0
الثلاثاء 5 آذار 2024 ساعة 10:17

زيارة غانتس لأمريكا وعلاقتها بوقف الحرب ومستقبل نتنياهو

زيارة غانتس لأمريكا وعلاقتها بوقف الحرب ومستقبل نتنياهو
ضغوط كبيرة على تل أبيب

مع استمرار سقوط ضحايا في صفوف الجيش في قطاع غزة من جهة، والركود الاقتصادي والضغط الذي يمارسه المحتجون في "إسرائيل" من جهة أخرى، اتخذت الخلافات في حكومة الحرب طابعاً جدياً، كما أن بيني غانتس، في خطوة غير متوقعة وفي تحد واضح لبنيامين نتنياهو تجاهل البروتوكولات التي وافق عليها مجلس الوزراء الائتلافي، ويعتزم الاجتماع والتشاور من جانب واحد مع مسؤولي البيت الأبيض بشأن غزة، وإن رحلة غانتس الهادفة إلى واشنطن، في وضع يجب أن تتم بتوقيع رئيس الوزراء، تظهر عمق التوترات والخلافات بين الحلفاء داخل الحكومة ومسؤولي البيت الأبيض مع نتنياهو.

وتسعى السلطات الصهيونية جاهدةً لتشويه الحقائق، من خلال إدعائها بأن مطالب حركة حماس مبالغ فيها، لكن الواقع يُظهر أن هذه المطالب ضرورية ومشروعة، في الوقت نفسه، فإن التهديدات الصهيونية بمواصلة الحرب وتوسيعها إلى رفح، إذا لم يتم إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، وتُعتبر تهديدات فارغة لا تحمل قيمة، هذه التهديدات تكشف عن فشل كبير للكيان الصهيوني في إعادة أسراه من غزة، فقد لاحظنا أن الأسرى الصهاينة الوحيدين الذين غادروا غزة هم الذين تم إطلاق سراحهم في المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار، وهذا يُظهر عمق الأزمة التي يعيشها هذا النظام، وتناقض تصريحاته.

وقبل ذلك، أعلن بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء نظام الاحتلال، علنًا أنه سيهاجم رفح في كل الأحوال، حتى لو تمت صفقة تبادل الأسرى، ويرجع ذلك إلى سياسة الوحشية والقتل والإبادة الجماعية التي اتبعها المحتلون منذ بداية غزو غزة، ويبقى استهداف المدنيين، بمن في ذلك الموجودون في رفح، مستمرًا بشكل يومي، وفيما يتعلق بالمناقشات حول ما يلي بعد حرب غزة وادعاءات الأمريكيين والصهاينة بشأن إدارة غزة، فإن نظام الاحتلال لا يمكنه الحديث عن إدارة غزة بشكل فعّال، بسبب فشله الكبير في تحقيق أهدافه، اليوم، يعاني المحتلون من تناقضات واختلافات كبيرة فيما بينهم، فهم يهددون بتدمير حماس من جهة، ومن جهة أخرى يطالبون بالتفاوض مع هذه الحركة.

وفيما يتعلق بالموقف النهائي لحركة حماس من مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، فإن هذه المفاوضات تُجرى بناءً على مصالح الشعب الفلسطيني، ولا تتأثر بالتصريحات والتهديدات، فرغبات حماس وأهدافها واضحة ومتفق عليها وطنيًا، وتشمل الوقف الكامل لعدوان العدو والوصول الفوري للمساعدات اللازمة إلى قطاع غزة ورفع الحصار عنها وإعادة إعمارها كشروط أساسية، وحول المباحثات المتعلقة بالإدارة المدنية لقطاع غزة، فإن حماس تعرف كيف تدير شؤونها وتختار قادتها، وهذه قضية فلسطينية تمامًا ولا يحق لأي طرف آخر أن يملي عليها رغباته، وأعلنت حركة "حماس" أنها تشترط الموافقة على صفقة تبادل الأسرى مع "تل أبيب" مقابل وقف الحرب على قطاع غزة وتمكين دخول المساعدات الإنسانية وتحرير الأسرى المعتقلين الفلسطينيين في سجون الكيان.

وباختصار، لم يتم اتخاذ أي قرارات إسرائيلية حاسمة خلال الأشهر الماضية، حيث تسير الحرب وفقًا لإنجازات تكتيكية لحركة حماس، دون تحركات كبيرة من جانب "إسرائيل" لتحقيق إنجازات استراتيجية، وينبغي على مجلس الحرب اتخاذ قرارات مهمة، بما في ذلك العمل على تنفيذ صفقة لتبادل الأسرى قبل حلول شهر رمضان المقبل، واتخاذ إجراءات لمنع تصعيد الوضع في الضفة الغربية خلال هذه الفترة، وعودة السكان الإسرائيليين إلى مستوطناتهم في الشمال والجنوب بعد النزوح جراء اندلاع الحرب، ويتمنى الإسرائيليون توضيحًا عمليًا لمصطلح "النصر الكامل" الذي استخدمه رئيس الوزراء نتنياهو، ويعتبرون أنه يجب مناقشة هذا المفهوم بجدية من قبل مجلس الحرب.

