0
الجمعة 24 أيار 2013 ساعة 22:56

الإسلاميون وتحدي بناء النموذج

الإسلاميون وتحدي بناء النموذج
الإسلاميون وتحدي بناء النموذج
سواء على مستوى الحضور الشعبي والإعلامي أو على مستوي تدبير الشأن العام والمشاركة في اتخاذ القرار، بعدما كان لهم دور رائد وحاسم في إنجاح الثورات ومحاربة الاستبداد وتحمل ضرباته من إقصاء سياسي وتهميش وتضييق ومحاولات الاستئصال لعقود من الزمان.

لقد استطاع الإسلاميون الحفاظ على تنظيماتهم وكياناتهم في مواجهة تسلط الأنظمة وقمعها ، وذلك من خلال صياغة خطاب تربوي وبناء إيماني تم التركيز فيه على الصبر والمحنة و التضامن والحشد والإقناع الفكري وقيم الوحدة في مواجهة ونزال المستبدين، مع نقد الأنظمة الحاكمة ومؤسساتها التي قمعت الحريات و همشت دور الدين في الحياة العامة وجعلته في زاوية ضيقة طقوسية في أحسن الأحوال.

هذه المرحلة بتحدياتها نجح الإسلاميون فيها بالاشتغال على جبهة المواجهة والصمود والمدافعة مع الأنظمة وبناء كتلة صلبة فلا صوت كان يعلا على صوت المعركة وتحصين الذات ، لكن إذا كانت هذه الحركات استطاعت المحافظة على الذات في منازلة الاستبداد أولا ، والمشاركة الحاسمة في الثورة عليه ثانيا، فإن المرحلة الجديدة تتطلب بناء نموذج جديد ومغاير ثالثا، يستجيب للتحولات و التحديات والتطلعات بعيدا عن الصيغ و الإجابات القديمة على الأسئلة الجديدة، ويمكن اعتبار بناء نخبة جديدة من القادة الأكفاء النزهاء والحفاظ على التنظيم القوي والمتماسك، والفعالية في الإنجاز، والمرونة في التوافق مع الأطراف من أهم عناصر النموذج الجديد المطلوب.

تعددت إصابات الأمة وعللها، وفي جزء منها كان في نخبتها وقادتها الذين فقدوا مصداقيتهم بعدما ركبوا السلطة و مارسوها بشكل منحرف ،ففشلوا في الوفاء والانحياز لهموم الشعوب وتطلعاتهم نحو الحرية والعيش الكريم والعدالة والاجتماعية ، والتحدي على الإسلاميين في هذا الصدد مرتبط أساسا ببناء نخبة سياسية جديدة بمزاج وطني جامع ، تحقق الطموحات التنموية والتطلعات الحضارية، نخبة متواضعة ومتواصلة ، تراعي حرمة المال العام و لا يمكنها التفكير في المساومة على المبادئ ومصالح الشعب والوطن والأمة مقابل تضخم في ثروة أو الحفاظ على منصب والاستمرار في سلطة.

كما أن سياسة وإدارة شؤون الدولة والمجتمع تختلف تماما عن إدارة الحركات والجماعات، فشرعية ممارسة السلطة تستند إلى عنصرين أساسيين: شرعية الاختيار وشرعية الإنجاز لا على الشعارات والوعود والخطابات العاطفية ، فالعنصر المهم في النموذج الجديد للإسلاميين هو الفعالية والإنجاز وتحسين مستويات المعيشة والتقليل من الفوارق الاجتماعية ومحاربة الفساد مع التوزيع العادل للثروة وفق رؤية واضحة وبرامج تنموية وإصلاحات اقتصادية وسياسية وفق الإمكان وبتدرج وبتوافق ومشاركة كل النبلاء على اختلاف توجهاتهم الفكرية والحزبية و بدون مغالبة سياسية من أجل تحقيق الانتقال نحو الديمقراطية ودولة المؤسسات ، المرحلة تتطلب من القوى الإسلامية الاتسام بشيءٍ من التواضع والتجرد، وترجيح العام على الخاص.

وإذا كانت ممارسة السلطة ميعت وفككت كثير من الأحزاب والجماعات وأصابتها بلعنة الانقسام، فإن الإسلاميون مطالبون ببناء نموذج تنظيمي بعمق فكري، فيه من القدرة والاستيعاب والمرونة والحرية ما يمكنه من الحفاظ على قوة التنظيم وحيويته وتماسكه، حتى يتمكنوا بذلك من الاستمرار وتحقيق الإصلاحات الضرورية ، والتاريخ المعاصر حافل بنماذج من التنظيمات التي لم تستطع الإصلاح وتحقيق الوعود بسبب ضعفها وإصابتها بداء الجمود والتجزيء والضعف.فكلما كان تماسك التنظيم أقوى كان ذلك قرينة على نجاحه وإمكانية صموده أمام التحديات ، فالإصلاح لا يتم بهيئات وأحزاب منهكة .

لازالت هناك عناصر أخرى في هذا النموذج الجديد سنقف معها في مقال آخر إن شاء الله.

بقلم: عبد الإله الدرعاوي

/ انتهت المقالة /
رقم : 267194
شارک بتعلیقک
الإسم الثلاثي

البريد الإلكتروني
تعليقك

أهم الأخبار
إخترنا لکم