0
السبت 15 كانون الأول 2018 ساعة 10:39

الأنفاق، ومعركة ما وراء الجبهات

الأنفاق، ومعركة ما وراء الجبهات
اعتادت الإستراتيجية العسكرية الاسرائيلية أن تذهب بعيدا لضرب ما تعتقد أنه خطر ضدها بالقوة او بالفعل، فاجتاحت لبنان، وضربت المفاعل النووي العراقي وضربت في العمق السوري واغتالت في تونس والسودان والإمارات والأردن وطاردت الفلسطينيين في أوروبا وقتلت مفكريهم ومثقفيهم، كي تشعر بان الامن والتفوق الاستخباري والعسكري هو الأقرب لها من اي بلد آخر.

وتمادت في طغيانها وعدوانيتها محمية بفيتو اميركي ودعم اوروبي تقليدي باعتبارها الديمقراطية الوحيدة في شرق اوسط يطفح منه الاستبداد والدكتاتورية والفساد والاختلافات، فكانت تلحق الهزائم بالعرب وتكسر نفسيات شعوبهم حتى جعلتهم يتشبثون بكل زعيم يعلن العداء للاحتلال مهما بلغ طغيانه وظلمه وفساده، أملا في نصر او حتى ربع نصر على احتلال لا يعرف الا لغة القوة والعدوان.

لكن انتصار الثورة الاسلامية في إيران ودعهما المعلن والثابت للقضية الفلسطينية وتمسكها بضرورة تحرير كل ارض اسلامية من براثن الإحتلال، غير المعادلات التقليدية وانتج بدائل ثورية عقائدية حركية استطاعت خلال فترة قصيرة ان تحقق ما عجزت عنه جيوش وحكومات في حروب نظامية، فكان تحرير جنوب لبنان اولى ثمار الأمل الذي زرعته الثورة الاسلامية في قلوب المسلمين، وترجمة ميدانية للمقاومة التي تسترجع حقوقها بالقوة وليس بالتساوم او التنازلات.

ومنذ تحرير جنوب لبنان، لم يكسب كيان الإحتلال الإسرائيلي اية حرب شنها ضد لبنان او فلسطين، رغم ما يحدثه من دمار وخراب وضحايا مدنيين من خلال آلياته العسكرية المتطورة، لأنه بدأ يألم كما كان يؤلم غيره، وبدأت الصواريخ تطال مستوطناته بل وعمقه كما كانت مقاتلات الاحتلال تقصف مدنا عربية وتروع سكانها.

تغيرت المعادلة لدى كيان الإحتلال الاسرائيلي فبات يبحث عن جبهات هادئة في شماله وجنوبه على ان تبقى زمام المبادرة بيده ليقصف ويشن الغارات متى ما قرر ان الحسابات العسكرية والأمنية تميل لصالحة او انه يهاجِم ويتحكم بتوقيت وشدة المعارك قبل ان يهاجُم ويفقد القدرة على احتواء الموقف.

لكن مع ظهور تكتيك الانفاق مدعوما بالطائرات المسيرة من قبل المقاومتين اللبنانية والفلسطينية، استشعر الاحتلال خطورة جديدة لم يعهدها وهي خطورة التسلل الى عمقه او اجتياحه بشكل مباغت خارج توقيتاته او حساباته او استعداداته، فاعلن الاستنفار لمواجهة الأنفاق مذعورا منها، لان مستوطناته اخذت تتوجس خيفة من ابطال المقاومة قد يخرجون لهم من باطن الارض في اية لحظة، وكذلك الثكنات العسكرية لديها نفس الخوف لان جنودها قد ينامون ليلا ويستيقظون ضيوفا لهم قيمتهم عند المقاومين الفلسطينيين او اللبنانيين.

لقد جعلت الانفاق الاحتلال يتيقن ان المعركة في ساحته وقد تكون وراء خطوط جبهاته وجنوده، تأخذهم على حين غرة دون توقع او حسبان. وهذا ما جعل رئيس وزراء الاحتلال الليكودي بنيامين نتنياهو يتحدث عن تهدئة جبهات او يحذر من مهاجمة كيانه بعد ان كان يهاجم ويعتدي ويغزو دون سابق إنذار.

انها المعادلة الجديدة، والأدوات المبتكرة للمنازلة مع كيان محتل كان في يوم ما يذهب بعيدا ليضرب ويدمر ويقتل دون رادع او مانع وها هو اليوم يحفر تحته خوفا وذعرا، ويسور نفسه بالخنادق والجدران لعله يستشعر الأمان ولن يستشعره، طالما ان هناك مقاومة ترفض الاستسلام او الخضوع او التنازل ومتمسكة باسترجاع حقوقها كاملة غير منقوصة، وطالما ان هناك من يلهم المقاومين بسالة وشجاعة وتفوقا.
رقم : 766793
شارک بتعلیقک
الإسم الثلاثي

البريد الإلكتروني
تعليقك

أهم الأخبار
إخترنا لکم