رحلة دون موافقة نتنياهو

سيغادر بيني غانتس، عضو مجلس الوزراء الحربي وزعيم حزب المعسكر الرئيسي، إلى واشنطن يوم الأحد لحضور سلسلة من الاجتماعات غير المقررة مع بنيامين نتنياهو، ورحلة غانتس ستتم في وقت مثير للاهتمام ومميز، وتشير التقارير الأمريكية إلى أن صبر حكومة بايدن على سلوك بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني في الحرب، وخضوعه لمطالب شركائه في الحكومة، وهما إيتامار بن جاور وبيتسليل سموتريتش  (وزراء الأمن الداخلي والمالية) ينفد، والمفاوضات حول صفقة تبادل الأسرى مستمرة منذ فترة طويلة،  وعلق حاشية نتنياهو بغضب، موضحا أن غانتس سافر جوا دون موافقة رئيس الوزراء، وهو ما يخالف اللوائح الحكومية التي "تتطلب من كل وزير تنسيق سفره مع رئيس الوزراء مسبقا والحصول على موافقته على سفره.

وحسب مقربين من نتنياهو فإن "رئيس الوزراء أوضح للوزير غانتس أن الحكومة الإسرائيلية لديها رئيس وزراء واحد فقط،  كما أن الولايات المتحدة ستواصل الضغط "بكل قوتها" من أجل التوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، وحذروا: "إذا أثبتنا أن نتنياهو يقوم بتخريب هذه القضية لأسباب سياسية، فإن ذلك سيؤدي إلى مواجهة مباشرة مع البيت الأبيض"، وزعم المسؤولون الأمريكيون: "على الرغم من أن حماس تمارس الألاعيب وتجعل الحياة صعبة بالنسبة لنا، إلا أن النظام الصهيوني يفعل الشيء نفسه"، لكن هذا لن يوقفنا، فنحن نركز على تنفيذ العقد.

"إن نتنياهو يجب أن يفعل كل ما يلزم للتوصل إلى اتفاق، إذا قررنا أنه غير عقلاني وقام بخرق الصفقة، فسيكون الأمر صعبًا للغاية بالنسبة لنا - وليس هناك مفر من نقطة الصراع" هذا ما يقوله المسؤولون الأمريكيون الذين حذروا من أن هجوم بايدن على حكومة الاحتلال ما هو إلا البداية إذا أبطل نتنياهو الصفقة، والأخير يبذل قصارى جهده لإحباط صفقة تبادل الأسرى مع حماس، بينما يدعو ضباط رفيعو المستوى في الجيش إلى وقف فوري لإطلاق النار.

ويحاول نتنياهو التأثير على الرأي العام الإسرائيلي باستخدام الأدوات الإعلامية المتاحة له، وإذا توصلت الأجهزة الأمنية إلى اتفاق معقول مع حماس، فإنه يرفضه بحجة أنه لا يمكن أن يحقق نصراً حاسماً لـ"إسرائيل"، ووصف كل شيء أنصار الاتفاق كمجموعة مهزومة لا تريد نصراً حاسماً على حماس، وبعد ثلاثة أشهر من تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق تبادل الأسرى، يتضح للجميع أن المجتمع الإسرائيلي اليوم أصبح رهينة لموجة من نشر الأكاذيب وحتى الخيال البعيد عن الواقع، وهو ما جعل المجتمع الإسرائيلي سيعيش في حالة من الوهم لفترة من الوقت.

هزيمة الجيش الإسرائيلي في غزة

يجب أن نأخذ في الاعتبار أن الجيش الإسرائيلي محاصر في مستنقع غزة وأوضاع الرهائن تزداد صعوبة يوما بعد يوم، والمجتمع الإسرائيلي يغرق في المعلومات المشوهة والكاذبة، والجيش الصهيوني يصر على ضرورة التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، ويجب توقيع اتفاقية تبادل أسرى مع حماس، لكن دوائر الجيش الإسرائيلي لا تعلن عن هذا الموضوع علناً، ونستنتج أن "إسرائيل" لا تريد الاعتراف بأن إطلاق سراح الأسرى أمر مستحيل، وكذلك الأمر بالنسبة لتدمير حماس، ولكن بدلا من ذلك، لم يقم الوزراء والمتحدثون الرسميون ورئيس الوزراء والمؤسسات الأمنية إلا بإرسال رسالة واحدة للمجتمع ، للعملية هدفان رئيسيان، تدمير البنية التحتية الحكومية والعسكرية لحماس وتحرير الأسرى، وبعد أشهر من الحرب في قطاع غزة، لا يزال الجيش الإسرائيلي في حالة صدمة بسبب الخسائر البشرية التي تكبدها في هذه الحرب.

