0
الخميس 16 كانون الثاني 2014 ساعة 14:45
كتب: دوغشان تريكوف

عناصر النفاذ الصهيوني إلى كازاخستان

ترجمة: نوال السعدي
عناصر النفاذ الصهيوني إلى كازاخستان
عناصر النفاذ الصهيوني إلى كازاخستان
وقد استفادت إسرائيل من هذه السياسة، وحاولت مد الجسور مع كازاخستان مستفيدة من عدد من العوامل التي سهّلت لها تحقيق مثل هذه الشراكة المهمة، ومنها:
 
أ- الاهتمام بتطوير الاقتصاد كأولوية:
 بعد انهيار الاتحاد السوفيتي إثر هزيمته في أفغانستان عام 1989، نالت دول آسيا الوسطى استقلالها في العام 1992، وكان على الدول المستقلة حديثًا أن تأخذ على عاتقها الدفاع عن نفسها، وإعادة بناء اقتصادياتها، وتأمين الاستثمارات اللازمة لها، وبناء خطوط الأنابيب التي تسمح لها بتصدير ثروتها من النفط والوصول إلى الأسواق العالمية.
 وفي تلك المرحلة أيضًا، قامت القيادة في كازاخستان باتخاذ قرارات رئيسية فيما يتعلق بالمؤسسات السياسية والاقتصادية في البلاد. وعندما كانت الدولة تمر بمرحلة انتقالية نحو الديمقراطية واقتصاد السوق والسياسة الخارجية المنفتحة والمتعددة الأطراف، تبين أنّ الأولوية في إطار بناء الدولة تكمن في تحقيق أمن قومي قوي، واقتصاد سوق قوي أيضًا في ظل استقرار سياسي. وقد اتّبع الرئيس "نزارباييف" توجهًا يقول: "الاقتصاد أولاً، والسياسة ثانيًا"، في خطوة لنقل اقتصاد البلاد من التخطيط المركزي إلى اقتصاد السوق. وقد أظهرت استطلاعات الرأي في حينه، "أنّ 4 إلى 5% فقط من السكان كانوا يرون ضرورة دعم العملية الديمقراطية كأولوية، في حين أيدّ أكثر من 60% من الشعب تحقيق الحياة المستقرة والسلام والأمن الشخصي".
 
ب- وجود أقليّة يهودية:

 يعتبر الشعب الكازاخستاني متعدد الأعراق، لكنّه في ذات الوقت يضمّ غالبية إسلامية سنيّة 47%، ثمّ مسيحية أرثوذوكسية 44%، وبروتستانتيّة 2%, ولتسهيل التواصل مع النخب الإثنية في البلاد، قام الرئيس الكازاخستاني في العام 1992 بتأسيس جمعية شعوب كازاخستان (APK)، وهي رابطة فريدة من نوعها، وتضم ممثلين عن مختلف الأعراق في البلاد (الأوكرانية واليهودية والشيشانية والتتارية والأوزبكية وغيرها)، كما تضم مستشارين يساعدون الرئيس في رسم سياسته الخاصة بالتعامل مع أبناء العرقيات المختلفة، واتخاذ قراراته في هذا المجال، وتسعى تلك الجمعية جاهدة إلى الترويج لأفكار الوحدة، والحفاظ على علاقات الصداقة والوفاق الدولي، والحفاظ على حق الأقليات أيضًا.
 ويبلغ تعداد المجتمع اليهودي في كازاخستان أكثر من 10 آلاف نسمة، يتمتعون بحقوقهم في ظل السياسية الواضحة لحماية الحقوق الدينية، بما يحقّق المزيد من الاستقرار في البلاد، وبما يتناسب مع الدور الذي لعبته كازاخستان في عقد العديد من المؤتمرات الخاصة بالحوار بين أبناء الديانات المختلفة، إذ صارت مقصدًا لتعزيز ثقافة حرية الأديان والتسامح والاحترام.
 
