0
الاثنين 5 شباط 2024 ساعة 09:57

مؤشرات سيطرة حماس على غزة.. عودة قويّة

مؤشرات سيطرة حماس على غزة.. عودة قويّة
كما أن عودة الحركة للظهور في مدينة غزة تعكس إصرار "حماس" على المقاومة، على الرغم من الحرب التي شنتها "إسرائيل" منذ أربعة أشهر على القطاع، سواء جوًا أو بحرًا أو برًا، بهدف تدمير الحركة التي تسيطر على القطاع منذ عام 2007، وفي الأيام الأخيرة، قامت القوات الإسرائيلية بتجديد ضرباتها في أجزاء مختلفة من مدينة غزة، بما في ذلك المناطق التي تم فيها توزيع رواتب الموظفين المذكورة، بعد فشل الأهداف الإسرائيلية من الحرب على غزة.

حماس تعود إلى الواجهة

في الأيام الأخيرة، شهد القطاع وجودا مكثفًا لضباط الشرطة، الذين يرتدون الزي الرسمي وأيضًا ملابس مدنية، بالقرب من مقر الشرطة والمؤسسات الحكومية الأخرى، بما في ذلك مستشفى الشفاء، الأكبر في القطاع، وذكر سكان مدينة غزة، أنه تم إنشاء مكتب مؤقت لحركة "حماس"، لتوزيع 200 دولار على موظفين حكوميين، بما في ذلك ضباط الشرطة وعمال البلدية، مع عودة موظفي الخدمة المدنية إلى مكاتبهم، حيث تتزايد الأنباء عن وقوع غارات جوية إسرائيلية بالقرب من تلك المكاتب المؤقتة، وهذه العودة للشرطة تمثل جهدًا لاستعادة النظام في المدينة المنكوبة، بعد انسحاب عدد كبير من قوات الاحتلال الإسرائيلي من شمال غزة في الشهر الماضي.

وتشير المعلومات إلى أن قادة الحركة أصدروا توجيهات لإعادة فرض النظام في أجزاء من شمال القطاع، حيث انسحبت القوات الإسرائيلية، وتم تقديم المساعدة في منع نهب المتاجر والمنازل التي تركها السكان الذين انتقلوا إلى جنوب غزة استجابة لأوامر الإخلاء الإسرائيلية المتكررة، وخلال الهجوم البري، دمر الجيش الإسرائيلي العديد من المنازل والمباني، ما أدى إلى تحول العديد منها إلى أكوام من الركام والغبار، وتشير الرواتب الجزئية المدفوعة لبعض موظفي الحكومة على الأقل إلى أن "إسرائيل" لم تنجح في توجيه ضربة قاضية لحركة "حماس"، على الرغم من زعمها بأنها قضت على أكثر من 9 آلاف من مقاتلي الحركة.

وإن الطائرات الحربية الإسرائيلية قصفت المنطقة التي يقع فيها المكتب المؤقت عدة مرات في وقت سابق من هذا الأسبوع، وتأتي هذه الضربات بعد مرور شهر تقريباً على إعلان القادة العسكريين الإسرائيليين عن فك هيكل قيادة كتائب "حماس" في الشمال، لكن مقاتلي الحركة ما زالوا ينفذون هجمات بطرق تشبه "حرب العصابات"، والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة أسفرت عن تدمير مساحات واسعة من الأراضي الساحلية الصغيرة وتشريد 85% من سكانها، ما أدى إلى تعرض ربع السكان لخطر المجاعة، وجاء العديد من سكان غزة، البالغ عددهم 2،3 مليون نسمة، إلى رفح والمناطق المحيطة بها للجوء.

وقد حذر وزير الدفاع الإسرائيلي في وقت سابق من إمكانية توسيع نطاق القتال ليشمل رفح، بعد التركيز على مدينة خان يونس، أكبر مدينة في جنوب غزة، ما أثار مخاوف دولية واسعة، ومع استمرار القتال في قطاع غزة والضبابية التي يتخذها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن صفقة التبادل، والتكتم على تفاصيل الخطة الإسرائيلية لليوم التالي للحرب، توصلت تقديرات إلى أن "حركة حماس لا تزال قائمة في القطاع"، وأنه من واجب تل أبيب والمجتمع الدولي التعامل مع هذه الحقيقة.

ما من بديل عن حماس

رغم التباين في المواقف حول طبيعة هذا البقاء وتعاظم سيطرة حماس على القطاع بشكل تدريجي، إن حكومة الطوارئ الإسرائيلية فشلت في تحقيق أهداف الحرب، بما في ذلك إسقاط حكم الحركة مدنيًا وسياسيًا، وتقويض ترسانتها العسكرية، وإعادة المحتجزين الإسرائيليين، وقد فشل الجيش الإسرائيلي في تحرير حتى رهينة واحدة من خلال العمليات البرية التي نفذها، وبالنظر إلى الواقع المتوقع في اليوم التالي لانتهاء الحرب، ترجح العديد من التحليلات أن حركة "حماس" ستستخدم صفقة التبادل لإنهاء الصراع، وبالتالي، حتى في حالة تواصل هدنة إطلاق النار وعودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة، فإنه يجب أن يتم إشراك "حماس" في الحكم المدني للقطاع.

وتتفق قراءات المحللين على أن أي جهة، سواء كانت السلطة الفلسطينية أو الإدارة العسكرية الإسرائيلية، لن تكون قادرة على حكم القطاع وإدارته من دون تعاون "حماس"، أو تعويض الفراغ الإداري والمدني الناتج عن ذلك، لذا، يجب على "إسرائيل" الاعتراف بهذه الحقيقة، وإذا كانت السلطة الفلسطينية ترغب في تأسيس مكانتها في غزة، فعليها أن تشمل حكومة "حماس" في هذا العملية، وبقاء حركة "حماس" في اليوم التالي للحرب، مؤكداً على أن أي سلطة لا يمكنها ملء الفراغ في غزة بمفردها، وبالتالي يتعين عليها أن تشارك هذه الحركة في الشؤون المدنية للغزيين.

