه سلطة التحقيق، بل أن الأحكام القضائية ما زالت تصدر بناء على اعترافات منتزعة تحت وطأة التعذيب، بل وأصبحت الأحكام القضائية تبرر أخذها بالاعترافات، ومع إقرارها بوقوع التعذيب، لمجرد القول بأن التعذيب إنما وقع على المتهم بغرض الانتقام والتشفي، ولم يقصد منه انتزاع الاعترافات!!!.
 
49 – نشير إلى أن التقرير الجديد يتضمن بصورة واسعة جميع ما تضمنه التقرير الصادر قبل عام، بل أن بعض فصول وموضوعات التقرير كانت بذات النصوص الواردة في تقرير نوفمبر 2012، حتى نسي من أعد التقرير بعض العبارات التي كانت تناسب نوفمبر 2012 فأبقى عليها، إذ استخدم ذات العبارات الواردة في الفقرات 98 و 99 و 102 من تقرير المتابعة الصادر في نوفمبر 2012، وأبقى على عبارة مثل “خلال الأشهر الست الماضية” أو ” عقد الشهر الماضي” دون أن يلتفت معد التقرير إلى أن هذه المدد وإن كانت تناسب التقرير السابق، فهي بالقطع لا تناسب بذات التعابير التقرير الجديد.
 
وبمطالعة سريعة، يتضح أن أكثر من 75 فقرة من أصل 136 فقرة تضمنها تقرير المتابعة الصادر في نوفمبر 2012 كتبت نصاً في التقرير الجديد، بل أن تقرير المتابعة الصادر في ديسمبر 2013 بتضمنه عبارات ذاتها وردت في تقرير المتابعة في نوفمبر 2012 مثل عبارة ” وجاري حالياً الاتفاق حول أوجه المساعدة التي ستقدمها المبادرة في تدريب القضاة والنيابة العامة في مجال تفتيش أماكن الاحتجاز بالإضافة إلى وحدة التحقيقات الخاصة” مدعاة للتساؤل عما إذا كان قد وقع خطأ بشري في لصق العبارات من التقرير السابق، أم أن العمل للوصول لاتفاق ما زال جارٍ رغم مرور أكثر من عام عليه؟؟!! 

ولعل عدم الجدية في تنفيذ التوصيات، ومحاولة إخفاء الفشل تبرز في المقارنة بين تقارير المتابعة المذكورة، فكلما ابتعد الزمن جاءت البيانات الرسمية عامة دون تحديدها بأرقام، أو تشخصيها بحالات، لأن ذلك يكشف عدم وجود أي تقدم حقيقي في التنفيذ، وعلى سبيل المثال، فقد اعتبرت الفقرة 18 من تقرير المتابعة الصادر في نوفمبر 2012 بأنه ” من الضروري أن يسلط هذا التقرير الضوء على المساءلة من الناحية الفعلية وإجراءات سير العدالة حتى يقف المتابع على إجراءات العدالة الجنائية المتخذة في هذا الخصوص” وبحيث يتضمن التقرير ملحقاً يتضمن التطورات الحاصلة في قضايا الوفاة بسبب الأحداث على الأقل ببيان كل حالة والتصرف الذي قامت به الوحدة الخاصة في كل قضية، مع عرض ما صدر من أحكام في أول درجة وفي الاستئناف، مستعرضاً 46 حالة وفاة ذكرها تقرير التقصي، و 46 حالة أخرى لم يذكرها تقرير التقصي. ونظراً لعدم وجود أي تطور، فإن التقرير الجديد خلا من هذه التفاصيل، رغم أن تقرير 2012 قد سلم بأن عرضها ضروري لتسليط الضوء على المساءلة من الناحية الفعلية. 

50 – الوفاق من جانبها قد أصدرت أكثر من تقرير متابعة، إضافة إلى بيانات خاصة توقفت فيها عند تنفيذ توصيات معينة. وقد أبرزت التقارير التي أصدرتها الوفاق ما يلي: 

- ما تم بشأن التوصيات الواردة بجمع ما ورد في نهاية كل فصل من فصول التقرير، وفي ختام التقرير، وقد صدر هذا التقرير في أكثر من مرحلة زمنية. 

- ما تم بشأن التنفيذ من أثر على الاستنتاجات التي خلص إليها تقرير التقصي، إذ أن المقصود من التوصيات هو تلافي ما توصلت إليه من استنتاجات في تقريرها، وقد صدر هذا التقرير في أكثر من مرحلة زمنية. 

- التنفيذ في التوصيات المفتاحية، حيث فرز هذا النوع من التقييم التوصيات إلى خمس توصيات مفتاحية، وتوصيات تابعة إليها، إذ يعتبر عدم تنفيذ هذه التوصيات بشكل حقيقي إخلالاً بالتنفيذ في التوصيات الأخرى، والتي تعتبر شكلية مفرغة من محتواها، لأنها لم يتم تنفيذها بمراعاة تنفيذ توصية مفتاحية تمثل المظلة إليها، وقد صدر هذا التقرير في نوفمبر 2012م[24]. 

