0
السبت 19 كانون الأول 2020 ساعة 18:34

تعريف العبادة

تعريف العبادة
الغاية من وجود الإنسان

 بيّن الله -تعالى- للإنسان المقصد من خلقه، وفسّر له سرّ وجوده في هذه الحياة، فقال: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)؛[١] فقد أودع الله في الإنسان العقل، وفضّله به على سائر المخلوقات في الأرض، وترك له حُرّية الاختيار، وهذا ما أهّله ليكون خليفة الله في الأرض، وأوّل واجبات هذا الخليفة أن يعرفَ ربّه، فيُقرّ له بأنّه خالقه، ورازقه، وأنّه المُستحِقّ وحده للعبادة، قال -تعالى-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)،[٢] وعليه فإنّ الهدف الأصيل من اختيار الله للإنسان خليفة له في الأرض أن يعبدَ الله كما يحبّ ويرضى -سبحانه-، كما أنّ إرادة الله اقتضت أن يكون الإنسان سيّدَ المخلوقات الأخرى جميعها في الأرض، بل إنّ أجراماً أكبر من الأرض، كالشمس، والنجوم، سخّرها الله؛ لتسهيل حياة الإنسان، وصلاحها على الأرض؛ حتى يؤدّي واجب الخلافة، فلا ينبغي بعد ذلك أن يقع الإنسان في الضلال؛ فيعبدَ المخلوقات التي سخرّها الله لخدمته.[

واجب الإنسان أن يوجّه العبادة إلى الله؛ خالقه، ومُستخلِفه في الأرض، وقد بيّن الله المنهج والطريق الذي يجب أن يسلكه الإنسان، فأرسل إليه الرُّسُل المُؤيَّدين بالمعجزات، وأرسل معهم الكُتب التي فيها البيان الشافي، وقد كشف القرآن الكريم أنّ جوهر رسالة الأنبياء جميعهم هي الدعوة إلى عبادة الله وحده، قال -تعالى-: (وَلَقَد بَعَثنا في كُلِّ أُمَّةٍ رَسولًا أَنِ اعبُدُوا اللَّـهَ وَاجتَنِبُوا الطّاغوتَ)،[٤] وقد استفتح كلّ نبيّ كلامَه مع قومه بهذه الدعوة، قال -تعالى- على ألسنة الرُّسُل: (اعبُدُوا اللَّـهَ ما لَكُم مِن إِلـهٍ غَيرُهُ)؛[٥] ففطرة الإنسان السويّة تُقرّ بأنّ الله وحده هو المُستحِقّ للعبادة، وهو عهدٌ غرسه الله في فطرة الإنسان منذ خَلقه، ولا يُستثنى من ذلك الرُّسُل أنفسهم؛ فهم أعبدُ الناس لله.

مفهوم العبادة

 يؤدّي الإنسان واجب العبوديّة لله، وهو بهذا يقتدي بالأنبياء -عليهم السلام-، وبالأخصّ محمد - صلّى الله عليه وسلّم- الذي أمره الله بعبادته فقال: (وَاعبُد رَبَّكَ حَتّى يَأتِيَكَ اليَقينُ)،[٦] وكذلك الملائكة الذين لا ينقطعون عن عبادة الله، قال الله في وصف حالهم: (إِنَّ الَّذينَ عِندَ رَبِّكَ لا يَستَكبِرونَ عَن عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحونَهُ وَلَهُ يَسجُدونَ)،[٧][٨] وقد عُرِّفَت العبادة باللغة والاصطلاح الشرعي بما يأتي: 

العبادة لغة: هي الخضوع والتذلّل للغير بقصد التعظيم، وهو غير جائزٍ إلّا لله تعالى،[٩] كما تُستعمل العبادة بمعنى الطاعة، وقال الراغب الأصفهاني إنّ العبودية تطلق على إظهار التذلّل والخضوع، أمّا العبادة فهي أبلغ منها، فالعبادة هي الغاية في التذلّل.[١٠]

 العبادة اصطلاحاً: تعرّف العبادة الشرعية بأنّها الانقياد والخضوع لله تعالى، مع التقرّب إليه وما شُرع من محبته، وعرّف شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- العبادة بأنّها اسمٌ جامعٌ لكلّ ما يحبه الله -تعالى- ويرضاه من الأقوال والأفعال، سواءً كان القول أو الفعل ظاهراً أم باطناً، ومثال العبادة الظاهرة: الصلاة، والزكاة، والحجّ، والدعاء، والذكر، إضافة إلى بِرّ الوالدين، والجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإحسان إلى الخَلق، وغير ذلك من الأعمال والأقوال، ومثال العبادة الباطنة: حُبّ الله ورسوله، والخوف من عذابه ، والرجاء لرحمته، والتوكُّل عليه، وشكره، والصبر على أحكامه، والرضا بقضائه.[١٠]

وعبادة الله تشمل كلّ ما يتعلّق بالدين؛ حيث تشمل أركانَ الإيمان، وأركان الإسلام، ويدخل فيها معنى الإحسان، ويأتي الأصل اللغوي لكلمة العبادة متوافقاً مع المقصود بلفظ (الدين)؛ أي بمعنى: الخضوع، والطاعة؛ فعبادة الله والدينونة له تجمع الخضوع لله -تعالى-، إلى جانب حُبّه -تبارك وتعالى-، فهو يدينُ لله، ويخضع له؛ طاعةً، ورغبةً، وحُبّاً، وبهذَين الشرطَين تتحقّق العبودية له،[٨] وعلى الرغم من أنّ أذهان الكثيرين تنصرف إلى الطقوس والشعائر والصلوات بشكل خاصّ إذا ذُكِرت كلمة (عبادة)، إلّا أنّ الإسلام أكّد على أنّ حياة الإنسان كلّها عبادة لله، يقول الله -تعالى-: (قُل إِنَّ صَلاتي وَنُسُكي وَمَحيايَ وَمَماتي لِلَّـهِ رَبِّ العالَمينَ)؛[١١] فالصلاة، والمناسك تُعَدّ لوناً واحداً من ألوان العبادة، إلّا أنّ العبادة تأتي بمعنى أكثر شموليّة من ذلك؛ لأنّها تستغرق حياة الإنسان كلّها، وبناءً عليه؛ فإنّ كلّ ما يقوم به المسلم في حياته هي عبادة لله -تعالى-، ممّا يعطي حياته معنىً، وغايةً، وهدفاً يُعَدّ كُلٌّ منها مُتَّصِلاً بالله -سبحانه وتعالى-.[١٢]
 
رقم : 904790
شارک بتعلیقک
الإسم الثلاثي

البريد الإلكتروني
تعليقك

أهم الأخبار
إخترنا لکم