0
الأربعاء 1 أيار 2013 ساعة 12:16

دوائر الاشتباك بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي

دوائر الاشتباك بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي
دوائر الاشتباك بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي
الجديد في هذه العلاقات، بعد "ثورات الربيع العربي"، أن الأخيرة أوجدت متغيرات استراتيجية جديدة تولد عنها نوع من "الصراع التنافسي" Competitive conflict بين إيران ودول الخليج، لأننا لا نستطيع وصف ما يحدث بين الجانبين حالياً بأنه "صراع" بالمعنى التقليدي للكلمة، والذي يأخذ في الغالب شكل المعادلة الصفرية، ويتخذ نمطاً صلباً يفتقد لأي شكل من أشكال المرونة السياسية، وهذا لا ينطبق على واقع العلاقات الخليجية- الإيرانية التي كانت تشهد في أكثر فترات التصعيد والتأزيم مؤشرات أخرى على التعاون والتقارب.

كما أن مصطلح "التنافس" ربما يحمل دلالات إيجابية لا تنسحب أيضاً على مسار العلاقات الخليجية- الإيرانية في الوقت الحالي الذي تشهد فيه إعادة إنتاج لأجواء مرحلة تصدير الثورة في فترة الثمانينيات.

من هنا، فإن المصطلح الذي ربما يكون أقرب لوصف المشهد الحالي في العلاقات بين إيران ودول الخليج هو "صراع تنافسي"، وهو في حقيقته درجة من درجات الصراع، أو نمط من أنماطه، ذو طبيعة خاصة ومميزة، يحمل درجات أو مستويات من المرونة السياسية.

دوافع "الصراع" بين إيران ودول الخليج :

على الجانب الإيراني، يمكن رصد بعض العوامل التي تفسر حالة "الصراع" مع دول مجلس التعاون الخليجي، وهي فى مجملها عوامل مرتبطة بتداعيات مرحلة ما بعد "الربيع العربي"، والبيئة الإقليمية التي أفرزتها. فقد واجهت إيران بيئة إقليمية أظهرت درجة أقل من سلاسة الانقياد.

كما أضحت رسالتها الثورية ضعيفة وتجاوزتها الأحداث، ولم يُفضِ عدم الاستقرار الإقليمي واسع الانتشار إلى توسيع قوة إيران ونفوذها، بل وجدت طهران نفسها في موقف رد الفعل تجاه الأحداث، بدلا من توجيها، ولم تتحقق رؤيتها في ولادة "شرق أوسط إسلامي" في المنطقة على أنقاض الأنظمة التي سقطت.

التحدي الأهم الذي أفرزته هذه البيئة بالنسبة لإيران هو احتمالات خسارة الحليف السوري، وما سيفرضه من اختبارات صعبة على موقع إيران، ونفوذها في الإقليم، لارتباط ذلك بشكل مباشر بعلاقاتها بجماعات، كثيرا ما اعتمدت عليها في توسيع دوائر نفوذها الإقليمي، وأهمها بالطبع حزب الله في لبنان، وحركتا حماس والجهاد في فلسطين.


أمام إفرازات هذه البيئة الإقليمية، عملت إيران على إيجاد بدائل للحفاظ على نفوذها الإقليمي، أهمها منطقة الخليج، والمجال الحيوي لأمنها القومي، وحائط صد لكل المحاولات التي يبذلها خصومها لاختراقها من الداخل، أو إحكام محاصرتها عبر دول الجوار، واتبعت في هذا الشأن أدوات عديدة أدخلتها في حالة من "الصراع" مع دول الخليج كما سوف يتضح، كما اتجهت إلى تعزيز نفوذها في دوائر أخرى خارج منطقة الخليج، يتقاطع فيها نفوذها مع النفوذ الخليجي، خاصة المملكة العربية السعودية.

أما على الجانب الخليجي، فهناك عوامل تفسر أيضاً تخلي دول مجلس التعاون الخليجي عن لهجتها الدبلوماسية المعتادة تجاه إيران، يأتي في مقدمة هذه العوامل محاولات إيران التمدد في منطقة الخليج التي بدأت بشكل جدي مع أحداث مملكة البحرين في بدايات عام 2011، ومحاولات إيران الدفع نحو إسقاط النظام الملكي السني، واستبدال نظام شبيه بولاية الفقيه به، كمدخل لإدخال تغييرات جذرية في خريطة وموازين القوى في منطقة الخليج. ومن ثم، تجاوز تقدير دول مجلس التعاون للأزمة في البحرين توصيفها كأزمة داخلية بين النظام الحاكم والمعارضة، بل تم النظر إليها كتحد إقليمي يطال كل دول المجلس.

