0
الجمعة 27 أيار 2022 ساعة 07:09

إحياء العلاقات بين تركية والكيان الصهيوني.. ما هي الأسباب والدلالات لذلك؟

إحياء العلاقات بين تركية والكيان الصهيوني.. ما هي الأسباب والدلالات لذلك؟
 وفي نفس السياق وفي التامل في العلاقات التركية مع الكيان الصهيوني نجد أنه على الرغم من معارضة تركيا لتقسيم فلسطين عام 1947 إلا أنها أقامت علاقات رسمية مع الكيان الصهيوني، فالعلاقات بينهما تأسست في مارس 1949 وبهذا أصبحت تركيا تعترف بالكيان الصهيوني كدولة، ومنذ ذلك الوقت أصبح الكيان الصهيوني هو المورد الرئيسي للسلاح لتركيا. وحققت تركيا مع الكيان الصهيوني تعاوناً مهماً في المجالات العسكرية، الدبلوماسية، الاستراتيجية.

خلال السنوات الاخيرة وكما هو ظاهراً، فإن العلاقات بين تركيا والكيان الصهيوني شهدت الكثير من التوترات، بعد التصريحات التي أدلى بها رجب طيب إردوغان الهجوم على غزة 2009. وفي سبتمبر 2011 أعلنت تركيا طرد "السفير الإسرائيلي" بعد رفض الكيان الصهيوني الاعتذار عن قتل تسعة أتراك في هجومها على أسطول الحرية في 2010. وفي أثناء زيارة رجب طيب إردوغان إلى مصر في 12 سبتمبر 2011 قال "إسرائيل" تضيع حليفها الاستراتيجي (تركيا) في المنطقة، بسبب اعتداءاتها على إحدى سفن اسطول الحرية الذي كان ينقل المساعدات إلى قطاع غزة دون سند قانوني، وانتقد قيام رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بتكريم قواته التي قامت بالاعتداء على السفينة مرمرة، دون اكتراث بالمدة الزمنية التي حددتها تركيا لقيام الكيان الصهيوني بتقديم الاعتذار ودفع التعويضات لأسر الضحايا ورفع الحصار عن غزة..

زيارة وزير الخارجية التركي إلى تل أبيب هل تحمل مزيداً من التطبيع؟

بعد وصول وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، إلى تل أبيب علقت الصحف العبرية ، واصفة زيارة مولود تشاووش أوغلو بـ«التاريخية»، حيث إنها «تمهد لفتح صفحة جديدة عقب فك ارتباط دبلوماسي استمر لنحو 15 عاماً. واستعرضت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية الناطقة بالعبرية، جانبًا من تفاصيل زيارة أوغلو إلى تل أبيب واشارت الصحيفة إلى أن رئيس الخارجية التركي، مولود تشاووش أووغلو، زار متحف ياد فاشيم لـ«تاريخ المحرقة اليهودية» صباح يوم الأربعاء، وحضر «حفل تأبين ليهود المحرقة» أقيم في خيمة تذكارية ووضع بها إكليلاً من الزهور.

من جهةٍ اخرى اختلف عنوان صحيفة «هآرتس»، حول الزيارة ذاتها، إذ شككت في «نوايا تركيا معتبرة أن إسرائيل وتركيا معنيتان في هذه الزيارة فقط بالتنسيق لتوجيه الضربات إلى الأراضي السورية".ونقلت هآرتس كلمة، وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لابيد الافتتاحية التي قال فيها: «لن نتظاهر بأن علاقتنا لم تمر بالعديد من التقلبات، لكننا على الأقل تمكننا من استئنافها مرة أخرى؛ لفتح صفحة جديدة» خلال الزيارة القصيرة للكيان الصهيوني التقى وزير الخارجية التركي ايضاً الرئيس الفلسطيني محمود عباس ووزير الخارجية رياض المالكي، في رام الله.

تناقض تركي واضح تجاه القضية الفلسطينية

المتابع للشأن التركي يلاحظ جيدأ التناقض التركي تجاه القضية الفلسطينية ففي الوقت الذي يرتكب الكيان الصهيوني أبشع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني، وفي الوقت الذي يمارس كيان الاحتلال انتهاكات جسيمة للمقدسات في فلسطين يندفع الرئيس التركي بحماسة نحو إعادة تفعيل العلاقات مع الكيان الصهيوني، وينسى أردوغان الأزمات والتصريحات التي يطلقها، حيث سبق وأن دان الرئيس التركي بأشد العبارات جميع عمليات الحصار والهجمات الإسرائيلية على غزة، وهذا يطرح العديد من التساؤلات كيف يمكن أن تكون تركيا داعمة للقضية الفلسطينية وفي نفس الوقت تطبع وتقوي العلاقات من الكيان الصهيوني وتقيم علاقات رسمية مع الكيان الغاصب لحقوق الفلسطنيين ؟ هل يريد أردوغان من الفلسطينيين أن يصدّقوا أن هذا التطبيع مع الكيان الغاصب لن يكون على حسابهم؟ في الواقع يرى مراقبون فلسطينيون أن مبررات تركيا للتطبيع مع إسرائيل جاهزة، في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة، وأشار المراقبون إلى أن أردوغان لن يجد انتقادات ولا حملات، من السلطة الفلسطينية فعباس لن يُغضب تركيا لعلاقته المباشرة بها وكذلك لكي لا يستعدي عليه قطر التي سبق أن لجأ إليها لنجدة سلطته التي تعاني من أزمة مالية خانقة. كما أنه بات يراهن على محور تركيا.

