0
الثلاثاء 11 حزيران 2024 ساعة 17:44

السيد أحمد صولي: الحج دون البراءة وهدم الكفر والشرك ليس حجا

السيد أحمد صولي: الحج دون البراءة وهدم الكفر والشرك ليس حجا
نظرا إلى أن الحج أحد أعظم الأرضيات لتضافر الأمة الإسلامية وتآزرها وتعاطفها، كيف يمكن الاستفادة من هذه الإمكانية العظيمة للحج من أجل حل مشكلات العالم الإسلامي بأفضل نحو ممكن؟
بداية، هنيئا لمن وصل أذان الحج الأكبر إلى مسامعهم، وسارت بهم قوافلهم إلى مهوى الأفئدة بعد أن استجيبت لهم أدعيتهم الرمضانية، فوفقوا لحج بيت الله الحرام في هذا العام. ونسأل الله تعالى أن تتحقق لسائر المسلمين شروط الاستطاعة وتخلية السرب؛ ليكتبوا من حجاج البيت العتيق، وزوار قبر النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله" في القابل من الأعوام إن شاء الله تعالى.

في الحقيقة، تعقد حشود الحجاج المسلمين الوافدة من كافة أنحاء العالم الإسلامي اجتماعها السنوي في مكة المكرمة، وهو اجتماع ينطوي على نقطة مهمة؛ وهي إيجاد التواصل والتلاقح الفكري والثقافي والإعلامي بين مسلمي العالم، والهدف الأساس من كل هذا أن يتداولوا فيما بينهم أخبار أمتهم وأوضاعها، والعقبات والتحديات الحالية والمستقبلية التي تواجهها، والاطلاع على ما يجري في مختلف البلدان الإسلامية.

هذا الاجتماع السنوي، وكما يعبر الإمام الخميني قدس سره ، هو مؤتمر عبادي سياسي عظيم. واليوم، مما يؤسف له أننا نضيع هذه الفرصة التي أتاحها الإسلام العزيز لنا، فهذا الحج الذي من المفترض أن يكون مؤتمرا يحتشد فيه علماء الأمة الإسلامية ومفكروها ومثقفوها وسائر المسلمين؛ ليتدارسوا أوضاع أمتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والتحديات الراهنة والمستقبلية التي تواجهها، وسبل حل العقبات وتفكيكها، قد تحول إلى مجرد طقوس ومراسم فارغة خالية من محتواها السامي، تمارس بطريقة غير مثمرة وغير مجدية. وفي الحقيقة، ما محاولات إفراغ الدين والعبادات والطقوس الدينية ومنها الحج من أبعادها الاجتماعية والثقافية والتربوية والسياسية، وحصرها بكونها فقط محض علاقة بين العبد وربه، إلا لإدراك الطواغيت، ومن معهم من وعاظ السلاطين، أن الدين هو ثورة الأنبياء عليهم السلام التوحيدية، وأنه برنامج تغيير وإصلاح، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وهذا هو الخطر العظيم الذي يتهدد بقاء الطغاة ونفوذهم وسيطرتهم وهيمنتهم.

في المقابل، علينا أن نستفيد من هذا المؤتمر والملتقى، فنلتقي ونتحد فيما بيننا، ونبرز من خلال الاجتماع العظيم للمسلمين مدى قدرة الإسلام وعزته، وأن نستفيد من هذه التجمعات العظيمة، ومن سائر مؤتمراتنا الكبرى، كيوم العيد ويوم عرفة والشعائر التي تقام في المشاعر المقدسة وفي ظل بيت الله الحرام وصلوات الجمعة والجماعة، من أجل إبراز قوة الإسلام التي لا تعلو عليها قوة.

يكون الحج فرصة مميزة من أجل التعبير عن دعم الأمة الإسلامية عامة، والحجاج خاصة، لأهالي غزة. ما هي برأيكم الخطوات التي يمكن القيام بها في هذا الصدد ضمن إطار الحج؟
لا شك ولا ريب أنه من الممكن للمسلمين القيام بالكثير من الأمور من خلال وجودنا في هذا المكان المقدس، وهو مكة المكرمة، وفي جوار الكعبة المعظمة، وفي هذا الزمان المميز، الذي هو موسم الحج الأكبر. ومن أهم ما يمكن القيام به هو إعلان صرخة البراءة من المشركين والمستكبرين، ورفع الصوت عاليا ليصل إلى كل أصقاع الأرض وجهات المعمورة وسكانها، حاملا معه مظلومية إخواننا المسلمين المستضعفين في "غزة هاشم" وسائر "فلسطين" الحبيبة.

