0
الخميس 3 نيسان 2014 ساعة 12:57

نفحات من مدرسة بنت ابيها بذكرى رحيلها..

نفحات من مدرسة بنت ابيها بذكرى رحيلها..
نفحات من مدرسة بنت ابيها بذكرى رحيلها..
لقد حازت على كمال العقل وجمال الروح وطيب الصفاء وعاشت في جو شعت عليه وامتدت به وعبرت عنه فكرا وانتاجا وغدت خطا في الرسالة التي انطلقت ثورة، فكانت عليها السلام ركنا من أركانها التي لايمكن فهم تاريخ الرسالة من دون فهم سيرتها العطرة. 

وقد مثلت الزهراء (عليها السلام) أشرف ما في المرأة من إنسانية وصيانة وكرامة وقداسة ورعاية وعناية، بالاضافة إلى ماكانت عليه من ذكاء وقاد وفطنة حادة وعلم واسع، وكفاها فخرا أنها تربت في مدرسة نبي ومربي وتخرجت من مدرسة الرسالة وتلقت عن ابيها الرسول الامين محمد صلى الله عليه وآله وسلم ماتلقاه عن رب العالمين، ومما لاشك فيه أنها تعلمت في دار أبويها مالم تعلمه طفلة غيرها في مكة. 

لقد سمعت آيات القرآن الكريم من النبي المصطفى وسمعته من علي المرتضى، وصلت به وعبدت به ربها بعد ان وعت احكامه وفرائضه وسنته وعيا لم يحصل عليه غيرها من ذوي الشرف والكرامات. 

ونشأت الزهراء نشأة إيمان ويقين، نشأة وفاء واخلاص وزهد، وعلمت مع السنين انها سليلة شرف لامنازع لها فيه من واحدة من نبات حواء، لقد نشأت الزهراء وهي تحذو حذو ابيها في كل كمال، حتى قالت عنها عائشة ما رأيت أحدا من خلق الله أشبه حديثا وكلاما برسول الله (صلى الله عليه وآله) من فاطمة، وكانت إذا دخلت عليه اخذ بيدها فقبلها وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها قامت اليه ورحبت به واخذت بيده فقبلتها.(اهل البيت لتوفيق ابو علم). 

ومن هنا نعرف السر ايضا في ماصرحت به عائشة من انها لم تجد في الارض امرأة كانت أحب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) من فاطمة، وقد عللت هي ذلك بقولها: مارأيت احدا كان اصدق لهجة من فاطمة إلا أن يكون الذي ولدها. وهكذا صارت الزهراء البتول صورة الأنوثة الكاملة التي يتخشع بتقديسها المؤمنون. 

لم تكتفِ الزهراء عليها السلام بما هيأ لها بيت الوحي من معارف وعلوم، ولم تقتصر على الاستنارة العلمية التي كانت تهيئها لها شموس العلم وينابيع المعرفة المحيطة بها من كل جانب. لقد كانت تحاول في لقاءها مع ابيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبعلها باب مدينة علم النبي ان تكتسب من العلوم مااستطاعت، كما كانت ترسل ولديها الحسن والحسين عليهما السلام، إلى مجلس الرسول (صلى الله عليه وآله) بشكل مستمر ثم تستنطقهما بعد العودة اليها، وهكذا كانت تحرص على طلب العلم كما كانت تحرص على تربية ولديها تربية فُضلى، وكانت تبذل ماتكتسبه من العلوم لسائر نساء المسلمين، بالرغم من كثرة واجباتها البيتية. 

لقد كانت الزهراء (عليها السلام) من أهل بيت اتقوا الله وعلمهم الله - كما صرح بذلك الذكر الحكيم - وهكذا فطمها الله بالعلم فسميت فاطمة، وانقطعت عن النظير فسميت بالبتول. 

كانت فاطمة عليها السلام "كريمة الخليقة، شريفة الملكة، نبيلة النفس، جليلة الحس، سريعة الفهم، مرهفة الذهن، جزلة المروءة، غراء المكارم، جريئة الصدر، رابطة الجأش، حميتة الانف، نائية عن مذاهب العجب، لايحددها مادي الخيلاء، ولايثني اعطائها الزهو والكبرياء". (أهل البيت لتوفيق ابو علم). 

