0
الثلاثاء 13 تشرين الثاني 2018 ساعة 17:55

كيف أصبحت ايران القوة الصاروخية الأولى في المنطقة؟

كيف أصبحت ايران القوة الصاروخية الأولى في المنطقة؟
بعد مضي عام على قيام الثورة الاسلامية في ايران كانت بعض المناطق الايرانية تعيش في اضطرابات أمنية بفعل تحركات بعض الجهات المعادية فسنحت الفرصة لمن تربصوا بالشعب الايراني خصوصا الأمريكيين الذين فقدوا أحد أنظمة تمرير سياساتهم السلطوية في المنطقة بسقوط حكم الشاه. فقام نظام صدام وبتحريض امريكي على مهاجمة ايران عام 1980 بهدف تركيعها لكن مقاومة الشعب الايراني الشرسة في فترة الدفاع المقدس خيبت آمال صدام ومن وقف وراءه من حكام الدول الرجعية في المنطقة وزعماء بعض القوى العالمية. قصف نظام صدام للمدن الإيرانية بالصواريخ والطائرات الحربية جعل ايران تفكر بالرد على هذه الإعتداءات التي كانت تستهدف المدنيين. 

فقررت تأسيس وحدة صاروخية لصد العدوان الصدامي بالاعتماد على الطاقات الشبابية والصناعة المحلية، تحولت فيما بعد الى قوة صاروخية هائلة لتشكل الركن الأساسي للاقتدار الدفاعي الايراني.

من هو اللواء الشهيد حسن طهراني مقدم؟
اللواء الشهيد حسن طهراني مقدم هو من المؤسسين الأساسيين للصناعة الصاروخية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية وهو مؤسس منظومة حرس الثورة الإسلامية الصاروخية والمدفعية خلال فترة الحرب المفروضة على إيران وكان مسؤول مؤسسة جهاد الاكتفاء الذاتي والأبحاث الصناعية في حرس الثورة الإسلامية.

أمضى هذا الشهيد العظيم 25 عاماً من عمره الشريف في سبيل تأسيس وتطوير المنظومة الصاروخية في الجمهورية الإسلامية ولُقّب بأب القوة الصاروخية في إيران.
واستشهد الشهيد حسن طهراني مقدم المعروف بمؤسس البرنامج الصاروخي الإيراني في الثاني عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2011.

لكن ماذا فعل الشهيد القائد حسن طهراني مقدم وكيف استطاع وبإمكانيات محدودة صنع قوة صاروخية تجعل العدو يرجف لدى تفكيره بالإعتداء على ايران؟

كيف أصبحت ايران القوة الصاروخية الاولى في المنطقة؟
لقد تولّى القائد في بداية مسيرته التي بدأت إبان حرب الدفاع المقدس (1980-1988) في مواجهة الهجوم الصدّامي آنذاك الرمايات المدفعية على الأعداء، ليُبرز بعد ذلك قدراته بشكل سريع إلى أن استطاع تشكيل وحدة مدفعية حرس الثورة الإسلامية ومؤسساً لاحقا للقيادة الصاروخية في حرس الثورة الإسلامية.

لقد امتزج اسم الشهيد طهراني مقدم وفريقه الصاروخي بالصناعة الصاروخية في إيران إلى حد يمكن القول بشكل حاسم إن الاقتدار الصاروخي لإيران هو نتيجة الهمة، والتوجيه والدعم الاستثنائي الّذي قدمها هذا القائد الشهيد.

ويمكن الإشارة هُنا إلى أن احد المنجزات الإيرانية المحلية بالكامل هو الوصول الى تقنية "الوقود الصلب للصواريخ" التي تعتبر من ابتكارات الشهيد طهراني مقدم التي بدأها في فترة الدفاع المقدّس وطبّقها آنذاك عبر فكرة أوليّة من ابتكاره الشخصي.

