0
السبت 2 آذار 2024 ساعة 09:34

أهداف روسيا من عقد اجتماع مشترك للفصائل الفلسطينية

أهداف روسيا من عقد اجتماع مشترك للفصائل الفلسطينية
وفي هذا الصدد، أعلن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في كلمة ألقاها أنه دعا قادة حماس والجهاد الإسلامي وفتح وغيرها من التنظيمات الفلسطينية لمناقشة حرب غزة في موسكو في 26 فبراير/شباط، وذكر بوغدانوف أن روسيا تجري اتصالات مكثفة مع مختلف الجماعات الفلسطينية وأن القادة المتمركزين في سوريا ولبنان ودول أخرى سيكونون حاضرين أيضًا، وأعلن أن عدد المنظمات المشاركة في المؤتمر يتراوح بين 12 و14 منظمة، والتي ستناقش وتستعرض حرب غزة والتطورات الفلسطينية، بما في ذلك المبادرات الدولية لوقف إطلاق النار وإرسال المساعدات الإنسانية، فضلا عن حل الدولتين.

وقال عزام الأحمد، رئيس وفد فتح، إن كل الفصائل استجابت لدعوة روسيا، وأكد مسؤولو حماس أن وفدا برئاسة موسى أبو مرزوق، عضو المكتب السياسي للحركة، سيشارك في اللقاء، وهذا هو الاجتماع الأول للفصائل الفلسطينية منذ بداية حرب غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر، ويمكن للقادة الفلسطينيين تقديم مقترحاتهم في موسكو للتوصل إلى حل نهائي ومواجهة العدو الصهيوني.

إن موقف روسيا ضد عدوان الكيان الصهيوني على قطاع غزة مهم في تحقيق خطوة إيجابية نحو إعادة الاستقرار للفلسطينيين المحاصرين، لأن الروس أدانوا مرارا العدوان الصهيوني على غزة ودعوا إلى إنهاء الحرب، وفي الشهر الماضي توجه وفد من حماس برئاسة موسى أبو مرزوق إلى موسكو في ثاني رحلة منذ بدء حرب غزة وناقش التطورات في فلسطين بما في ذلك إطلاق سراح السجناء الصهاينة ووقف الأعمال العدائية مع السلطات الروسية.

وتسلط دعوة موسكو للفصائل الفلسطينية في أعقاب حرب غزة الضوء على مسألة العلاقات المتوترة بين روسيا والكيان الصهيوني في العامين الماضيين، وإن وقوف "إسرائيل" إلى جانب أوكرانيا وإدانة العمليات العسكرية الروسية ليست حدثا يمكن للكرملين أن يتجاهله بسهولة، وخاصة أن سلطات موسكو انتقدت مرارا وتكرارا وجود مرتزقة إسرائيليين في أوكرانيا ومحاولات إرسال ذخيرة ومعدات استخباراتية إلى هذا البلد، حيث انتقد الروس علنا تل أبيب.

حتى أن روسيا أغلقت مكتب "الوكالة اليهودية" في موسكو الصيف الماضي واستضافت على الفور قادة حماس، الأمر الذي أثار غضب الصهاينة، والآن، أتاحت الحرب في غزة فرصة لروسيا للتقرب من الفصائل الفلسطينية وفتح المزيد من الأرضية في التطورات الفلسطينية، ومواصلة السياسة العقابية ضد تل أبيب، رغم أنها بشكل عام تلعب دوراً متوازناً في الشأن الفلسطيني، وهي قضية بعيدة كل البعد عن المثل العليا للصهاينة، فقد أصبحت جزءا من استراتيجيات موسكو الإقليمية ولا يمكن اختزالها في التوترات الأخيرة بشأن أوكرانيا.

استعادة دور الوسيط الروسي وإضعاف موقف الغرب

حتى الآن، لم تلعب روسيا دورًا مهمًا في التطورات الفلسطينية، وحاولت فقط التدخل كوسيط في خطة المصالحة بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني إذا لزم الأمر لتشكيل دولة فلسطينية مستقلة، وخاصة مع إجراءات مثل الاعتراف بالمستوطنات المحتلة، والقبول بالقدس عاصمة ل"إسرائيل"، وإغلاق مكتب السلطة الفلسطينية في الولايات المتحدة، واستخدام الفيتو المتكرر لمصلحة الكيان في مجلس الأمن الدولي، في السنوات الأخيرة وهذه فرصة لموسكو قد تم إنشاؤها لإظهار وساطتها المحايدة ودورها الفاعل في التطورات الفلسطينية بما يتماشى مع سياسة العودة إلى الشرق الأوسط.