لقد كانت سبطة الخليقة في سماحة وهوادة الى رحابة صدر وسمة اناة في وقار وسكينة ورفق ورزانة وركانة ورصانة وعفة وصبانة. عاشت قبل وفاة ابيها متهللة العزة وضاحة المحيا حسنة البشر باسمة الثغر ولم تغرب بسمتها إلا منذ رحيل ابيها سيد الكونين الرسول محمد صلى الله علية وآله وسلم. 

كانت لايجري لسانها بغير الحق ولاتنطق إلا بالصدق ولاتذكر احدا بسوء، فلا غيبة ولانميمة ولاهمز ولالمز وتحفظ السر وتفي بالوعد، وتصدق النصح وتقبل العذر وتتجاوز عن الإساءة بالحلم والصفح. 

وكانت الزهراء عليها السلام عزوفة عن الشر ميالة إلى الخير امينة صدوقة في قولها صادقة في نيتها ووفائها وكانت في الذروة العالية من العفاف طاهرة الذيل عفيفة الطرف لايميل بها هواها، إذ هي من آل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) الذي أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. انها كانت زاهدة قنوعة موقنة بان الحرص يفرق القلب ويشتت الامر مستمسكة بما قاله لها أبوها "يافاطمة! اصبري على مرارة الدنيا لتفوزي بنعيم الأبد" فكانت راضية باليسير من العيش صابرة على شظف الحياة قانعة بالقليل من الحلال راضية مرضية. 

انها السيدة البتول التي انقطعت إلى الله تعالى عن دنياها وعزفت عن زخارفها وصدفت عن غرورها وعرفت آفاتها وصبرت على أداء مسؤولياتها وهي تعاني من شظف العيش ولسانها رطب بذكر مولاها. لقد كان هم الزهراء الآخرة، فلم تحفل بمباهج الدنيا وهي ترى إعراض ابيها (صلى الله عليه وآله) عن الدنيا ومافيها من متع ولذائذ وشهوات.
وعرف عنها صبرها على البلاء وشكرها عند الرخاء ورضاها بواقع القضاء، وقد روت عن ابيها صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله إذا أحب عبدا ابتلاه، فإن صبر اجتباه وإن رضي اصطفاه". 

واما عن جودها وايثارها، فكانت عليها السلام على هدى ابيها في جوده وسخائه، وقد سمعته يقول: "السخي قريب من الله، قريب من الناس، قريب من الجنة، بعيد عن النار، وأن الله سبحانه وتعالى جواد يحب الجواد".
واما في ايمانها وتعبدها، فالايمان بالله قيمة الانسان الكامل، والتعبد لله سلم الوصول إلى قمم الكمال، وقد حاز الانبياء والاولياء على مقاعد الصدق في دار الكرامة بما اشتملوا عليه من درجات الايمان وبما اجتهدوا في الدنيا وأخلصوا فيه من العبادة لله سبحانه. وكانت الزهراء قمة الايمان ومظهر العبادة والتوكل والتسليم لله تعالى، وقد شهد القرآن الكريم – كما لاحظنا في سورة الدهر- عل كمال إخلاصها وخشيتها لله سبحانه، وعظيم إيمانها به وباليوم الآخر، وشهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قائلا: "إن ابنتي فاطمة ملأ الله قلبها وجوارحها إيمانا إلى مشاشها ففرغت لطاعة الله". (بحار الانوار). 

هذا وقد استطاعت الزهراء عليها السلام أن تسد الفراغ العاطفي الذي كان يعيشه الرسول (صلى الله عليه وآله) بعد أن فقد أبويه في أول حياته وفقد زوجته الكريمة خديجة الكبري عليها السلام في أقسى ظروف الدعوة والجهاد في سبيل الله تعالى. 

إن مواقف الأمومة التي صدرت عن الزهراء (عليها السلام) بالنسبة لابيها تؤكد نجاح فاطمة في هذه المحاولة التي أعادت الى النبي (صلى الله عليه وآله) المصدر العاطفي الذي ساعده دون شك في تحمل الاعباء الرسالية الكبرى، ومن هنا قد نفهم السر في ماتكرر على لسانه صلى الله عليه وآله وسلم من أن "فاطمة اُم ابيها".ان قدسيتها عليها السلام ذاتية نابعة من اعمال كيانها النواراني الذي فطرها لله تعالى عليها .. هي الكوكب الدّري والكوثر الفيّاض... تزهرُ لأهل السماء كما تزهرُ النجومُ لأهل الأرض. 