ج- محاربة الإرهاب:
 لـ"إسرائيل" ودول الاتحاد السوفيتي السابق أولويات جيوبوليتيكية متشابهة فيما يتعلق بما تسمية محاربة الإرهاب والإسلام "الراديكالي". وقد شكّلت مجموعات "الراديكالية الإسلامية" والإسلام السياسي هاجسًا للسلطة في كازاخستان، خاصة عند الاستقلال وفي المرحلة الانتقالية. وتميّزت هذه المجموعات بأنها كانت ناشطة في آسيا الوسطى حتى قبل انهيار الاتحاد السوفيتي، وقد ساعد انهيار الأخير على ازدياد قوتها مع تدفق أفرادها عبر الحدود المتصلة للدول المستقلة.
 وللتخفيف من تهديد "المتشددين"، قامت السلطات الكازاخستانية بممارسة رقابة صارمة على العناصر الإسلامية "المتشددة". وبين عامي 2004 و2005، قامت المحكمة العليا الكازاخستانية بوضع لائحة بـ11 مجموعة "متشددة" دولية تضم القاعدة وحزب التحرير وطالبان وجماعة المجاهدين في آسيا الوسطى كمجموعات إرهابية، ويتركز الجهد الحكومي في مكافحة الإرهاب سياسيًا وأيديولوجيًا وقانونيًا.[2]
 
د- الاهتمام بتطوير التعليم والمعرفة: 
لـ"إسرائيل" اهتمام كبير بتدريب النخب الكازاخستانية، وتوفير التعليم العالي المناسب لها، خاصّة أنّ الحكومة الكازاخستانية تستثمر بشكل كبير في التعليم الذي بلغت المخصصات المرصودة له من العائدات النفطية الكبيرة في العام 2006 حوالي 2.5 مليار دولار، وذلك لتفعيل نظام التعليم في البلاد، وتطوير تدريب موظفين بمستوى رفيع في الخارج لضمان الاحتراف والتخصص، والاستفادة من الجودة الموجودة في التعليم في البلدان الأجنبية؛ للمساعدة على تحقيق اقتصاد السوق الحديث في البلاد. كما تقوم الحكومة هناك عبر برنامج تدريبي أكاديمي عالمي بتوفير منح للتعلم في الجامعات الأجنبية المتميزة في بريطانيا وأمريكا وغيرها من الدول، مع ضمان وتأمين عمل لأولئك الذين يتخرجون منها، وذلك لمنع هجرة الأدمغة، واستغلال قدرات خريجي الجامعات في المكان المناسب.
 
الأبعاد الجيوبوليتيكية للعلاقة بين "إسرائيل" وكازاخستان: لا تمنع العلاقة الوثيقة التي تربط "إسرائيل" و"أمريكا" أن يكون لدى الأولى مصالحها الخاصة في آسيا الوسطى، خاصة أنّها تتمتع بمجموعة من العناصر والمؤهلات الجاذبة لمجموعة الدول المستقلة في آسيا الوسطى، والتي تفيدها جدًا في المجال التكنولوجي والأمني والزراعي والعلمي والتعليمي، خاصة أنّ دول آسيا الوسطى ومنها كازاخستان، تبحث بشكل دائم عن تنويع شراكاتها الجيوبوليتيكية في مختلف الاتجاهات. وعلاوة على ذلك، تعتبر "إسرائيل" فريدة من ناحية التركيبة الاجتماعية التي تضم العديد من المهاجرين الذين لا يزالون يحتفظون بروابط مع مجتمعاتهم اليهودية والنخب والتجار والمؤسسات التجارية في بلدانهم الأصلية، وهو الأمر الذي يشكّل رأس مال استراتيجيًا لـ"إسرائيل" من شأنه أن يهدر ويضيع إذا لم يتم استثماره واستغلاله. فعبر تطوير علاقاتها مع كازاخستان ودول أوراسيا بشكل عام، تستطيع "إسرائيل" أن تمدّ نفوذها ودورها في "اللعبة الكبرى" التي تشارك فيها العديد من الدول الكبرى في تلك المنطقة، ومنها روسيا والصين والولايات المتّحدة وأوروبا. 