وتمتلك الجمهورية الإسلامية اليوم ببركة قدرات الشهيد طهراني مقدم صواريخ باليستية تعمل بالوقود الصّلب تتراوح مدياتها من 300 الى 2000 كيلومتر بإمكانات وأنواع مختلفة، حيث تمتلك إمكانيّة الاستهداف النقطوي، التحكم بمسار الصاروخ، وحتى ضرب الأهداف المتحركة.

كيف أصبحت ايران القوة الصاروخية الاولى في المنطقة؟
كيف تحولت ايران الاسلامية الى قوة صاروخيّة؟
في العام 1984 وعندما بدأ جيش صدام بحرب المدن، كانت إيران تسعى الى وسيلة من اجل الردّ على اعتداءات جيش صدّام. وفي مساعيها برزت الصواريخ كأحد أهم الأسلحة الإيرانية المؤثرة للرد على الهجمات الصدامية. لكن وبسبب الحظر على مجال الأسلحة في إيران، لم يكن أحد على استعداد لبيع الصواريخ لإيران. لكن ليبيا وافقت على وضع عدد من صواريخ سكود-B تحت تصرّف إيران كما أبدت سوريا استعدادها لتقديم التدريبات اللازمة لإيران في مجال استخدام هذه الصواريخ.

وفي هذا السّياق فقد شد فريق مؤلف من 13 شخصا تابعين لقيادة المدفعية في حرس الثورة الإسلامية التي كان الشهيد طهراني مقدم يرأسها العزم وتوجّه الى سوريا من أجل تلقّي التدريبات اللازمة ضمن دورات مضغوطة حول كيفية استخدام صواريخ سكود-B وصواريخ فراغ 7. وفي هذا الإطار فقد تم التوصل الى اتفاق مع ليبيا من أجل استلام 30 صاروخا.

النظرة الثاقبة للشهيد طهراني مقدّم دفعت الى ان يوضع صاروخان من هذه الصواريخ تحت تصرّف مجموعات الأبحاث من أجل إجراء الهندسة المعكوسة عليها، للتحول هذه اللحظة الى شعلة الاكتفاء الذاتي لإيران في المجال الصّاروخي. إلى هذا، فقد كانت صواريخ سكود التي استلمتها إيران تعمل بالوقود السائل وهذا ما يتطلب مسيرا مليئا بالصعوبات من أجل الوصول الى تقنية الوقود الصلب.

كيف أصبحت ايران القوة الصاروخية الاولى في المنطقة؟
لماذا الوقود الصلب؛ وما الخصائص التي يتميز بها؟
السؤال عن ضرورة استخدام هذا الوقود الصلب تعود الى الخصائص التي يتميز بها هذا الوقود عن مثيله السّائل. فالوقود الصلب يحتاج الى وقت أقل من مثيله السائل لتحميله داخل الصواريخ، كما أن مدة تخزين الوقود الصلب داخل المخازن أكثر من المدة التي يستطيع فيها الوقود السائل البقاء داخل المخازن حيث يمكن تخزين الصواريخ التي تعمل بالوقود الصّلب البقاء داخل المخازن لسنوات بينما لا تستطيع الصواريخ التي عمل بالوقود السائل البقاء الّا لعدة أشهر حيث يتوجّب استبدال الوقود السائل كل فترة.

كذلك فإن الوقود الصلب يمنح الصواريخ سرعة أكبر من تلك التي تمنحها الصواريخ العاملة بالوقود السّائل، وهذه من الخصائص التي تؤخذ بعين الاعتبار في المنظومات الصاروخية. كما أن الصواريخ التي تعمل بمحركات الوقود الصلب تتمتع بثبات أكبر طوال فترة الطيران مقارنة مع الصواريخ التي تعمل بمحركات الوقود السائل، وهذا ما يزيد من دقة إصابة صواريخ الوقود الصلب.

