0
الثلاثاء 30 أيار 2017 ساعة 18:01

شهر رمضان في أبعاده الثلاثة

شهر رمضان في أبعاده الثلاثة
خص الله تعالى خطابه الشريف الانسان واعطاه صفة الايمان لما لهذه الصفة من تلازم بين الحقيقة الانسانية والايمانية، لانه مركب من الروح والمادة، اي مركب من صفتين مادية (بهيمية) والصفة الروحية (الملائكية) جامع للوصفين خارج عن البهيمية المادية والروحية الملائكية، ولهذه الخصوصية كان خطاب الصوم موجه له، فقال تعالى: {يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام...}، ابانة لفضلهم واعلاء لشأنهم، واظهارا لقوة الارتباط بين الخالق والمخلوق.

وبملاحظة كون الصوم له تأثيرا فعالة في بناء الروح وتطهيرها، والابتعاد عن الحياة المادية الحيوانية وتقويمها، فان الصوم يرفع بالانسان من عالم البهيمية الى عالم الملائكة. ولذا ركز الخطاب القرآني على مفهوم الصوم كمادة حياتية فيه ابعاده التربوية، وابعاد اجتماعية، واقتصادية، وآثار صحية.

البعد التربوي:

التعلم على الصبر في مجابهة الحياة المادية الصعبة، ومقاومة جميع لذائذها في بناء روح التقوى، {لعلكم تتقون}، ولذا اقترنت هذه العبادة بمعاناة الصبر على اللذائذ المادية وخاصة في فصل الصيف، لتهيئة روح الانسان لقبول حكم الصوم، واعطائها قوة وارادة في مجابهة قوى الشر والطغيان.

ومن آثار البعد التربوي بعد التقوى، تثبيت الاخلاص:

قالت فاطمة الزهراء (عليها السلام) في الخطبة المشهورة لها: والصيام تثبيتا للاخلاص. الاحتجاج: ج١ ص١٣٤.

وقال امير المؤمنين (عليه السلام): فرض الله... الصيام ابتلاء للاخلاص الخلق. نهج البلاغة: ج١ ص١٩٧.

ومنها:

* انكسار الكبر:

قال الامام علي (عليه السلام) في الخطبة القاصعة: ولكن الله يختبر عباده بانواع الشدائد، ويتعبدهم بانواع المجاهد، ويبتليهم بضروب المكاره، اخراجا للتكبر من قلوبهم، واسكانا للتذلل في نفوسهم... ومجاهدة الصيام في الايام المفروضات، تسكينا لاطرافهم، وتخشعا لابصارهم، وتذليلا لنفوسهم، وتخفيضا لقلوبهم... المصدر السابق.

* انكسار الشهوات والهوى:

روي عن ابي الحسن انه قال: قال لقمان لابنه: يا بني صم صياما يقطع شهوتك، ولا تصم صياما يمنعك من الصلاة فان الصلاة اعظم عند الله من الصوم. بحار الانوار: ج٩٦ ص٢٩٠.

* تباعد من خطوات الشيطان:

روي عن الامام الصادق (عليه السلام) انه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه واله) لاصحابه: الا اخبركم بشيء ان انتم فعلتموه تباعد الشيطان منكم تباعد المشرق من المغرب؟ قالوا: بلى، قال: الصوم يسود وجهه... ولكل شيء زكاة وزكاة الابدان الصيام. الكافي: ج٤ ص٦٢.

البعد الاجتماعي:

التعلم على كيفية التعامل بين افراد المجتمع ومداراتهم وزرع روح الثقة فيما بينهم. ليستوي به الغني والفقير، وذلك لان الغني لم يكن ليجد مس الجوع فيرحم الفقير، وبما ان الغني اذا اراد شيئا قدر عليه، فاراد الله سبحانه وتعالى ان يسوي بين خلقه، وان يذيق الغني مس الجوع والالم، ليرق على الضعيف ويرحم الجائع.