لقد جاء في الرواية أن إمامنا الباقر عليه السلام أوصى في وصيته قبل شهادته أن يندب له في مواسم الحج عشر سنين، وأنه أوقف من ماله مبلغا يصرف في استئجار النوائح والنوادب لتندبه بعد شهادته عشر سنين. متى؟ في أيام التشريق. أين؟ في المشعر الحرام في منى. أي في تلك الأيام التي يحضر فيها كل أهل الموقف في منى. وهذا - في الحقيقة - كان وجها من نضاله عليه السلام وجهاده السياسي الحاد الذي مارسه في مواجهة الطغيان الأموي.

الإمام الباقر عليه السلام لم يكن بحاجة إلى البكاء والرثاء من أجل نفسه هو، وإنما أراد من خلال البكاء وإقامة العزاء ومراسم الرثاء في أيام الحج خاصة، وفي منى بالأخص، أن يفضح الحكام الظلمة سياسيا ونفسيا وإنسانيا؛ لأن الحجاج حينما يرون مشهد العزاء والنياحة، يحاولون استطلاع الخبر بالسؤال، فتقص عليهم قصة ظلم الحكام لأهل بيت الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله ، وهذا ما من شأنه أن يوجه أنظارهم نحو المظلوم، ويقوي شعبيته وموقفه، ويحطم الظالم ومشاريعه.

الحج كذلك. هذا الاجتماع العظيم، وهذا اللقاء والتلاقي الكبير، من شأنه أن يبرز المظلومية ويبينها للعالم، وسيؤدي إلى نشر ظلم الظالم، فيزداد السخط والاعتراض عليه، وبهذا فضيحته وخسارته، وستشتهر مظلومية المظلوم، فيزداد التفاعل والتضامن معه، وبهذا فوزه وانتصاره.

ليس صحيحا ولا مجديا أن يكون الاعتراض وإعلان الموقف والتنفر والامتعاض في الخفاء، وفي السر، وفي زوايا الغرف المظلمة، أو في الصالونات المغلقة، وإنما المطلوب والصحيح والمجدي أن يكون جهرا وعلانية، وفي وضح النهار، وعلى الملأ العام، وفي أوقات الذروة، وفي أكثر المناطق اكتظاظا وكثافة جماهيرية؛ فإن ذلك أوقع في القلوب، وأكثر تأثيرا.

يقول تبارك وتعالى في سورة "الحج" المباركة: (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى‏ كل ضامر يأتين من كل فج عميق) * (ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في‏ أيام معلومات ...)، ولا شك ولا ريب في أن هذا المشهد الوحدوي العام بين المسلمين لإعلان براءتهم من المشركين والمستكبرين والشياطين وطواغيت العالم، وعلى رأسهم الشيطان الأكبر "أمريكا"، وربيبتها اللقيطة "إسرائيل"، لهو من أبرز وأهم تلك المنافع التي يشهدها المسلمون المتقاطرون من جميع أقطار العالم إلى مكة المكرمة، وإلى المشاهد المشرفة.

اليوم، عندما يرى العالم كله، من خلال الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي، تلك الجموع الغفيرة من المسلمين الحاجين والقاصدين لتلك الديار المقدسة، يجتمعون تحت لواء دين واحد، وبقيادة نبي واحد، وفي ظل قرآن واحد، وفي رحاب بيت واحد، ونحو قبلة واحدة، ويسيرون مسيرات إعلان البراءة من الاستكبار والجرائم الصهيونية التي يرتكبها شذاذ الآفاق الصهاينة المجرمون القتلة بحق أهلنا المستضعفين المظلومين في "غزة هاشم"، فإن هذه القضية ستنتشر انتشار الموج في كل العالم، وستسهم في إيصال مظلوميتهم ودمائهم وشهادتهم إلى كل الضمائر الحية، وسيكون لها دورها في وقف هذه الإبادة العرقية الجماعية التي يمارسها هؤلاء النازيون الصهاينة.

من هنا، ينبغي أن نجعل جميع مواقفنا ومشاعرنا ومواسمنا ومراسمنا تضج بمظلومية هؤلاء المظلومين، ويجب أن تكون محافلنا كلها مراكز تنظيمية تعبوية تعمل على تنظيم الجماهير المؤمنة، وتعبئتهم ضمن بوتقة وكتلة واحدة شديدة التلاحم والتآخي من أجل نصرة الحق وإدانة الباطل. هذا ما ينبغي أن يجتمع ويجمع عليه المسلمون جميعا، لا أن يكونوا متفرقي الكلمة مشتتي الأهواء، تلهب فيهم الفتن كما النار في الهشيم.