ومن هنا، كان قرار تدخل قوات درع الجزيرة في البحرين. كما اتخذ التمدد الإيراني في المنطقة بعداً آخر اتضح في الفترة الأخيرة، وهو الدور الإيراني التجسسي على دول الخليج، والذي شمل تقريبا معظم دول المجلس (السعودية، والكويت، والبحرين، والإمارات، وقطر) خلال العامين الأخيرين.

من العوامل الأخرى، في هذا الصدد، المتغيرات الجديدة التي فرضت ذاتها على معادلة أمن دول مجلس التعاون الخليجي بعد "الربيع العربي"، وجعلتها في مواجهة مباشرة مع إيران، وأبرزها متغيران، الأول: داخلي يتعلق بمصادر التهديد الداخلية التي فرضت ذاتها، خاصة بعد أن ازدادت احتمالات تأثر معادلات الحكم والسياسة في الدول الخليجية الست بما يجري حولها من تغييرات، مما أضعف كثيراً من مقولات "الخصوصية الخليجية"، أو"الاستثناء الخليجي"، أو"حصانة الملكيات العربية".

وتنظر دول الخليج إلى إيران بحسبانها أحد العوامل الرئيسية المغذية لهذا النوع من مصادر التهديد، استناداً إلى دورها في الأحداث التي شهدتها مملكة البحرين، والمستمر حتى الآن من خلال محاولتها لإفشال الحوار الوطني الجاري، وكذلك دورها في تصعيد حالة الحراك في المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية.

والآخر: متغير خارجي، يتعلق بعدم قدرة دول الخليج على الاعتماد على "الأمن المستورد" كعامل موازن لقوة إيران في المنطقة، خاصة في ضوء عدة حسابات، منها احتمالات تراجع منطقة الخليج والشرق الأوسط عموما في أولويات إدارة باراك أوباما الثانية، على نحو ما كشفت عنه الوثيقة الأمريكية التي نشرت العام الماضي 2012، والتي كان انتقال الأولوية الأمريكية من أوروبا والشرق الأوسط إلى حوض الباسيفيك أبرز النقاط الواردة فيها، ومنها أيضاً تراجع مكانة النفط الخليجي لدى الولايات المتحدة، في ضوء جهودها الحثيثة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من مصادر الطاقة، لاسيما بعد تجربتها الناجحة في مجال تطوير قدراتها الإنتاجية من النفط والغاز الصخري، وهي تجربة فريدة من نوعها، يتوقع أن تعيد تشكيل الخريطة العالمية للطاقة، ولاسيما إذا توسع مجالها إلى مناطق أخرى من العالم.

هذه الحسابات تشير إلى أن دول الخليج لم يعد بإمكانها الاعتماد على الحليف الأمريكي في مواجهة إيران، وإنما بات عليها إدارة "الصراع" معها بشكل مباشر، على نحو ما كشف عنه تدخل قوات درع الجزيرة في البحرين.

مساحات الاشتباك بين إيران ودول الخليج:

بالإضافة إلى دائرة الخليج التقليدية، التي تعد حالة البحرين محورها الرئيسي، فإن دوائر الاشتباك بين إيران ودول الخليج تمتد لتشمل اليمن، ومصر، وسوريا، والعراق. ففي اليمن، عملت دول الخليج منذ البداية على احتواء الاحتجاجات، وعدم تحولها إلى ثورة شاملة، فكانت المبادرة الخليجية لتحقيق إنهاء تدريجي لحكم نظام علي عبدالله صالح.