ولو عمل بهذه الفريضة في جميع انحاء العالم، وطبقت على نحو ما اراده الله تعالى لعباده لم يبق انسانا جائعا على وجه المعمورة.

البعد الاقتصادي:

التعلم على كيفية تقنين الحالة الاقتصادية وعدم الاسراف في جميع متطلبات الحياة، وهذا ينتج عنه التوازن الاقتصادي، ويمنع من تحقيق الطبقة البرجوازية: وهي عبارة عن طبقة من طبقات المجتمع الاجتماعية، تشمل اصحاب رؤوس الاموال والتجار، تتميز بالسيطرة الكاملة على الاسواق ورأس المال.

فالصوم يعطي درسا في المساواة بين افراد المجتمع، الموسرون يحسون بما يعانيه الفقراء المعسرون، وعن طريق الاقتصاد في استهلاك المواد الغذائية يستطيعون ان يهبوا لمساعدة الفقراء، فتكتمل الحياة بابعادها الثلاثة، ويتوحد الصف الانساني على كلمة واحدة: حب لغيرك كما تحب لنفسك.

الآثار الصحية:

لقد توصل العلم الحديث والقديم الى معالجة بعض الامراض بطريقة الصوم، لان العامل في كثير من الامراض الباطنية والمعوية يرجع الى الاسراف في تناول الاطعمة المختلفة، والزيادة فيها مما يؤدي الى تراكم تلك المواد الزائدة في جسم الانسان فتتحول الى مواد دهنية وسكرية في الدم، فالصوم والامساك افضل طريقة لمكافحة تلك الامراض والقضاء عليها، يقول عالم الروسي: الصوم سبيل ناجح في علاج امراض فقر الدم وضعف الامعاء، والالتهابات البسيطة والمزمنة... الصوم طريقة حديثة لعلاج الامراض: ص٦٥.

وغيرها الكثير يمكن معالجهاتها عن طريق الامساك عن بعض المواد الغذائية، وقد اشار الى ذلك من قبل رسول الله (صلى الله عليه واله) بقوله: صموا تصحوا. وقال: المعدة بيت كل داء، والحمية رأس كل دواء. بحار الانوار: ج٩٣ و ج٥٩ ص٢٥٥و ص٢٦٠.

انواع الصيام:

١- صيام القلب عن الفكر في الاثام، وهذا افضل من صيام البطن عن الطعام.

٢- صوم الجسد، وهو الامساك عن التغذية بارادة واختيار، دفعا من العقاب والرغبة في الثواب.

٣- صوم النفس، وهو امساك الحواس عن سائر المآثم، وخلو القلب من جميع اسباب الشر.

٤- صوم القلب، وهذا افضل من صيام اللسان.

٥- صوم اللسان، وهذا افضل من صيام البطن.

فضل شهر رمضان في الروايات:

فقد ورد في كثير من الاخبار عن فضل صوم شهر رمضان نذكر البعض منها، تيمنا بذلك ومعرفة لقيمة شهر رمضان، التي منها:

١- لو يعلم العبد ما في شهر رمضان لود ان يكون شهر رمضان تمام السنة.

٢- اذا دخل شهر رمضان اغلقت ابواب النار، وفتحت ابواب الجنان وصفدت الشياطين.

٣- من ادرك شهر رمضان فلم يغفر له فابعده الله.

٤- ان الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم.

٥- انما سمي رمضان لانه يرمض الذنوب.

٦- هو شهر اوله رحمة، واوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار.

فالصوم حينئذ جنة من آفات الدنيا، وحجاب من عذاب الاخرة، وصفاء للقلب، وطهارة للجوارح، وعمارة الظاهر والباطن، والشكر على النعم، والاحسان الى الفقراء، وزيادة في التضرع والخشوع، والالتجاء الى الله، وتضعيف للحسنات، وتخفيف للسيئات.
والحمد لله رب العالمين.
رقم : 641888
شارک بتعلیقک
الإسم الثلاثي

البريد الإلكتروني
تعليقك

أهم الأخبار
إخترنا لکم