لو كنتم مشاركين بشكل شخصي في حج هذا العام، هل كنتم - بصفتكم أحد الحجاج - ستقدمون على خطوة ضمن إطار دعم قطاع غزة، واستنكار الإبادة الجماعية التي تمارسها أمريكا والكيان الصهيوني؟
هذا مما لا شك فيه؛ فإن هذه وظيفة شرعية، وبها يكتمل الحج ويكون مقبولا. هناك كلمة للإمام الخميني قدس سره يقول فيها: "لا شك أن الحج الذي يفتقر للروح، والخالي من التحرك والثورة، الحج الذي لا يتضمن البراءة، الحج الخالي من الوحدة، والحج الذي لا يقود إلى هدم الكفر والشرك؛ ليس حجا". من هذا المنطلق، تمام الحج في نصرة المظلوم، ورفض الظلم.

نحن نؤمن ونعتقد أن الحج مظهر توحيد الله تعالى، والتوحيد يعني رفض عبودية الأنداد التي تتظهر اليوم في العبودية لأمريكا وسائر طواغيت العالم. الطاغوت ليس هو ذاك الصنم الخشبي أو الحجري فحسب، بل إن كل من ينصب نفسه في مواجهة الله تعالى ودين الله سبحانه، هو طاغوت يجب أن نكفر به، وأن نبرز له العداوة والبغضاء. هكذا يكون التأسي بالأنبياء والصالحين عليهم السلام . يقول تعالى: (قد كانت لكم أسوة حسنة في‏ إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده‏). لقد قام جميع الأنبياء عليهم السلام وعلى رأسهم نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله الذي حطم أصنام وأوثان الشرك والجاهلية، ومن قبله ثار جده إبراهيم الخليل عليه السلام الذي انقض على الأصنام وحطمها بفأسه بمفرده، ولم تفزعه الوحدة ولا النار، قاموا جميعا بإعلاء كلمة التوحيد، وبمقارعة الطواغيت والأصنام، وإعلان البراءة منهم.

لقد كان الأنبياء عليهم السلام ومن آزرهم من المؤمنين والصالحين رواد طريق الجهاد ضد الظالمين والطواغيت والجبابرة والفراعنة والأكاسرة والأباطرة والقياصرة، وينبغي علينا أن نقتدي بهم وأن نسير على هديهم.

ثم إن الإمام الخامنئي دام ظله الشريف أعلن أن حج هذا العام هو "حج البراءة" تزامنا مع الأحداث الجارية في "غزة"، والعدوان الدموي للكيان الغاصب المؤقت عليها، وهذا الإعلان يلزمنا بأن نقوم بوظيفتنا الشرعية، كل من موقعه، نصرة لأهلنا المظلومين في "غزة". وهذا الالتزام منا يأتي منسجما مع اعتقادنا وولائنا وطاعتنا لإمامنا القائد حفظه الله تعالى . فبالنسبة لنا نحن الذين تربينا في مدرسة الولاية والعشق والتعقل والبصيرة أمنيات وتمنيات ومنويات سماحته دام ظله هي تكاليف مطاعة ومجابة، فكيف بتكاليفه الظاهرة والبينة والصريحة؟ حتما سنكون طوع أمره، بل وأطوع له من بنانه إن شاء الله تعالى .

ما هي مكانة «البراءة من أعداء العالم الإسلامي» في الحج؟ بعبارة أفضل: إلى أي مدى تنطوي البراءة من أعداء الأمة الإسلامية - وعلى رأسهم أمريكا والكيان الصهيوني - على الأهمية، خاصة في حج هذا العام الذي يتزامن مع إبادة المسلمين في قطاع "غزة"؟
في الحقيقة، الذي نفهمه من كلام الإمام الخميني قدس سره والإمام الخامنئي دام ظله أن البراءة من المشركين تعد أساسا من الواجبات السياسية للحج، ومن دونها لا يكون حجنا حجا مكتمل الأركان.

الله تبارك وتعالى يقول في كتابه الكريم: (وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بري‏ء من المشركين ورسوله)، وهذا يعني أننا عندما نقول "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك" فإن هذا لازمه البين أن نقول قولا وعملا "لا" لكافة الأوثان والطواغيت، وأن نتبرأ من جميع المشركين والمستكبرين. واليوم، وبتعبير محطم الأصنام في هذا العصر الإمام الخميني العظيم: "أي وثن يصل إلى درجة الشيطان الأكبر والأوثان والطواغيت المستعمرة للعالم التي تدعوا كافة المستضعفين إلى السجود لهم وتمجيدهم، ويعدون جميع عباد الله الأحرار عبيدا مطيعين لهم؟!"

