0
الاثنين 27 أيار 2019 ساعة 20:19

في ذكرى اغتيال فكر وعقيدة رسول الله (ص).. الإمام علي (ع)

في ذكرى اغتيال فكر وعقيدة رسول الله (ص).. الإمام علي (ع)
لقد باهل الرسول (صلى الله عليه وآله) نصاری نجران به وبزوجته وولديه، واعتبره من القربی الذين وجبت مودَتهم مصرحا غير مرة بانها عدل القرآن الکریم المجيد الموجبين للتمسك بهما النجاة وللمتخلف عنهما الردی.

استشهد الامام علي بن ابي طالب عليه السلام في اشرف الايام، في بداية العشر الاواخر من شهر رمضان المبارك التي فيها ليلة القدر التي هي خير من الف شهر، وهو في أعظم تکليف إسلامي حيث کان في طريقه لخوض غمار حرب جهادية، کما کان في اشرف بقاع الله واطهرها (مسجد الکوفة) وانتقل عليه السلام الى حياة الاخرة والنعيم، ليطل على حبيبه رسول الله المصطفى الاكرم وبضعته الزهراء البتول، لتكون ذلك اروع خاتمة لاشرف حياة قضاها امير المؤمنين في البر والتقوى العبادة والجهاد في سبيل الله ومباديء الاسلام الحنيف واعلاء شأن الرسالة المحمدية الاصيلة هادية الانسانية في كل زمان ومكان. شاء الله تعالى ان يجعل شهادته في بيت من بيوته المبارکة فکانت بداية حياته في بيت الله الحرام ونهايتها في مسجد الکوفة الشريف.. وحري بکل صاحب فکر ومروءة ان يقف متاملا هذه الرحلة...

ويدرس حقيقة شخصية هذا الامام الهمام بعيدا عن التعصب الاعمی. أَغتيل الامام علي عليه السلام وهو في أفضل ساعة حيث يقوم بين يدي الله سبحانه في صلاة خاشعة. لم تستهدف الجريمة رجلا کباقي الرجال، إنما استهدفت القيادة الاسلامية بعد رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم واستهدفت اغتيال رسالة وتاريخ وحضارة، وامة کلها تتمثل في شخص علي بن ابي طالب عيله السلام وصي رسول الله وحامل علمه والمواصل لسيرته وعمله. ان اغتيال امير المؤمنين عليه السلام انما هو اغتيال للانسانية جمعاء.. اغتيال للايمان کله.. اغتيال لفکر وعقيدة رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم.

لم تكن مؤامرة قتل الإمام علي عليه السلام عليه، مقتصرة على الخوارج فحسب بل أن بني أمية كان لهم الأثر الفاعل في التخطيط والتمويل والتأسيس لهذه الحادثة الرزية التي أصيب بها الإسلام واستفاد منها أهل النفاق والكفر. نعم.. لقد بدأت کل القوی الطامعة والانتهازية التي خسرت مواقعها السياسية والاجتماعیة والاقتصادية تتحرك ضد الامام واخذت تتکاتف کل العناصر التي شارکت بنحو واخر في مقاتلة عثمان والتحريض عليه يوم امس، رافعة شعار المطالبة بدم عثمان مندَدة بسياسة الامام الحکيمة والنزيهة فنکثت طائفة وقسطت اخری ومرقت ثالثة. ولما کان صراع علي (عليه السلام) مع معاوية صراع نهجين متضادين : نهج الحق والمبادیء والاخلاق، في مقابل نهج الباطل والتضليل والکذب والجور والغدر ولايمکن لهذين النهجين ان يلتقيا بحال، ولهذا استعد الامام علي عليه السلام بعد فترة لاستئناف قتال القاسطين في الشام -معاوية واتباعه- مرة اخری. امر الإمام علي (عليه السلام) بتعبئة الجيش وأعلن حالة الحرب، فعقد للحسين عليه السلام راية ولابي ايوب الانصاري اخری ولقيس بن سعد ثالثة.