وبناء على الخصائص أعلاه، تفضل وحدات العمليات استخدام صواريخ الوقود الصلب أكثر من استخدام الصواريخ التي تعمل بالوقود السائل.
كيف أصبحت ايران القوة الصاروخية الاولى في المنطقة؟
نازعات.. أول صاروخ إيراني يعمل بالوقود الصلب
يمكن القول أن أول خطوة إيرانية من أجل الوصول الى صواريخ تعمل بالوقود الصلب كانت خلال العام 1987. وخلال هذا العام وبموازاة العمل على منظومات صواريخ الوقود السائل فقد بدأ العمل أيضا على صواريخ تعمل بالوقود الصلب. ومن ناحية أن العمل على محركات صواريخ الوقود السّائل أكثر تعقيدا من العمل على صواريخ تعمل بالوقود الصلب فقد كان عامل الزمان مهما، كما أنّه خلال العام 1983 جرت تجربة صناعة صواريخ غراد بمدى يبلغ 20 كيلومتر عبر استخدام الوقود الصلب ووضعت تصاميم أخرى في إيران لهذه لصواريخ تعمل بالوقود الصلب وبمدى يبلغ 40 كيلومترا. وعلى هذا الأساس فقد توصل حسن طهراني مقدم وفريقه الصاروخي الى ضرورة العمل على صواريخ تعمل بالوقود الصلب وبمديات أبعد.

عادة، ومن أجل البدء بتصاميم جديدة فإن رعاية شروط الأمان مهمة للغاية. لكن وفي الظروف الاستثنائية، فقد كان لا بد من وضع كثير من شروط الأمان هذه جانبا حيث لم يكن أيّ شخص حاضر لاختبار هذه المنظومات لكن الشهيد مقدّم كان سبّاقا في اختبار هذه المنظومات مجريا أول الاختبارات عليها.

أول تجربة لصواريخ تعمل بالصواريخ الصلبة باءت بالفشل حيث انفجر الصاروخ وهو على منصة إطلاقه، كما أن التجربة الثانية لم تكن موفقة أيضا مع فارق أن هذا الصاروخ استطاع أن ينفصل عن منصة إطلاقه ويطير قليلا وينفجر بعد ذلك.
كيف أصبحت ايران القوة الصاروخية الاولى في المنطقة؟
لكن عزيمة الشهيد طهراني مقدم والثقة التي كان يتمتع بها الى جانب فريقه أدّى الى أن يقف في مواجهة هذه المشاكل حيث كان يشجّع باستمرار فريقه الّذي وجد حماسا وتحفيزا من أجل الاستمرار بالعمل. وفي أوائل العام 1988 تم إنتاج صاروخ نازعات ويتخذ القائد الشهيد طهراني مقدم قرارا بتشكيل فريق عمل لصاروخ نازعات الى جانب فريق العمل الذي يعمل على صواريخ سكود.

لم يتوقف العمل هنا، بل كان الجميع منشغلا بكيفية تطوير هذا المجال الصاروخي. وعلى هذا الأساس فقد استمر العمل على الصواريخ بتقنية الوقود الصلب حيث تم إنتاج صاروخ جديد يحمل اسم زلزال. وبدخول هذا الصاروخ الى ميدان الخدمة الفعلية فقد تفوق عن صاروخ نازعات بمداه، ورأسه الحربي ودقة إصابته مما دفع بصاروخ نازعات للخروج من عمل وحدة الصواريخ واستخدامه في وحدة المدفعية التابعة لحرس الثورة الإسلامية.