وتحاول روسيا أن تلعب دورًا مهمًا في إرساء السلام والاستقرار العالميين من خلال الدخول في هذا الصراع طويل الأمد، كما أن لدى روسيا الدولة الفلسطينية في حدود 1967، وهي رغبة المجتمع الدولي، وهذه السياسة الأساسية يمكن أن تؤدي إلى علاقات أوثق مع العرب، وفي الحرب الأخيرة في غزة، ذكرت موسكو مرارا وتكرارا تشكيل دولة فلسطينية وإعمال الحقوق الفلسطينية كحل أساسي لهذه الأزمة.

ويعتبر دعم روسيا للفلسطينيين شكلاً من أشكال المواجهة مع الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، التي تدعم جرائم "إسرائيل" ضد الفلسطينيين بكل قوتها، ويعتقد المحللون أن الهدف الأساسي للدبلوماسية الروسية يتلخص في تقويض الكيان العالمي الغربي، وأن اتهام الغرب بخلق حالة من عدم الاستقرار العالمي وإشعال الصراعات التاريخية من جديد من جانب زعماء الكرملين من شأنه أن يساعد في توسيع الجبهة المناهضة للغرب.

كما أشار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى هذه القضية في تصريحاته الأخيرة، وقال: "علينا أن نبحث عن مخرج من هذا الوضع الكارثي الذي يمنع وقوع الكارثة، وشركاؤنا الأمريكيون هم الذين يدعمون فلسطين و"إسرائيل"، وهم يجرون المنطقة والشرق الأوسط بأكمله نحو الكارثة"، وقال لافروف: "بالنظر إلى الموقف القاسي للقادة الإسرائيليين بشأن استمرار العمليات العسكرية في غزة وتوسعها إلى رفح، فلا أفق لتحقيق السلام، واستقرار سريع للوضع في هذه المنطقة، وهو ما يعكس التوترات، وهي مخاوف بين الأطراف المعنية.

إن المواجهة بين الكيان الصهيوني وحماس لم تعزز آمال الكرملين في تغيير المزاج العام الدولي تجاه الحرب في أوكرانيا فحسب، بل عززت أيضاً الاعتقاد بأن نظام العلاقات الدولية الذي بناه الغرب ينهار، فمنذ بداية الحرب في غزة، كانت الرسالة الرئيسية التي وجهها فلاديمير بوتين تتلخص في أن هذه الحرب تشكل مثالاً لفشل السياسة الأمريكية في غرب آسيا.

وكان الموقف الأمريكي الداعم لتل أبيب سبباً في تقويض العديد من الأسباب التي يروج لها الغرب بين الجنوبيين لدعم أوكرانيا، و لقد تحولت الحجة الأخلاقية التي يسوقها الغرب ضد الغزو الروسي إلى كلمات فارغة، على الأقل في نظر شعوب الشرق الأوسط، التي ترى الدعم المطلق من جانب الولايات المتحدة للغزو الإسرائيلي لغزة والضفة الغربية، وفي ظل الظروف التي تتهم فيها واشنطن روسيا بارتكاب جرائم إبادة جماعية في أوكرانيا، لكنها تشارك في جرائم الكيان الصهيوني في حرب غزة بدعم واسع، فإن الحناء الأمريكية ليس لها لون لدى شعوب العالم، ولذلك فإن تعزيز العلاقات مع الجماعات الفلسطينية يمكن أن يكون بطريقة أو بأخرى خطة لتحالف جديد لتقليص النفوذ الأمريكي في المنطقة وفرصة لتدمير هيمنة واشنطن وسياستها الأحادية في العالم ومحاولة استعادة الكيان المتعدد الأقطاب في العالم الدولي، أي السياسة نفسها التي اتبعها قادة روسيا في الأشهر الأخيرة.