وبينما کان امير المؤمنين عليه السلام يواصل تعبئة قواته، کان يجري في الخفاء تخطيط أرهابي لئيم من أجل اغتيال الإمام حيث اجتمعت ضلالتهم العمياء علی ان يطفئوا نور الهدی ليبقی الظلام يلفَ انحرافهم وفسادهم.. ولقد اجتمعت عصابة ضالة علی قتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام حيث لايبعد ان کان محرَکها معاوية، واتفقوا ان يداهموا الامام عند ذهابه لصلاة الفجر، فما کان احد یجرؤ علی مواجهة الامام عليه السلام.. ولما کانت ليلة تسع عشرة من شهر رمصان شهر المبارك ، عام (40) للهجرة، کان الامام عليه السلام يکثر التأمل في السماء وهو يردد "ما کذبت ولاکذَبت إنها الليلة التي وعدت بها" وأمضی ليلته بالدعاء والمناجاة ثم خرج الی بيت الله.. مسجد الکوفة الشريف.. لصلاة الصبح فجعل يوقظ الناس علی عادته الی عبادة الله فينادي:

الصلاة.. الصلاة. ثم شرع عليه السلام في صلاته وبينما هو منشغل يناجي ربه.. أمتدَت يد الشيطان لتصافح ابن ملجم في عتمة الليل، وفي ختلة وغدره هوت بالسيف علی هامة طالما استدبرت الدنيا واستقبلت بيت الله وهي ساجدة وغادرتها منها في تلك الحال، وفي احرج الساعات التي يمر بها والمسيرة الاسلامية.  انه الفوز بالشهادة والفوز بالثبات علی القيم الرسالية الفريدة والثبات علی الحق والجهاد في سبيل إرساء قواعد الدين، إنها ثورة القيم الالهية علی القيم الجاهلية بکل شُعبها وفروعها.

سيدي ابا الحسن.. اذا کانت ضربة اشقی الاشقياء ابن ملجم قد ادمت راسك الشريف..

فان روحك الطاهرة قد اخضرت لانها انتعشت من تلك الضربة لانها عجلت اليك الارتحال إلی الاحبة لانها وضعتك إلی جانب من کنت تتوق وتشتاق الرحيل الیهم.. اولما کنت من بدء هذا الشهر وانت تردد متی ينبعث اشقاها فيخضب هذه من هذه؟.. سوف تطل ياسيدي علی احبائك من رعيلك.. من حمزة وجعفر والنجوم والکواکب من الشهداء الذين عطروا الدنيا بدمائهم الزکية.. سيدي ابا الحسن..لم تنل روحك الالم وانت تصارع الموت.. نعم نالها جسمك الشريف ولکن لم تنالها روحك الطاهرة.. . کان رحيل امير المؤمنين عليه السلام کيوم فقد رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم، حيث ارتفع فيه الضجيج والبکاء العويل وهرع الناس ينادون واماما.

ان علي بن ابي طالب (عليه السلام) لبس ثوبا من من تراب الحروب 84 غزوة في سبيل الله يرجع فيها وقد لبس ثوبا من الغبار.. غبار الحروب وناهيك به من ثوب... انه ثوب من الحمد لا يبلی. علي عليه السلام، حمل القرآن، فکرا وروحا وعملا لم يحمله شکلا، فکان قرآنا يمشي علی الارض .. علي ترك تراثا فکريا واخلاقيا لا يبلی.. ترك نهج البلاغة وهو دون کلام الخالق وفوق کلام المخلوق.. انها روضة تاخذ بمجامع القلوب وکأنك تتنقل في اروع روضة تری فيها التشريع وتری فيها وهو يرسم المثل العليا وتری فيها کنوز آل محمد (صلى الله عليه وآله).. من ادعية وخطب وحکم.. تحتاج العصور الی معرفتها. ترك ابا تراب مجموعة من القطع النادرة من خطبه ومناجاته مع خالقه طالما کان يناجي بها ربه وطالما سمعه السحر وهو يرددها في احشائه منقطعا إلی الباري عز وجل حتی انه کان يغمی عليه في التراب من شدة خشوعه.

لقد اجتمع للامام علي بن ابي طالب عليه السلام من صفات الکمال ومحمود الشمائل والخلال وسناء الحسب وعظيم الشرف مع الفطرة النقية والنفس المرضية ما لم يتهيأ لغيره من افذاذ الرجال. تحدر من اکرم المناسب وانتمی إلی أطيب الأعراق فابوه أبو طالب عظيم المشيخة من قريش وجده عبد المطلب أمير مکة وسيد البطحاء ثم هو قبل ذلك من هامات بني هاشم واعيانهم. واختص بقرابته من الرسول الاکرم (صلى الله عليه وآله) فکان ابن عمه وزوج ابنته واحب عترته اليه، کما کان کاتب وحيه واقرب الناس الی فصاحته وبلاغته واحفظهم لقوله وجوامع کلمه.  اسلم علی يديه قبل ان تمس قلبه عقيدة سابقة اويخالط عقله شوب من شرك، ونشأ الامام في حجر رسول الله (صلى الله عليه وآله) منذ نعومة اظافره وتغذی من معين هديه فکان المتعلم الوفي والاخ الرکي واول من آمن وصلی واصدق من تفانی في سبيل ربه وضحی في سبيل انجاح رسالته في احرج لحظات صراعها مع الجاهلية العاتية في کل صورها في العهدين المکَي والمدني وفي حياة الرسول (صلى الله عليه وآله) وبعد رحلته ذائبا في مبدئه ورسالته وجميع قيمه مجسدا للحق بکل شُعبه من دون ان يتخطاها قيد أنملة وان ينحرف عنها قيد شعرة.