- ولما كان الوضع الحقوقي في البحرين لم يتغير إيجاباً، ولم يتطور تنفيذ توصيات اللجنة البحرينية لتقصي الحقائق، فإن الوفاق تعتبر التقييم ما زال صالحاً دون تقدم إيجابي، عدا وجود مؤشرات سلبية على تراجع أكثر، وحصول نماذج من الانتهاكات والتصرفات التي تؤكد الخلاصات التي انتهت في ذلك التقييم، ولذا يرفق ذلك التقييم مع هذا التقرير كملحق رقم (1)، ويعتبر جزء من هذا التقرير.
- وبمناسبة صدور تقرير المتابعة في 1 ديسمبر 2013 من قبل الدولة، فإننا نرفق رداً ومناقشة لما تضمنه ذلك التقرير في الملحق رقم (2) الذي يعتبر جزء من هذا التقرير.

تاسعاً : نظرتنا إلى الخروج من الأزمة الحقوقية في البحرين:
51 – إننا نستذكر في هذا الشأن ما انتهت إليه لجنة الشئون الخارجية في البرلمان البريطاني[25]، والتي أشارت في تقريرها لعدد من المفردات التي تؤكد نظرتنا، وتتمثل فيما يلي: 

على بريطانيا ان تضغط بسرعة وقوة أكبر من أجل تنفيذ توصيات لجنة تقصي الحقائق، والانخراط بجدية في الحوار والتجاوب مع آليات الأمم المتحدة من أجل إعادة تأسيس النوايا الحسنة. 

المشاركة البريطانية في الجهود الحالية في البحرين يجب ان تشترط عدم استمرار الانتهاكات وعدم البطء في تنفيذ الإصلاحات، لأن هذا يمثل خطرا على مصداقية المملكة المتحدة التي تسمح لنفسها بأن يرتبط اسمها بالمشاكل في البحرين بدلا من ارتباط اسم بريطانيا بالحلول للمشكلة. 

أن تبذل الحكومة البريطانية مساعي من أجل تأمين دعوة مقرر الامم المتحدة المعني بالتعذيب، وان تكون هذه النقطة من أولويات الفريق العامل المشترك القادم مع السلطات البحرينية. 

وبينت اللجنة انها تشعر بالقلق بشأن الانتقادات تجاه سياسة المملكة المتحدة في البحرين، ورغم انها ليست جديدة، الا انها تدعو للقلق. ففي الوقت الذي تستخدم بريطانيا علاقاتها القوية للتأثير ودعم الإصلاح في البحرين، الا انه يجب تمحيص الاجراءات والبيانات من قبل السفارة البريطانية، وعليها ان تكون حذرة في طبيعة الرسائل التي توجهها للجمهور الأوسع في البحرين. على المستوى الدولي، فإن الحكومة البريطانية تعتبر نفسها «الصديق الناقد» لحكومة البحرين، ولجنة الشئون الخارجية بمجلس العموم البريطاني استنتجت أن على حكومة المملكة المتحدة استخدام نفوذها لتحقيق نتائج طيبة لدعم الإصلاح في البحرين لكي تكون بمثابة الصديق الناقد، كما هي الصورة التي تطرحها في المحافل الدولية. 

52 – ومن النقاط أعلاه، فنظرتنا لحل الأزمة تركز على محورين:
- الأزمة الحقوقية مرتبطة بالخلل البنيوي في النظام السياسي الذي يقوم على الاستئثار والإقصاء والتمييز ابتداء وكسياسة ممنهجة، وتأتي الانتهاكات الأخرى المتلاحقة مرتبطة بالمطالب بالتغيير الديمقراطي، والخروج من الأزمة الحقوقية لن يتوافر إلا بخروج من الأزمة السياسية بموقف واضح من المجتمع الدولي في مساعدة البحرين للانتقال للديمقراطية، وإنهاء حقبة الاستبداد من خلال نظام سياسي شامل وملتزم بمنظومة الحقوق العالمية وقائم على المواطنة المتساوية والشراكة في الحكم. 

- على المجتمع الدولي المسئولية الأخلاقية والتاريخية بالعمل وفقاً لأحكام القانون الدولي العام، لحماية شعب البحرين من استمرار المساومة على الحقوق الأساسية في الملف السياسي، حيث نعتقد أنه سوف يجعل حقوق الإنسان بعيدة عن المساومة في الخلاف السياسي بين جمهور المعارضة والسلطة، ولا تجعل الاصلاح الحقوقي ورقة بيد السلطة تستخدمه في تخضيع المعارضة وردعها. إن الرجوع لآليات القانون الدولي لحقوق الإنسان ضروري لأن الخلل في الدولة خلل هيكلي لا يتحمل أي إصلاحات شكلية، ولا يتوقع من أي مؤسسات شكلية وتابعة للسلطة الحالية أن تؤدي إلى حماية حقوق الإنسان، وكانت الوفاق قد ذكرت ذلك صراحة في تقرير واسع تقدمت به إلى اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، طالبة تبني توصيات تخضع الملف الحقوقي في البحرين لآليات القانون الدولي لحقوق الإنسان الذي تعتبر البحرين جزء منه، ولا يخل بسيادتها .
رقم : 355527
شارک بتعلیقک
الإسم الثلاثي

البريد الإلكتروني
تعليقك

أهم الأخبار
إخترنا لکم