0
السبت 16 آذار 2024 ساعة 08:32

استراتيجية الهند في حرب غزة.. في أي جانب من التاريخ يقف مودي؟

استراتيجية الهند في حرب غزة.. في أي جانب من التاريخ يقف مودي؟
وفي أول رد فعل بعد عملية الـ 7 من أكتوبر، قال رئيس الوزراء ناريندرا مودي إنه في هذا الوضع الصعب، تقف نيودلهي إلى جانب تل أبيب.

حتى إن الحكومة الهندية حظرت الاحتجاجات المناهضة للصهيونية وفرضت قيودًا على نشر الأخبار المدافعة عن شعب غزة على شبكات التواصل الاجتماعي، ولم تكن هذه نهاية القصة، والآن تم نشر تقارير حول المساعدات العسكرية الهندية للكيان الصهيوني.

أعلنت جمعية حقوق الإنسان الهندية مؤخرًا أن شركة Adani الهندية أرسلت طائرات دون طيار من طراز Hermes 900 إلى "إسرائيل" لاستخدامها في غزة، ودعا مجلس حقوق الإنسان الهندي إلى الوقف الكامل للعلاقات العسكرية مع تل أبيب بسبب الإبادة الجماعية المستمرة للفلسطينيين، كما أعرب مجلس حقوق الإنسان، في بيان له، عن أسفه إزاء قيام شركة "أداني" مؤخراً ببيع طائرات دون طيار من طراز "هيرميس 900" للكيان الصهيوني، وتعميق العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين الهند وهذا الكيان.

ذكرت مجلة شيبارد التجارية للصناعة الدفاعية لأول مرة في أوائل فبراير أنها استوردت 20 طائرة دون طيار من طراز هيرميس 900 هندية الصنع من مشروع مشترك مقره حيدر أباد بين شركة Adani Enterprises الهندية وشركة التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية Elbit Systems وتؤدي هذه الخطوة إلى تعقيد موقف الهند بشأن الحرب المستمرة في غزة، حيث قصفت الطائرات دون طيار أهدافا وقتلت مدنيين.

ورغم أن الحكومة الهندية لم تعلن رسميًا عن تعاون عسكري مع الكيان الصهيوني بسبب الحساسيات الدولية بشأن غزة، إلا أن التقارير الواردة تشير إلى أن هذا البلد يواصل إرسال الذخيرة إلى جيش الاحتلال، وفي هذا الصدد، أفاد موقع العربي، الأحد، بأن نقابة عمال الموانئ الهندية رفضت تحميل أو تفريغ السفن التي تحمل أسلحة لـ"إسرائيل"، ما يدل على أن شعب الهند، على عكس آراء ساسته، ضد قتل شعب غزة المظلوم وغير مستعد للمشاركة في جرائم الصهاينة.

تعتبر طائرة هيرميس دون طيار من أخطر الطائرات دون طيار المستخدمة في الحرب الأخيرة على غزة، حيث إن التعاون بين Adani وElbit Systems  جعل الهند واحدة من الشركات الرائدة في تصنيع الطائرات دون طيار في العالم.

يعكس نهج نيودلهي تجاه حرب الكيان الصهيوني مع غزة توجهاً استراتيجياً مهماً وربما مستداماً تجاه تل أبيب من قبل مودي.

لقد مرت السياسة التاريخية للهنود فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني بتقلبات صعودًا وهبوطًا منذ استقلال هذا البلد، وكانت الهند أول دولة غير عربية تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل قانوني للشعب الفلسطيني في عام 1974، وكانت الهند أيضًا من أوائل الدول التي اعترفت بدولة فلسطين في عام 1988، ولطالما أيدت نيودلهي حل الدولتين، إلا أنها في العقد الأخير اتخذت المزيد من الخطوات في اتجاه تلبية مطالب الكيان الصهيوني، كما أن الدعم الواضح في الأمم المتحدة يتم أيضاً لاعتبارات سياسية لجذب الدولتين، وإن موجة العنف الحالية في غزة وما يترتب على ذلك من امتداد الأزمة إلى البحر الأحمر تهدد مصالح الهند الاقتصادية في المنطقة.

وفي السنوات الأخيرة، أصبح الكيان الصهيوني شريكًا دفاعيًا مهمًا للهند، وحسب البيانات التي نشرها معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام، فقد قدم الكيان نحو 10 بالمئة من واردات الهند من الأسلحة في عام 2022، والتي تشمل الطائرات دون طيار والرادارات وأنظمة الصواريخ.