 وهنا يبدو أن أردوغان يتيح لنفسه ما يرفضه للآخرين فيما يتعلق بالموضوع الفلسطيني، وهذا تناقض واضح تجاه القضية الفلسطينية فأنقرة التي تدعي أنها مع القضية الفلسطينية لديها علاقات قديمة مع الكيان الصهيوني، ويبدو أنها تبيع للفلسطينيين بعض الشعارات والمواقف العامة الهادفة إلى تحسين صورتها في العالم الإسلامي فهي لم توقف تعاونها مع تل أبيب عسكريا واستخباريا واقتصاديا، وهي تبحث عن مكاسب أوسع في الوقت الراهن في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها.

رودو فعل تجاه الزيارة التركية إلى الكيان الصهيوني

التناقض والتقلبات في المواقف التركية الواضحة لقيت رود فعل في الأوساط العربية والإسلامية وحتى داخل الكيان الصهيوني، فقد انقسمت المواقف في داخل الكيان الصهيوني حيال دوافع أردوغان وتساءلت هل التغيير استراتيجي دائم أم تكتيكي عابر؟ وكانت أوساط سياسية وأمنية إسرائيلية قد رحبّت بتطبيع العلاقات مجددا مع تركيا بسبب المصالح المشتركة وخاصة في المجال الاقتصادي، حيث يبلغ حجم التبادل التجاري بينهما نحو عشرة مليارات دولار ويميل لمصلحة تركيا. كما أعربت هذه الأوساط عن أمنيتها بأن يؤدي التقارب مع تركيا إلى طرد قيادات حركة المقاومة الإسلامية (حماس) من الأراضي التركية.في المقابل شككّت أوساط "إسرائيلية " أخرى بنوايا أردوغان واعتبرت أن تغيير موقفه من "إسرائيل " جاء لاعتبارات تكتيكية فقط وقد داعت لاستعادة علاقات التعاون مع أنقرة بحذر وخطوة خطوة.

هل تسهم الزيارة التركية للكيان الصهيوني بتخفيف وطأة الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تركيا ؟

 لا يخفى على أحد أن تركيا اهتمت بالتقارب مع الكيان الصهيوني في الشهور الأخيرة نتيجة جملة اعتبارات وحسابات منها رغبة أردوغان بتخفيف وطأة الأزمة الاقتصادية عشية انتخابات أمريكية قريبة وعين المسؤولين الأتراك على السائحين الإسرائيليين واجتذاب المزيد منهم، علاوة على تعاون محتمل لتزويد أوروبا بغاز إسرائيلي عبر الأراضي التركية وخاصة بعد الحرب في أوكرانيا والرغبة الأوروبية بالتحررّ من الاحتكار الروسي للغاز. إضافة إلى ذلك فإن تركيا ترغب بالحفاظ على مصالح لها في شمال سوريا وغيرها من المصالح. وفي السياق نفسه كانت رغبة تركيا في الحصول على الغاز الطبيعي الإسرائيلي واضحة في التصريحات الصادرة عن أنقرة حتى قبل غزو أوكرانيا من قبل روسيا . وهي دولة تعتمد عليها تركيا وأوروبا بشكل كبير في مجال الطاقة.قال أردوغان في شباط / فبراير: "يمكننا استخدام الغاز الطبيعي الإسرائيلي في بلادنا . وبخلاف استخدامه ، يمكننا أيضًا الانخراط في جهد مشترك لنقله إلى أوروبا". في بيان آخر في مارس ، قال “إن أحد أهم الخطوات التي يمكن أن نتخذها معًا للعلاقات الثنائية. على ما أعتقد ، سيكون الغاز الطبيعي” .  من جهةً اخرى لا تريد تركيا أن تنحاز الدول من حولها إلى اليونان وقبرص بسبب خلافاتهم أو إحباطاتهم مع تركيا.

في الختام يمكن القول إن الأسباب التي تدفع تركيا للتقارب مع الكيان الصهيوني تتضارب، ولكن من الواضح أن تركيا تتطلع إلى مآرب مختلفة لمصلحتها فقط بعيداً عن الشعارات التي تدعيها، ومن الواضح أن علاقات تركيا مع أوروبا ودول الشرق الأوسط قد تراجعت وساءت في السنوات الأخيرة. وبناء على ذلك تحاول تركيا الآن الخروج من عزلتها. وفي ظل الهرولة للحكومة التركية للتطبيع مع الكيان الصهيوني من المتواقع أن يكون هناك رأي مخالف للشعب التركي الذي ما زال بغالبيته الساحقة مناصراً للقضية الفلسطينية، ورافضا لسياسات التهويد والاحتلال والحصار والاستيطان الإسرائيلية. فالشعب التركي لن يسكت، ولن يستطيع أردوغان عندها تجاهل غضب الشارع ومهما حاول الموالون لأردوغان، وصف ما يحدث على محور العلاقة بين تركيا والكيان الصهيوني بأنه ليس تطبيعاً فلن ينجحوا.
رقم : 996312
شارک بتعلیقک
الإسم الثلاثي

البريد الإلكتروني
تعليقك

أهم الأخبار
إخترنا لکم