0
السبت 11 أيار 2024 ساعة 13:33

الجزائر تأبى نسيان جرائم الاستعمار الفرنسي بحق الجزائريين مهما تطورت العلاقات

الجزائر تأبى نسيان جرائم الاستعمار الفرنسي بحق الجزائريين مهما تطورت العلاقات
فرغم الزيارة التي سيقوم بها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى باريس خلال الشهور المقبلة، لم تتنازل الجزائر عن ملف جرائم فرنسا في هذا البلد إبان الحقبة الاستعمارية، حيث صرح الرئيس الجزائري يوم الثلاثاء بمناسبة إحياء ذكرى مجازر 8 مايو 1945 بأن “الجرائم الهمجية غير القابلة للتقادم” مؤكدا أن المجازر التي وقعت في مدن ومناطق مختلفة في البلاد مثل قالمة وسطيف وخراطة وعين تموشنت وغيرها من المدن الجزائرية سنة 1945 ارتكبها الاستعمار “بدرجة كبيرة من الحقد والهمجية”، وكان الجزائريون قد انتفضوا عند نهاية الحرب العالمية الثانية للمطالبة بالاستقلال، وكانت فرنسا تعتبر الجزائر إقليما فرنسيا.

وأضاف عبد المجيد تبون إن الشعب الجزائري حقق من خلال هذه الانتفاضة التاريخية ملحمة وبطولة فاجأت الاستعمار وأصابت الاستعمار بالجنون، ما دفعه إلى “ارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية”.

وأردف تبون أن الجزائر أعلنت هذا التاريخ “يوما وطنيا للذكرى” للتعبير عن اعتزازها بمراحل المسيرة الوطنية التي ميزت كفاح جيل بعد جيل، معتبرا أن اهتمام الدولة بمسألة الذاكرة التاريخية نابع من المسؤولية الوطنية في الحفاظ على تراث الأجيال، ونابع من اعتزاز الأمة بماضيها المشرف.

ويبرز أنه بالنسبة للجزائر، “قضية الذكرى لن تتآكل بمرور الزمن ولن تنسى” ولن تقبل “المساومة”  وتابع مؤكدا أن “هذه القضية ستبقى في صلب اهتماماتنا حتى يتم التعامل معها بموضوعية وجرأة وإنصاف في إطار الحقيقة التاريخية”.

وكان الرئيس الجزائري قد صرح في وقت سابق بأن العلاقات مع فرنسا وصلت إلى النضج وينبغي أن يعاد لها التأسيس من جديد، دون التراجع عن أيّ جزئية من ملفّ الذاكرة و أنّ زيارته المرتقبة إلى فرنسا لا تزال قائمة، واصفاً لقاءه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأنه "موعد مع التاريخ".

وفي لقاء مع وسائل إعلام جزائرية بثه التلفزيون الجزائري الشهر الماضي، قال تبون: "سننظر إلى الأمور كما يجب أن نراها وليس عاطفيا.. نحن اليوم في مرحلة إعادة التأسيس للعلاقات" بين البلدين.

وبالعودة إلى التاريخ الاستعماري والدموي لفرنسا فقد تعرضت الجزائر لأبشع جرائم الاستعمار في القارة الإفريقية، فقد كانت فرنسا تعتبرها إقليما تابعا لها وليس مناطق مستعمرة مثل تونس والمغرب والسنغال، ولهذا مارست التنكيل بالثوار المطالبين بالاستقلال.

فجريمة الإبادة الجماعية الفرنسية في الجزائر  باتت تدخل ضمن الذاكرة الاستعمارية الجزائرية، وهي ما تسعى الأطراف الاستعمارية الرسمية إلى إخفائها والتنصل من تبعاتها، فجرائم الاستعمار الفرنسي بالجزائر منذ بداية الاحتلال إلى غاية الاستقلال، أي مدة قرن وثلث، هي جرائم ضد الإنسانية، فعمليات الإبادة الجماعية ضد القبائل وعشائر بأكملها، دون تمييز بين الكبير والصغير، ولا بين النساء والعجزة، بالإضافة إلى ابتكار أساليب فظيعة في تعذيب الجزائريين، فكل هذه الأساليب وغيرها هي أعمال إجرامية ضد الإنسانية. 

ولا يمكن لأحد نسيان هول وفظاعة الجريمة المرتكبة من طرف فرنسا الاستعمارية في يوم الثامن من ماي 1945، حيث تجلى الحقد الفرنسي ضد الجزائريين والجزائر يومها بشكل يأبى النسيان، حيث قرر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون جعل هذا اليوم “يوما وطنيا للذاكرة” التي تحتفظ بتاريخ 08 ماي 1945 في سجل المآسي المروعة التي شهدتها الجزائر منذ 1830.

وسقط 45 ألف شهيد جزائري يوم “نفذت المقنبلات الجوية الفرنسية 300 غارة في يوم واحد على منطقة قسنطينة الجبلية، كما تم تدمير مناطق أخرى بالكامل، وخاصة حيث المنازل القشية والطوبية، فيما كانت طائرات أخرى من صنع بريطاني تطلق النار على السكان الهاربين وترمي القنابل على التجمعات السكانية في الأرياف والجبال” حسب ما نقلته الصحيفة الأمريكية الشهيرة نيويورك تايمز” في عددها الصادر يوم 25 ديسمبر 1945.

بدورها تشدد الجزائر على ضرورة فتح ملف جرائم الاستعمار والتعويض المادي والمعنوي وكان الرئيس إيمانويل ماكرون قد قبل بلجنة من الخبراء التاريخيين مكونة من جزائريين وفرنسيين لدراسة هذا الموضوع، وترأس اللجنة عن الجانب الفرنسي بنجامين استورا.

ويدرك مختلف الرؤساء الذين تناوبوا على الحكم في باريس أنه لا يمكن إرساء علاقات عادية مع الجزائر إذا لم يتم البت النهائي في ملف جرائم فرنسا في الجزائر، ولا ترى فرنسا دعوات دول إفريقية وعربية مثل الجزائر للتعويض عن جرائم الاستعمار بعين الرضا في وقت يتراجع نفوذها في القارة السمراء وما يجري في الشرق الأوسط من تطورات كبيرة وعلى رأسها حرب "إسرائيل" ضد الفلسطينيين.

وكانت زيارة الرئيس الجزائري إلى فرنسا قد تأجلت أكثر من مرة خلال العام الماضي بسبب خلافات بين البلدين، ولا سيما في قضية “الذاكرة”.

وتأتي هذه التوترات في الوقت الذي تواصل فيه الجزائر انتقاد مواقف بعض الدول الأوروبية الداعمة للمغرب في قضية الصحراء، حيث قطعت علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع إسبانيا في عام 2022 بسبب دعمها لمبادرة الحكم الذاتي للمغرب في هذه القضية، وهو ما يتناقض مع ادعاءات الجزائر بأنها ليست طرفا في النزاع.

ويرى مراقبون أن هذه التطورات تؤكد استمرار التوترات في العلاقات الجزائرية الفرنسية، والتي قد أثرت مرارا على مسار التقارب الذي شهدته خلال الفترة الأخيرة، وأكدت أنه لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجه جهود تحسين العلاقات بين البلدين.
رقم : 1134333
شارک بتعلیقک
الإسم الثلاثي

البريد الإلكتروني
تعليقك

أهم الأخبار
إخترنا لکم