كما تشتري الهند معدات دفاعية من الكيان الصهيوني بقيمة 3 مليارات دولار سنويا، ويعتبر إنتاج طائرات هيرميس 900 دون طيار أحد صور التعاون الدفاعي بين الجانبين، ووفقا لوكالة الأنباء الألمانية، فإن شركة "البيت للأنظمة المتقدمة" الإسرائيلية في حيدر أباد خطت خطوات مهمة لإنتاج الطائرات دون طيار وأصبحت أول شركة دفاع خارج "إسرائيل" تنتج الطائرة دون طيار هيرميس 900، وتعاون الجانبان أيضًا في مشاريع البحث والتطوير الدفاعية المشتركة في قطاعات أخرى مثل التكنولوجيا والابتكار.

وحسب مجلة الدبلوماسي، إذا كانت التقارير حول نقل الطائرة دون طيار دقيقة، فهذا يعني أن نيودلهي مستعدة الآن لتحمل مخاطر أكبر في تعزيز شراكتها مع الكيان الصهيوني، ويرجع بعض هذا إلى الأحداث الأخيرة التي ربما أقنعت نيودلهي بأنها تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ الاقتصادي لخوض هذه المخاطر.

الإسلاموفوبيا هو القاسم المشترك بين تل أبيب ونيودلهي

ومن القواسم المشتركة التي دفعت الهند إلى التعاون المكثف مع الكيان الصهيوني هو عداء الجانبين للمسلمين، كما تنتهج حكومة مودي نهجا قاسيا في التعامل مع السكان المسلمين في كشمير وغيرها من المناطق، ويشبه السلوك العنيف للشرطة الهندية تجاه المسلمين في السنوات الأخيرة، والذي أثار غضب العالم الإسلامي، والسياسة العنصرية التي تمارسها الهند، سياسة الصهاينة في الأراضي المحتلة، وفي هذه الأثناء ظهر نوع من التقارب بين تل أبيب ونيودلهي.

وحسب مجلة دبلوماسي، قال أشوك سوين، الأستاذ ورئيس قسم أبحاث السلام والصراع في جامعة أوبسالا في السويد: "إن أحد أسباب تغير سياسة الحكومة الهندية تجاه فلسطين هو ظهور القومية الهندوسية في هذا البلد، بما أن وسائل الإعلام الهندية تتأثر إلى حد كبير بالحكومة القومية الهندوسية، فإنها تميل إلى تبني خطاب أكثر عدائية تجاه فلسطين".

وقال سوين: "تعتقد حكومة مودي أنه طالما استمرت الحرب في غزة، فإن اهتمام وسائل الإعلام سيتجه نحو حماس، التي يرونها فرصة لتغذية الإسلاموفوبيا في المجتمع الهندي"، وتوصلت باميلا فيليبس، الصحفية والباحثة البارزة المقيمة في دلهي، إلى نتيجة مماثلة، حيث قالت: "تعتقد الحكومة أنها يمكن أن تستفيد من تقديم حماس كممثل للإرهاب الإسلامي ودعمها لإسرائيل كجزء من قوتها السياسية المناهضة للإسلام".

القضية الاقتصادية والممر البحري الهندي

وبالإضافة إلى القضايا السياسية والعسكرية، يرتبط تعاون الهند مع الكيان الصهيوني أيضًا بالقضايا الاقتصادية، حيث تعد الهند إحدى القوى الناشئة في الشرق، والتي تحاول تحسين وضعها الاقتصادي والانضمام إلى القوى الثلاث الكبرى في العالم، وتشير المؤشرات الاقتصادية إلى أن هذه الدولة ستتولى نبض الأسواق العالمية في العقد المقبل، إلى جانب الصين، ولذلك، ولتحقيق هذا الهدف، تتطلع حكومة مودي إلى أسواق الشرق الأوسط من أجل تعزيز مكانة الهند.

وكان احتمال نشوب صراع طويل الأمد بين الكيان الصهيوني وحماس سبباً في تعطيل الاقتصاد في العديد من البلدان الأخرى، حيث إن أي مشكلة في غرب آسيا من شأنها أن تخلف تأثيراً مباشراً على إمدادات النفط وتحجب آفاق التجارة العالمية.

اضطراب في تجارة الطاقة والغذاء فبالنظر إلى أن الاقتصاد العالمي ليس في صحة جيدة وأن خطر الصراع يشكل تهديدا خطيرا، فإن الهند باعتبارها واحدة من المستوردين الرئيسيين للنفط والغاز تتأثر أيضا بالتوترات في الشرق الأوسط. وإن استمرار الصراعات في البحر الأحمر والأراضي المحتلة وتطور نطاقها سيكون له تأثير سلبي على أسعار ناقلات الطاقة وستضطر الهند إلى دفع ثمن باهظ لشراء هذه الموارد القيمة، وبالتالي، فإن التغييرات الأوسع في النهج الجيوسياسي للهند في التعامل مع الشرق الأوسط خلال فترة ولاية مودي كانت مكملة وعززت منطق علاقات الهند القائمة مع الكيان الصهيوني، وعلى وجه الخصوص، قامت الهند بتعميق علاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية مع الدول العربية، وخاصة الإمارات العربية المتحدة.

