QR CodeQR Code

ترهيب أميركي للعراق.. بين محور المقاومة وحلف التطبيع

اسلام تایمز , 26 أيلول 2020 10:31

(اسلام تايمز) - لا يزال ملف انسحاب القوات الاميركية من العراق يعاني بين التمسك الاميركي بالبقاء، وفق ما قدّمته واشنطن في الحوار الاستراتيجي العراقي الاميركي من طرح اعادة تموضع وتحديد آلية عمل قواتها في العراق، وبين الاصرار العراقي على خروج القوات الاجنبية بعد قرار البرلمان العراقي بضرورة انسحاب هذه القوات من البلاد، والتأييد الشعبي والحزبي العراقي لهذا القرار.


بين صراع هاتين الرؤيتين، يعيش العراق حالة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، وفي ظل أزمات عدة لازالت تعصف بالعراق من قبيل ازدياد العمليات الارهابية في بعض المناطق، بعد المحاولات المستمرة من الجانب الاميركي باعادة احياء جماعة داعش الارهابية وفق مصادر عراقية متقاطعة. كل ذلك اثر بشكل مباشر على الحياة المعيشية للمواطن العراقي، لتجد واشنطن في ذلك ورقة جديدة بيدها للضغط على بغداد وحكومتها لتحميلها اتفاقيات تحاول من خلالها تسجيل انتصار خاص على حساب العراق ومصلحته، وكسب مزيد من الوقت في معركتها ضد محور المقاومة وداعمي بغداد الرئيسيين كطهران.

الرسالة الاميركية الاخيرة لبغداد والتي تمثلت بتهديداتها باغلاق سفارتها في بغداد، وفرض عقوبات على مؤسسات حكومية عراقية لاسيما البنك المركزي العراقي، يبدو أنها لم تكن حالة اعتباطية أو مجرد تخرصات صادرة عن عقلية الرئيس الاميركي دونالد ترامب المعروفة، وإنما رسالة واضحة الاهداف والغايات، وهي تسديد أقوى ضرباتها لمحور المقاومة وحلفاء ايران في المنطقة، واقتلاع احدى اهم حلقات سلسلة طهران – بيروت، عبر نقل بغداد من محور المقاومة الى المحور الصهيوأميركي وأتباعه من الاعراب.

حالة من التخوف لدى بعض الاطراف العراقية من ربط الجانب الاميركي موضوع انسحاب قواته من العراق بجرّ الاخير إلى حلف المطبعين العرب مع الكيان الصهيوني، خصوصا مع ازدياد حساسية نتائج استطلاعات الرأي الاميركية حول الانتخابات الرئاسية المقبلة، واستمرار تقدم الخصم الديمقراطي جو بايدن على حساب الرئيس الجمهوري ترامب، ما يعني لعب الاخير على اي ورقة يمكن ان تقدم له أصواتا في الانتخابات، لعبة ليست بعيدة عن العقلية الاميركية، وسياسة الادارة الاميركية، فبعدما سنّت ابوظبي والمنامة سنة السوء في تطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني، أخذت واشنطن على عاتقها استجلاب دول عربية واسلامية جديدة الى حلف التطبيع، وكلّ على مقاسه ووفق مقتضيات أزماته، بالترغيب تارة، كما يحصل على ما يبدو مع السودان، التي رفعت اسمها عن قائمة الارهاب الامريكة، واقرت لها قروضا بقيمة 12 مليار دولار على دفعات، قد تكون ثمن انضمام الخرطوم إلى اتفاقيات التطبيع التي باتت موضة الخنوع الجديدة لدول المنطقة، أو بالترهيب تارة اخرى على قياس دول الخليج الفارسي التي خلقت لهم من ايران عدوا وهميا، تبتزهم وتحلبهم متى شاءت بذريعة مساعدتهم في وجه ايران. (التي بالمناسبة ومنذ انتصار ثورتها الاسلامية لم تعتدِ على أي دولة مجاورة او بعيدة، في ما تعاني من تآمر مستمر من بعض جيرانها، رغم رسائل التعاون وحسن الجوار التي تبعث بها إليهم دائما).

بين الاصرار الاميركي على البقاء في العراق، وبين ازدياد عمليات استهداف سفارتها في بغداد، وكذلك ارتال قواتها والدعم اللوجستي التابعة للتحالف الدولي بقيادة واشنطن، قد ترى الاخيرة في تقديم عرض التطبيع مقابل الخروج من العراق ورقة خلاص تظهرها بمظهر المنتصر، وتقدم لبغداد فقاعة انتصار تحت عنوان الانسحاب الاجنبي من البلاد، إلا أن هذا التفكير الاميركي بعيد بعض الشيء عن المنطق والواقع معا، فقرار سحب القوات الاجنبية من البلاد، قرار شعبي تم اتخاذه واقره البرلمان العراقي، وبالتالي فإن وجود هذه القوات على الاراضي العراقية هو غير شرعي من الناحية القانونية، وأما اجراء مثل هكذا طرح، سيصطدم بواقع مغاير لما تتمناه واشنطن، فالضمير الجمعي العراقي لايزال يرى في فلسطين وقضيتها القضية المركزية للأمة، ويتعبر موضوع تحرير القدس أمرا عقائديا، وهو ما رأيناه من خلال المواقف المنددة والردود الشاجبة لاتفاق الخيانة التطبيعي بين الكيان الصهيوني وكل من الامارات والبحرين مؤخرا.

الواقع الأقوى الذي تتجاهلة الادارة الاميركية هو أن قواتها في العراق باتت محل استهداف مباشر ومستمر من قبل فصائل المقاومة العراقية كافة، وأن بقاءها في العراق يعني انتحارا سياسيا لهذه الادارة، وأنها اليوم الحلقة الاضعف رغم كل محاولات اظهار القوة والقدرة، ولعل انحسار انتشار قواتها وانسحابها من عدد من قواعدها في العراق، دليل لا يشوبه شك عن مدى هذا الضعف؛ وكل التصريحات الاميركية عن ان الخروج الاميركي "لن يكون بالمجان" أو أنه سيكون عبر آليات دبلوماسية وليس عبر "النار" –المقاومة المسلحة-، هي محاولات لكسب الوقت، والبحث عن مخارج تحفظ لواشنطن شيئا من ماء وجهها المراق أمام ضربات المقاومة، المقاومة التي اخرجت الاميركي من العراق رغما عن انفه في 2008، رغم استبعاد الجانب الاميركي أنذاك التزامه بخطة الانسحاب التي كانت مقررة في 2011، إلا أن الضربات التي وجهها لها العراقيون خلال سنوات الاحتلال منذ 2003، اجبرت ادارة الرئيس الاميركي وقتها باراك اوباما على سحب قواته من البلاد، صاغرا مرغما.

كما يمكن تذكير واشنطن بأن المحور الاقتصادي الاقوى في المنطقة، وهو بغداد-دمشق-بيروت، لايزال ممكنا تفعيله، ولعل مقترحات بغداد للاتفاقيات الاقتصادية مع بيروت قدمت أول رؤية لتفعيل هذا المحور، وفي حال قدّمت الاطراف السياسية في الدول الثلاث المعنية مصلحة البلاد على مصالح بعض الاطراف وداعميهم الاقليميين والدوليين، فإن ذلك من شأنه اخراج المنطقة بالكامل من العباءة الاميركية.


رقم: 888509

رابط العنوان :
https://www.islamtimes.org/ar/news/888509/ترهيب-أميركي-للعراق-بين-محور-المقاومة-وحلف-التطبيع

اسلام تايمز
  https://www.islamtimes.org