0
الجمعة 23 آذار 2012 ساعة 06:14

الانتفاضة البحرينية ومهام العام الجديد

الانتفاضة البحرينية ومهام العام الجديد
الانتفاضة البحرينية ومهام العام الجديد
واستطاع الشعب البحريني بمختلف ألوانه السياسية والإيديولوجية أن يصمد في وجه آلة القمع وان يثبت أن انتفاضته سلمية بالرغم من محاولات كسر إرادته التي عمدها الشباب بدمائهم، وبمعاناتهم في السجون، وحرمانهم التعسفي من حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية سواء كان في العمل أو في السكن أوفي مجالات أخرى. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الذكرى السنوية الأولى للانتفاضة البحرينية قد تزامنت مع الذكرى العاشرة للميثاق الذي صوت عليه الشعب البحريني منذ أكثر من عشر سنوات وبالتحديد في العام 2001، والذي مهد الأرضية أمام إلغاء دستور البحرين الذي صدر في العام 1973.
 
وحاول النظام أن يفرض سياسة الأمر الواقع على الانتفاضة والتحريض ضدها والترويج السياسي والإعلامي لحرفها عن مسارها الطبيعي مستخدما العديد من الأدوات الشعاراتية الطائفية أحيانا والسياسية أحيانا أخرى من قبيل التدخل الخارجي. ولم يتوان النظام في المنامة عن استخدام مختلف الأساليب القمعية بغية إجهاض الانتفاضة قبل أن تأخذ أبعادها التجذيرية في المجتمع الذي لم يفت عضده حجم القمع ضده، بل على النقيض من ذلك استطاع الشعب البحريني المنتفض أن يحول انتفاضته للمطالبة بحقوقه المشروعة إلى ظاهرة سياسية اجتماعية لا يقل أدائها ووزنها وهدفها عن نظيراتها في تونس ومصر واليمن وليبيا. ووفقا لتقرير لجنة تقصي الحقائق المستقلة التي شكلها النظام فقد تم قتل أربعة أشخاص تحت التعذيب، وأكثر من ستين شخصا بنيران الشرطة، وتم طرد أكثر من أربعة آلاف موظف بسبب مشاركتهم في الاحتجاجات السلمية، واعتقال العديد من المدرسين والرياضيين والأطباء والممرضات والصحافيين وشخصيات مجتمعية متنوعة. كما ذكر التقرير هدم نحو35 مبنى ديني. 

ويتضح الدور البارز للجمعيات السياسية المعارضة في الانتفاضة الشعبية والتي صاغت بدورها وثيقة مشتركة عرفت باسم (وثيقة المنامة- طريق البحرين إلى الحرية والديمقراطية)، واهم عناصرها حكومة منتخبة تمثل الإرادة الشعبية بدل الحكومة المعينة ويكون للمجلس النيابي صلاحية مساءلة أعضاءها ومنح الثقة وسحبها من رئيس الوزراء، ورجالات حكومته في حال فشلوا في تنفيذ البرنامج الحكومي الذي يقره المجلس النيابي عند تشكيل الحكومة. كما يتم سن نظام انتخابي عادل يتضمن دوائر انتخابية عادلة تحقق المساواة بين المواطنين، ويكون بمثابة صوت لكل مواطن، وذلك بديلا عن نظام انتخابي يتكون من أربعين دائرة مقسمة على أسس طائفية تفضي إلى أغلبية سياسية موالية للنظام. وتشكيل هيئة وطنية مستقلة متوافق على تكوينها بشكل يضمن حيادها وتوازنها تتولى الإعداد والإشراف على العملية الانتخابية بعيدا عن سيطرة السلطة التنفيذية. 

وأيضا تشكيل سلطة تشريعية من غرفة واحدة منتخبة تنفرد بكامل الصلاحيات التشريعية والرقابية والمالية والسياسية بدلا مما هو قائم الآن والمتمثل بسلطة تشريعية من مجلسين متساويين في العدد احدهما منتخب والآخر معين. وإنشاء سلطة قضائية موثوقة من خلال استقلال مالي وإداري وفني ومهني يضمن استقلال جميع الإجراءات القضائية. وضمان خدمة الوطن والذود عنه من خلال تشكيل الأجهزة الأمنية والعسكرية المختلفة وتقرير عقيدتها وقرار سياستها الأمنية عبر اشتراك جميع مكونات المجتمع البحريني. 

وقد أبلغت الجمعيات السياسية المعارضة (وعد، التجمع القومي الديمقراطي، المنبر التقدمي)، رئيس اللجنة أن توصيات تقرير اللجنة الذي سلمته لملك البحرين في 23 تشرين الثاني (نوفمبر) لم تأخذ طريقها للتنفيذ، وأهم التوصيات التي لم تنفذ هي، عودة المفصولين من وظائفهم ومحاسبة المسؤولين المتسببين في حالات القتل والتعذيب على الرغم من تنفيذ توصية وحيدة وهي تشكيل لجنة وطنية لا تعد تنفيذا للتوصية لأن المعارضة السياسية لم تشارك فيها كما لم تشارك مؤسسات المجتمع المدني إضافة لوجود عناصر في اللجنة لها موقف مناهض للجنة تقصي الحقائق، وقد شكلت حجر عثرة أمام تنفيذ الكثير من التوصيات، وما زالت الأساليب والإجراءات البوليسية قائمة من قبيل الاستمرار في مداهمة المنازل والاعتقالات، والعقاب الجماعي الذي يمارس ضد الكثيرين، وابتزاز الشركات الحكومية للمفصولين وإذلالهم عبر نماذج جديدة من عقود العمل، كما أن الإعلام الرسمي ما زال يمارس التحريض الطائفي .
 