تعتبر مسألة مشاريع الاقتصاد الكلي مهمة جدًا أيضًا بالنسبة للهند، وفي سبتمبر/أيلول الماضي، قدمت الهند بالتعاون مع الولايات المتحدة ودول عربية، خطة الممر الهندي الأوروبي، الذي من المفترض أن يربط المحيط الهندي بالأراضي المحتلة ومن هناك إلى موانئ اليونان ودول أوروبية أخرى، ولم يمر حتى شهر واحد على الكشف عن هذه الخطة، حيث عطلت عملية اقتحام الأقصى السلام بين الهند وشركائها، والآن لا يوجد أفق واضح لتنفيذ هذه الخطة.

إن تحقيق مثل هذا المشروع الضخم يعتمد على السلام في المنطقة، وقد أدت الحرب بين "إسرائيل" وحماس إلى زعزعة الوضع الأمني ​​إلى حد كبير، بالإضافة إلى ذلك، أدت معارضة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لقصف غزة من قبل الجيش الصهيوني إلى تقويض الجهود المبذولة لتحسين العلاقات بين الكيان وبعض العرب، لأن الممر الهندي سيتحقق عندما يقوم نوع من التعاون بين العرب والكيان الصهيوني، وأي عداء بينهما سيقطع طريق هذا الممر البحري.

القضايا الأمنية لا تنتهي مع حرب غزة، وأظهرت موجة من الهجمات التي شنتها جماعة أنصار الله اليمنية على السفن في البحر الأحمر مدى ضعف التجارة أمام المخاوف الأمنية.

عملية أنصار الله أثرت على الهند أكثر من غيرها، وتواجه السفن التجارية لهذا البلد أزمة خطيرة من أجل الوصول إلى الأراضي المحتلة، وعليها اختيار طريق آخر غير مضيق باب المندب لتجنب التوترات، ما يكبدها خسائر فادحة، بسبب المسافة الطويلة التي ستقطعها السفن الهندية.

والهند التي استثمرت بشكل كبير في هذا المشروع، تعتبر حرب غزة عقبة كبيرة في طريقها وتحاول إنهاء هذه الحرب بأي طريقة ممكنة لمصلحة المحتلين، كما يتم بيع الطائرات دون طيار للكيان الصهيوني في هذا الاتجاه حتى يحقق الصهاينة النجاح في هذا المجال، لأن استمرار هذه الأزمة التي اكتسبت أبعاداً عالمية يشكل تحدياً خطيراً أمام تحقيق مشاريع نيودلهي.

ومن الأمور المهمة الأخرى أن الهند تعمل على تطوير علاقاتها مع تل أبيب من أجل التقرب من أمريكا، حتى تتمكن من الاستفادة من دور اللوبي الصهيوني في أمريكا لتعزيز أسس علاقاتها مع واشنطن، وبما أن الهند تنافس الصين في المجال الاقتصادي، فهي بحاجة إلى دعم الولايات المتحدة حتى تتمكن من كبح جماح هذا العملاق الناشئ بالقرب من حدودها وزيادة ثقلها الاقتصادي والعسكري ضد بكين، ولا تستطيع الهند أن تتحمل رؤية تدهور علاقاتها مع الدول العربية لأن هذا قد يساعد الصين على التقدم في منافستها مع الهند على النفوذ في الشرق الأوسط.

وبما أن الهند ليس لديها قواعد بحرية في الخارج، فإن قدرتها على إجراء عمليات طويلة الأمد في المياه خارج الحدود الإقليمية محدودة، ولهذا السبب، تبنت في السنوات الأخيرة سياسة دفاعية نشطة تعتمد على الشراكات اللوجستية مع الدول الصديقة، وعلى هذا النحو، انضمت الهند إلى الحوار الأمني ​​الرباعي (QUAD) مع الولايات المتحدة واليابان وأستراليا في عام 2017 وستشارك كعضو مشارك في القوة البحرية الإقليمية المشتركة بقيادة واشنطن في عام 2022.

إن إرسال طائرات هيرميس 900 دون طيار إلى الكيان الصهيوني قد وضع الهند في مصاف مجرمي الحرب في غزة الذين تلطخت أيديهم بدماء آلاف الفلسطينيين، ويظهر أن الإسلاموفوبيا أصبحت سمة مشتركة بين الهندوس والمتطرفين الصهاينة.
رقم : 1122878
شارک بتعلیقک
الإسم الثلاثي

البريد الإلكتروني
تعليقك

أهم الأخبار
إخترنا لکم