0
الجمعة 18 كانون الثاني 2013 ساعة 03:34

الانتخابات النيابية الأردنية وأسئلة التغيير

الانتخابات النيابية الأردنية وأسئلة التغيير
الانتخابات النيابية الأردنية وأسئلة التغيير
ولم تمنع تقلبات الأجواء أيضا مختلف الحراكات الشبابية عن الاستمرار بتحقيق مطالبها الإصلاحية بالرغم من انشغالها في تقديم المساعدة في تذليل الصعاب التي واجهت الناس جراء رداءة الطقس، البعض رأى أن "الرداء الأبيض" الذي اكتست به الأردن كان عاملا مساهما في التنسيق بين السلطة وقوى الحراك لتخطي الأزمات الحرجة التي تمر بها البلاد. لكن يبدوا أن حسابات الحقل لم تتناسب و بيدر الانتخابات التي تحسبها الأغلبية من الأردنيين بأنها لن تأتي بجديد عن الانتخابات السابقة.
 
البعض يأخذ على النظام السياسي وقيادته حجم التفاؤل المفرط بأن الانتخابات النيابية القادمة ستخرج البلد من أزماتها السياسية والاقتصادية وستشكل نهاية للحراك السياسي وستختفي المسيرات وتنتقل بمطالبها الى داخل البرلمان وتعود الحالة إلى السكون والهدوء أي ما قبل "الربيع العربي" . والأكثرية ترى أن هذا الاعتقاد مجرد أمنيات لا يستند إلى أسس منطقية ويفتقر إلى الدليل لأن منظومة القواعد التي تجرى عليها الانتخابات وبعض بنود الدستور هي أبرز القضايا الخلافية بين النظام وبين الحراك السياسي.
 
فالقيادة السياسية بنظر الحراكيين وقطاعات عريضة من الشعب تراجعت عن الإصلاح لأنه على ما يبدوا سيفقدها القدرة على التأثير والتحكم في إدارة الدولة وسياساتها الداخلية والخارجية. فهي ليست ضد التغيير الذي لا يفقدها السيطرة على مجريات الأمور، الأمر الذي يشير إلى التشبث بقانون الصوت الواحد الذي سيفرز أفرادا يسهل التحكم فيهم. ولذلك ثمة اعتقاد بأن الانتخابات لن تحل الأزمة، بل ربما تفجر أخرى وحينها ستضع الشارع والنظام السياسي في مواجهة بعضهم البعض حيث سينظر إليه من قبل الكثيرين من قوى الحراك على أنه هو السبب الحقيقي الذي يعيق الإصلاح السياسي الذي يستجيب لتطلعات الشعب الأردني. 

لقد أشارت قوائم المرشحين إلى وصول قيادات ومجموعات سياسية واجتماعية جديدة بعضها كان يعاني من التهميش، والبعض الآخر جاءت بها إيقاعات حراكية لم تهدأ منذ سنتين. إذ من المرجح ألا أفكار وبرامج إصلاحية جديدة يقدمها المرشحون أو يتنافسون حولها، لتجاوز نمط المجلسين السابقين اللذين جرى حلهما قبل أن يكملا مدتهما المفترضة، فالقوائم الانتخابية يغلب عليها نواب سابقون أو آخرون لا يبدو أنهم في أحسن حال من أسلافهم، وأن باستطاعتهم تغيير شئ فيما لو جلسوا تحت قبة البرلمان أو أن وجودهم سيعبر عن تحولات إصلاحية وبرامج وأفكار جديدة. 

فالمتابعون للشأن الانتخابي يرون أن نتائجها معروفة مسبقا فيما لو تم الاطلاع على أسماء المترشحين سواء بالدوائر الانتخابية أو القوائم العامة حيث أن 65% منهم من النواب السابقين ومعظم من تبقى هم ممن لديهم المال الذي يمكنهم من شراء مقاعدهم في المجلس القادم في الوقت الذي غابت فيه عن القوائم العامة برامج سياسية واقتصادية حقيقية. 

حتى موضوعة الحكومة البرلمانية المتوقع تطبيقها لا تبدو أنها ستقدم جديدا يذكر في ظل غياب كتل برلمانية حقيقية ومتماسكة ذات مضمون سياسي واجتماعي فاعل، وحتى أن مقاطعة القوى الإسلامية والمعارضات القومية واليسارية الأخرى لم تكن في صدد أن تنتقل بالمشهد السياسي إلى مراحل نوعية في حال انها شاركت. 