وقد بذلت دول الخليج، وتحديداً السعودية، جهودا كبيرة لتنفيذ استحقاقات المبادرة في مرحلتيها الأولى والثانية، وصولاً إلى الحوار الوطني الدائر حاليا. ولكن إيران على الجانب الآخر تغذي حالات عدم الاستقرار في اليمن، من خلال تقديم الدعم للحوثيين، وتدرب أعدادا منهم في دولة إريتريا المجاورة، وفق ما أشارت إليه تقارير في 20 ديسمبر 2012، كما تقدم الدعم لدعاة الانفصال في الجنوب، وفق ما أعلنه رئيس جهاز الأمن الوطني اليمني في 8 يناير 2013، وإرسال العديد من شحنات الأسلحة الإيرانية المهربة إلى داخل اليمن، وصولاً إلى محاولات إفشال الحوار الوطني الجاري.

أما مصر، فأصبحت من أهم دوائر "الصراع التنافسي" بين إيران ودول الخليج، فالأولى تحاول تطوير علاقاتها بالقاهرة، مستغلة صعود جماعة الإخوان المسلمين إلى الحكم، وبعض الإشارات الإيجابية التي تلقتها في هذا الشأن منذ قيام ثورة 25 يناير.

أما دول الخليج، فتضغط بجميع الوسائل المتاحة –السياسية والاقتصادية- في الاتجاه المضاد لذلك. ويمكن القول إن الموقف الخليجي – بالإضافة إلى الممانعة الداخلية، خاصة من قبل الجماعات السلفية في مصر- يعد من أهم عوامل عدم تطور العلاقات المصرية- الإيرانية على النحو الذي ترغب فيه طهران.

أما سوريا، فقد تحولت إلى "ساحة حرب بالوكالة" على الصعيد الدولي، وعلى الصعيد الإقليمي بين إيران ودول الخليج العربية. فإيران تدفع بجميع السبل للحيلولة دون سقوط نظام الأسد، ودول الخليج في المقابل باتت تتفق على هدف إسقاط النظام، وتسليح المعارضة، ولكنها تختلف فيما بينها بشأن الجماعات السورية الواجب تقديم الدعم لها.

فقطر تدعم فصيل المعارضة السورية الذي تسيطر عليه جماعة الإخوان المسلمين، ولا تبدي ممانعة في دعم الجماعات الجهادية في سوريا في هذه المرحلة.

أما السعودية التي تتخوف من صعود الإخوان في المنطقة، فتتحفظ بشأن دعم إخوان سوريا.

أما العراق، فقد بات ساحة مفتوحة للنفوذ الإيراني، منذ انسحاب القوات الأمريكية، الذي خلق فراغاً أمنيا سعت إيران لملئه. ورغم أن دول الخليج تحاول استعادة العراق مرة أخرى إلى محيطه العربي، سواء من خلال إعادة فتح السفارات، أو إنهاء بعض الخلافات المزمنة كالتي بين العراق والكويت، والتي شهدت تطورات إيجابية ملموسة في الفترة الأخيرة.

فإن نجاح إيران في إقامة روابط مع الأحزاب والجماعات الشيعية فتح مجالات عديدة لتمدد النفوذ الإيراني في العراق، على نحو عبر عنه زعيم "القائمة العراقية" ورئيس الوزراء العراقي الأسبق، إياد علاوي، في 5 مارس 2013 بقوله إن "إيران أصبحت القوة المهيمنة على مفاصل الدولة في العراق"، وقد مكَّن ذلك طهران من تكثيف الدعم لحكومة نوري المالكي في مواجهة الحركة الاحتجاجية المتنامية في البلاد ضد السياسات الحكومية، وخصوصاً في المحافظات السنية غرب البلاد.

كيف تدير دول الخليج "الصراع" مع إيران؟

اتخذت دول الخليج، خلال الفترة الأخيرة، عددا من الخطوات تمكنها من إدارة "الصراع التنافسي" مع إيران، وانصب التركيز الخليجي بالأساس على محاولة تقوية الروابط بين دول الخليج، فكانت المبادرة السعودية للانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد خلال القمة رقم 32 في الرياض (ديسمبر 2011)، والتي بررها العاهل السعودي بأن "أمن دول المجلس مستهدف" دون أن يسمي إيران بالاسم.

كما اتجهت تلك الدول نحو تطوير القوة الذاتية الخليجية لموازنة قوة إيران، على نحو عبر عنه قرار القمة الثالثة والثلاثين، التي عقدت في البحرين في ديسمبر الماضي 2012، بإنشاء قيادة عسكرية خليجية موحدة تتولي التنسيق والتخطيط والقيادة للقوات البحرية والجوية في دول مجلس التعاون الخليجي الست، والقيام بتمارين عسكرية لقوات درع الجزيرة، كان آخرها التمرين رقم 9 الذي تم بدولة الكويت خلال الفترة من 10 إلى 26 فبراير 2013 بمشاركة قوات برية، وبحرية، وجوية من دول مجلس.