وإن حجم خسائر الجيش الإسرائيلي كبير للغاية لدرجة أن مقر الجيش دعا إلى استدعاء فوري لـ 7500 ضابط وجندي، لكن مجلس الوزراء الإسرائيلي وافق فقط على استدعاء 2500 جندي بسبب النقص الشديد، وتظل القوات الإسرائيلية تتمسك بسياسة التكتم على خسائرها الحقيقية، وخاصةً البشرية، في المعارك التي تجري في قطاع غزة، وذلك لعدة أسباب تشمل الحفاظ على معنويات الجنود على الجبهة لتجنب الانهيار، وتخفيف صدمة الجمهور الإسرائيلي، وتجنب إثارة الرأي العام ضد القيادة السياسية والأمنية، والتحسب للضغط السياسي والشعبي لإنهاء الحرب، وجزء من الحرب النفسية ضد المقاومة، ويُعتبر الإعلان الحقيقي عن أعداد القتلى مؤشرًا إيجابيًا على الروح المعنوية والقتالية للمقاومين، ويسهم في المحافظة على سمعة الجيش الإسرائيلي داخل "إسرائيل" وخارجها، وتعزيز الثقة المحلية والدولية بالأسلحة والمعدات العسكرية التي تؤمن للجيش الإسرائيلي الحماية.

وتعتمد سياسة جيش الاحتلال الإسرائيلي على ضبابية في إعلان خسائره البشرية في غزة، وهذا يؤدي إلى تفاوت كبير في البيانات المتاحة حول هذه الخسائر، ويسهم ذلك في زرع الشكوك حول الأعداد الفعلية، ويتم ذلك عبر عدة طرق، ويُخضع الإعلان عن القتلى أو عمليات المقاومة للرقابة العسكرية أو حظر النشر، ويُستخدم الخداع لعدم الإعلان عن العدد إلا بعد إخطار عوائل القتلى، دون ذكر الأسماء، ويتم استثناء العديد من القتلى من قوائم الجيش الصادرة، ويتم أيضًا تقديم مبالغ مالية لعائلات بعض القتلى مقابل الصمت حول خسائرهم، ولا يتم الإعلان عن القتلى الذين يقاتلون في صفوف الجيش كمرتزقة، ويُستخدم "المجندون الوحيدون" و"المجندون اللقطاء" كأدوات لتحقيق أهداف الجيش دون الكشف عن الخسائر البشرية بشكل كامل.

في النهاية، تلعب هذه السياسات دورًا مهمًا في السياق الإعلامي والعسكري للحرب، حيث يسعى الجيش الإسرائيلي إلى الحفاظ على صورته ومعنويات جنوده في وجه التحديات القائمة، من بين الأسباب الرئيسية للقتل بالنيران الصديقة يشمل الخوف والارتباك أثناء الاشتباك مع مقاتلي المقاومة، وضعف التدريب ونقص التركيز بسبب الإرهاق أثناء القتال، والمقاومة القوية التي تُقام على الأرض من قبل المقاومة، ما يشتت ويضعف قوة العدو، إضافة إلى البيئة القتالية الصعبة التي فرضتها المقاومة من خلال حرب الشوارع.

ويمثل هذا الوضع نقطة ضعف ووهن في الجيش الإسرائيلي، بالرغم من الصورة التي يحاول بعض الأشخاص رسمها عنه بأنه يتمتع بكفاءة عالية، ورغم امتلاكه لمعدات متقدمة، يظل جنوده وضباطه يفتقرون إلى الكفاءة، ويرى محللون إسرائيليون أن معسكر اليمين الاستيطاني يقيد الصهاينة، حيث يحاول هذا المعسكر منع الانتقادات للحكومة والجنود والقادة العسكريين، ويُعتبر الجنود والرهائن القتلى الإسرائيليين تضحية نبيلة وجديرة بالاهتمام على طريق الخلاص، ويصفونهم بأنهم "الطبق الفضي" الذي ستنهض عليه "دولة يهودا".
رقم : 1120366
شارک بتعلیقک
الإسم الثلاثي

البريد الإلكتروني
تعليقك

أهم الأخبار
إخترنا لکم