0
السبت 29 آذار 2014 ساعة 12:45

تركيا غدا على موعد مع أكثر الانتخابات البلدية بعدا عن المحلية والخدماتية

عن صحيفة السفير..
تركيا غدا على موعد مع أكثر الانتخابات البلدية بعدا عن المحلية والخدماتية
تركيا غدا على موعد مع أكثر الانتخابات البلدية بعدا عن المحلية والخدماتية
ومع أن الاعتبارات المناطقية والشخصية والخدماتية والعشائرية، وما إلى ذلك تلعب دورا مهما في الانتخابات البلدية، بخلاف ما هي عليه الانتخابات النيابية، غير انه مهما كانت العوامل والنتائج فسينظر إليها على أنها تصويت سياسي.

من هنا تكتسب الانتخابات البلدية غدا أهمية استثنائية من أكثر من زاوية.

إذ سيكون اردوغان أمام امتحان مفصلي في مساره السياسي، ليس لجهة مخاطر فشله غدا، فهذا غير وارد وكل استطلاعات الرأي تعطيه نجاحا مضمونا، قد لا يقل عن أربعين في المئة وبفارق كبير عن أقرب الأحزاب إليه، أي "حزب الشعب الجمهوري" الذي تعطيه استطلاعات الرأي حوالي 30-32 في المئة، بينما يحافظ "حزب الحركة القومية" على نسبة 15 في المئة، و"حزب السلام والديموقراطية" الكردي يقف عند حدود 6-7 في المئة في معظم استطلاعات الرأي.

لكن اردوغان يريد ان يعوم صورته بعد المتاعب الداخلية والحصار الخانق الذي يواجهه منذ انتفاضة تقسيم-جيزي في حزيران الماضي، ومن ثم بعد عملية 17 كانون الأول الماضي التي فجرت فضيحة فساد مدوية، طالته شخصيا مع ابنه بلال واربعة من وزرائه ومسؤولين آخرين في الحزب والدولة، وحتى الآن لم يستطع أردوغان ان يطوي هذه القضية، رغم الجهود الهائلة التي يبذلها لتجاوز هذه الفضيحة.

وجاء إفشاء محضر الاجتماع السري الرباعي، امس الاول، حول سوريا، بين وزير الخارجية ورئيس الاستخبارات والرئيس الثاني للأركان ومدير عام الخارجية، ليس فقط ليعكس النوايا العدوانية والمبيتة لتركيا ضد سوريا، بل ليعكس انهيار الدولة وعدم قدرة اردوغان حتى على حماية أسرار اجتماعات سرية خطيرة.

لكن معركة اردوغان غدا ليست كسابقاتها، إذ انه يخوض للمرة الأولى حربا انتخابية ضد شريكه القوي سابقا الإسلامي فتح الله غولين، بعد قرار اردوغان الحاسم في استئصال جذور هذه الجماعة من الحياة السياسية والاجتماعية والقضائية، وحيثما أمكن له ذلك. وإضافة إلى إتباع أسلوب الهجوم كأفضل وسيلة للدفاع، عمد اردوغان الى تطهير الادارة من كل عناصر غولين.

لذلك فإن معركة اردوغان متعددة الأهداف، وهو يدرك أهميتها له من اكثر من ناحية. فهو يريدها استفتاء على شعبيته كما على السياسة التي يتبعها الآن، لكي يواصل هذه السياسة واستكمال الاستئثار بالسلطة وتحويل الدولة إلى دولة الحزب الواحد. ان انتصار اردوغان بنسبة عالية سوف يتخذها ذريعة لتبرير نهجه القمعي ضد خصومه، وفي المزيد من تقييد الحريات بعد قراره إغلاق موقع "تويتر" ومن ثم موقع "يوتيوب" مع احتمالات إغلاق "فايسبوك"، وتحول تركيا إلى دولة بوليسية بامتياز. وسينتظر اردوغان النتائج لكي يبدأ مرحلة أعلى من الهجوم على غولين، وربما فتح دعوى ضده وتقديمه إلى المحاكمة.

ومن اجل كسب المزيد من النقاط لجأ اردوغان وفريقه إلى سياسة التخويف وإرهاب الناخب، حين قال الوزير المتحدث باسم الحكومة امره الله ايشلر انه "إذا فشل اردوغان وسقط من الحياة السياسية فسينتهي حزب العدالة والتنمية ونخسر جميعا"، في محاولة لشد العصب الديني لدى الفئات المحافظة، وعدم تشتيت أصواتها، لأن البديل سيكون "حزب الشعب الجمهوري" العلماني "المعادي" للمتدينين، وفق الصورة الشائعة رغم انها غير دقيقة.