ولازم رسول الله صلی الله عليه واله وسلم فتی يافعا في غدوه ورواحه وسلمه وحربه حتی تخلق باخلاقه واتسم بصفاته وفقه عنه الدين وتفقه ما نزل به الروح الامين فکان من افقه اصحابه واقضاهم واحفظهم وادعاهم وادقهم واقربهم الی الصواب حتی قال فيه الخليفة الثاني عمر الخطاب: لابقيت لمعضلة ليس لها ابو الحسن. ولقد وصفه ضرار بن ضمرة الکناني لمعاوية بن آبي سفيان بقوله: 


(کان والله بعيد المدی شديد القوی يقول فصلا ويحکم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحکمة من نواحيه، ويستوحش من الدنيا وزهراتها، ويستأنس بالليل ووحشته،  وکان طويل الفکرة يقلب کفه ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ماقصر ومن الطعام ما جشب، وکان فينا کأحدنا، يدنينا إذا أتيناه ويجيبنا اذا سألناه ويأتينا إذا دعوناه وينبئنا اذا استنبأناه، ونحن والله مع تقريبه ايانا وقربه منا لانکاد نکلمه هيبة له، فإن ابتسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظم اهل الدين ويقرَب المساکين لايطع القوي في باطله ولاييأس الضعيف في عدله) . - الاستيعاب. 

لقد آزر الامام عليه السلام رسول الله منذ بداية الدعوة وجاهد معه جهادا لاميثل له في تاريخ الدعوة المبارکة حيت تفری الليل عن صبحه واسفر الحق عن محضه ونطق زعيم الدين وخرست شقاشق الشياطين بعد ان مُني بذؤبان العرب ومردة اهل الکتاب. -من خطبة الزهراء عليها السلام أمام ابي بکر وعمر وسائر المهاجرين والانصار بعيد رحيل رسول الله (صلى الله عليه وآله)- .

وروی الکليني (ره) في الکافي باسناده عن ابن صفوان صاحب رسول الله صلی الله عليه وآله قال: لما کان اليوم الذي قبض فيه أمير المؤمنين عليه السلام ارتج الموضع بالبکاء ودهش الناس کيوم قبض النبی صلی الله عليه وآله وجاء رجل باکيا وهو مسرع مسترجع وهو يقول: اليوم انقطعت خلافة النبوة، حتی وقف علی باب البيت الذی فيه أمير المؤمنين عليه السلام فقال:

رحمك الله يا ابا الحسن کنت أول القوم إسلاما، وأخلصهم إیمانا، وأشدهم يقينا، وأخوفهم لله، وأعظمهم عناء، وأحوطهم علی رسول الله صلی الله عليه وآله، وآمنهم علی أصحابه، وافضلهم مناقب، وأکرمهم سوابق، وأرفعهم درجة، وأقربهم من رسول الله صلی الله عليه وآله، وأشبههم به هديا وخلقا وسمتا وفعلا، وأشرفهم منزلة وأکرمهم عليه، فجزاك الله عن الاسلام وعن رسوله وعن المسلمين خيرا، قويت حين ضعف أصحابه، وبرزت حين استکانوا، ونهضت حين وهنوا، ولزمت منهاج رسول الله صلی الله عليه وآله إذ هم أصحابه، وکنت خليفته حقا لم تنازع ولم تضرع برغم المخالفين وغيظ الکافرين وکره الحاسدين وصغر الفاسقين، فقمت بالامر حين فشلوا ، ونطقت حين تتعتوا، ومضيت بنور الله إذ وقفوا، فاتبعوك فهدوا، وکنت أخفضهم صوتا، وأعلاهم قنوتا، وأقلهم کلاما، وأصوبهم نطقا، وأکبرهم رأيا، وأشجعهم قلبا، واشدهم يقينا، وأحسنهم عملا، وأعرفهم بالامور، کنت والله يعسوبا للدين أولا وآخرا، الاول حين تفرق الناس، والآخر حين فشلوا، کنت للمؤمنين أبا رحيما إذ صاروا عليك عيالا، فحملت أثقال ما عنه ضعفوا، وحفظت ما اضاعوا ورعيت ما أهملوا، وشمرت إذاجتمعوا، وعلوت إذ هلعوا، وصبرت إذ اسرعوا وادرکت أوتار ما طلبوا، ونالوا بك مالم يحتسبوا، کنت للکافرين عذابا صبا و نهيا، وللمؤمنين عمدا وحصنا، فطرت والله بغمآئها، وفزت بحبائها، وأحرزت سوابقها، وذهبت بفضائلها،لم تفلل حجتك، ولم يزغ قلبك، ولم تضعف بصيرتك ولم تجبن نفسك ولم تخر، کنت کالجبل لا تحرکه العواصف،