وبعد هذه الفترة، وخلال العام 1991 استطاعت إيران أن تنتج أول صواريخها العاملة بالوقود السائل المسمى بشهاب 1 وبمدى يبلغ 300 كيلومتر وهو مشابه لصاروخ سكود-B، كما استمر العمل بقوة لإنتاج صواريخ تعمل بالوقد الصلب. وخلال هذه المرحلة، فقد تعاون فريقا الوقود السائل والوقود الصلب بشكل منسجم ومضا الى الأمام في قضايا شملت ديناميكية الطيران، التوجيه والتحكم وتطوير أنظمة القوى المحركة الموجدة في محركات الوقود السائل لوضعها تحت تصرف محركات الوقود الصلب.
وبشكل متزامن، برزت نظريات جديدة للتحكم بمسار الصاروخ حتى إصابة الهدف في الصواريخ التي تعمل بالوقود الصلب.

صاروخ فاتح 110؛ خطوة في مجال الوقود الصلب
بعد فترة من الزمان، أنتج العمل الدؤوب صاروخ فاتح 110 خلال العام 2001 الذي يعمل بتقنية الوقود الصلب وعبر تطوير صاروخ زلزال بزيادة انظمة التوجيه والتحكّم عليه. ولعل من أهم خصائص هذه المنظومة، استخدامها لمنصات صواريخ متحركة تملك إمكانية التحرك السريع وإطلاق النار من نقاط مختلفة.

كما أن من اهم خصائص هذه المنظومة، والتي كانت عاملا جديًّا في تغيير نمط الصناعة الصاروخية في إيران، هي الاستطاعة بالتحكم بالرأس الصاروخي حتى إصابته للهدف. وبشكل عمليّ فقد استطاع حرس الثورة الإسلامية أن يقطع شوطا مهما للغاية من أجل الحصول على تقنية صناعة "الصواريخ الدقيقة".
كيف أصبحت ايران القوة الصاروخية الاولى في المنطقة؟
هذا السّرد كان الرواية الكاملة حول كيفية حصول إيران على تقنية إنتاج الصواريخ ولا سيما تلك التي تعمل بالوقود الصلب، والتي أذهلت العديد من الدول الكبرى في العالم التي تمتلك مثل هذه الصورايخ. اليوم وبعد مضي 7 سنوات على استشهاد الشهيد طهراني مقدم الذي ركز على تعزيز قدرات ايران الصاروخية التي منحتها قوة هائلة على ردع العدو، فإن مسار الاقتدار الصاروخي لإيران يسير بشكل صعودي حيث تم خلال هذه الفترة إزاحة الستار عن العديد من الصواريخ التي تعمل بالوقود الصلب كما تم إنتاج العديد من المنتوجات الصاروخية هذه كصواريخ قيام، قدر اف، قدر اتش، عماد، سجيل، ذوالفقار، بالاضافة الى صواريخ خرمشهر البالستية التي تبلغ مداها 2000 كيلومتر مع قابلية حمل عدة رؤوس حربية بوزن طن واحد.

لا شك بأن التجربة التي خاضها الشعب الإيراني في فترة حرب الدفاع المقدس شكلت حجر الاساس في الحصول على تقنية الصواريخ البالستية التي اعلنت ايران مرارا بأنها قوة ردعية بحتة في اطار الحفاظ على امن واستقرار المنطقة ولن تسعى وراء استخدامها ضد أي بلد يحترم الشعب الإيراني وسيادته ووحدة اراضيه. ولكن في الواقع أن الجمهورية الإسلامية، بتصميمها وإنتاجها صواريخ متطورة بوظائف مختلفة، قد أصبحت القوة الأولى في المنطقة، وكما قال قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي إن "إيران قد أصبحت القدرة الصاروخية الأولى في المنطقة والعدو يعلم أنّ كل صاروخ يوجه إلى إيران سيرد عليه بعشرة صواريخ". وبالتأكيد هذه المقولة تعدّ استراتيجية عسكرية محكمة اطلقها قائد الثورة الاسلامية وهي بمثابة رد حاسم على كل أعداء إيران الذين قد يخطر على بالهم التفكير بالاعتداء عليها.
رقم : 760992
شارک بتعلیقک
الإسم الثلاثي

البريد الإلكتروني
تعليقك

أهم الأخبار
إخترنا لکم