نحن من خلال إحرامنا وحجنا وطوافنا وإعراضنا عن الملذات الدنيوية، ومن خلال رمي الجمرات تلك الشعيرة التي هي إحدى صور النهوض والثورة على الشياطين والطواغيت والجبابرة نعلن البراءة والرفض لكل قوى الشر والطاغوتية، ونرجمها تنفرا منها وإعراضا عنها، واستعاذة بالله تعالى من شرورها ومكائدها وحبائلها، ونطردها مستنكرين وكارهين ورافضين لأعمالها المستنكرة والمستقبحة.

اليوم، الشعوب المستضعفة المغلوبة على أمرها بالظلم والاستبداد والقتل والحرب، تعبر عن رفضها للمستكبرين والمستبدين، بالدعاء عليهم بالموت واللعن، وبمقاطعتهم اقتصاديا، وبالنزول إلى الشارع للتعبير الصارخ عن مدى ضيق صدورهم وغضبهم من ممارساتهم غير الإنسانية، وبإحراق راياتهم وأعلامهم التي تمثل طغيانهم وجبروتهم، ومن خلال جميع هذه الأفعال التي لها رمزيتها القيمة، والتي تبرز قوة المواجهة والرفض والعداء والبغض والانزعاج الشديد منهم. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإنها تخلق وتوجد تلك الروح الثورية والنضالية والجهادية بين شباب الأمة، والتي تحثهم وتحركهم في مواجهة تلك الأفعال والمخططات البغيضة والإجرامية التي لا تدل إلا على جهنمية أصحابها وشيطانيتهم.

في هذا يقول السيد الإمام الخميني قدس سره : "على أية حال، إعلان البراءة في الحج تجديد البيعة على‏ الكفاح، وتمرين لتكتل المجاهدين لمواصلة مقارعة الكفر والشرك، ولا يقتصر ذلك على الشعار فقط، بل هو تمهيد لإماطة اللثام عن ميثاق الكفاح، ورص صفوف جنود الله تعالى حيال جنود إبليس وأنصاره، ويعد من المباني الرئيسية للتوحيد؛ فإن لم يظهر المسلمون البراءة من أعداء الله في بيت الناس وبيت الله، فأين يفعلون ذلك؟ وإن لم يكن الحرم والكعبة والمسجد والمحراب خندقا وسندا لجند الله والمدافعين عن حرم وحرمة الأنبياء، فأين يكون مأمنهم وملاذهم؟ إن صرختنا بالبراءة من المشركين اليوم هي صرخة من جور الظالمين، وصرخة شعب ضاق ذرعا من تطاول الشرق والغرب عليه، وعلى رأسهم أمريكا وأذنابها، ونهب بيته ووطنه وثروته. إن هتافنا بالبراءة هو هتاف الشعب اللبناني والفلسطيني وكافة الشعوب الأخرى التي نهبت القوى العظمى - نظير أمريكا وإسرائيل – ثرواتها، وترنو إليها بطمع، فنصبت عملاءها ومأجوريها على تلك الشعوب، وأمسكت بمقاليد الأمور في بلدانهم وهي تبعد آلاف الكيلومترات، وأحكمت قبضتها على حدودها البرية والبحرية. إن صرختنا بالبراءة هي صرخة البراءة من جميع الشعوب التي ضاقت ذرعا بتفرعن أمريكا وغطرستها، والتي لا ترغب بكظم غيظها في حناجرها إلى الأبد، وأزمعت أن تعيش حرة، وتموت حرة".

هذه هي حقيقة الحج الإبراهمي المحمدي، وهكذا أفهمنا الإمام الخميني قدس سره الإسلام المحمدي الأصيل والبراءة من المشركين. وواقعا، من خلال هذه الكلمات والقيم الإسلامية والإنسانية، والمبادئ الثورية التي بينها إمامنا الراحل أعلى الله مقامه ، ندرك مدى عمق وصحة وصوابية ما قاله الإمام الخامنئي دام ظله حين قال: "لقد كنا أمواتا فأحيانا الإمام الخميني".
رقم : 1141104
شارک بتعلیقک
الإسم الثلاثي

البريد الإلكتروني
تعليقك

أهم الأخبار
إخترنا لکم