وکنت کما قال عليه السلام: أمن الناس في صحبتك وذات يدك، وکنت کما قال عليه السلام: ضعيفا في بدنك، قويا في أمر الله، متواضعا في نفسك، عظيما عند الله، کبيرا في الارض، جليلا عند المؤمنين، لم يکن لاحد فيك مهمز، ولا لقائل فيك مغمز، ولا لاحد فيك مطمع، ولا لاحد عندك هوادة، الضعيف الذليل عندك قوي عزيز حتی تأخذ له بحقه، والقوي العزيز عندك ضعيف ذليل حتی تأخذ منه الحق، والقريب والبعيد عندك في ذلك سواء، شأنك الحق والصدق والرفق، وقولك حکم وحتم وأمرك حلم وحزم، ورأيك علم وعزم فيما فعلت، قد نهج السبيل وسهل العسير وأطفئت النيران واعتدل بك الدين، وقوي بك الاسلام والمؤمنون، وسبقت سبقا بعيدا، وأتعبت من بعدك تعبا شديدا، فجللت عن البکاء، وعظمت رزيتك فی السماء، وهدت مصيبتك الانام، فانا لله وإنا إليه راجعون، رضينا عن الله قضاءه وسلمنا لله أمره، فوالله لن يصاب المسلمون بمثلك أبد، کنت للمؤمنين کهفا وحصنا وقمة راسية، وعلی الکافرين غلظة وغيظا، فألحقك الله بنبيه، ولا أحرمنا أجرك ولا اضلنا بعدك. وسکت القوم حتی انقضی کلامه وبکی. وبکی أصحاب رسول الله صلی الله عليه وآله ثم طلبوه فلم يصادفوه. (وقيل انه الخضر عليه السلام).

سيدي جرح مصابك لازال ينزف في اعماقنا.. فيا کعبة آمال المؤمين والمسلمين يوم الجزاء... ياخير الخلق بعد المصطفی.. ياخير من صام وصلی وذکر... آهات رفعناها اليك ياقسيم النار والجنة يوم جرحك الدامي وشهادتك الخالدة... وهاهي عصابات الكفر قد تكالبت على شعيتك ومحبيك حسدا لك وحقدا عليهم..

فتحية اجلال واکبار لروحك الطاهرة الزکية يوم ولادتك ويوم شهادتك ويوم تبعث حيا، وانت الحي لم تمت ابدا لان الشهداء احياء يولدون يوم يموتون.. وتلك حقيقة لاسبيل لجحودها.. ياشفيع المؤمنين ويا امير المؤمنين ياعلي بن ابي طالب عليك الآف التحية والسلام، ثم السلام عليك والف سلام يا أمير المؤمنين وقائد الغر المحجلين يوم ولدت ويوم ربيت في حجر الرسالة ويوم جاهدت من اجل ان تعلو راية الاسلام خفاقة ويوم صبرت ونصحت ويوم بويعت وحکمت ويوم کشفت النقاب عن براثن الجاهلية المتسترة بشعار الاسلام ويوم استشهدت وانت تروَي بدمك الطاهر شجرة الاسلام الباسقة ويوم تبعث حيا وانت تحمل وسام الفوز من اعلی عليين.
رقم : 796614
شارک بتعلیقک
الإسم الثلاثي

البريد الإلكتروني
تعليقك

أهم الأخبار
إخترنا لکم