ولكن في المجمل، فإن هذه الأدوات تظل محدودة القيمة والفاعلية في إدارة "الصراع" مع إيران، فمشروع الاتحاد الخليجي لا يزال حبيس الأدراج، ونقاط الخلاف بشأنه أكثر من نقاط الاتفاق.

أما الخطوات الأخيرة المتعلقة بإنشاء قيادة عسكرية خليجية موحدة، وإجراء بعض التمارين العسكرية المشتركة، فلا تغير شيئا من حقيقة أن قوات درع الجزيرة يظل دورها "رمزيا" بالأساس، وليس لديها القدرة على تحقيق عامل الردع في مواجهة إيران، أو صد أي عدوان خارجي.

والأهم من ذلك كله أننا عندما نتحدث عن "صراع"، أو "تنافس" بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، فإننا نذكر مصطلح "دول المجلس" مجازاً، لأنه من الناحية الواقعية - وعندما يتعلق الأمر بإيران تحديداً- لا نستطيع أن نتحدث عن دول المجلس ككتلة واحدة، بسبب وجود إشكالية شديدة التعقيد في الإدراك السياسي الخليجي -والعربي بشكل عام- تجاه إيران، عبر عنها الدكتور محمد السعيد إدريس بدقة في دراسة له بعنوان "إيران حليف استراتيجي ضمن شروط موضوعية".

أوضح فيها أن "إيران بقدر ما يمكن التعامل معها على أنها مصدر أكيد أو محتمل للتهديد بالنسبة لدول الخليج، فإنها أيضاً تبقى شريكاً ثقافياً، وسياسياً، وجغرافيا، بل وحضارياً، ويبقى الاستثناء محدوداً في الإدراك السياسي الذي يرى أن إيران مصدر كامل للتهديد، ولا يمكن أن تكون حليفاً، أو الذي يرى أن إيران حليف بالمطلق، ولا يمكن أن تكون مصدراً للتهديد.

ويمكن تفسير هذه الإشكالية في ضوء عاملين رئيسيين، أولهما: اشتباك إيران مع دول الخليج بحزمة متنوعة من القضايا الخلافية التي تحول دون وجود إدراك محدد بعينه لإيران، وتفرض الالتباس في الإمساك بمثل هذا الإدراك.

العامل الآخر يخص السياسة الإيرانية التي تميل إلى المزج بين ما يمكن اعتباره تهديداً، وما يمكن النظر إليه على أنه سياسات تعاونية".

لذلك، من الصعب الحديث عن إدراك خليجي واحد لإيران، بل يمكن الحديث عن إدراكات خليجية متعددة لإيران، ومتباينة، وأحياناً متناقضة تمتد بين ما هو أقصى عداوة وما هو أقصى صداقة، وفقاً للنموذج الذي صاغه بارى بوزان الذي تحدث فيه عن محور "العداوة – الصداقة" فيما يشبه تدرج ألوان الطيف على النحو الذي تحدث عنه كل من كانتورى وشبيجل، ووصفاه بـ "طيف العلاقات" بين الدول The Spectrum of Relations.

ويمكن القول إن إيران تعتمد على هذا التباين في الإدراك الخليجي بشأنها، لكي تحافظ على "شعرة معاوية" في أشد الفترات تأزماً في علاقاتها بدول الخليج. لذلك، رغم تعدد عوامل ودوائر "الصراع" بين إيران ودول الخليج، فمن المستبعد أن يتطور الأمر إلى تصعيد غير محسوب بين الجانبين، وإنما سيظل الأمر محصوراً في إطار ما يمكن تسميته بـ "الصراع المرن" Flexible conflict الذي يسمح بدرجات من المرونة، تمكن كلا الجانبين من الحيلولة دون تحوله إلى "مواجهة مفتوحة" بينهما. 

بقلم / أشرف عبد العزيز عبد القادر

/ انتهى التحليل /

رقم : 259723
شارک بتعلیقک
الإسم الثلاثي

البريد الإلكتروني
تعليقك

أهم الأخبار
إخترنا لکم