ولا شك ان الجميع سينتظر حجم الصوت الانتخابي لفتح الله غولين في هذه الانتخابات، وهو من الصعب جدا تقديره في ظل ظروف المعركة، ذلك أن محافظة اردوغان مثلا على حجم التأييد له لا يعني أن حجم الكتلة الناخبة لغولين ضعيف، إذ أن اردوغان يسعى لكسب أصوات محافظة ومترددة من قواعد أحزاب أخرى لتعويض النسبة التي سيخسرها من قاعدة غولين، لتبدو حينها كتلة غولين كما لو أنها ضئيلة وغير مؤثرة. علما أن نفوذ غولين هو نخبوي ونوعي ومعنوي أكثر منه شعبيا، وهو لم يمارس العمل السياسي المباشر طوال مسيرته، بخلاف خصمه الإسلامي السابق نجم الدين اربكان.

ولا شك أن اردوغان يهدف إلى تحقيق نسبة عالية من الأصوات لتوجيه رسالة إلى الغرب، وواشنطن تحديدا، وبلغة صناديق الاقتراع التي يفهمها الغرب جيدا، إلى انه لا يزال قويا في ظل التوتر بينه وبين الإدارة الأميركية بسبب قضايا الحريات والقضايا الديموقراطية وتطبيع العلاقات مع إسرائيل.

غير أن المسعى الأساسي لأردوغان من انتخابات الغد سيكون رئاسيا بامتياز. وهنا تدخل لغة الأرقام اللعبة من بابها الواسع.

لقد فشل اردوغان بسبب انتفاضة تقسيم- جيزي في تمرير تعديل الدستور للانتقال بتركيا من النظام البرلماني الحالي إلى نظام رئاسي، يكون الرئيس فيه بصلاحيات مطلقة، حتى إذا انتخب اردوغان رئيسا للجمهورية في آب المقبل يكون الرجل القوي الأول في البلاد وليس رئيسا محدود الصلاحيات. وجاءت فضيحة الفساد لتضعف آماله في الترشح لرئاسة الجمهورية، إذ انه تحول إلى شخصية استفزازية لنصف المجتمع التركي على الأقل، ومارس سياسة التوتير والفرز والاستقطاب الداخلي، فانفض من حوله شركاؤه غير الحزبيين من كل الاتجاهات، وفئات من داخل حزبه، بحيث بات عاجزا عن إدارة البلاد، وإيجاد حلول لمشكلاتها. وانتخابه رئيسا للجمهورية يعني أن مرحلة من الاضطراب ستشهدها تركيا، لأنها لا يمكن أن تتحمل شخصية صدامية ومتوترة وعصبية وانتقامية لسنوات أخرى إلى الأمام.

غير أن اردوغان يعتمد على لغة الأرقام الفجة، التي لا يمكن أن تخفي المعوقات الأخرى التي يفترض أن تتوفر في رئيس للجمهورية. وهكذا اعتبر اردوغان أن صندوقة الاقتراع هي الفيصل في هذه المعركة، وأن نجاحه فيها يجيز له أن يمارس السياسة التي يريدها ضد خصومه، ولو كانت مخالفة للدستور ومنتهكة للديموقراطية ومعززة للدكتاتورية. نتائج الانتخابات غدا سوف تحسم قرار اردوغان في ما إذا كان سيترشح لرئاسة الجمهورية أم لا في الصيف المقبل. وهذا يتعلق بنسبة الأصوات التي سيحصل عليها حزبه. والرهان على الشكل التالي:

الانتخابات الرئاسية سوف تجري للمرة الأولى من جانب الشعب. واردوغان يطمح ليكون أول رئيس لتركيا منتخب شعبيا، وهو الأمر الذي لم يسبقه إليه حتى مصطفى كمال أتاتورك. وربما من سوء حظ اردوغان أن الانتخابات ستكون من الشعب، لأنه لو كانت من البرلمان لكان ضمن ذلك، نظرا لسيطرة نواب حزبه على البرلمان، لكنه هو وحزبه، لكي يلغوا تأثير العسكر على النواب، قام بتعديل دستور وعرضه على استفتاء شعبي في العام 2007 لانتخاب الرئيس من الشعب ونجح في ذلك.

إذا فاز اردوغان غدا بنسبة تتراوح بين 45 و 50 في المئة فسوف يكون قراره بالترشح محسوما. وإذا فاز بين 40 و 45 في المئة فإن قرار الترشح سيخضع للتقييم والتقدير، ولن يكون محسوما قبل اتضاح بعض المعطيات. أما إذا قلت نسبة الأصوات عن الأربعين في المئة فإن قرار عدم الترشح سيكون هو الأقوى. وفي هذه الحالة فإن عبدالله غول سوف يترشح للرئاسة مرة جديدة ويعود اردوغان إلى الحزب ليغير النظام الداخلي فيه، ليتمكن من الاستمرار لولاية رابعة وربما خامسة في رئاسة الحزب والحكومة.