والاستمرار في تخريب دور العبادة والاعتداء على بعض المحلات التجارية هذا رغم وجود تصوير مرئي لمن قام بهذه العمليات. رغم ذلك لم يتم تقديم احد للمحاكمة، أما جمعية (وعد) فقد حددت ثوابتها الجوهرية في التشديد على تنفيذ مبادرة ولي عهد البحرين والتي وافقت عليها المعارضة، والتي تنص على مجلس نيابي كامل الصلاحيات، وحكومة تمثل إرادة الشعب ونظام انتخابي عادل. وفتح ملفات التجنيس السياسي، الفساد المالي ، الفساد الادراي ، القضاء المستقل، وتنفيذ جدي لجميع توصيات لجنة تقصي الحقائق مما يشكل ظروفا مواتية لإنجاح أي حوار جاد مع المعارضة وإلا فإن النظام غير جاد في الانتقال من الدولة الأمنية القائمة إلى دولة مدنية ديمقراطية. 

بدوره أكد أمين عام جمعية (الوفاق) علي سلمان خلال لقائه مع لجنة تقصي الحقائق أن النظام لم يقم بتنفيذ أي من التوصيات، حتى ولم تحظى بالجدية، وأنها ما زالت تمارس الانتهاكات في البحرين وبذات العنف، وما زال المعتقلون السياسيون ومعتقلو الرأي يقبعون في السجون، ومشكلة المفصولين من العمل لم تلق آذانا صاغية. وقد أفاد رئيس لجنة تقصي الحقائق بأنه سيعود إلى البحرين مرة أخرى لاستكمال مهمة إعداد تقرير بشأن تنفيذ السلطات البحرينية توصيات تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق. 

ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى حيثيات المواقف الدولية ذات الصلة لا سيما الموقف العربي والأميركي وهيئة الأمم المتحدة. فالأول على ما يبدوا تم اختزاله في ذريعة التدخل السعودي العسكري الذي رأى أن البحرين تواجه تهديدا خارجيا لأمنها، وبالتالي فإن ميثاق مجلس التعاون الخليجي ينص على دعم أي نظام يتعرض للتهديد. 

لكن لجنة تقصي الحقائق أكدت في تقريرها أنه لا توجد أدلة على دور لإيران في الاحتجاجات التي تعم البحرين، ولم تكشف الأدلة المقدمة إلى اللجنة بشأن دور إيران في الأحداث الداخلية في البحرين عن علاقة بين ما يجري ودور لإيران. والثاني تجلى من خلال اجتماع وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس مع المسؤولين البحرينيين قبل يوم من دخول القوات السعودية (درع الجزيرة) إلى المنامة. 

حيث كشفت وزارة الخارجية الأميركية أن الادراة الأميركية أرسلت معدات متفق على إرسالها مسبقا يحتاج إليها البحرين في مجال دفاعها الخارجي، ولأجل دعم عمليات الأسطول الخامس لما في ذلك أدوات احتياطية. والموقف الأخير لم يتخطى توقعات الأمين العام لهيئة الأمم في بيان له بأن تتصرف البحرين طبقا للالتزامات الدولية لحقوق الإنسان وأن الأمين العام قلق بشأن تقارير الاشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين. 

في الواقع، إن المعارضة البحرينية لا زالت تنتهج الخيار السلمي في مطالبها بالإصلاحات السياسية والاجتماعية عبر الاستمرار في المسيرات والاعتصامات، مستندة في ذلك إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وكل المواثيق والعهود الدولية التي تكفل حرية التعبير والتجمع بشكل سلمي. وهذا ما يثير تساؤلات هامة حول التغاضي عن ممارسات النظام؟ ولماذا لا يتم الضغط على النظام للقبول بتطبيق توصيات لجنة تقصي الحقائق والحوار الجاد والحقيقي مع المعارضة؟ في الوقت الذي يجب أن يدرك فيه النظام أن الشعب البحريني هو امتداد طبيعي وعضوي للشعوب العربية التي انتفضت مطالبة بالإصلاح ورفض سلطة الاستبداد والفساد، والانتقال السلمي إلى مجتمع ديمقراطي عادل يحترم حقوق الإنسان في العيش بحرية وكرامة. 

/ انتهى التحليل /
كاتب : محمد ابوشریفه
رقم : 147637
شارک بتعلیقک
الإسم الثلاثي

البريد الإلكتروني
تعليقك

أهم الأخبار
إخترنا لکم