وبما أنّ "إسرائيل" تعتمد بشكل كامل على النفط المستورد، فإن من أولويات سياسة أمن الطاقة الإسرائيلية تنويع مصادر تزويدها بالطاقة. صحيح أنّ إسرائيل تستورد من مصر القريبة، لكنها تستورد أيضًا من كازاخستان وأذربيجان، وكذلك من روسيا، وسيكون باستطاعتها في المستقبل التزود بالطاقة عبر خطوط الأنابيب من بحر قزوين أو عبر ناقلات بشكل يسمح بتخطّي السيطرة الروسية على الطاقة.

[3] وكخلاصة، فإن للشراكة مع كازاخستان طابعًا خاصًا جدًا بالنسبة لـ"إسرائيل"، وذلك لعدد من المعطيات التي تمثّلها الأولى، خاصة فيما يتعلق بالموارد الطبيعية الضخمة، ولاسيما موارد الطاقة والنفط، بالإضافة إلى قربها من الأسواق الروسية والصينية وأسواق آسيا الوسطى، إضافة إلى المجالات الواسعة للتعاون الثنائي الذي من المتوقع أن ينمو ويزداد متانة مع مرور السنوات والعقود المقبلة، وفي مختلف المجالات، لما فيه مصلحة إسرائيل، والحفاظ على أمنها، وتعزيز سياسة أمن الطاقة لديها.

[4] ختامًا:
يمكن القول: إن إسرائيل تسعى إلى اختراق منطقة آسيا الوسطى، وذلك على محاور مختلفة، ظاهرها توطيد العلاقات السياسية والاقتصادية، وباطنها مآرب أخرى، وثمة مؤشرات تجعل من يراقب سلوكيات "إسرائيل" يتوجس من نواياها، سواء في منطقة "الشرق الأوسط" أو المناطق ذات التأثير على المصالح العربية والإسلامية، ويُلاحظ أن إسرائيل تتبع سياسة التطويق المبكر لإحكام الحصار حول مصالح العرب والمسلمين في العالم، وليس في بلادهم فقط؛ إذ لعبت "إسرائيل" دورًا مشابهًا في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي في دول إفريقيا جنوب الصحراء، ونجحت إلى حد كبير في تحييد بعضها، وضمان التعاون مع أكثرها، إلى درجة أن هذه الدول في فترة من الفترات كانت الباب الخلفي للمهاجرين اليهود إلى الكيان الصهيوني، مثل الفلاشا وغيرهم، إلاّ أنه يجب الإشارة هنا إلى أن بعض دول آسيا تنبهت وانتبهت للأدوار الأمريكية الإسرائيلية المشبوهة، وغيرت مواقفها إزاء القواعد الأمريكية، لاسيما بعد اتضاح النوايا الخبيثة لأمريكا بخصوص أهداف هذه القواعد في دول آسيا الوسطى.
 
ولذلك يجب على الدول العربية والإسلامية الوعي بحقيقة وأهداف الدور الإسرائيلي في منطقة آسيا الوسطى، والإسراع في إبرام اتفاقيات اقتصادية وثقافية وعلمية وعسكرية ونفطية مع هذه الدول الصاعدة، وبالتالي الحفاظ على الأمن القومي العربي والإسلامي.
 
[1]- آسيا الوسطي والتغلغل الإسرائيلي، مركز الجزيرة للدراسات.
[2] محمد العويني، العلاقات السياسية بين إسرائيل ودول جنوب شرق آسيا، القاهرة 1974 ، ص20 – 38 .
[3] المرجع السابق ص44-59
[4] آسيا الوسطى
رقم : 341722
شارک بتعلیقک
الإسم الثلاثي

البريد الإلكتروني
تعليقك

أهم الأخبار
إخترنا لکم