لذا فإن جهود أحزاب المعارضة ليست في إسقاط اردوغان غدا، بل في محاولة تخفيض الأصوات التي يمكن أن ينالها إلى أقل نسبة ممكنة. علما أن نجاح اردوغان غدا بنسبة عالية لا يعني انه سيكون طليق اليدين كما يظن ويتوهم، إذ أن نسبة الخمسين في المئة التي نالها، وفي انتخابات نيابية في العام 2011 لم تحل بعد سنتين فقط من أن تفجر في وجهه أكبر تحديين، هما انتفاضة تقسيم وفضيحة الفساد. والمفارقة مع اردوغان انه عندما نال 34 في المئة في العام 2002 كان قادرا على إنتاج حلول لمشكلات تركيا، وعندما نال خمسين في المئة قبل عامين كان في ذروة العجز عن إدارة تركيا وإيجاد حلول لمشكلاتها. إذ المشكلة ليست في النسبة بل في النهج وفي العقلية التي تدار بها البلاد.

في سياقات أخرى تدور معارك انتخابات بلدية موضعية في موازاة المشهد العام. إذ يسعى "العدالة والتنمية" إلى الحفاظ على رئاسته لبلدية اسطنبول بيد الرئيس الحالي قادر طوب باش ضد منافسه مرشح "الشعب الجمهوري" مصطفى صاري غول. ومع أن الكفة تميل لصالح طوب باش غير أن صاري غول لا يتأخر كثيرا في استطلاعات الرأي، سوى بحدود خمس نقاط، والبعض يخفض منها. وفي أنقرة، فانه من المرجح أن يستمر مليح غوكتشيك عن "العدالة والتنمية" في موقعه للمرة الخامسة رئيسا للبلدية، وهو رقم قياسي رغم القبول الواسع لمرشح "الشعب الجمهوري" منصور صاواش والحضور القوي لـ"حزب الحركة القومية".

ويصوب "حزب العدالة والتنمية" بقوة على مدينة أزمير، ويسعى إلى فوز تاريخي ينتزع البلدية من يد "الشعب الجمهوري"، خصوصا أن أزمير هي رمز العلمانيين والحداثة الغربية في تركيا وقلعتهم والحصن الحصين. وخسارة "الشعب الجمهوري" لها سيكون حدثا مدويا على صعيد الصراع بين اردوغان والعلمانيين، رغم أن الكفة تميل إلى احتفاظ العلمانيين بالبلدية. وقد دفع اردوغان بمرشح قوي إليها هو الوزير السابق للنقل والبحرية بينالي يلديريم ليواجه مرشح "الشعب الجمهوري" عزيز كوجا أوغلو.

ومع أن الصراع على مدينة ديار بكر يميل لصالح "حزب السلام والديموقراطية" الكردي، لكن اردوغان يسعى ليظهر للأكراد انه قوي في الوسط الكردي، وإذا خسر فليس بنسبة كبيرة. وتبرز أيضا معركة الانتخابات في أنطاكيا وإقليم هاتاي (الاسكندرون)، حيث يرى المراقبون أن لفوز اردوغان بها أهمية في مرحلة الصراع في سوريا، والتوتر المفتوح مع دمشق، وكون الاسكندرون محافظة تشهد أكبر تجمع للمعارضة السورية والمسلحين السوريين. وفي حال خسارة اردوغان للبلدية فستكون ضربة له، وإذا ربحها فسيعتبرها انتصارا لسياسته في سوريا. ومن أجل ذلك دفع اردوغان بوزير العدل سعد الله أرغين ليكون مرشحا قويا هناك. ولا يفوت أرغين مناسبة إلا ليقول فيها أن خسارته تعني سقوط الإقليم بيد النظام السوري. أما منافسه فليس سوى رئيس البلدية الحالي لطفي صاواش، الذي كان فاز في العام 2009 بالبلدية، لكن عن "حزب العدالة والتنمية" قبل أن يستقيل منه وينضم إلى صفوف "الشعب الجمهوري" ويترشح بالتالي عنه.

أما الأكراد المؤيدون، لـ"حزب العمال الكردستاني"، فيخوضون المعركة للمرة الأولى بحزبين هما "حزب السلام والديموقراطية" و"حزب الشعوب الديموقراطي" الذي تأسس مؤخرا وبمباركة أيضا من زعيم "الكردستاني" عبد الله أوجلان لغايات تكتيكية كما ذكر. ويسعى الأكراد كالعادة إلى تأكيد التفافهم حول الخط الأوجلاني الذي يتبعه الحزبان في المعركة التي يخوضانها لتحقيق تطلعاتهم في الهوية والحكم الذاتي. ويتوقع أن يسيطر التيار الأوجلاني على معظم المناطق الكردية. وإن غدا لناظره قريب.
رقم : 367066
شارک بتعلیقک
الإسم الثلاثي

البريد الإلكتروني
تعليقك

أهم الأخبار
إخترنا لکم