تيارات المعارضة تؤكد أن أزمة الانتخابات القائمة مردها قانون الانتخاب المنظم للعملية الانتخابية، بحيث أنه لا يصلح لحياة سياسية ديموقراطية ولا يساهم في تشكيل حكومات برلمانية، وبالرغم من صحة التأكيدات إلا أنها تغفل غياب المجتمعات وضعفها، وتتناسى أن وزن الأحزاب السياسية مستمد من حجم وثقل القواعد الشعبية والكيانات الاجتماعية أكثر من القوانين والتشريعات، ومهما ارتقت نوعية القوانين، فإنها لا تستطيع وحدها إفراز انتخابات ديموقراطية حقيقية. 

ذلك أن الانتخابات العامة تعبر بشكل أو بآخر عن عمليات الاجتماع السياسي والتي تقوم عليها حوامل وقواعد شعبية ومجتمعات وتشكلات وقيادات سياسية واجتماعية، ويدلل عليها بصعود الطبقات القيادية المعبرة عــــن التنافس الشعبي والمطالبة بترجمة مطالب القواعد الشعبية على أرض الواقع. 

ولذلك تفرز الأجواء الانتخابية جملة من التساؤلات التي تتعلق بماهية القــــيادات السياسية والاجتماعية التي تتشكل وكيــــف تشكلت؟
في واقع الأمر، تم تعطيل الكثير من الادوات الإجرائية المساهمة في صنع قيادات سياسية واجتماعية ومهنية حقيقية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ولم تعد الدولة والمجتمعات قادرة على إفراز قيادات متجددة، ولا تملك نخبا نوعية تتداول المسؤوليات، حيث اقتصرت النخبة على مجموعة من المقربين والشركاء والموالين، وبطبيعة الحال يلحق بها ما يلحق بأي مجتمع مغلق، انتكاسات وأزمات واستعصاءات تؤدي إلى تفشي الفساد ومن ثم الفشل الذريع. 

إن الوعي السياسي الذي يتعامل مع السياسة كأحداث لن يستطيع توقع حدوث تغييرات جديدة. لأنه لا يرى الواقع الاقتصادي الاجتماعي أولا حيث تصنع السياسة، وهنا يبدأ التغيير والتطوير. 

فلم تأخذ عمليات التحديث والتطوير حقها في تدعيم المجتمعات وتنميتها، ولم تأخذ الدولة بحسبانها مسؤولية المجتمعات ومشاركتها في بناء المشاريع والمؤسسات التعليمية والصحية والاجتماعية وتصميمها، والمرافق والخدمات الأساسية، مثل المياه والطاقة والاتصالات، واستولت على المؤسسات الثقافية والدينية، ثم وفي مرحلة الخصخصة التي تخلت فيها الدولة عن تقديم الخدمات والسلع تحولت المجتمعات إلى كيانات هشة ومكشوفة، ولأن سياسة الاقتصاد الحر لم تكن عادلة أو يؤخذ في إدارتها عامل الاقتصاد الاجتماعي فقد حرمت المجتمعات من المشاركة في امتلاك المشروعات والمـــؤسســات المخصصة. 

ووفقا لهذه المعادلة، تقيدت حركة المجتمعات وباتت عديمة القدرة على المشاركة والتأثير، ولا تملك أفق واضح لحياتها تسيطر عليها وتسعى لتحسينها وتطويرها، ومن ثم فهي لا تملك من أمرها شيئا، وليس لديها فرصة سوى الضغط والمطالبة، المطالبة بكل شيء، من دون تمييز بين ما يجب أن تقدمه لنفسها وما يجب أن تقدمه الدولة، ومن دون إدراك واضح لعلاقاتها الجديدة مع الشركات التي توفر الخدمات الأساسية وتحتكرها، والتي امتدت لتصل إلى التعليم والصحة. 

ربما ستحمل الانتخابات النيابية في الأردن مفاجآت عديدة، فإما تعيد إنتاج السيرة الأولى للمجالس النيابية، وإما تعكس ظلالها على حال الشارع الذي يتطلع بلهفة إلى التغيير. وربما تكون الانتخابات النيابية القادمة المحرك الأساس للحراك وتعزز من مواقعه لدى فئات شعبية كانت محسوبة على النظام، وتدفع باتجاه التصيعد الشعبي، وعلى الأرجح أن يسعى الحراك إلى تشكيل برلمان شعبي موازي ما ينقل حيثيات الأزمة إلى مربعات جديدة تجعل من النظام السياسي هدفا للمعارضة والحراك بدلا من أن يكون مرجعا لكافة القوى والتيارات المجتمعية الموالية والمعارضة على حد سواء. ولكن ثمة تساؤل فعلي، هل من تغيير متوقع؟ إذ كيف ستنظم الحراكات الشعبية مطالبها لكي تحقق التغيير؟ 

/ انتهى التحليل /
كاتب : محمد ابوشریفه
رقم : 232254
شارک بتعلیقک
الإسم الثلاثي

البريد الإلكتروني
تعليقك

أهم الأخبار
إخترنا لکم