لقد عاشت الزهراء فاطمة عليها السلام في ظل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمها خديجة(عليها السلام) ثم انفردت بأبيها حتى هجرته الى يثرب إذ كان يرعاها وترعاه بحنان الامومة، ثم اقترنت بابن عمها علي بن أبي طالب عليه السلام فأصبحت تستظل بظلال ابيها محمد (صلى الله عليه وآله) وفي كنف دولة الاسلام الفتية، تسعى جاهدة لاداء مهامها الرسالية والعائلية جنبا الى جنب، حتى غربت شمس النبوة العظمى برحيل الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم وحدثت الطامة الكبرى في إفلات زمام الزعامة السياسية للدولة الاسلإمية الفتية من يد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) فكانت العضد الوحيد للإمام علي (عليه السلام) المسؤول عن معالجة الموقف الحرج معالجة رسالية بعيدة عن التحيز القبلي او العاطفي. لقدعاشت الزهراء في كنف زوجها الامام علي(عليه السلام) بعد ابيها فترة قصيرة جدا وتجرعت من الغصص والمحن مالم يعلم مدى مراراتها إلا الله سبحانه وتعالى. 

نعم ..لقد آثرت الاحداث بعد وفاة الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله) وماتعرضت له فاطمة (صلى الله عليه وآله) من اذىَ، اشتدَ عليها الحزن والاسى، وازداد بها المرض حتى غدت نحلية سقيمة وبقيت تعاني من شدة المرض أربعين ليلة. 

وروي ان عليا عليه السلام حين انزل فاطمة هاجت به الاحزان وازدحمت في نفسه الهموم وعظم عليه الفراق وكبر عليه الموقف، فحوَل وجهه الى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليبثه الشكوى معبرا عما في نفسه من حبَ لها ووفاء لابيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحزن لفراقها ولوعة مما جرى عليه وعليها. 

وقد قال الامام زين العابدين عليه السلام: لمّا قبضت فاطمة ( عليها السلام ) دفنها امير المؤمنين عليه السلام سرّاً، وعفى على موضع قبرها، ثمّ قام فحوّل وجهه إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثمّ قال: السلام عليك يا رسول الله عنّي، والسلام عليك عن ابنتك وزائرتك والبائتة في الثرى ببقعتك، والمختار الله لها سرعة اللحاق بك، قلّ يا رسول الله عن صفيّتك صبري، وعفا عن سيّدة نساء العالمين تجلّدي، إلاّ أنّ في التأسّي لي بسنّتك في فرقتك موضع تعزّ، فلقد وسّدتك في ملحودة قبرك، وفاضت نفسك بين نحري وصدري.. 

إنّا لله وإنّا إليه راجعون..قد استرجعت الوديعة، وأُخذت الرهينة، واختلست الزهراء فما أقبح الخضراء والغبراء. يا رسول الله، أمّا حزني فسرمد، وأمّا ليلي فمسهّد، وهمّ لا يبرح من قلبي، أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم، كمد مقيّح، وهمّ مهيّج، سرعان ما فرّق بيننا، وإلى الله أشكو، وستنبّئك ابنتك بتظافر أُمّتك على هضمها، فاحفها السؤال، واستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها، لم تجد إلى بثّه سبيلاً، وستقول ويحكم الله، وهو خير الحاكمين . 

والسلام عليكما سلام مودّع، لا قال ولا سئم، فإن أنصرف فلا عن ملالة، وإن أُقم فلا عن سوء ظنّ بما وعد الله الصابرين، واهاً واهاً، والصبر أيمن وأجمل، ولولا غلبة المستولين لجعلت المقام واللبث لزاماً معكوفاً، ولأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية. فبعين الله تدفن ابنتك سرّاً، وتهضم حقّها، ويمنع إرثها، ولم يتباعد العهد، ولم يخلق منك الذكر، وإلى الله يا رسول الله المشتكى، وفيك يا رسول الله أحسن العزاء، صلّى الله عليك وعليها السلام والرضوان. 

وهكذا انتهت حياتها الزاخرة بالفضائل والمناقب والمواقف المبدئية المشرفة، والسلام عليها يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حية ورحمة الله وبركاته.
رقم : 368606
شارک بتعلیقک
الإسم الثلاثي

البريد الإلكتروني
تعليقك

أهم الأخبار
إخترنا لکم