0
الخميس 28 تشرين الثاني 2019 ساعة 20:43

‘‘النيو بروليتاريا‘‘ السورية.. نار تحت الرماد

‘‘النيو بروليتاريا‘‘ السورية.. نار تحت الرماد
أغلبنا يعرف تقسيم كارلماركس ووفريدريك أنجلز، للطبقات في المجتمع وهي (البرجوازية، والرأسمالية، والإقطاعية، والبروليتاريا، وغيرها). والطبقة الأخيرة التي تعني الطبقة الكادحة متواجدة في جميع المجتمعات وبكثرة وهي مضطهدة منذ الأزل.
والحروب تنتج طبقات جديدة والحرب السورية انتجت طبقة يمكن ان نسميها "النيو بروليتاريا" مثل "النيو ليبرالية".

وطبقة "النيو بروليتاريا" هي التي تتكون أثناء أو بعد الحروب، وهي مزيج من أبناء الطبقة المتوسطة قبل الحرب والذين تحولوا إلى طبقة ضعيفة بعد الصراع، إضافة إلى أبناء الطبقة الكادحة الذين تحولوا إلى طبقة مسحوقة فيما بعد.

في الثمانينات والتسعينيات وحتى بداية الألفية الثانية كانت الفوارق الطبقية في المجتمع السوري متقاربة نوعا ما، وكانت نسبة قليلة جداً قد لا تتجاوز الـ10 بالمئة هي التي تعيش في الرفاهية المطلقة، فيما يعيش جميع أبناء المجتمع الحياة نفسها سواء في الأكل والشرب والتعليم والعمل وكل شيء، ونحن هنا نتكلم عن الداخل السوري فقط، ولا نتحدث عمن خرجوا إلى دول الخليج (الفارسي) للعمل، فقد كان لهم نمط حياة خاص بسبب السيولة المالية الكبيرة بين يديهم.

وبعد الألفية الثانية بدأت الدولة تنسحب شيئاً فشيئاً من السوق، الذي أصبح تحت سيطرة التجار الذين يتنافسون فيما بينهم ليس لمصلحة المواطن بل عليه، وخلف كل تاجر هناك مسؤول في موقع حساس، لذلك كثرت الرشوة بشكل كبير خصوصاً لمسؤولي الدرجات الأولى وذلك بسبب كثرة التجار ورجال الأعمال.

في بداية الحرب السورية خرج عدد كبير من التجار ورجال الأعمال خارج البلاد خوفاً على أموالهم، إضافة إلى المعامل التي سرقت وذهبت إلى تركيا، إلى جانب انعدام الاستثمارات الأجنبية والحصار المفروض على البلاد، هذه العوامل مجتمعة جعلت المسؤولين في العراء بسبب عدم وجود من يغطيهم لذلك ذهبوا إلى إنتاج طبقة جديدة من رجال الأعمال الذين أتوا من لا شيء وأصبح بين يديهم كل شيء.

هذه الطبقة ازداد نفوذها المالي والسياسي بشكل كبير في نهاية عام 2013 وبدأت تتحكم بالسوق والأسعار بدون ضوابط، فالطبقة الأولى من رجال الأعمال الذين خرجوا من البلاد كانوا قد وصلوا الى مرحلة الإشباع المالي، لذلك توجهوا إلى زيادة الدعم للطبقة العاملة، لكن الجدد لا يزالون يشعرون بالجوع المالي لاسيما وأنهم في الأساس موظفون لدى صاحب المال ولكن من تحت الطاولة، ولهذا السبب زادوا من معاناة المواطن السوري في الحرب، ليسميهم الشارع بـ"تجار الحرب وأغنيائها".

رجال الأعمال الجدد وجشعهم وجشع من خلفهم ساهم في ضغط الطبقة الوسطى في المجتمع بشكل كبير حتى وصلت إلى مرحلة شبه الانهيار، فيما انهارت تماما أحلام الشباب سواء في الطبقة المتوسطة أو الكادحة، وباتت أقصى طموحاتهم وأحلامهم العثور على جرة غاز أو ألا يموتوا برداً في الشتاء، في الوقت الذي يرون السيارات الفارهة لأبناء واقارب طبقة الأغنياء من رجال الأعمال الجدد والمسؤولين الكبار، إضافة إلى رؤيتهم البذخ الكبير الذي يعيش فيه أبناء تلك الطبقة، خصوصا وأن مواقع التواصل الاجتماعي لم تعد تخفي أحد، وكل شيءٍ بات مفضوحا أمام أعين الجميع.

ضغط الطبقة المتوسطة حتى باتت على فوق الصفر بدرجة وضغط الطبقة الكادحة وخروج طبقة "النيو بروليتاريا" هي عوامل ستؤدي بلا أدنى شك إلى عواقب غير محمودة لو استمرت، لأن الضغط سيؤدي في النهاية إلى انفجار لا يشبهه أي انفجارٍ من قبله أو بعده، فاستاذ المدرسة أو المهندس أو المحامي أو حتى أصحاب المهن الحرة الذين يرون أن راتب الشهر لديهم يساوي تكلفة سهرة لابن أحد المتنفذين، سيشعرهم بغليان كبير وانفجارهم سيكون مخيفاً. وهذا الانفجار لن يكون مضبوطا بشارع، لانه لا يتبع فكرة سياسية او طائفة دينية، لذلك هو خطير جدا على المجتمع.

للدولة دور مهم في كبح هذا الانفجار ومنعه، وهي تقوم بذلك فعلياً عبر ضبط رجال الأعمال والمسؤولين وهو امر أعلن عنه السيد الرئيس بشار الأسد. وتعتبر هذه خطوة الأولى؛ أما الثانية فهي الزيادة في مساعدة أبناء الطبقة الوسطى والكادحة أو التي أسميناها "النيو بروليتاريا" حتى يستمروا في الحياة الكريمة. والخطوة الثالثة هي ضبط السوق ومنع ارتفاع الأسعار. هذه الأمور جميعها تقوم بها الدولة السورية ولكن لاتزال بطيئة أو لا تتماشى مع واقع الحياة. وللإعلام دور أيضاً في تسليط الضوء أكثر على الفاسدين للمطالبة بمحاسبتهم ونشر أخبار هذه المحاسبة.

جميع الدول التي شهدت حروباً كالحرب السورية، كانت نهضتها أو دمارها إلى الأبد بيد أبناء الطبقة الجديدة التي خلفتها الحرب، فإذما احتضنت هذه الطبقة وأطلقت يدها ستصنع المعجزات مثل فيتنام وألمانيا، وإذ ما قيدت فستبقى الدولة تراوح مكانها مثل دول إفريقيا الوسطى.
رقم : 829592
شارک بتعلیقک
الإسم الثلاثي

البريد الإلكتروني
تعليقك

أهم الأخبار
إخترنا لکم