وفي الوقت نفسه، فإن تشكيل دولة فلسطين المستقلة، بغض النظر عن كونه يعتمد على موافقة أعضاء الأمم المتحدة والكيان الصهيوني، فهو مرتبط أيضًا بالتيارات داخل فلسطين، وبما أن منظمة الحكم الذاتي لديها خلافات جوهرية مع الجهاد الإسلامي وحماس وليست مستعدة لقبولها في الحكومة المقبلة، فإن قادة الكرملين يعتزمون تقليص الخلافات بين القادة الفلسطينيين وجمعهم في جبهة واحدة، كما رحب كفاح حرب، عضو المجلس الثوري لحركة فتح، بأي جهد لتحقيق هذه الوحدة بين الفصائل الفلسطينية، وقال: "روسيا قوة أساسية في الكيان الدولي ودورها الداعم"، إن قضية فلسطين تحظى دائما بالترحيب والتقدير من قبل جميع الفلسطينيين.

كما أوضح أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية الفلسطينية، في حديث لوكالة سبوتنيك، أن "طلب موسكو عقد مصالحة وطنية فلسطينية في هذا الوقت الحرج يعد خطوة مهمة نحو ضرورة تنظيم البيت الفلسطيني داخليا"، وعلى عكس الغربيين الذين يعتبرون حماس حركة إرهابية، فإن الروس يعتبرون هذه الحركة جزءا من المجتمع الفلسطيني الذي تمكن من الدفاع عن الأرض الفلسطينية ضد الاحتلال، وبدأت روسيا علاقاتها مع حماس عام 2005، وفي العامين الأخيرين حيث قامت بتوسيع مستوى التعاون مع حماس، والاستضافة المتكررة لقيادات هذه الحركة دليل على ذلك.

وعلى الرغم من أن موسكو تعتبر السلطة الفلسطينية الممثل القانوني للشعب الفلسطيني، إلا أنها تعتقد أن حماس يجب أن تكون أيضًا جزءًا من حل الدولتين، وإن الدعوة التي وجهتها روسيا وبعض اللاعبين الإقليميين لحماس تعمل على نحو ما على رفع المكانة الدولية لهذه الحركة، ومن الممكن أن يكون هذا الدعم العالمي فعالاً أيضاً في تعزيز خطط المقاومة في غزة ضد الاحتلال الصهيوني، لأن الصهاينة لا يعترفون إلا بمنظمة الحكم الذاتي وهم على استعداد لمناقشة القضايا الثنائية معها ويتوقعون أن تحذو الدول الأخرى حذوهم، لكن إعطاء الشرعية لحماس وجماعات المقاومة الأخرى يشكل تهديدا لمصالح "إسرائيل" في المنطقة والعالم.

خلاصة الكلام

خلال الحرب الباردة، ابتعدت روسيا عن التطورات في الشرق الأوسط، ولهذا السبب كانت هذه المنطقة الاستراتيجية تحت نفوذ أمريكا بالكامل، لكن في العقد الأخير أصبحت منطقة غرب آسيا محط اهتمام الروس، وكان الوجود النشط في الحرب السورية بمثابة مقدمة لدخول روسيا القوي إلى غرب آسيا، والآن بعد أن اشتدت المواجهة بين هذا البلد والغرب على كل الجبهات، يرى قادة الكرملين ظروفاً مواتية للعب دور في التطورات في هذه المنطقة.

وبما أن قضية فلسطين وهدف تحرير القدس من أولويات الأمم الإسلامية، لذلك تحاول روسيا أيضاً رفع صورتها ومكانتها بين الدول الإسلامية من خلال دعم شعب فلسطين المظلوم من أجل الحصول على دعم الأمم المتحدة، حيث إن الدول الإسلامية والرأي العام في المنطقة له رأسه الخاص وفي الوقت الذي أعلنت فيه روسيا عقيدتها الجديدة بهدف تطوير العلاقات مع دول غرب آسيا، فإن الانخراط في قضايا مثل فلسطين يصبح ذا أهمية مضاعفة.
رقم : 1119746
شارک بتعلیقک
الإسم الثلاثي

البريد الإلكتروني
تعليقك

أهم الأخبار
إخترنا لکم