ومع عدم قدرة "إسرائيل" على إدارة القطاع بنفسها، ستضطر إلى السماح للسلطة الفلسطينية بالدخول إلى القطاع واستقبال عشرات الآلاف من موظفي القطاع العام، معظمهم من تنظيم حماس، وإن وقف إطلاق النار يشكل فرصة لتسليم زمام الأمور في غزة للسلطة الفلسطينية، حتى قبل تنفيذ الإصلاحات الضرورية، وتبدو مثل هذه الفكرة في أعين الإسرائيليين اليوم ساذجة وغير واقعية، ولكن حتى المفهوم الإسرائيلي، ووعد الحكومة بإبادة كل أثر لحماس، واضطهاد شعبها والانتقام منهم حتى النهاية، ليس واقعيا، ولا يمكن أن يتمتع بمكانة في السياسة العقلانية،  كما أن اقتراح الخطوط العريضة لإدارة غزة في اليوم التالي للحرب، يعتمد على افتراض عملي يقضي بأنه "حتى لو تم تقويض البنية التحتية العسكرية لحماس، فسيظل هناك آلاف الناشطين الملتزمين بالحركة سياسيًا وعسكريًا".

ويعتقد محللون أنه ستكون لمقاتلي حماس القدرة على شن معارك واسعة النطاق ضد الجيش الإسرائيلي، وسيظلون في كافة مناطق القطاع، وما زال من الممكن استخدام مئات الكيلومترات من الأنفاق من قبلهم، ويرجح أن حماس ستبقى قادرة على شن عمليات عسكرية وحرب منخفضة الحدة، وذلك بفضل كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر والصواريخ والمعدات التي لا تزال بحوزتها، بالإضافة إلى تلك التي ستقوم بإنتاج المزيد منها في اليوم التالي للحرب، وخاصة أن نهج نتنياهو بالهروب إلى الأمام، وعدم قبول الحكومة الإسرائيلية أي مفاوضات باليوم التالي للحرب، أو أي تسوية لإنهاء الصراع، والترديد أنه لا يوجد شريك فلسطيني، يمهد الطريق للعودة إلى سياسة تعزيز حماس ومكانتها فلسطينيا وإقليميا.

ولا شك أن الادعاء الإسرائيلي الذي يروج له نتنياهو، ويدعي من خلاله أنه لا يوجد فرق بين السلطة الفلسطينية وحماس، يمهّد الطريق للعودة إلى سياسة تعزيز حماس ومكانتها فلسطينيا وإقليميا، بسبب ما حققته الحركة بالهجوم المفاجئ على مناطق غلاف غزة، والإنجازات التي حققتها قبالة الجيش الإسرائيلي، وبدلاً من تعلم الدروس واستخلاص العبر، يعود نتنياهو إلى نفس الاستراتيجية القديمة، ويتحدث عن تدمير حماس بيد واحدة، وهو الهدف الذي لم يتحقق بالحرب، لكنه يعمل على إضعاف بديلها السياسي المتمثل بالسلطة الفلسطينية حتى في الضفة، وبالتالي تقوية حماس، بسبب ما حققته من إنجازات.

لكن بالمقابل، توظف حماس صفقة التبادل ليس فقط لإنهاء الحرب، بل أيضًا لضمان استمرار حكمها في القطاع، وللاستفادة من إنجازاتها، لتكون رافعة في استعادة النقاط التي فقدتها في الماضي بين الجمهور الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، ومن وجهة نظر المستشار السابق، يجب على "إسرائيل" دفع الثمن الرئيسي مقابل المرحلة الأولى من الصفقة، وهو المخاطرة بإنهاء الحرب دون الإطاحة بحكم حماس، مع إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين الذين سيعززون بشكل كبير قدراتها، وتحديداً في مناطق الضفة الغربية، وإن تصريحات المستوى السياسي الإسرائيلي حول التزامه بتحقيق كل أهداف الحرب مهمة، لكنها ليست كافية، وبما أن حماس تفترض أن الوضع الداخلي في "إسرائيل" سيؤثر على الدافع لاستئناف القتال، فمن الضروري التوصل مسبقا إلى اتفاق إسرائيلي واسع النطاق للعودة والقتال عند نهاية وقف إطلاق النار.

وبالتالي، حماس ستحاول تثبيت وقف إطلاق النار لمنع تجدد الحرب، في ترتيب شبه رسمي مع قطر ومصر، بالإفراج عما تبقى من المختطفين الإسرائيليين، مقابل إطلاق سراح المزيد من الأسرى، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع إلى خطوط 6 أكتوبر/تشرين الأول، والالتزام بتجنب الاجتياح البري، وضمانات دولية لبدء برنامج إعادة إعمار غزة، كما أن حماس تحتاج هذه العناصر لتأطير المشهد والصورة النهائية للحرب، بالإضافة إلى صورة الهجوم المفاجئ والضربة الافتتاحية التي وجهتها إلى "إسرائيل"، ومع هذه الإنجازات التي فرضتها على تل أبيب، ستعيد حماس مجدها عالمياً، وتدمر صورة "إسرائيل" باعتبارها لا تقهر.
رقم : 1114032
شارک بتعلیقک
الإسم الثلاثي

البريد الإلكتروني
تعليقك

أهم الأخبار
إخترنا لکم